الترجمة العوراء آخر تحديث:الثلاثاء ,17/08/2010
خيري منصور
مرة أخرى، نتأمل ما تنشره الصحف العربية من ترجمات عن العبرية، لنجد الظاهرة ذاتها تتكرر وهي الانتقاء غير البانورامي، والذي يعبر عن بعد واحد، هو ذلك البعد النقدي الذي يمثله معلقون يساريون أو معارضون للصهيونية رغم أن المناخ السائد في الصحافة العبرية والميديا الصهيونية بشكل أعم هو يميني ومتعصب، وهذا ما يفسر اعادة انتخاب رموز راديكالية من خلال التأثير المباشر في الرأي العام اليهودي، ولعلها مناسبة أيضاً للتذكير بأن الإفراط في تضخيم دور المعارضين لسياسة نتنياهو والثنائي الذي يحيط به رحا باراك وليبرمان يقدم المشهد على نحو رغائبي واسقاطي، بحيث يبدو هؤلاء كما لو أنهم ينوبون عن خصوم الحكومة الصهيونية في الصراع تماماً كما أفرط بعض المتفائلين العرب قبل عقود في التعويل على التناقضات داخل الدولة العبرية سواء كانت بين الاشكناز والسفرديم أو بين اليسار واليمين، فهذه الظواهر موجودة في كل مجتمعات العالم، وبنسب متفاوتة، خصوصاً في المجتمعات التي يتم فيها تداول السلطة بالانتخاب، ان التناقضات التي تنهش أحشاء الدولة الصهيونية قابلة للنمو والتفاقم، لكن هناك استراتيجية شاملة هي بمثابة الأم، تتلخص في ائتلاف الأطراف كلها حولها هدف واحد هو بقاء الكيان الصهيوني وعدم تعرضه للتفكيك أو التآكل أو الانكسار .
وقد يكون من السهل على أي باحث عربي أن يحشد في كتاب واحد خمسين مقالة لمعلقين وكتاب يهود تلتقي جميعها حول إدانة الحكومة المتطرفة وجرائمها، وبالمقابل من السهل على كاتب آخر أن يحشد عدداً مماثلاً من المقالات يمكن تحت عناوين مضادة .
ولكي يكون المشهد بانورامياً ومتكاملاً ويغطي هذا الحراك الإعلامي داخل الدولة العبرية لا بد من التعامل مع الجانبين وبعينين اثنتين أيضاً كي لا تكون الرؤية عوراء، وأحياناً تقدم لنا الصحافة الانتقائية أسماء ذات نفوذ إعلامي محدود، ثم تنفخ سفيهاً بحيث تبدو صانعة للأحداث، وهذا ليس تقليلاً من شأن أحد، فوجهات النظر يجب أن لا تقاس فقط بحجوم أصحابها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم والأفكار وقد يكون المهمل والمتروك أحياناً من المقالات المنشورة في الصحف العبرية ذا دلالة أعمق سواء لقرب أصحاب تلك المقالات من أصحاب القرار أو لأنهم يفتضحون السياسة الحقيقية لحكومتهم سواء تم ذلك بوعي أو من دون وعي .
ما نخشاه هو الإركان إلى العدو بحيث ننتظر أن يفرز نقيضه من أحشائه ومن صلبه فهذا إن حدث يعتبر كارثة بكل المقاييس لأن من كان لاجئاً في الجغرافيا سيصبح لاجئاً من التاريخ، ومن ينوب عنه عدوه أو معارضو عدوه يكون مرشحاً بامتياز للطرد من التاريخ استكمالاً لطرده من المكان نذكر أن الإعلام العربي رفع بعد هزيمة حزيران 1967 شعار “اعرف عدوك”، وكان أجدر به أن يبدأ من معرفة النفس أولاً، ومراجعة ما أنجزت، وبمرور الوقت اتضح أن المعرفتين بقيتا ناقصتين، وهما معرفة الذات ومعرفة الآخر، لهذا حدث ما حدث!
إن معرفة الآخر خصوصاً إذا كان عدواً تاريخياً وجذرياً والصراع معه وجودي وليس حدودياً تقتضي تقديم عينات من كل ما يفرزه ثقافياً وسياسياً بحيث لا يكون الاحتكام عاطفياً إلى ما يروق لنا، إن هذه البانوراما لا تزال ناقصة، والترجمة عن العبرية عوراء!!
خيري منصور
مرة أخرى، نتأمل ما تنشره الصحف العربية من ترجمات عن العبرية، لنجد الظاهرة ذاتها تتكرر وهي الانتقاء غير البانورامي، والذي يعبر عن بعد واحد، هو ذلك البعد النقدي الذي يمثله معلقون يساريون أو معارضون للصهيونية رغم أن المناخ السائد في الصحافة العبرية والميديا الصهيونية بشكل أعم هو يميني ومتعصب، وهذا ما يفسر اعادة انتخاب رموز راديكالية من خلال التأثير المباشر في الرأي العام اليهودي، ولعلها مناسبة أيضاً للتذكير بأن الإفراط في تضخيم دور المعارضين لسياسة نتنياهو والثنائي الذي يحيط به رحا باراك وليبرمان يقدم المشهد على نحو رغائبي واسقاطي، بحيث يبدو هؤلاء كما لو أنهم ينوبون عن خصوم الحكومة الصهيونية في الصراع تماماً كما أفرط بعض المتفائلين العرب قبل عقود في التعويل على التناقضات داخل الدولة العبرية سواء كانت بين الاشكناز والسفرديم أو بين اليسار واليمين، فهذه الظواهر موجودة في كل مجتمعات العالم، وبنسب متفاوتة، خصوصاً في المجتمعات التي يتم فيها تداول السلطة بالانتخاب، ان التناقضات التي تنهش أحشاء الدولة الصهيونية قابلة للنمو والتفاقم، لكن هناك استراتيجية شاملة هي بمثابة الأم، تتلخص في ائتلاف الأطراف كلها حولها هدف واحد هو بقاء الكيان الصهيوني وعدم تعرضه للتفكيك أو التآكل أو الانكسار .
وقد يكون من السهل على أي باحث عربي أن يحشد في كتاب واحد خمسين مقالة لمعلقين وكتاب يهود تلتقي جميعها حول إدانة الحكومة المتطرفة وجرائمها، وبالمقابل من السهل على كاتب آخر أن يحشد عدداً مماثلاً من المقالات يمكن تحت عناوين مضادة .
ولكي يكون المشهد بانورامياً ومتكاملاً ويغطي هذا الحراك الإعلامي داخل الدولة العبرية لا بد من التعامل مع الجانبين وبعينين اثنتين أيضاً كي لا تكون الرؤية عوراء، وأحياناً تقدم لنا الصحافة الانتقائية أسماء ذات نفوذ إعلامي محدود، ثم تنفخ سفيهاً بحيث تبدو صانعة للأحداث، وهذا ليس تقليلاً من شأن أحد، فوجهات النظر يجب أن لا تقاس فقط بحجوم أصحابها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم والأفكار وقد يكون المهمل والمتروك أحياناً من المقالات المنشورة في الصحف العبرية ذا دلالة أعمق سواء لقرب أصحاب تلك المقالات من أصحاب القرار أو لأنهم يفتضحون السياسة الحقيقية لحكومتهم سواء تم ذلك بوعي أو من دون وعي .
ما نخشاه هو الإركان إلى العدو بحيث ننتظر أن يفرز نقيضه من أحشائه ومن صلبه فهذا إن حدث يعتبر كارثة بكل المقاييس لأن من كان لاجئاً في الجغرافيا سيصبح لاجئاً من التاريخ، ومن ينوب عنه عدوه أو معارضو عدوه يكون مرشحاً بامتياز للطرد من التاريخ استكمالاً لطرده من المكان نذكر أن الإعلام العربي رفع بعد هزيمة حزيران 1967 شعار “اعرف عدوك”، وكان أجدر به أن يبدأ من معرفة النفس أولاً، ومراجعة ما أنجزت، وبمرور الوقت اتضح أن المعرفتين بقيتا ناقصتين، وهما معرفة الذات ومعرفة الآخر، لهذا حدث ما حدث!
إن معرفة الآخر خصوصاً إذا كان عدواً تاريخياً وجذرياً والصراع معه وجودي وليس حدودياً تقتضي تقديم عينات من كل ما يفرزه ثقافياً وسياسياً بحيث لا يكون الاحتكام عاطفياً إلى ما يروق لنا، إن هذه البانوراما لا تزال ناقصة، والترجمة عن العبرية عوراء!!