[align=center]باسمه سبحانه
وإن من شئ إلا يسبح بحمده[/align]
[align=justify]" دعيت منذ مدة فى مجلس ؛ لتقديم نبذة تعريفية بالمعلم الشهيد " على شريعتى " – وكنت فى حيرة بأى وجه يمكن أن أقدمه دون أن يسئ التعريف لشخصه ، أو يـبتر حقيقة على شريعتى – وخشيت إن قدمته من خلال مؤلف بعينه – يطاله ظلم وتعسف التصنيف – خصوصاً وأن الشهيد المعلم لم يكن يعطى للنص مسار واحد – فلا يمكن أن أصنفه بالدينى أو باليسارى أو ماشابه من هذه المصنفات - ورغم أن الخطاب نفسه يحتاج إلى فك مرموزيته - إلا أنى اكتفى هنا بعرضه - كشكلى تثقيفى وتعليمى - وبعد ذلك نآتى إلى فكه وشرحه . "
[/align]
[align=justify]
والشكر والتقدير موصول للأستاذة راقية الحرف " تارا مهينى " الباحثة بجامعة آزاد بلبنان - على توجيهها لهذا النص – فقد أصاب النص ما أردناه ، لكونه تناول فاعلية وديناميكية حرف شريعتى فى العقول وفى النفوس – وكأنه يقدم شريعتى من النتائج ونستفهم منها المقدمات – ودون أن نضع المعلم الشهيد فى سجن التصنيف .
وبالغ الشكر والتقدير مرة أخرى لسيدتى " تارا " على نقاشاتها وحواراتها الجادة والمثمرة حول حقيقة المرأة ، وفاعلية نصابها فى حركة ومسيرة الحياة – كما أظهرها على شريعتى .[/align]
[align=center]خطاب الدكتور مصطفى شمران (*) أثناء دفن المجاهد الشهيد على شريعتى[/align]
[align=justify]ياعلى !
ظننت دائماً أنك سوف ترثيني على موتى ، وكم أنا متأثر أنى من أرثيك الآن!
ياعلى !
جئت لأنوح على حالنا المحزن ، فأنت أسمى ؛ أن تكون فى حاجة إلى بكائنا وتوسلنا.
ياعلى !
حينما عرفـتك ، وفتحت صحراءك ، واطلعت على اعماق روحك وقلبك ، وفيه ادركت شعورك الدفين – فقبله كنت أرى نفسي وحيدا ـ حتى أنى كنت اخجل من مشاعرى وافكارى .
وأحيانا على غير سجيتى كنت اخجل ، لكن حينما تعرفت عليك ابتعدت كل البعد عن الوحدة ، وصرت معك جليسا ومسرا.
ياعلى !
أنت عرفتنى بنفسي ، فكنت غريبا عنها ، فلم اكن ادرك كل جوانب جوهرى وروحى ، فأنت فتحت نافذة تجاهى ، وحملتنى على رؤية هذا البوستان المدهش ، وأظهرت لى قبائحه ومحاسنه.
ياعلى !
ربما تعجب لو اخبرتك : أن خلال الاسبوع الماض ، قد ذهبت لساحة معركة " بنت جبيل " ، وقضيت عدة أيام بمعاقل تل مسعود الأمامية ؛ بين مقاتلى حركة امل ، وحملت معى كتابا واحد ؛ كان كتابك ( الصحراء ) ، صحراء غنية بعالم الفكر والفيض ، صحراء رفعتنى الى السموات ، وواصلتنى بالازل والابد ، صحراء سمعت فيها نداء العدم ؛ فارتحت من وطأة وزخم الوجود ، فحلقت الى ملكوت السموات ، ووصلت لدرجة الوحدة والاتحاد فى عالم الوحدة.
صحراء أذابت جوهر وجودى ووضعتنى عاريا امام شمس الحقيقة المحرقة
، وحرقت جميع الاكاذيب والزيف دخانا ، وعرضتنى فى مدبح العشق ، قرباناً لرب الكون .
ياعلى !
أذهب برفقتك للصحراء ، صحراء الوحدة ، تحت نار العشق المحرقة ، فى اعصار التاريخ الرهيب ، فأمواج الظلم والعسف فى بحر الحرمان والعذاب الـ غير منتهى تعصف بــهيكل سفينة حياتنا ووجودنا المتهدم .
ياعلى !
اذهب برفقتك للحج ، فافنى بين النشوة والشوق ، ويرتعد جسدى امام العظمة والجلال.
وأرى الله من نافذة عينك ، واحلق برفقة روحك العالية ؛ لأصل الى درجة الوحدة مع الله .
ياعلى !
انزل برفقتك الى قلب التاريخ ، فاتعلم طريقة ورسم العشق ، وأتمرس قدراً من العشق عند على العظيم ، حتى احترق من الرأس لأخمص القدم .
ياعلى !
اذهب برفقتك لرؤية حجرة فاطمة الصغيرة ، حجرة بالرغم من كل صغرها وبساطتها هى اعظم من الدنيا وكل التاريخ .
حجرة لها باب بمسجد النبى ، والنبى الاعظم قد باركها بنبوته ، حجرة صغيرة حوت فيها بمكان واحد : على وفاطمة وزينب وحسين .
حجرة صغيرة هى مظهر للعشق والفداء والايمان والاستقامة والشهادة .
حقا كم مثير للقلب ، انك اشرت هناك لفاطمة الصغيرة ، فهى تلاطف وجه ابيها العظيم الملطخ بالتراب بأيديها الصغيرة جداً ، فيحتضنها ويعليها.
ياعلى !
انت عرفتنى بابي ذر الغفارى ، واشرت الى مواجهات له بلارحمة ولاهوادة ضد الظلم والعسف ، فاظهرت شجاعته وصراحته وتقواه وايمانه ، وكم جميل انك صورت هذا الرجل العجوز حديدى الارادة .
فحينما اخذ بيده قطعة عظم وفركها على رأس ابن كعب ، وقطر الدم بالطريق ، فأننى اسمع صرخة صياح ابى ذر من حلقومك ، وأرى غضبه فى برق عيونك ، وأدرك صحراء " الربذة " المحترقة فى حرقتك واشتعالك ، فابو ذر بطل ملقى على رمال الحارة ، ويرحـل ويموت فى وحدة وفقر.
ياعلى !
انهض بصيحة غضبك الى حرب الاستعمار والاستبداد والاستحمار ، وافتح برفقتك التاريخ والعـن الفراعنة والقارونية والبلاعمة.
ياعلى !
انهض برفقتك فى طريق الله العظيم ؛ للجهاد والمجاهدة ، واتجهز باسلحة الشهادة.
ياعلى !
انت فى الدنيا المعاصرة ، دخلت فى حرب مع الشياطين والطواغيت ، وعارضت الذهب والزور والتزوير ، وصرت فى مواجهة مع ادعياء الدين ، وفى عداء المتغربين و تزوير التاريخ و خدعة العلم و سحر الفن .
فكل أولائك حاربوا ضدك ، لكنك بمعجزة الحق والايمان بالله وبتحمل وصبر البحر، وبثبات الجبل وبنصر الشهادة نهضت لمبارزة ارباب الذهب والظلم والتحريف ؛ فهزمت الجميع.
ياعلى !
متدينى التعصب والجهل ، طحنوك وحاربوك بحربة التفكير ، ولم يترفعوا أو يتهاونوا عن اية عداوة وإتهام ، المتغربون ايضا الذين سموا انفسهم بالباطل مفكرين ؛ اهانوك واتهموك بالرجعية .
ونظام الشاه أيضا لم يستطع تحمل وجودك ؛ رأى تنويرك ضد مصالحه ؛ فقيدك بالسلاسل وفى نهاية الأمر استشهدت.
- أحد الماركسيين المتشبهين بالثورية – قال فى جمع من اصدقاءه باوروبا : " إن الدكتورعلى شريعتى قد اخـر ثورة ايران الشيوعية 70 عام " وانا اقول أن الدكتور على شريعتى قدم مسيرة النضال التكاملية فى طريق الحق والعدالة 70 عام للامام .
ياعلى !
انت اصبت مجتمع ايران بهزة ، فاظهرت للناس التشيع الحقيقى ، و اذقت لذة الشهادة لشيعة الحسين ، وحطمت صنم الجمود والتعصب والصمت ؛ فانت " بمثابة " تغيــــرعميق وواسع ظهر فى عصره ، فانت عزلت رب الذهب والظلم " عن عرشه " ، ودفعت الناس للمواجهة ضد هؤلاء.
انت مزقت قيود الاسـر الملتفة بالجهل والخداع والتحريف على يد وقدم الثورة الحسينية.
انت صرت صيحة ؛ صعدت باسم الاحتجاج من صدور المحرومين المتآوهين والمعذبين.
فدويت واعليت نداء وصيحة الحق والعدالة فى السماء والأرض.
ياعلى !
انت اظهرت مفهوم الاسلام الحقيقى فى معركة الحياة ، واثبت أفضليته بلاجدال فيه على المدارس الفكرية الاخرى . فانت عرفت بـاصالة الاسلام الثورية من تحت احجبة الجهل والالتزام الدينى ، وعرفت بالمسؤولية الاجتماعية.
وبينت معجزة الشهادة ، وحررت الانسان من تحت عبء اسر الجبر ، ومذلة الاستسلام .
انت حملت راية الرسالة العظمى على العاتق ، رسالة الانسانية ، الحق والعدالة ، الصراع مع الظلم والقهر ، الاسلام الحقيقى والتشيع الحسينى ، وآلاف المؤمنين الملتزمين والمسئولين التفوا حول رايتك.
وتصدوا لحرب بلاهوادة ، بعضهم انتشى شراب الشهادة ، واالبعض الاخر فى انتظار الشهادة يفتدون ويضحون .
ياعلى !
فى سجن ايران الكبير ، ليس هناك امكانية التنفس للاحرار ، وانت فتحت طاقة من الروح والايمان صوب عالم النجاة والحرية ؛ حتى يهرب الانسان من سجن المادة لقوة الروح ، وبيد الصراخ يمزق الحجاب المضطرب . ويحترق بنار العشق المحرقة جميع الكادحين والمحبطين والمهضومين والمحرومين والمفجوعين. وبحربة الشهادة تتمزق جميع قيود الاسر والمذلة الى الابد.
ياعلى !
فى تاريخ ايران المعاصر ؛ انت جمعت مصدق العظيم مع الخمينى رفيع المقام ، ومزجت بصيرة السياسي بروح العابد ، جهزت ثقافة تاريخنا القومى الثرى بعلم جديد وباساليب حديثة ، وبرأت الله سبحانه من الفلسفة الجافة ، واحضرته من السموات العالية والباردة الى القلب الدافئ والملئ بالحمى والتوهج. واخرجت الدين من عزلة المسجد. واستعملته فى ساحة الحياة لخدمة الناس . وابدا لم تضحى بمصلحة الحقيقة.
ياعلى !
يا مبعوث الحزن ، يابحر الالم ، لتتنزل رحمة الله الواسعة عليك سلاما.
فاننى اعتقد ان مقياس شخصية البشر بمقياس حزنهم وآلمهم ، واحسب ان الله العظيم يرحم عباده المخلصين والمتقين ، ويكافئهم بدلاً عن بحر الحزن وجبل الغم .
ياعلى !
اننى : انطحنت تحت جبل من الغم ، وغرقت فى بحر من الحزن ، وصبرى وصل الى النهاية ؛ لكنك اوصلت حزنى والمى بحزن والم علي الأكبر ، وهكذا اتصلت بما لايطاق ولا يتحمل ، فشعرت بالراحة والسكينة.
ياعلى !
اننى : احببت على الاكبر حبا فاق كل حد ، وحتى لو كان يجوزعشق غير ذات الله ، لكنت عشقته ، ولكن هذه المحبة كانت صامتة وخفية ، و نشأت من نسيج وذر وجودى ، ولكن لم اكن اعرف دليل نفسه ، لكنك عرفتنى بعلى ؛ فلم تطلعنى فقط بسيفه ذوالفقار وكلامه الحارق ؛ بل اطلعتنى بعشقه المشتعل ، وباحزانه والامه ووحدته وصبره.....
-------------------------------------------------------
اننى تلذذت بالامس من " قوة " بتر سيف على ، وكنت ادرك عظمته فى قدرته وكلامه ؛ لكن اليوم أشاهد عظمته فى عشقه وايمانه ، وفى عرفانه ووحدته ، وفى جبال حزنه وغمه ، وفى بحار آلامه . حينما قلبه المتألم يغلى ويفور ، و يبكى غزير الدمع.
فأنا اقرب للشعور بحاله اكثر من اى قياس . فمهما يتهمونه اكثر ، ومهما يسبون على اكثر ، ومهما يعذبون شيعته اشد واكثر ، فمحبتى واحترامى لعلى اشد واحر واعمق .
ياعلى !
انت عرفتنا بالحسين ، وعلمتنا رمز الشهادة ، و بينت ان من ادم حتى الحسين ، دائما كان الانسان يهدى رب الكون افضل نتاج عالم الخلق ؛ بعادة الفداء والقربان.
واثبت واظهرت ان الحسين وارث جميع البشرية السابقة ، ومظهر جميع تضحيات التاريخ ، وانه نتيجة مسيرة تكامل جميع البشرية ، و اجمل وافضل واهم هدية قدمها الانسان لرب الكون .
وسعدت ان رداء مصيره قد حيك رداءً بالحزن والالم ، وقد اشبع بالدمع والدم ، ولمصيبة وفاجعة الزمان التى أصابت شيعة لبنان المظلومين والمهضومين – افترش على بساط الوجود - ثم اجمع فيه عذابات وآلام معذبى التاريخ ،وفى نفس الحين احضر على شريعتى للشفاعة ؛ لتنفتح طاقة بحجرة فاطمة الصغيرة ، فيتمزج هذا الوادى " لبنان الجريح أثناء الحرب مع اسرائيل " الملطخ بالدماء والدمع ؛ بالرسالة المحمدية ، ويمتزج بعشق وفداء والم وحزن ووحدة على ، ويمتزج شهادة الحسين. ، وببركة هذه الحجرة الصغيرة ؛ التى هى اعظم من كل التاريخ وكل العالم ؛ يقبل الله العظيم أضاحينا ، ولايضيع هباءً فدائينا فى تحقيق العدل والعدالة.، ونصمد فى هذا الطريق الحسينى ؛ ويظهر حزننا والامنا ودموعنا وحرماننا ووحدتنا ودماءنا ؛ متاع لطريقنا الصعب والخطر فى مسيرة ارتقاء الانسان نحو الله تعالى .
وانت ياربنا العظيم ، منحتنا على حتى يعلمنا طريق وطريقة العشق والفداء ، كشمعة تحترق لتنير طريقنا ، وهانحن ، نقدمه لك ؛ باسم افضل واثمن هدايانا ، ليستريح فى ملكوتك الاعلى ، وتبدأ حياته الخالدة .
ياعلى !
قد وجدت حياة الخلود ، ونحن كنا نتحرك امواتا ، حتى نجد الحياة من فيض وجودك.
فبحق الحزن ؛ الذى ردحا من الزمان سيلاطم موج بحر الحزن فيه على قلبى ؛ انت ياعلى حى وخالد فى قلبى .
وبحق العشق الذى كثيرا ما سيحرق ويفجر ويفور قلبى المشتعل ، انت ياعلى تحيا فى قلبى ، وتجرى وله وجذبة العشق السماوى فى شرايين وجودى ، وتحيي حياتى من العشق والفداء .
وبحق الوحدة التى هى نتاج العظمة والعشق والتفرد ، ومولود اللطافة والاخلاص والعرفان - فطالما الله واحد ، فانت ياعلى موجود فى وحدتنا.
وبحق الجمال ، طالما يوجد الاحساس واللطف والذوق لعشق الجمال - الذى هو تجلى الله الاعلى ، انت ياعلى لديك حضور فى جمال النجوم ، وعظمة السماء ، وخفقان الاوراق ، وتسبيح الصخور، وايات الغروب العجيبة ، وعظمة وهيبة الشروق .
وبحق آنين المتألمين وآهات الفقراء ، ودمع اليتماء ، فطالما للاستعمار والاستبداد والاستغلال وجود. ، فانت ياعلى حى فى غضبة وصيحة المسلوبين والمحرومين.
وبحق العدل والعدالة ، فانت تزأر وتثور فى صراخ المظلومين ضد الظالمين ؛ طالما الظلم والقهر يثقل على عاتق البشرية.
وبحق الشهادة ، طالما الشهداء يضحون ، ويقدمون حياتهم ووجودهم فداء فى مذبح العشق ، انت ياعلى شاهد وشهيد على شهادتهم الزكية.[/align]
(*) ولد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم - أثناء دراسته بالجامعة عمل على تقويض الجبهة الماركسية المتمثلة فى حزب تودة - شارك فى الثورة والنضال ضد حكم الشاه - شارك فى حركة المحرومين بلبنان وناضل معهم ضد الجبهة الاسرائيلية - كان فلسفته تقوم على أن الإسلام يعطى لمؤمنيه الجهاد والحراك نحو التغيير .
وإن من شئ إلا يسبح بحمده[/align]
[align=justify]" دعيت منذ مدة فى مجلس ؛ لتقديم نبذة تعريفية بالمعلم الشهيد " على شريعتى " – وكنت فى حيرة بأى وجه يمكن أن أقدمه دون أن يسئ التعريف لشخصه ، أو يـبتر حقيقة على شريعتى – وخشيت إن قدمته من خلال مؤلف بعينه – يطاله ظلم وتعسف التصنيف – خصوصاً وأن الشهيد المعلم لم يكن يعطى للنص مسار واحد – فلا يمكن أن أصنفه بالدينى أو باليسارى أو ماشابه من هذه المصنفات - ورغم أن الخطاب نفسه يحتاج إلى فك مرموزيته - إلا أنى اكتفى هنا بعرضه - كشكلى تثقيفى وتعليمى - وبعد ذلك نآتى إلى فكه وشرحه . "
[/align]
[align=justify]
والشكر والتقدير موصول للأستاذة راقية الحرف " تارا مهينى " الباحثة بجامعة آزاد بلبنان - على توجيهها لهذا النص – فقد أصاب النص ما أردناه ، لكونه تناول فاعلية وديناميكية حرف شريعتى فى العقول وفى النفوس – وكأنه يقدم شريعتى من النتائج ونستفهم منها المقدمات – ودون أن نضع المعلم الشهيد فى سجن التصنيف .
وبالغ الشكر والتقدير مرة أخرى لسيدتى " تارا " على نقاشاتها وحواراتها الجادة والمثمرة حول حقيقة المرأة ، وفاعلية نصابها فى حركة ومسيرة الحياة – كما أظهرها على شريعتى .[/align]
[align=center]خطاب الدكتور مصطفى شمران (*) أثناء دفن المجاهد الشهيد على شريعتى[/align]
[align=justify]ياعلى !
ظننت دائماً أنك سوف ترثيني على موتى ، وكم أنا متأثر أنى من أرثيك الآن!
ياعلى !
جئت لأنوح على حالنا المحزن ، فأنت أسمى ؛ أن تكون فى حاجة إلى بكائنا وتوسلنا.
ياعلى !
حينما عرفـتك ، وفتحت صحراءك ، واطلعت على اعماق روحك وقلبك ، وفيه ادركت شعورك الدفين – فقبله كنت أرى نفسي وحيدا ـ حتى أنى كنت اخجل من مشاعرى وافكارى .
وأحيانا على غير سجيتى كنت اخجل ، لكن حينما تعرفت عليك ابتعدت كل البعد عن الوحدة ، وصرت معك جليسا ومسرا.
ياعلى !
أنت عرفتنى بنفسي ، فكنت غريبا عنها ، فلم اكن ادرك كل جوانب جوهرى وروحى ، فأنت فتحت نافذة تجاهى ، وحملتنى على رؤية هذا البوستان المدهش ، وأظهرت لى قبائحه ومحاسنه.
ياعلى !
ربما تعجب لو اخبرتك : أن خلال الاسبوع الماض ، قد ذهبت لساحة معركة " بنت جبيل " ، وقضيت عدة أيام بمعاقل تل مسعود الأمامية ؛ بين مقاتلى حركة امل ، وحملت معى كتابا واحد ؛ كان كتابك ( الصحراء ) ، صحراء غنية بعالم الفكر والفيض ، صحراء رفعتنى الى السموات ، وواصلتنى بالازل والابد ، صحراء سمعت فيها نداء العدم ؛ فارتحت من وطأة وزخم الوجود ، فحلقت الى ملكوت السموات ، ووصلت لدرجة الوحدة والاتحاد فى عالم الوحدة.
صحراء أذابت جوهر وجودى ووضعتنى عاريا امام شمس الحقيقة المحرقة
، وحرقت جميع الاكاذيب والزيف دخانا ، وعرضتنى فى مدبح العشق ، قرباناً لرب الكون .
ياعلى !
أذهب برفقتك للصحراء ، صحراء الوحدة ، تحت نار العشق المحرقة ، فى اعصار التاريخ الرهيب ، فأمواج الظلم والعسف فى بحر الحرمان والعذاب الـ غير منتهى تعصف بــهيكل سفينة حياتنا ووجودنا المتهدم .
ياعلى !
اذهب برفقتك للحج ، فافنى بين النشوة والشوق ، ويرتعد جسدى امام العظمة والجلال.
وأرى الله من نافذة عينك ، واحلق برفقة روحك العالية ؛ لأصل الى درجة الوحدة مع الله .
ياعلى !
انزل برفقتك الى قلب التاريخ ، فاتعلم طريقة ورسم العشق ، وأتمرس قدراً من العشق عند على العظيم ، حتى احترق من الرأس لأخمص القدم .
ياعلى !
اذهب برفقتك لرؤية حجرة فاطمة الصغيرة ، حجرة بالرغم من كل صغرها وبساطتها هى اعظم من الدنيا وكل التاريخ .
حجرة لها باب بمسجد النبى ، والنبى الاعظم قد باركها بنبوته ، حجرة صغيرة حوت فيها بمكان واحد : على وفاطمة وزينب وحسين .
حجرة صغيرة هى مظهر للعشق والفداء والايمان والاستقامة والشهادة .
حقا كم مثير للقلب ، انك اشرت هناك لفاطمة الصغيرة ، فهى تلاطف وجه ابيها العظيم الملطخ بالتراب بأيديها الصغيرة جداً ، فيحتضنها ويعليها.
ياعلى !
انت عرفتنى بابي ذر الغفارى ، واشرت الى مواجهات له بلارحمة ولاهوادة ضد الظلم والعسف ، فاظهرت شجاعته وصراحته وتقواه وايمانه ، وكم جميل انك صورت هذا الرجل العجوز حديدى الارادة .
فحينما اخذ بيده قطعة عظم وفركها على رأس ابن كعب ، وقطر الدم بالطريق ، فأننى اسمع صرخة صياح ابى ذر من حلقومك ، وأرى غضبه فى برق عيونك ، وأدرك صحراء " الربذة " المحترقة فى حرقتك واشتعالك ، فابو ذر بطل ملقى على رمال الحارة ، ويرحـل ويموت فى وحدة وفقر.
ياعلى !
انهض بصيحة غضبك الى حرب الاستعمار والاستبداد والاستحمار ، وافتح برفقتك التاريخ والعـن الفراعنة والقارونية والبلاعمة.
ياعلى !
انهض برفقتك فى طريق الله العظيم ؛ للجهاد والمجاهدة ، واتجهز باسلحة الشهادة.
ياعلى !
انت فى الدنيا المعاصرة ، دخلت فى حرب مع الشياطين والطواغيت ، وعارضت الذهب والزور والتزوير ، وصرت فى مواجهة مع ادعياء الدين ، وفى عداء المتغربين و تزوير التاريخ و خدعة العلم و سحر الفن .
فكل أولائك حاربوا ضدك ، لكنك بمعجزة الحق والايمان بالله وبتحمل وصبر البحر، وبثبات الجبل وبنصر الشهادة نهضت لمبارزة ارباب الذهب والظلم والتحريف ؛ فهزمت الجميع.
ياعلى !
متدينى التعصب والجهل ، طحنوك وحاربوك بحربة التفكير ، ولم يترفعوا أو يتهاونوا عن اية عداوة وإتهام ، المتغربون ايضا الذين سموا انفسهم بالباطل مفكرين ؛ اهانوك واتهموك بالرجعية .
ونظام الشاه أيضا لم يستطع تحمل وجودك ؛ رأى تنويرك ضد مصالحه ؛ فقيدك بالسلاسل وفى نهاية الأمر استشهدت.
- أحد الماركسيين المتشبهين بالثورية – قال فى جمع من اصدقاءه باوروبا : " إن الدكتورعلى شريعتى قد اخـر ثورة ايران الشيوعية 70 عام " وانا اقول أن الدكتور على شريعتى قدم مسيرة النضال التكاملية فى طريق الحق والعدالة 70 عام للامام .
ياعلى !
انت اصبت مجتمع ايران بهزة ، فاظهرت للناس التشيع الحقيقى ، و اذقت لذة الشهادة لشيعة الحسين ، وحطمت صنم الجمود والتعصب والصمت ؛ فانت " بمثابة " تغيــــرعميق وواسع ظهر فى عصره ، فانت عزلت رب الذهب والظلم " عن عرشه " ، ودفعت الناس للمواجهة ضد هؤلاء.
انت مزقت قيود الاسـر الملتفة بالجهل والخداع والتحريف على يد وقدم الثورة الحسينية.
انت صرت صيحة ؛ صعدت باسم الاحتجاج من صدور المحرومين المتآوهين والمعذبين.
فدويت واعليت نداء وصيحة الحق والعدالة فى السماء والأرض.
ياعلى !
انت اظهرت مفهوم الاسلام الحقيقى فى معركة الحياة ، واثبت أفضليته بلاجدال فيه على المدارس الفكرية الاخرى . فانت عرفت بـاصالة الاسلام الثورية من تحت احجبة الجهل والالتزام الدينى ، وعرفت بالمسؤولية الاجتماعية.
وبينت معجزة الشهادة ، وحررت الانسان من تحت عبء اسر الجبر ، ومذلة الاستسلام .
انت حملت راية الرسالة العظمى على العاتق ، رسالة الانسانية ، الحق والعدالة ، الصراع مع الظلم والقهر ، الاسلام الحقيقى والتشيع الحسينى ، وآلاف المؤمنين الملتزمين والمسئولين التفوا حول رايتك.
وتصدوا لحرب بلاهوادة ، بعضهم انتشى شراب الشهادة ، واالبعض الاخر فى انتظار الشهادة يفتدون ويضحون .
ياعلى !
فى سجن ايران الكبير ، ليس هناك امكانية التنفس للاحرار ، وانت فتحت طاقة من الروح والايمان صوب عالم النجاة والحرية ؛ حتى يهرب الانسان من سجن المادة لقوة الروح ، وبيد الصراخ يمزق الحجاب المضطرب . ويحترق بنار العشق المحرقة جميع الكادحين والمحبطين والمهضومين والمحرومين والمفجوعين. وبحربة الشهادة تتمزق جميع قيود الاسر والمذلة الى الابد.
ياعلى !
فى تاريخ ايران المعاصر ؛ انت جمعت مصدق العظيم مع الخمينى رفيع المقام ، ومزجت بصيرة السياسي بروح العابد ، جهزت ثقافة تاريخنا القومى الثرى بعلم جديد وباساليب حديثة ، وبرأت الله سبحانه من الفلسفة الجافة ، واحضرته من السموات العالية والباردة الى القلب الدافئ والملئ بالحمى والتوهج. واخرجت الدين من عزلة المسجد. واستعملته فى ساحة الحياة لخدمة الناس . وابدا لم تضحى بمصلحة الحقيقة.
ياعلى !
يا مبعوث الحزن ، يابحر الالم ، لتتنزل رحمة الله الواسعة عليك سلاما.
فاننى اعتقد ان مقياس شخصية البشر بمقياس حزنهم وآلمهم ، واحسب ان الله العظيم يرحم عباده المخلصين والمتقين ، ويكافئهم بدلاً عن بحر الحزن وجبل الغم .
ياعلى !
اننى : انطحنت تحت جبل من الغم ، وغرقت فى بحر من الحزن ، وصبرى وصل الى النهاية ؛ لكنك اوصلت حزنى والمى بحزن والم علي الأكبر ، وهكذا اتصلت بما لايطاق ولا يتحمل ، فشعرت بالراحة والسكينة.
ياعلى !
اننى : احببت على الاكبر حبا فاق كل حد ، وحتى لو كان يجوزعشق غير ذات الله ، لكنت عشقته ، ولكن هذه المحبة كانت صامتة وخفية ، و نشأت من نسيج وذر وجودى ، ولكن لم اكن اعرف دليل نفسه ، لكنك عرفتنى بعلى ؛ فلم تطلعنى فقط بسيفه ذوالفقار وكلامه الحارق ؛ بل اطلعتنى بعشقه المشتعل ، وباحزانه والامه ووحدته وصبره.....
-------------------------------------------------------
اننى تلذذت بالامس من " قوة " بتر سيف على ، وكنت ادرك عظمته فى قدرته وكلامه ؛ لكن اليوم أشاهد عظمته فى عشقه وايمانه ، وفى عرفانه ووحدته ، وفى جبال حزنه وغمه ، وفى بحار آلامه . حينما قلبه المتألم يغلى ويفور ، و يبكى غزير الدمع.
فأنا اقرب للشعور بحاله اكثر من اى قياس . فمهما يتهمونه اكثر ، ومهما يسبون على اكثر ، ومهما يعذبون شيعته اشد واكثر ، فمحبتى واحترامى لعلى اشد واحر واعمق .
ياعلى !
انت عرفتنا بالحسين ، وعلمتنا رمز الشهادة ، و بينت ان من ادم حتى الحسين ، دائما كان الانسان يهدى رب الكون افضل نتاج عالم الخلق ؛ بعادة الفداء والقربان.
واثبت واظهرت ان الحسين وارث جميع البشرية السابقة ، ومظهر جميع تضحيات التاريخ ، وانه نتيجة مسيرة تكامل جميع البشرية ، و اجمل وافضل واهم هدية قدمها الانسان لرب الكون .
وسعدت ان رداء مصيره قد حيك رداءً بالحزن والالم ، وقد اشبع بالدمع والدم ، ولمصيبة وفاجعة الزمان التى أصابت شيعة لبنان المظلومين والمهضومين – افترش على بساط الوجود - ثم اجمع فيه عذابات وآلام معذبى التاريخ ،وفى نفس الحين احضر على شريعتى للشفاعة ؛ لتنفتح طاقة بحجرة فاطمة الصغيرة ، فيتمزج هذا الوادى " لبنان الجريح أثناء الحرب مع اسرائيل " الملطخ بالدماء والدمع ؛ بالرسالة المحمدية ، ويمتزج بعشق وفداء والم وحزن ووحدة على ، ويمتزج شهادة الحسين. ، وببركة هذه الحجرة الصغيرة ؛ التى هى اعظم من كل التاريخ وكل العالم ؛ يقبل الله العظيم أضاحينا ، ولايضيع هباءً فدائينا فى تحقيق العدل والعدالة.، ونصمد فى هذا الطريق الحسينى ؛ ويظهر حزننا والامنا ودموعنا وحرماننا ووحدتنا ودماءنا ؛ متاع لطريقنا الصعب والخطر فى مسيرة ارتقاء الانسان نحو الله تعالى .
وانت ياربنا العظيم ، منحتنا على حتى يعلمنا طريق وطريقة العشق والفداء ، كشمعة تحترق لتنير طريقنا ، وهانحن ، نقدمه لك ؛ باسم افضل واثمن هدايانا ، ليستريح فى ملكوتك الاعلى ، وتبدأ حياته الخالدة .
ياعلى !
قد وجدت حياة الخلود ، ونحن كنا نتحرك امواتا ، حتى نجد الحياة من فيض وجودك.
فبحق الحزن ؛ الذى ردحا من الزمان سيلاطم موج بحر الحزن فيه على قلبى ؛ انت ياعلى حى وخالد فى قلبى .
وبحق العشق الذى كثيرا ما سيحرق ويفجر ويفور قلبى المشتعل ، انت ياعلى تحيا فى قلبى ، وتجرى وله وجذبة العشق السماوى فى شرايين وجودى ، وتحيي حياتى من العشق والفداء .
وبحق الوحدة التى هى نتاج العظمة والعشق والتفرد ، ومولود اللطافة والاخلاص والعرفان - فطالما الله واحد ، فانت ياعلى موجود فى وحدتنا.
وبحق الجمال ، طالما يوجد الاحساس واللطف والذوق لعشق الجمال - الذى هو تجلى الله الاعلى ، انت ياعلى لديك حضور فى جمال النجوم ، وعظمة السماء ، وخفقان الاوراق ، وتسبيح الصخور، وايات الغروب العجيبة ، وعظمة وهيبة الشروق .
وبحق آنين المتألمين وآهات الفقراء ، ودمع اليتماء ، فطالما للاستعمار والاستبداد والاستغلال وجود. ، فانت ياعلى حى فى غضبة وصيحة المسلوبين والمحرومين.
وبحق العدل والعدالة ، فانت تزأر وتثور فى صراخ المظلومين ضد الظالمين ؛ طالما الظلم والقهر يثقل على عاتق البشرية.
وبحق الشهادة ، طالما الشهداء يضحون ، ويقدمون حياتهم ووجودهم فداء فى مذبح العشق ، انت ياعلى شاهد وشهيد على شهادتهم الزكية.[/align]
(*) ولد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم - أثناء دراسته بالجامعة عمل على تقويض الجبهة الماركسية المتمثلة فى حزب تودة - شارك فى الثورة والنضال ضد حكم الشاه - شارك فى حركة المحرومين بلبنان وناضل معهم ضد الجبهة الاسرائيلية - كان فلسفته تقوم على أن الإسلام يعطى لمؤمنيه الجهاد والحراك نحو التغيير .
تعليق