خطة فلسطينية عاجزة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
ترتيباً على مقررات لجنة القدس التي عُقدت مؤخراً في المملكة المغربية، قامت السلطة الفلسطينية من فورها بمشاركة وزارتي السياحة والأوقاف بإعداد خطة من شأنها- كما تؤمن- العمل على التصدي للممارسات الإسرائيلية ضد مدينة القدس المحتلّة، سواء من حيث العمليات التهويدية المتسارعة أو من حيث عمليات التضييق على سكانها العرب الفلسطينيين، ومن ناحيةٍ أخرى، كوسيلة لإثبات وجودها في المدينة، ولنفي الفكرة السائدة لدى الإسرائيليين من أن القدس هي عاصمة إسرائيل اليهودية الأبدية. حيث قامت بإعداد خطة للعام الحالي لتنفيذ هجوم عربي- إسلامي صوب المدينة نصرة لها ولمقدساتها.
هذه الخطة ستكون مكثفة بحسب ما أُعلن عنها، حيث تعتمد على حث العرب والمسلمين على زيارتهم للمدينة المقدسة من خلال برامج دعاية ضخمة تشمل السفارات الفلسطينية في الخارج والشركات السياحية ووزراء سياحة عرب ومسلمين، يعملون كمروّجين سياحيين، لحشد أكبر عددٍ من الزوار للقدس يخدم الغرض. على اعتبار أن التوجهات نحو الدعوات الفلسطينية السابقة إلى زيارة القدس، أثبتت نجاحات مهمّة على المستويين الديني والسياسي، وعلى رأسها أنها استطاعت كسر الحاجز النفسي لدى العرب والمسلمين لزيارة المدينة.
ومن أجل تسمين هذا الإيمان، كان وزير الأوقاف "محمود الهباش" قد التقى شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" وأطلعه على نتائج وقرارات اجتماعات لجنة القدس والتي تمخض عنها ولأول مرة باتفاق الدول ألـ 16 المشارِكة، على دعوة الحكومات العربية والإسلامية، بأن تشجع زيارة المواطنين لديها للقدس، وحمايتها من الممارسات الإسرائيلية التهويدية.
هذا جانب ممّا تعتقد به السلطة الفلسطينية وتعتبره من الخطوات الداعمة لقضية القدس في ظل الظروف التهويدية القاسية التي تعيشها المدينة منذ احتلالها، وهو الشيء نفسه، الذي تقلل منه جهات ومرجعيات دينية أخرى، وكانت أحدثت تلك الدعوات، جدالات سياسية شديدة وخلافات دينية واسعة، طوال الفترة الفائتة ومنذ بروزها قبل أكثر من عامين.
ففي هذا الصدد، دعت السلطة الفلسطينية وجهات عديدة أخرى، وعلى رأسها حركة فتح، إلى الحجيج إلى القدس، بهدف الحفاظ على طهارتها من التزوير والأسرلة، وحذرت من ناحيةٍ أخرى، من الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة ضد القدس والمسجد الأقصى، ودعم أهلها الذين يتعرضون لحملة تهجير مبرمجة في ظل عملية تهويد متصاعدة للمدينة. للحيلولة دون اعتبارها معلماً مقدساً للعرب والمسلمين وعاصمة للدولة الفلسطينية. ومن ناحيةٍ أخرى فقد أفتت وزارة الأوقاف في رام الله بوجوب زيارة العرب والمسلمين للقدس على مدار العام، لتكريس القيمة الدينية والسياسية العربية والفلسطينية داخل المدينة.
لكن كانت رأت جهات أخرى عربية وفلسطينية، بأن من غير الضرورة أن ينحو العرب والمسلمين إلى هذه الناحية خاصة في الظروف الاحتلالية، بسبب أنها مفرغة القيمة والجدوى، إضافةً إلى أنها لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي. وقد اعتبرت حركة حماس، بأن الزيارات المختلفة للمدينة والدعوة لها، تمثلان خرقاً للمقاطعة العربية والإسلامية للاحتلال الإسرائيلي.
وكانت قد تقدمت رابطة علماء فلسطين بفتوى تقول: بأن السفر أو السياحة إلى القدس في ظل الكيان الصهيوني الغاصب، لغير أبناء فلسطين حرام شرعاً، ولو كان ذلك بقصد (السياحة الدينية) أو زيارة المسجد الأقصى، فما كلف الله المسلمين بزيارة المسجد وهو يخضع للدولة الصهيونية، بل الذي كلف المسلمون به، هو تحريره وإنقاذه من أيديها وإعادته وما حوله إلى عزة الإسلام.
وكانت قد صدرت فتاوى تحرّم الزيارة، كالتي أصدرتها رابطة العلماء المسلمين الدولية، وخاصة التي تصدّر بها الشيخ "يوسف القرضاوي" وما أعلن به شيخ الأزهر "أحمد الطيب" حينما أعلن وبوضوح، بضرورة وجوب مقاطعة المحتلين. وأنه من الضروري بالنسبة لغير الفلسطينيين عدم زيارة القدس؛ حتى لا يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية– مع ملاحظة أن هذه المعارضة جاءت قبل 30 يونية الماضي- أي قبل عزل الرئيس المصري "محمد مرسي" وتولي الجيش مقاليد الحكم. وفي هذا الشأن كان البابا "شنودة " ومن بعده البابا "تواضروس" قد حظرا على أتباعهما الإقدام على السفر إلى القدس بسبب أنها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
موقف الأزهر تغيير الآن إلى ناحية تحليل الزيارة، فهو على الرغم من عدم لجوئه إلى الإفتاء صراحةً بوجوبها دفعة واحدة، إلاّ أنه بدأ برفض تحريمها. وأبدى توافقاً على استراتيجية الواجب اتباعها لحماية المدينة.
الآن، وبغض النظر عمّا إذا كانت الزيارة واجبة أو محرمةً شرعاً، وفيما إذا كانت مقبولةً أو مرفوضة سياسياً، فإن إسرائيل ليست مغمضة العينين إزاء كل النشاطات الفلسطينية القائمة باتجاه المدينة المقدسة والمحتملة فيما بعد، فهي ومنذ البداية لا ترفض مثل تلبية هذه الدعوات، فمنذ الحجيج الليبي في العام 1993، والذي أثار جدلاً حينها، وهي ترحب بكل أحاسيسها بها، بسبب أنها بالفعل تعتبرها تصب في جهة التطبيع معها، والذي معناه السياحة إلى إسرائيل، بعد أن عانت طويلاً من الكسل المصري والأردني بشأن النزول إليها، باعتبار أنهما في حالة سلام جهرية معها، وبخاصة في إطاري السياحة والاستثمار، وهي تنظر الآن، وكأن جائزة هبطت إليها من السماء وهكذا من دون تعبٍ ولا نصب.
كما أن هذه الدعوات رافقتها دعوات إسرائيلية مماثلة، بل وبصورة أشد، وذلك حينما دعا رئيس بلدية المدينة "نير بركات" عن خُطَّة له تَستهدف جذب عشرة ملايين سائح سنويًا إلى القدس، مُؤكِّداً أنه نَجَحَ فعلاً في اجتذاب ما يقارب من أربعة ملايين سائح لمدينة القدس، خلال العام الواحد، بسبب أن كل النزلاء وعلى اختلاف نواياهم، سيكونون مورداً هامّاً سيصب نهاية الأمر وبغزارة في الجيب الإسرائيلي.
ومن جهةٍ أخرى، فإذا ما شعرت إسرائيل بأدنى الخطر في هذ الصدد، فإنها بالتأكيد ستضع خططها الصّادّة هي الأخرى، للحيلولة دون تنامي هذا الخطر، والعمل على منع الزيارات وحتى لو أقدمت الدول قد تحميلها المسؤوليّة بشأن اضطهاد الأديان، أو لجوؤها إلى الحد منها إلى القدر المقبول لديها، كأن تلجأ إلى وضع عراقيل مختلفة، تعسّر من الزيارة -على سبيل المثال- كأن تعزز من إجراءات الأمن والسلامة على المعابر الأردنية – الفلسطينية، أو تجعل الزوّار يهبطون في المطارات الإسرائيلية ويضطرون إلى الدوران في المدن الإسرائيلية الصِرفة والمبيت في فنادقها ليتمكنوا في اليوم التالي الذهاب إلى القدس. وهكذا.
خانيونس/فلسطين
23/1/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
ترتيباً على مقررات لجنة القدس التي عُقدت مؤخراً في المملكة المغربية، قامت السلطة الفلسطينية من فورها بمشاركة وزارتي السياحة والأوقاف بإعداد خطة من شأنها- كما تؤمن- العمل على التصدي للممارسات الإسرائيلية ضد مدينة القدس المحتلّة، سواء من حيث العمليات التهويدية المتسارعة أو من حيث عمليات التضييق على سكانها العرب الفلسطينيين، ومن ناحيةٍ أخرى، كوسيلة لإثبات وجودها في المدينة، ولنفي الفكرة السائدة لدى الإسرائيليين من أن القدس هي عاصمة إسرائيل اليهودية الأبدية. حيث قامت بإعداد خطة للعام الحالي لتنفيذ هجوم عربي- إسلامي صوب المدينة نصرة لها ولمقدساتها.
هذه الخطة ستكون مكثفة بحسب ما أُعلن عنها، حيث تعتمد على حث العرب والمسلمين على زيارتهم للمدينة المقدسة من خلال برامج دعاية ضخمة تشمل السفارات الفلسطينية في الخارج والشركات السياحية ووزراء سياحة عرب ومسلمين، يعملون كمروّجين سياحيين، لحشد أكبر عددٍ من الزوار للقدس يخدم الغرض. على اعتبار أن التوجهات نحو الدعوات الفلسطينية السابقة إلى زيارة القدس، أثبتت نجاحات مهمّة على المستويين الديني والسياسي، وعلى رأسها أنها استطاعت كسر الحاجز النفسي لدى العرب والمسلمين لزيارة المدينة.
ومن أجل تسمين هذا الإيمان، كان وزير الأوقاف "محمود الهباش" قد التقى شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" وأطلعه على نتائج وقرارات اجتماعات لجنة القدس والتي تمخض عنها ولأول مرة باتفاق الدول ألـ 16 المشارِكة، على دعوة الحكومات العربية والإسلامية، بأن تشجع زيارة المواطنين لديها للقدس، وحمايتها من الممارسات الإسرائيلية التهويدية.
هذا جانب ممّا تعتقد به السلطة الفلسطينية وتعتبره من الخطوات الداعمة لقضية القدس في ظل الظروف التهويدية القاسية التي تعيشها المدينة منذ احتلالها، وهو الشيء نفسه، الذي تقلل منه جهات ومرجعيات دينية أخرى، وكانت أحدثت تلك الدعوات، جدالات سياسية شديدة وخلافات دينية واسعة، طوال الفترة الفائتة ومنذ بروزها قبل أكثر من عامين.
ففي هذا الصدد، دعت السلطة الفلسطينية وجهات عديدة أخرى، وعلى رأسها حركة فتح، إلى الحجيج إلى القدس، بهدف الحفاظ على طهارتها من التزوير والأسرلة، وحذرت من ناحيةٍ أخرى، من الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة ضد القدس والمسجد الأقصى، ودعم أهلها الذين يتعرضون لحملة تهجير مبرمجة في ظل عملية تهويد متصاعدة للمدينة. للحيلولة دون اعتبارها معلماً مقدساً للعرب والمسلمين وعاصمة للدولة الفلسطينية. ومن ناحيةٍ أخرى فقد أفتت وزارة الأوقاف في رام الله بوجوب زيارة العرب والمسلمين للقدس على مدار العام، لتكريس القيمة الدينية والسياسية العربية والفلسطينية داخل المدينة.
لكن كانت رأت جهات أخرى عربية وفلسطينية، بأن من غير الضرورة أن ينحو العرب والمسلمين إلى هذه الناحية خاصة في الظروف الاحتلالية، بسبب أنها مفرغة القيمة والجدوى، إضافةً إلى أنها لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي. وقد اعتبرت حركة حماس، بأن الزيارات المختلفة للمدينة والدعوة لها، تمثلان خرقاً للمقاطعة العربية والإسلامية للاحتلال الإسرائيلي.
وكانت قد تقدمت رابطة علماء فلسطين بفتوى تقول: بأن السفر أو السياحة إلى القدس في ظل الكيان الصهيوني الغاصب، لغير أبناء فلسطين حرام شرعاً، ولو كان ذلك بقصد (السياحة الدينية) أو زيارة المسجد الأقصى، فما كلف الله المسلمين بزيارة المسجد وهو يخضع للدولة الصهيونية، بل الذي كلف المسلمون به، هو تحريره وإنقاذه من أيديها وإعادته وما حوله إلى عزة الإسلام.
وكانت قد صدرت فتاوى تحرّم الزيارة، كالتي أصدرتها رابطة العلماء المسلمين الدولية، وخاصة التي تصدّر بها الشيخ "يوسف القرضاوي" وما أعلن به شيخ الأزهر "أحمد الطيب" حينما أعلن وبوضوح، بضرورة وجوب مقاطعة المحتلين. وأنه من الضروري بالنسبة لغير الفلسطينيين عدم زيارة القدس؛ حتى لا يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية– مع ملاحظة أن هذه المعارضة جاءت قبل 30 يونية الماضي- أي قبل عزل الرئيس المصري "محمد مرسي" وتولي الجيش مقاليد الحكم. وفي هذا الشأن كان البابا "شنودة " ومن بعده البابا "تواضروس" قد حظرا على أتباعهما الإقدام على السفر إلى القدس بسبب أنها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
موقف الأزهر تغيير الآن إلى ناحية تحليل الزيارة، فهو على الرغم من عدم لجوئه إلى الإفتاء صراحةً بوجوبها دفعة واحدة، إلاّ أنه بدأ برفض تحريمها. وأبدى توافقاً على استراتيجية الواجب اتباعها لحماية المدينة.
الآن، وبغض النظر عمّا إذا كانت الزيارة واجبة أو محرمةً شرعاً، وفيما إذا كانت مقبولةً أو مرفوضة سياسياً، فإن إسرائيل ليست مغمضة العينين إزاء كل النشاطات الفلسطينية القائمة باتجاه المدينة المقدسة والمحتملة فيما بعد، فهي ومنذ البداية لا ترفض مثل تلبية هذه الدعوات، فمنذ الحجيج الليبي في العام 1993، والذي أثار جدلاً حينها، وهي ترحب بكل أحاسيسها بها، بسبب أنها بالفعل تعتبرها تصب في جهة التطبيع معها، والذي معناه السياحة إلى إسرائيل، بعد أن عانت طويلاً من الكسل المصري والأردني بشأن النزول إليها، باعتبار أنهما في حالة سلام جهرية معها، وبخاصة في إطاري السياحة والاستثمار، وهي تنظر الآن، وكأن جائزة هبطت إليها من السماء وهكذا من دون تعبٍ ولا نصب.
كما أن هذه الدعوات رافقتها دعوات إسرائيلية مماثلة، بل وبصورة أشد، وذلك حينما دعا رئيس بلدية المدينة "نير بركات" عن خُطَّة له تَستهدف جذب عشرة ملايين سائح سنويًا إلى القدس، مُؤكِّداً أنه نَجَحَ فعلاً في اجتذاب ما يقارب من أربعة ملايين سائح لمدينة القدس، خلال العام الواحد، بسبب أن كل النزلاء وعلى اختلاف نواياهم، سيكونون مورداً هامّاً سيصب نهاية الأمر وبغزارة في الجيب الإسرائيلي.
ومن جهةٍ أخرى، فإذا ما شعرت إسرائيل بأدنى الخطر في هذ الصدد، فإنها بالتأكيد ستضع خططها الصّادّة هي الأخرى، للحيلولة دون تنامي هذا الخطر، والعمل على منع الزيارات وحتى لو أقدمت الدول قد تحميلها المسؤوليّة بشأن اضطهاد الأديان، أو لجوؤها إلى الحد منها إلى القدر المقبول لديها، كأن تلجأ إلى وضع عراقيل مختلفة، تعسّر من الزيارة -على سبيل المثال- كأن تعزز من إجراءات الأمن والسلامة على المعابر الأردنية – الفلسطينية، أو تجعل الزوّار يهبطون في المطارات الإسرائيلية ويضطرون إلى الدوران في المدن الإسرائيلية الصِرفة والمبيت في فنادقها ليتمكنوا في اليوم التالي الذهاب إلى القدس. وهكذا.
خانيونس/فلسطين
23/1/2014