الشيخ غومي.. الترجمان الأفريقي للقرآن الكريم
الخضر عبد الباقي محمد **
2005/01/31
ليست مبالغة أن أصفه بالترجمان الأفريقي للقرآن الكريم؛ فقد كان الشيخ أبو بكر محمود غومي -بحق- الجسر الأفريقي الهوساوي إلى عالم كتاب الله العظيم؛ إذ هو أول عالم هوساوي نيجيري أفريقي أقام جسر التواصل والبيان بين كتاب الله واللسان الهوساوي، من خلال جهوده وإنجازه لترجمة معانيه إلى لغة الهوسا التي يتكلم بها ما يزيد عن مائة مليون شخص في معظم دول غرب أفريقيا.
وقد قدم الشيخ غومي بتلك التجربة عطاء سخيا وواجبا دينيا لبني جلدته؛ ليقربهم من روح كتاب الله وجوهر معانيه، في وقت كانوا في مسيس الحاجة إلى الارتواء من عطش طال أمده، حيث كان المجتمع والشعب الهوساويان يتوقون إلى مثل هذه الترجمة، بعد أن نجح المستعمر الأوربي المسيحي في حربه ضد الحرف العربي الذي كانت تكتب به لغة الهوسا، لوقف انتشار اللغة العربية بين هذه الشعوب التي كانت في طريقها إلى التعريب، في محاولة لقطع العلاقة اللغوية بين هذه الشعوب وكل ما يمت إلى العربية وبالتالي إلى الإسلام بصلة.
علاوة على ذلك يعد الشيخ غومي بحق رائد حركة النهضة والتطوير التي شهدها مجال القضاء الشرعي في نيجيريا، وقائد ثورة تمرد على المفاهيم السلبية والمغالطات الصوفية.
المولد والنشأة
ولد الشيخ أبو بكر بن محمود غومي عام 1314هـ الموافق السابع من شهر نوفمبر من العام 1924م، في قرية تسمى "غومي" GUMI، أحد المراكز التابعة لولاية صوكوتو سابقا، والتابعة لولاية زامفرا حاليا.
نشأ الشيخ غومي في حجر والده الذي كان قاضيا وتلقى منه القرآن ومبادئ الدين، وقد تعهده بالعناية وحسن التربية فداوم على اصطحابه إلى مجالس العلم ومنازل العلماء، وكان يتعمد سؤاله في بعض المسائل والقضايا ليتيح له فرصة بناء الثقة والاعتزاز بالنفس، وكان أن ألحقه أبوه بالتعليم الابتدائي بقرية "دوغن داجي" على نهج التعليم الغربي النصراني، ورغم المعارضة الشديدة لهذا التعليم في المجتمع الهوساوي فإن أباه أصر على ذلك رغبة منه في أن يجمع بين التعليم العربي والإنجليزي الجديد، ثم المدرسة الوسطى في صوكوتو وحصل منها على شهادة المعلمين "المرتبة الرابعة".
ونظرا لذكائه الشديد بعد تخرجه التحق بـ"المدرسة الوطنية للطلبة الموهوبين لأبناء شمال نيجيريا"، والتحق بعدها بمدرسة العلوم العربية (كلية القضاء) بكانو، ومنها تعلم العربية والدراسات الإسلامية لمدة خمس سنوات، تخرج فيها عام 1947م، ثم حصل على منحة دراسية في معهد التربية في بخت الرضا بالسودان، ونال شهادة الدبلوم العالي في القضاء الشرعي عام 1955م.
كما تتلمذ الشيخ غومي على أيدي علماء محليين نيجيريين، منهم الشيخ جنيد بن محمد البخاري، وزير صوكوتو السابق، والشيخ ناصر الدين كبرا زعيم الطريقة القادرية في نيجيريا، والشيخ "معلم شيهو يابو"، كما أخذ عن عالم لبناني يدعى "سعيد ياسين" رواية حفص عن عاصم في علم القراءات.
المناصب والدرجات
بدأ الشيخ غومي نشاطاته العملية بالعمل في سلك التعليم ثم السلك القضائي، حيث عين قاضيا شرعيا بإحدى المحاكم الشرعية بقرية من القرى التابعة لمدينة صوكوتو عام 1947م، ثم عاد إلى العمل في التدريس في مدرسة العلوم الشرعية بكانو عام 1951م، وبعدها انتقل إلى مدينة مرو للتدريس، ثم عاد مرة ثانية إلى مجال القضاء فعين نائبا لقاضي قضاة الشرعيين لإقليم شمال نيجيريا، ثم تولى منصب قاضي القضاة في شمال نيجيريا بلقب "كبير القضاة" مكث في هذا المنصب منذ مطلع الستينيات إلى منتصف السبعينيات.
كما تولى منصب المستشار الديني لرئيس وزراء إقليم شمال نيجيريا في عهد (الزعيم أحمد بللو)، وعين مديرا عاما لمجلس الشورى للشئون الدينية بإقليم شمال نيجيريا، وترأس الهيئة الوطنية لشئون الحج والحجاج لمنطقة شمال نيجيريا.
إضافة إلى ذلك كانت له عضوية العديد من الهيئات الإسلامية داخل نيجيريا وخارجها، فهو عضو مؤسس لمجلس جماعة نصر الإسلام (أقدم وأكبر هيئة إسلامية في نيجيريا) وكان عضوا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا، والمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وحصل الشيخ غومي على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية، منها الدكتوراة الفخرية في كل من جامعة أحمد بللو بزاريا شمال نيجيريا وجامعة إبادن جنوب نيجيريا، ووسام الدرجة العثمانية من دولة رئيس الوزراء لشمال نيجيريا، وجائزة الدولة التقديرية من حكومة نيجيريا الفدرالية، ثم جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1987م من المملكة العربية السعودية.
ترجمته لمعاني القرآن الكريم
يأتي في مقدمة أعمال الشيخ غومي وإنجازاته جهده المتميز في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الهوسا، وهي أول ترجمة من نوعها تشهدها لغة الهوسا، وتتسم تلك الترجمة بالإتقان، وروعي فيها مميزات الأسلوب القرآني والقواعد العربية، فلم تكن مجرد ترجمة حرفية ولم يخرج بالتطويل في شرح المعاني عن المقصود، فقد ألهمه المولى ووفقه إلى القيام بهذا العمل الجليل بمفرده، ثم تعاون معه بالمراجعة نفر من علماء المسلمين المخلصين الناطقين بلغة الهوسا، وممن يجيدون ويتقنون اللغة العربية من علماء قبائل الهوسا في منطقة شمال نيجيريا، وساعد الشيخ غومي على مهمته كونه ثلاثي اللغة يجيد العربية والإنجليزية بجانب لغته الأم الهوسا.
وقد استغرق عمله في إعداد هذه الترجمة ومراجعتها وطبعها ما يزيد عن سبع سنوات، من شعبان 1391هـ حتى المحرم 1399هـ، وطبعت حتى الآن أربع طبعات، الأولى عام 1979م، والثانية عام 1982م، من طباعة الدار العربية للنشر ببيروت، وقد طبعتا على نفقة المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، وظهرت الطبعة الثالثة عام 1407هـ والرابعة عام 1414هـ، وقد طبعتا في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
وقد تم تداول هذه الترجمة بين عموم الشعب الهوساوي في كل من نيجيريا والنيجر وغانا وتوغو وساحل العاج وتشاد وغيرها من المجتمعات الأفريقية التي تنتشر وتسود فيها لغة الهوسا، كما وفرت تلك الترجمة مادة علمية لطلبة العلم والباحثين على السواء، فضلا عن كونها مرجعا للعامة لفهم المعاني القرآنية لنصوص الأحكام والتوجيهات.
جهوده الدعوية
شكلت جهود الشيخ غومي وأفكاره محطات بارزة في مسيرة الدعوة الإسلامية في نيجيريا عامة وفي شمال البلاد بخاصة، فقد ضرب بعصاه المعاكسة والمنتفضة في عمق القوالب الجامدة المتعددة، والتي تنتشر غالبا تحت عباءة التصوف وفرضت نفسها وأساليبها على الساحة الدعوية والاتجاه الفكري العام السائد على مدى عقود طويلة.
وتمثل حركة الشيخ غومي هذه امتدادا للدعوة التجديدية الإصلاحية التي تزعمها الشيخ عثمان بن فودي التي قامت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي لنشر الإسلام وحضارته في بلاد الهوسا وغرب أفريقيا؛ فقد تأثر بها بكل معطياتها البيئية والعلمية والثقافية والدينية؛ لذا كان منطلق دعوته مرتكزا على مجال الإصلاح الديني والتجديد الفكري من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة في الأفكار والممارسات، بالتركيز على مظاهر البدع في العبادات وتسليط الأضواء على المغالطات والتجاوزات وشطحات رجال الصوفية من الغلاة، وقد دخل معهم الشيخ غومي في سجال فكري حاسم.
وقد اتخذت دعوة الشيخ الغومي شعار: "إزالة البدع وإقامة السنة"، وكانت مجالس دروسه للدعوة والتدريس تعج بجماهير غفيرة من مختلف شرائح المجتمع، حيث جذبهم أسلوبه المتميز في الإلقاء ومنهجه في شرح المسائل وطرح الأفكار، والتي ظلت تذاع على الهواء عبر إذاعة نيجيريا بكادونا لمدة أكثر من ربع قرن؛ وهو ما جعل لها أكبر الأثر في توسيع قاعدة الانتشار والاستفادة من علمه وثقافته الدعوية، وقد شملت جهوده الدعوية القادة السياسيين وغير المسلمين، فاهتدى عن طريقها عدد كبير من النصارى والوثنيين.
وقد توجت جهوده في هذا المجال بإنشاء منظمة دينية لتنظيم وتنسيق الجهود العلمية والدعوية في هذا الاتجاه تحت راية "جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة" والتي انتظمت تحت لوائها مئات آلاف من الأتباع والمؤيدين، كما حمل غومي بشدة في دعوته على ظاهرة التقليد الأعمى المنتشرة في أوساط طلبة العلم في نيجيريا ودعا إلى نبذها، خاصة بعد أن استشرت الظاهرة لدرجة أن أصبح الركون إلى كل قول منسوب إلى كتب الفقه حتى لو كان عاريا عن الصحة والدليل المقنع.
مؤلفاته
دعم الشيخ مشروعه التجديدي الإصلاحي بتأليف بعض الكتب والرسائل الصغيرة؛ شملت مجالات العقيدة والفقه والتفسير والحديث والأدب، وفي التفسير كتابه المشهور"رد الأذهان إلى معاني القرآن" بالعربية، ومن أهم ما كتب في العقيدة والتوحيد كتاب "العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" باللغة العربية، وكتاب "الإسلام ونواقضه" بالهوسا، وكتاب "مراتب الإسلام" بالهوسا، و"مناسك الحج والعمرة"، وكتاب "قضايا في الاقتصاد والتعامل مع البنوك الربوية"، وفي الحديث كتاب "الورد العظيم من الأحاديث والقرآن الكريم"، وفي الأدب كتاب "ديوان غومي" وكلها بالعربية.
وكما خصص جزءا من مؤلفاته للعكوف على ترجمة بعض الكتب العربية إلى لغة الهوسا، لا سيما بعض كتب الشيخ عثمان بن فودي، منها كتاب "نور الألباب في مسائل التوحيد والعقيدة"، وكتاب "أصول الدين في مسائل الاعتقاد"، وكتاب "هداية الطلاب في أهم مسائل الدين"، ومن بين الرسائل الصغيرة التي ترجمها إلى الهوسا كتاب" القاديانية".
وقد أثار كتاباه "رد الأذهان إلى معاني القرآن" في التفسير و"العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" جدلا واسعا في أواسط العلماء وطلبة العلم، بسبب هجومه السافر على المفسرين في الأول تحت عنوان "تهافت بعض المفسرين" على خلفية إيرادهم واعتمادهم على الإسرائيليات من القصص والروايات، وبسبب رده في كتابه الثاني على الغلاة المبتدعة من المتصوفة؛ فقد انتقد بلهجة شديدة ما في كتاب الفيوضات الربانية من كتب القادرية، وما جاء في كتاب جواهر المعاني من كتب التيجانية، واعترض على الشطحات الصوفية وبعض الأوراد مثل صلاة الفاتح المشهورة بين العلماء في غرب أفريقيا، وشن هجوما عنيفا على مشايخ الطرق الصوفية خاصة من المعاصرين له.
وتوفي الشيخ أبو بكر غومي عام 1992م إثر تعرضه لسكتة دماغية، بعد مشوار علمي وفكري حافل، رحمه الله رحمة واسعة.
**كاتب وصحفي نيجيري.
المصدر: http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/Translation_Bridges/pioneer/2005/01/02.shtml
الخضر عبد الباقي محمد **
2005/01/31
ليست مبالغة أن أصفه بالترجمان الأفريقي للقرآن الكريم؛ فقد كان الشيخ أبو بكر محمود غومي -بحق- الجسر الأفريقي الهوساوي إلى عالم كتاب الله العظيم؛ إذ هو أول عالم هوساوي نيجيري أفريقي أقام جسر التواصل والبيان بين كتاب الله واللسان الهوساوي، من خلال جهوده وإنجازه لترجمة معانيه إلى لغة الهوسا التي يتكلم بها ما يزيد عن مائة مليون شخص في معظم دول غرب أفريقيا.
وقد قدم الشيخ غومي بتلك التجربة عطاء سخيا وواجبا دينيا لبني جلدته؛ ليقربهم من روح كتاب الله وجوهر معانيه، في وقت كانوا في مسيس الحاجة إلى الارتواء من عطش طال أمده، حيث كان المجتمع والشعب الهوساويان يتوقون إلى مثل هذه الترجمة، بعد أن نجح المستعمر الأوربي المسيحي في حربه ضد الحرف العربي الذي كانت تكتب به لغة الهوسا، لوقف انتشار اللغة العربية بين هذه الشعوب التي كانت في طريقها إلى التعريب، في محاولة لقطع العلاقة اللغوية بين هذه الشعوب وكل ما يمت إلى العربية وبالتالي إلى الإسلام بصلة.
علاوة على ذلك يعد الشيخ غومي بحق رائد حركة النهضة والتطوير التي شهدها مجال القضاء الشرعي في نيجيريا، وقائد ثورة تمرد على المفاهيم السلبية والمغالطات الصوفية.
المولد والنشأة
ولد الشيخ أبو بكر بن محمود غومي عام 1314هـ الموافق السابع من شهر نوفمبر من العام 1924م، في قرية تسمى "غومي" GUMI، أحد المراكز التابعة لولاية صوكوتو سابقا، والتابعة لولاية زامفرا حاليا.
نشأ الشيخ غومي في حجر والده الذي كان قاضيا وتلقى منه القرآن ومبادئ الدين، وقد تعهده بالعناية وحسن التربية فداوم على اصطحابه إلى مجالس العلم ومنازل العلماء، وكان يتعمد سؤاله في بعض المسائل والقضايا ليتيح له فرصة بناء الثقة والاعتزاز بالنفس، وكان أن ألحقه أبوه بالتعليم الابتدائي بقرية "دوغن داجي" على نهج التعليم الغربي النصراني، ورغم المعارضة الشديدة لهذا التعليم في المجتمع الهوساوي فإن أباه أصر على ذلك رغبة منه في أن يجمع بين التعليم العربي والإنجليزي الجديد، ثم المدرسة الوسطى في صوكوتو وحصل منها على شهادة المعلمين "المرتبة الرابعة".
ونظرا لذكائه الشديد بعد تخرجه التحق بـ"المدرسة الوطنية للطلبة الموهوبين لأبناء شمال نيجيريا"، والتحق بعدها بمدرسة العلوم العربية (كلية القضاء) بكانو، ومنها تعلم العربية والدراسات الإسلامية لمدة خمس سنوات، تخرج فيها عام 1947م، ثم حصل على منحة دراسية في معهد التربية في بخت الرضا بالسودان، ونال شهادة الدبلوم العالي في القضاء الشرعي عام 1955م.
كما تتلمذ الشيخ غومي على أيدي علماء محليين نيجيريين، منهم الشيخ جنيد بن محمد البخاري، وزير صوكوتو السابق، والشيخ ناصر الدين كبرا زعيم الطريقة القادرية في نيجيريا، والشيخ "معلم شيهو يابو"، كما أخذ عن عالم لبناني يدعى "سعيد ياسين" رواية حفص عن عاصم في علم القراءات.
المناصب والدرجات
بدأ الشيخ غومي نشاطاته العملية بالعمل في سلك التعليم ثم السلك القضائي، حيث عين قاضيا شرعيا بإحدى المحاكم الشرعية بقرية من القرى التابعة لمدينة صوكوتو عام 1947م، ثم عاد إلى العمل في التدريس في مدرسة العلوم الشرعية بكانو عام 1951م، وبعدها انتقل إلى مدينة مرو للتدريس، ثم عاد مرة ثانية إلى مجال القضاء فعين نائبا لقاضي قضاة الشرعيين لإقليم شمال نيجيريا، ثم تولى منصب قاضي القضاة في شمال نيجيريا بلقب "كبير القضاة" مكث في هذا المنصب منذ مطلع الستينيات إلى منتصف السبعينيات.
كما تولى منصب المستشار الديني لرئيس وزراء إقليم شمال نيجيريا في عهد (الزعيم أحمد بللو)، وعين مديرا عاما لمجلس الشورى للشئون الدينية بإقليم شمال نيجيريا، وترأس الهيئة الوطنية لشئون الحج والحجاج لمنطقة شمال نيجيريا.
إضافة إلى ذلك كانت له عضوية العديد من الهيئات الإسلامية داخل نيجيريا وخارجها، فهو عضو مؤسس لمجلس جماعة نصر الإسلام (أقدم وأكبر هيئة إسلامية في نيجيريا) وكان عضوا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا، والمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وحصل الشيخ غومي على العديد من الأوسمة والجوائز التقديرية، منها الدكتوراة الفخرية في كل من جامعة أحمد بللو بزاريا شمال نيجيريا وجامعة إبادن جنوب نيجيريا، ووسام الدرجة العثمانية من دولة رئيس الوزراء لشمال نيجيريا، وجائزة الدولة التقديرية من حكومة نيجيريا الفدرالية، ثم جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1987م من المملكة العربية السعودية.
ترجمته لمعاني القرآن الكريم
يأتي في مقدمة أعمال الشيخ غومي وإنجازاته جهده المتميز في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الهوسا، وهي أول ترجمة من نوعها تشهدها لغة الهوسا، وتتسم تلك الترجمة بالإتقان، وروعي فيها مميزات الأسلوب القرآني والقواعد العربية، فلم تكن مجرد ترجمة حرفية ولم يخرج بالتطويل في شرح المعاني عن المقصود، فقد ألهمه المولى ووفقه إلى القيام بهذا العمل الجليل بمفرده، ثم تعاون معه بالمراجعة نفر من علماء المسلمين المخلصين الناطقين بلغة الهوسا، وممن يجيدون ويتقنون اللغة العربية من علماء قبائل الهوسا في منطقة شمال نيجيريا، وساعد الشيخ غومي على مهمته كونه ثلاثي اللغة يجيد العربية والإنجليزية بجانب لغته الأم الهوسا.
وقد استغرق عمله في إعداد هذه الترجمة ومراجعتها وطبعها ما يزيد عن سبع سنوات، من شعبان 1391هـ حتى المحرم 1399هـ، وطبعت حتى الآن أربع طبعات، الأولى عام 1979م، والثانية عام 1982م، من طباعة الدار العربية للنشر ببيروت، وقد طبعتا على نفقة المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، وظهرت الطبعة الثالثة عام 1407هـ والرابعة عام 1414هـ، وقد طبعتا في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
وقد تم تداول هذه الترجمة بين عموم الشعب الهوساوي في كل من نيجيريا والنيجر وغانا وتوغو وساحل العاج وتشاد وغيرها من المجتمعات الأفريقية التي تنتشر وتسود فيها لغة الهوسا، كما وفرت تلك الترجمة مادة علمية لطلبة العلم والباحثين على السواء، فضلا عن كونها مرجعا للعامة لفهم المعاني القرآنية لنصوص الأحكام والتوجيهات.
جهوده الدعوية
شكلت جهود الشيخ غومي وأفكاره محطات بارزة في مسيرة الدعوة الإسلامية في نيجيريا عامة وفي شمال البلاد بخاصة، فقد ضرب بعصاه المعاكسة والمنتفضة في عمق القوالب الجامدة المتعددة، والتي تنتشر غالبا تحت عباءة التصوف وفرضت نفسها وأساليبها على الساحة الدعوية والاتجاه الفكري العام السائد على مدى عقود طويلة.
وتمثل حركة الشيخ غومي هذه امتدادا للدعوة التجديدية الإصلاحية التي تزعمها الشيخ عثمان بن فودي التي قامت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي لنشر الإسلام وحضارته في بلاد الهوسا وغرب أفريقيا؛ فقد تأثر بها بكل معطياتها البيئية والعلمية والثقافية والدينية؛ لذا كان منطلق دعوته مرتكزا على مجال الإصلاح الديني والتجديد الفكري من خلال تصحيح المفاهيم المغلوطة في الأفكار والممارسات، بالتركيز على مظاهر البدع في العبادات وتسليط الأضواء على المغالطات والتجاوزات وشطحات رجال الصوفية من الغلاة، وقد دخل معهم الشيخ غومي في سجال فكري حاسم.
وقد اتخذت دعوة الشيخ الغومي شعار: "إزالة البدع وإقامة السنة"، وكانت مجالس دروسه للدعوة والتدريس تعج بجماهير غفيرة من مختلف شرائح المجتمع، حيث جذبهم أسلوبه المتميز في الإلقاء ومنهجه في شرح المسائل وطرح الأفكار، والتي ظلت تذاع على الهواء عبر إذاعة نيجيريا بكادونا لمدة أكثر من ربع قرن؛ وهو ما جعل لها أكبر الأثر في توسيع قاعدة الانتشار والاستفادة من علمه وثقافته الدعوية، وقد شملت جهوده الدعوية القادة السياسيين وغير المسلمين، فاهتدى عن طريقها عدد كبير من النصارى والوثنيين.
وقد توجت جهوده في هذا المجال بإنشاء منظمة دينية لتنظيم وتنسيق الجهود العلمية والدعوية في هذا الاتجاه تحت راية "جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة" والتي انتظمت تحت لوائها مئات آلاف من الأتباع والمؤيدين، كما حمل غومي بشدة في دعوته على ظاهرة التقليد الأعمى المنتشرة في أوساط طلبة العلم في نيجيريا ودعا إلى نبذها، خاصة بعد أن استشرت الظاهرة لدرجة أن أصبح الركون إلى كل قول منسوب إلى كتب الفقه حتى لو كان عاريا عن الصحة والدليل المقنع.
مؤلفاته
دعم الشيخ مشروعه التجديدي الإصلاحي بتأليف بعض الكتب والرسائل الصغيرة؛ شملت مجالات العقيدة والفقه والتفسير والحديث والأدب، وفي التفسير كتابه المشهور"رد الأذهان إلى معاني القرآن" بالعربية، ومن أهم ما كتب في العقيدة والتوحيد كتاب "العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" باللغة العربية، وكتاب "الإسلام ونواقضه" بالهوسا، وكتاب "مراتب الإسلام" بالهوسا، و"مناسك الحج والعمرة"، وكتاب "قضايا في الاقتصاد والتعامل مع البنوك الربوية"، وفي الحديث كتاب "الورد العظيم من الأحاديث والقرآن الكريم"، وفي الأدب كتاب "ديوان غومي" وكلها بالعربية.
وكما خصص جزءا من مؤلفاته للعكوف على ترجمة بعض الكتب العربية إلى لغة الهوسا، لا سيما بعض كتب الشيخ عثمان بن فودي، منها كتاب "نور الألباب في مسائل التوحيد والعقيدة"، وكتاب "أصول الدين في مسائل الاعتقاد"، وكتاب "هداية الطلاب في أهم مسائل الدين"، ومن بين الرسائل الصغيرة التي ترجمها إلى الهوسا كتاب" القاديانية".
وقد أثار كتاباه "رد الأذهان إلى معاني القرآن" في التفسير و"العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة" جدلا واسعا في أواسط العلماء وطلبة العلم، بسبب هجومه السافر على المفسرين في الأول تحت عنوان "تهافت بعض المفسرين" على خلفية إيرادهم واعتمادهم على الإسرائيليات من القصص والروايات، وبسبب رده في كتابه الثاني على الغلاة المبتدعة من المتصوفة؛ فقد انتقد بلهجة شديدة ما في كتاب الفيوضات الربانية من كتب القادرية، وما جاء في كتاب جواهر المعاني من كتب التيجانية، واعترض على الشطحات الصوفية وبعض الأوراد مثل صلاة الفاتح المشهورة بين العلماء في غرب أفريقيا، وشن هجوما عنيفا على مشايخ الطرق الصوفية خاصة من المعاصرين له.
وتوفي الشيخ أبو بكر غومي عام 1992م إثر تعرضه لسكتة دماغية، بعد مشوار علمي وفكري حافل، رحمه الله رحمة واسعة.
**كاتب وصحفي نيجيري.
المصدر: http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/Translation_Bridges/pioneer/2005/01/02.shtml