النذير السيّء !
د. عادل محمد عايش الأسطل
بسبب اعتياده على تلقي الأزمات، ربما لن يفقد الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" الكثير من وزنه نتيجة امتعاضه الدائم من سوء التصرفات الإسرائيلية الرسمية ضد الفلسطينيين وقضاياهم العادلة، على الرغم من محاولته الإثبات في كل مرة بأنه جادّ جدّاً في مسألة تحقيق السلام، وإنهاء حالة العداء مع الإسرائيليين وإلى ما لا نهاية. ولكنه سيكون مضطراً وعلى غير العادة، إلى استحضار أنواعاً من المناظير الأكثر تطوراً وتقنيّة، كي يتسنَّ له قراءة خطة الإطار (العصماء) التي كتبها وحرّرها وأذِن بتسريبها أيضاً وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" التي بالتأكيد ستجعله مُلزماً حتى قبل اتمام تفحّصها، بفقد الكثير ممّا حافظ عليه طوال الفترات السابقة، ليس لأنّه سيتبيّن بأن كل عبارة واردة جيّدة، هي مرتبطة بأخرى سيئة، ويتعذّر عليه الموافقة عليها، أو حتى تسجيل ملاحظات فقط، بل لتصوّره بأنه سيتحمّل أمام المجتمع الدولي مسؤولية إفشال المفاوضات والعملية السياسية برمّتها. لا سيما وأن التحذيرات الخطرة التي أطلقتها تباعاً مجموعة دول الاتحاد الأوروبي بتحميل المسؤولية للطرف المتسبب في إفشال المفاوضات، ما تزال ماثلةً أمام عينيه، ويشعر بصداها في كل حين.
بالمقابل، تنفس الصعداء رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وتوقفت أسنانه عن صّك بعضها ببعض، في أعقاب موافقة "كيري" على إدراج مطالبه (كلّها) في تلك الخطة، وانتفض من فوره ليعبّر بصورة مريحة عن تقديره البالغ لجهوده، التي استجابت لرؤية الإسرائيليين الطموحة، وأزاحت من ناحيةٍ أخرى عن كاهله منذ الآن، مسألة تحمّل مسؤولية فشل العملية السياسية، وبالتالي إبعاد شبح المقاطعة التي طالما هددت بها دول الاتحاد الأوروبي. وأعرب بالمناسبة عن أمله في أن يسعى الجانب الفلسطيني إلى الموافقة والالتزام بالمتطلبات الإسرائيلية الضرورية التي ستكشف عنها الخطة بوضوح، وخاصة تلك المتعلقة بمسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، والقبول بالتغييرات الديمغرافية التي حدثت على الأرض خلال العقود الستّة الماضية، والتخلّي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، وترك أيّة أحلام بشأن حق العودة، بالإضافة إلى إبطال مفعول أيّة مطالب فلسطينية أخرى في المستقبل.
حين أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" منذ الأسبوع الماضي بأن الكرة انزلقت وبسهولة إلى عمق الملعب الفلسطيني، لم يكن من قبيل النكتة أو الضرب في الغيب، فقد كان إعلانه عن واقع حتمي وحقيقة مؤكّدة، بسبب إعجابه بدرجة عالية بمواد الخطة منذ لحظة مروره على تفاصيلها بعينيه فقط ودون الحاجة إلى الاستعانة بنظارته الشخصية.
يجب علينا تذكُّر، أن "ليبرمان" قد جرّ ناعماً، بعد شهرٍ واحدٍ فقط منذ إفلاته من العقاب وقبضهِ مرةً أخرى على وزارة الخارجية وإلى الآن، أمام الكل وخاصةً باتجاه "كيري"، حينما دعا الإسرائيليين في الحكومة الذين سعوا إلى انتقاده ومهاجمته، وخاصةً رئيسه "نتانياهو" ورفيقه وزير الجيش "موشيه يعالون" بعد أن أبدعا في مجاهرته بالعداء، وقذفه بالاتهامات المخزيات، دعاهم إلى الهبوط والاسترخاء وحتى الخلود إلى النوم، وجاهد في شأن توضيح، أن "كيري" هو صديق حقيقي لإسرائيل، وأن من الواجب الدفاع بقوة عن الذي طالما دافع عن إسرائيل في مختلف المحافل الرسميّة والمواقع الدولية، وتوسّل لديهم إلى حد البكاء، على أن من يضطرّه الحديث في "كيري" أن يقُول قولاً ليّناً أو لا يقُل.
كان أصرّ "ليبرمان" على تجاوز رئيسه "بيبي" وخاصةً من جهة اليسار هذه المرّة، بعد أن استمع إلى مديح الإدارة الأمريكية وثنائها على مواقفه المتهاونة التي بدا عليها خلال الفترة الفائتة، وسواء كانت تلك التي تخص العلاقة مع الولايات المتحدة أو بالنسبة لمساعيها الجادّة بشأن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وكأنه ابتلع قرصاً، أو أن أحداً علّق في عنقه تميمة، لما بدا عليه من الهدوء والاستعداد بتقديم تنازلات يراها أكثر من مؤلمة، بلغت أقصاها، استعداده لإخلاء منزله في مستوطنة (نيكوديم) إلى الشرق من مدينة بيت لحم حيث يقيم، مقابل اتفاق حقيقي ودائم مع الفلسطينيين.
إلى الآن، الجانب الفلسطيني ما يزال واضعاً يده على خدّه، واكتفى بالقول، بأن الإسرائيليين يُصعّدون مواقفهم لتحقيق غرضهم بنسف السلام، وبأن الأميركيين لم يقدموا إلى هذا الوقت أيّة مقترحات مكتوبة، وأن سلوكهم يمكن وصفه بأنه إطلاق بالونات اختبار خاصة بجس النبض، ومراقبة درجة الحرارة لدى الجانب الفلسطيني، للاهتداء كيف سيتقدمون، فهم لا يقدمون أي شيء على الورق، أو بالأحرى لم يكتبوا ملاحظاته في الخطة العمياء، على الرغم من أن الرئيس "أبومازن" قد أحاطهم علماً بالذي لا يستطيع القبول به، وأعلمهم مرّةً بعد مرّة، بأن لا معنى لدولة فلسطينية من دون تحقيق متطلباتها وعلى رأسها أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لها.
إن أسوأ نذير سوف يتلقاه الفلسطينيين منذ استئناف المفاوضات في يوليو/تموز من العام الفائت وإلى الآن، هو ما ستأتي به تلك الخطة، لعدم تلبيتها الحدود الدنيا من الطموحات الفلسطينية، حيث ستبدو وكأن الحياة السياسيّة تقف على شفا الهاوية، وعندها يتوجب على الفلسطينيين وقف الخسارة، ومن ثمّ العمل على استحضار كافة بدائلهم البيضاء والتي كانوا إدّخروها لليوم الأسود، لأن أقلّها أصبح (أفضل) من دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعاصمتها شعفاط.
خانيونس/فلسطين
15/2/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
بسبب اعتياده على تلقي الأزمات، ربما لن يفقد الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" الكثير من وزنه نتيجة امتعاضه الدائم من سوء التصرفات الإسرائيلية الرسمية ضد الفلسطينيين وقضاياهم العادلة، على الرغم من محاولته الإثبات في كل مرة بأنه جادّ جدّاً في مسألة تحقيق السلام، وإنهاء حالة العداء مع الإسرائيليين وإلى ما لا نهاية. ولكنه سيكون مضطراً وعلى غير العادة، إلى استحضار أنواعاً من المناظير الأكثر تطوراً وتقنيّة، كي يتسنَّ له قراءة خطة الإطار (العصماء) التي كتبها وحرّرها وأذِن بتسريبها أيضاً وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" التي بالتأكيد ستجعله مُلزماً حتى قبل اتمام تفحّصها، بفقد الكثير ممّا حافظ عليه طوال الفترات السابقة، ليس لأنّه سيتبيّن بأن كل عبارة واردة جيّدة، هي مرتبطة بأخرى سيئة، ويتعذّر عليه الموافقة عليها، أو حتى تسجيل ملاحظات فقط، بل لتصوّره بأنه سيتحمّل أمام المجتمع الدولي مسؤولية إفشال المفاوضات والعملية السياسية برمّتها. لا سيما وأن التحذيرات الخطرة التي أطلقتها تباعاً مجموعة دول الاتحاد الأوروبي بتحميل المسؤولية للطرف المتسبب في إفشال المفاوضات، ما تزال ماثلةً أمام عينيه، ويشعر بصداها في كل حين.
بالمقابل، تنفس الصعداء رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وتوقفت أسنانه عن صّك بعضها ببعض، في أعقاب موافقة "كيري" على إدراج مطالبه (كلّها) في تلك الخطة، وانتفض من فوره ليعبّر بصورة مريحة عن تقديره البالغ لجهوده، التي استجابت لرؤية الإسرائيليين الطموحة، وأزاحت من ناحيةٍ أخرى عن كاهله منذ الآن، مسألة تحمّل مسؤولية فشل العملية السياسية، وبالتالي إبعاد شبح المقاطعة التي طالما هددت بها دول الاتحاد الأوروبي. وأعرب بالمناسبة عن أمله في أن يسعى الجانب الفلسطيني إلى الموافقة والالتزام بالمتطلبات الإسرائيلية الضرورية التي ستكشف عنها الخطة بوضوح، وخاصة تلك المتعلقة بمسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، والقبول بالتغييرات الديمغرافية التي حدثت على الأرض خلال العقود الستّة الماضية، والتخلّي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، وترك أيّة أحلام بشأن حق العودة، بالإضافة إلى إبطال مفعول أيّة مطالب فلسطينية أخرى في المستقبل.
حين أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" منذ الأسبوع الماضي بأن الكرة انزلقت وبسهولة إلى عمق الملعب الفلسطيني، لم يكن من قبيل النكتة أو الضرب في الغيب، فقد كان إعلانه عن واقع حتمي وحقيقة مؤكّدة، بسبب إعجابه بدرجة عالية بمواد الخطة منذ لحظة مروره على تفاصيلها بعينيه فقط ودون الحاجة إلى الاستعانة بنظارته الشخصية.
يجب علينا تذكُّر، أن "ليبرمان" قد جرّ ناعماً، بعد شهرٍ واحدٍ فقط منذ إفلاته من العقاب وقبضهِ مرةً أخرى على وزارة الخارجية وإلى الآن، أمام الكل وخاصةً باتجاه "كيري"، حينما دعا الإسرائيليين في الحكومة الذين سعوا إلى انتقاده ومهاجمته، وخاصةً رئيسه "نتانياهو" ورفيقه وزير الجيش "موشيه يعالون" بعد أن أبدعا في مجاهرته بالعداء، وقذفه بالاتهامات المخزيات، دعاهم إلى الهبوط والاسترخاء وحتى الخلود إلى النوم، وجاهد في شأن توضيح، أن "كيري" هو صديق حقيقي لإسرائيل، وأن من الواجب الدفاع بقوة عن الذي طالما دافع عن إسرائيل في مختلف المحافل الرسميّة والمواقع الدولية، وتوسّل لديهم إلى حد البكاء، على أن من يضطرّه الحديث في "كيري" أن يقُول قولاً ليّناً أو لا يقُل.
كان أصرّ "ليبرمان" على تجاوز رئيسه "بيبي" وخاصةً من جهة اليسار هذه المرّة، بعد أن استمع إلى مديح الإدارة الأمريكية وثنائها على مواقفه المتهاونة التي بدا عليها خلال الفترة الفائتة، وسواء كانت تلك التي تخص العلاقة مع الولايات المتحدة أو بالنسبة لمساعيها الجادّة بشأن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وكأنه ابتلع قرصاً، أو أن أحداً علّق في عنقه تميمة، لما بدا عليه من الهدوء والاستعداد بتقديم تنازلات يراها أكثر من مؤلمة، بلغت أقصاها، استعداده لإخلاء منزله في مستوطنة (نيكوديم) إلى الشرق من مدينة بيت لحم حيث يقيم، مقابل اتفاق حقيقي ودائم مع الفلسطينيين.
إلى الآن، الجانب الفلسطيني ما يزال واضعاً يده على خدّه، واكتفى بالقول، بأن الإسرائيليين يُصعّدون مواقفهم لتحقيق غرضهم بنسف السلام، وبأن الأميركيين لم يقدموا إلى هذا الوقت أيّة مقترحات مكتوبة، وأن سلوكهم يمكن وصفه بأنه إطلاق بالونات اختبار خاصة بجس النبض، ومراقبة درجة الحرارة لدى الجانب الفلسطيني، للاهتداء كيف سيتقدمون، فهم لا يقدمون أي شيء على الورق، أو بالأحرى لم يكتبوا ملاحظاته في الخطة العمياء، على الرغم من أن الرئيس "أبومازن" قد أحاطهم علماً بالذي لا يستطيع القبول به، وأعلمهم مرّةً بعد مرّة، بأن لا معنى لدولة فلسطينية من دون تحقيق متطلباتها وعلى رأسها أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لها.
إن أسوأ نذير سوف يتلقاه الفلسطينيين منذ استئناف المفاوضات في يوليو/تموز من العام الفائت وإلى الآن، هو ما ستأتي به تلك الخطة، لعدم تلبيتها الحدود الدنيا من الطموحات الفلسطينية، حيث ستبدو وكأن الحياة السياسيّة تقف على شفا الهاوية، وعندها يتوجب على الفلسطينيين وقف الخسارة، ومن ثمّ العمل على استحضار كافة بدائلهم البيضاء والتي كانوا إدّخروها لليوم الأسود، لأن أقلّها أصبح (أفضل) من دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعاصمتها شعفاط.
خانيونس/فلسطين
15/2/2014