علينا بالخيار صِفر !
د. عادل محمد عايش الأسطل
أخذت الولايات المتحدة على عاتقها – من غير حساب- في التحدث نيابة عن الفلسطينيين والإسرائيليين، في شأن جلسات الحوار الأخيرة، بأنها مهمّة وايجابية، لكن سرعان ما تبيّن بأنها كاذبة، وأنها كانت فقط تسعى لتوفير الوقت، لمواصلة المهام التفاوضية ومنع انهيارها، وهو ما جعلها في ارتباك وتخبط دائمين، حتى لم تدرٍ يمينها من شمالها، وبات الرئيس "باراك أوباما" صاحب (نوبل) قبل أن يبدأ في العمل، أكثر حرجاً أمام نفسه والمجتمع الدولي أيضاً، بسبب أن هناك من توجّه باللائمة إلى أنه هو من أفشل تلك المفاوضات، وعكّر صفو العملية السياسية بشكلٍ عام، لسياسته التي كانت بوجهين مختلفين ومنطقين متباينين، أحدهما لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" الذي يحلب أمامه حليباً صافياً، والأخر للرئيس الفلسطيني "أبومازن" حيث يُمارس ألاعيبه وتفانينه، وإن كان بعضها من غير رأسه أو تكن على رغبته.
بعد انكشاف الكل، فإن "أوباما" وهو كما يبدو في غاية الحرج، ليس لديه النيّة في الظهور مجدداً لتبرير ما أقدم عليه، أو للسعي في إصلاح ما فسد، على الرغم من دعوة وزراء الخارجية العرب الأشاوس، بضرورة مواصلة واشتطن مساعيها ورعايتها للمفاوضات ولو إلى الأبد، بسبب قناعته، بأن العملية السياسية منتهية إلى لا شيء، وأن لا فائدة من إعادة الكرّة مرة أخرى. وفي ضوء ذلك، فإن من الواضح وكما تبرز التكهنات، بأن كل من الرئيس "أوباما" ووزيره "جون كيري" عكفا على النظر في الخيارات المتاحة أمامهما، بما في ذلك احتمالية أن تنأى الإدارة الأميركية بنفسها عن رعاية المفاوضات باعتبارها(خيار صفري)، نتيجة سيطرة اليأس والإحباط لديهما بإيحاد حلول، وأن الإجراءات التي اتخذتها كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية هي كافية لنفاد صبر الإدارة الاميركية، ومن ثمّ فالميل نحو الاستسلام لا بدّ منه، وربما وصلا إلى قناعة، بأن انتظار معركة (هار مجدّون) هي أقرب فرجاً، وأسهل عليهما من مواصلتهما السعي في طريق جهنم.
يجيء ذلك التوجّه في ظل، عدم قدرتهما على الإقدام علناً على تحميل أحد الطرفين مسؤولية انهيار المفاوضات، بالاعتماد إلى أساليب المواراة والتخفي، على سبيل أن في الجلسات المغلقة، يقومان بتحميل المسؤولية لـ"نتانياهو" لعدم قيامه بعملٍ ما، من شأنه أن يهدئ الأعصاب المتوترة، بل وبالمقابل يعمل على إثارتها من خلال الإعلان عن البناء الاستيطاني، ومواصلة عدم تعهده بتحرير أسرى فلسطينيين، وعدم استعداده لمناقشة قضايا مهمّة مثل الحدود والقدس.
وكان "كيري" في المرّة التي وجّه الاتهام لإسرائيل علانيةً، بعرقلة عملية السلام للأسباب الفائتة، عاد لِيُجنّبها الاتهام ويوضح أقواله، ومن ثمّ ينقلب إلى توجيه اللوم للطرف الفلسطيني، بما وصفه بـِسلوكه أفعالاً أحادية، وهي غير مجدية ولا طائل من ورائها.
"نتانياهو" كان كالمنشار، عندما سارع أثناء صعوده، إلى اتخاذ مواقف متصلبة ضد الإدارة الأمريكية، باعتبارها متسرعة في رؤيتها لما آلت إليه المفاوضات، وبيان أن الفلسطينيين كانوا السبب في الوصول إلى الزاوية لقولهم (لا) أمام كل شيء. وقام أثناء هبوطه، إلى اتخاذه وبسرعةٍ أكبر، سلسلة من القرارات ضد السلطة الفلسطينية، وأهمها قطع الاتصالات المدنيّة والاقتصاديّة معها، والإبقاء فقط على ما يتعلق بمسألة التنسيق بين أجهزة الأمن، ووزارة الجيش، وخط وزيرة العدل "تسيبي ليفني" التي تقود المفاوضات الإسرائيليّة، وهذه برغم أن أحداً لم يتفاجأ منها، إلاّ أنها كانت مثاراً لردود فعل مختلفة ومنقسمة أيضاً، ففي حين أن الإدارة الأميركية تغاضت عن الاتهامات الصادرة بحقها، إلاّ أنها أظهرت بأنه ساءتها إجراءات "نتانياهو"، كون المفاوضات يجب أن تستمر بين الطرفين، وهذا يتطلب التواصل لبناء الثقة، وترى أنها لا تساعد. وإسرائيلياً، عارض وزراء داخل الحكومة، ومنهم وزير البيئة الإسرائيلي "عمير بيريتس" تلك التوجيهات بسبب أنها تضر بالعلاقات بين الطرفين، ولا تساهم في خلق أجواء إيجابية. في نفس الحين، أعرب زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" عن آماله باعتماد مخطّطه الرامي إلى الانتهاء من الكل، من خلال أن تستسلم الحكومة نحو ضم الكتل الاستيطانية في (يهودا والسامرة) الضفة الغربية، وفرض السيادة على منطقة (ج) ومنح الجنسية للفلسطينيين المتواجدين فيها، وعزز آماله هذه، بأنه يمتلك أغلبية ساحقة من أعضاء الكنيست والوزراء في الحكومة في هذا الصدد.
تزامنت تصريحات "بينيت" مع لجوء وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" إلى مداعبة نظيره "كيري" في واشنطن، بأنه يتمسك به كصديق، وبأنه يسعى إلى السلام، وأبلغه بأنه لا يزال يخالجه شعور بأنه قادر على فعل شيء، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخلى عن المفاوضات ولا عن مشاركة فعّالة واضحة بشأنها.
على أي حال، فإن الإشارات الأمريكية، باعتبارها مُفضيةً للانسحاب من عملية السلام، أو باعتبارها تكتيك للضغط على الطرفين، بناءً على نتيجة المفاوضات السيئة، فإنها لم تمنع القيادة الفلسطينية، من تنشيف أساليبها في العلاقة مع الإسرائيليين، وتنطيق سقف مطالبها إلى الأعلى، وبإعلان تهديداتها المقابلة وبدرجة أوضح، حينما أبلغت بأن في نيّتها دراسة إجراءات مقابلة في مواجهة إجراءات "نتانياهو" والتي تتعلق بـالقفز مباشرةً إلى (الخيار صفر) والذي يعني تخفيض العلاقات مع الإسرائيليين إلى الصفر، وهي المتعلقة بتلك التي استثناها "نتانياهو" من الحظر.
هذا الخيار بلا شك، وإن كان بدر من القيادة الفلسطينية، فإنه يمكن الكلام بشأنه طولاً وعرضاً ولكنه صعب التنفيذ، ليس بسبب أن يكون هناك غضباً إسرائيلياً، أو انتقاداً آخر أمريكياً، وإنما يرجع إلى عدم وجود رغبة فلسطينية في تطبيقه على الواقع، لأنه يعني بطريق أو بأخرى، إلى ما يمكن تسميته تفكيك السلطة، وهو الذي يعني عودة الاضطراب والفوضى إلى المنطقة مجدداً، وهذا غير مقبول لدى القيادة، بحجّة أن المتاعب التي سيجنيها الفلسطينيين هي أكثر أضعافاً من المكاسب المتوخاة، ودائماً كانت تدفع عن نفسها إمكانية حصول أيّة انتفاضات أخرى، وتدافع في نفس الوقت عن وجود السلطة وتُجاهد من أجل تعزيزها، باعتبارها من مكتسبات الفلسطينيين التي توّجت نضالاتهم على مدى سنين مريرة، وإن استسهال التفريط بها، يصب حتماً في صالح الإسرائيليين.
في إسرائيل، لا اكتراث بتهديدات السلطة، ولا شعور بالحنق الفلسطيني، وحتى في حال تحميلهم مسؤولية الفشل التفاوضي وعدم التوصل إلى حل، بسبب اعتقادهم بأن الدنيا لن تكون نهايتها عند هذا الحد. حتى لدى الأمريكيين، فإن القيادة الفلسطينية مسموحٌ لها أن تُبرز غضبها هنا، وتُعلي من صراخها هناك على مسارح الأمم، ولها أن تصِف الإسرائيليين كما تشاء، وتنعتهم بكل الصفات المذمومة (العنصرية، الفاشية، الغطرسة) وغيرها، ولكن في نطاق التحمّل الأمريكي، بسبب أن الكلاب لا تضغط على ذيول بعضها.
خانيونس/فلسطين
10/4/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
أخذت الولايات المتحدة على عاتقها – من غير حساب- في التحدث نيابة عن الفلسطينيين والإسرائيليين، في شأن جلسات الحوار الأخيرة، بأنها مهمّة وايجابية، لكن سرعان ما تبيّن بأنها كاذبة، وأنها كانت فقط تسعى لتوفير الوقت، لمواصلة المهام التفاوضية ومنع انهيارها، وهو ما جعلها في ارتباك وتخبط دائمين، حتى لم تدرٍ يمينها من شمالها، وبات الرئيس "باراك أوباما" صاحب (نوبل) قبل أن يبدأ في العمل، أكثر حرجاً أمام نفسه والمجتمع الدولي أيضاً، بسبب أن هناك من توجّه باللائمة إلى أنه هو من أفشل تلك المفاوضات، وعكّر صفو العملية السياسية بشكلٍ عام، لسياسته التي كانت بوجهين مختلفين ومنطقين متباينين، أحدهما لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" الذي يحلب أمامه حليباً صافياً، والأخر للرئيس الفلسطيني "أبومازن" حيث يُمارس ألاعيبه وتفانينه، وإن كان بعضها من غير رأسه أو تكن على رغبته.
بعد انكشاف الكل، فإن "أوباما" وهو كما يبدو في غاية الحرج، ليس لديه النيّة في الظهور مجدداً لتبرير ما أقدم عليه، أو للسعي في إصلاح ما فسد، على الرغم من دعوة وزراء الخارجية العرب الأشاوس، بضرورة مواصلة واشتطن مساعيها ورعايتها للمفاوضات ولو إلى الأبد، بسبب قناعته، بأن العملية السياسية منتهية إلى لا شيء، وأن لا فائدة من إعادة الكرّة مرة أخرى. وفي ضوء ذلك، فإن من الواضح وكما تبرز التكهنات، بأن كل من الرئيس "أوباما" ووزيره "جون كيري" عكفا على النظر في الخيارات المتاحة أمامهما، بما في ذلك احتمالية أن تنأى الإدارة الأميركية بنفسها عن رعاية المفاوضات باعتبارها(خيار صفري)، نتيجة سيطرة اليأس والإحباط لديهما بإيحاد حلول، وأن الإجراءات التي اتخذتها كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية هي كافية لنفاد صبر الإدارة الاميركية، ومن ثمّ فالميل نحو الاستسلام لا بدّ منه، وربما وصلا إلى قناعة، بأن انتظار معركة (هار مجدّون) هي أقرب فرجاً، وأسهل عليهما من مواصلتهما السعي في طريق جهنم.
يجيء ذلك التوجّه في ظل، عدم قدرتهما على الإقدام علناً على تحميل أحد الطرفين مسؤولية انهيار المفاوضات، بالاعتماد إلى أساليب المواراة والتخفي، على سبيل أن في الجلسات المغلقة، يقومان بتحميل المسؤولية لـ"نتانياهو" لعدم قيامه بعملٍ ما، من شأنه أن يهدئ الأعصاب المتوترة، بل وبالمقابل يعمل على إثارتها من خلال الإعلان عن البناء الاستيطاني، ومواصلة عدم تعهده بتحرير أسرى فلسطينيين، وعدم استعداده لمناقشة قضايا مهمّة مثل الحدود والقدس.
وكان "كيري" في المرّة التي وجّه الاتهام لإسرائيل علانيةً، بعرقلة عملية السلام للأسباب الفائتة، عاد لِيُجنّبها الاتهام ويوضح أقواله، ومن ثمّ ينقلب إلى توجيه اللوم للطرف الفلسطيني، بما وصفه بـِسلوكه أفعالاً أحادية، وهي غير مجدية ولا طائل من ورائها.
"نتانياهو" كان كالمنشار، عندما سارع أثناء صعوده، إلى اتخاذ مواقف متصلبة ضد الإدارة الأمريكية، باعتبارها متسرعة في رؤيتها لما آلت إليه المفاوضات، وبيان أن الفلسطينيين كانوا السبب في الوصول إلى الزاوية لقولهم (لا) أمام كل شيء. وقام أثناء هبوطه، إلى اتخاذه وبسرعةٍ أكبر، سلسلة من القرارات ضد السلطة الفلسطينية، وأهمها قطع الاتصالات المدنيّة والاقتصاديّة معها، والإبقاء فقط على ما يتعلق بمسألة التنسيق بين أجهزة الأمن، ووزارة الجيش، وخط وزيرة العدل "تسيبي ليفني" التي تقود المفاوضات الإسرائيليّة، وهذه برغم أن أحداً لم يتفاجأ منها، إلاّ أنها كانت مثاراً لردود فعل مختلفة ومنقسمة أيضاً، ففي حين أن الإدارة الأميركية تغاضت عن الاتهامات الصادرة بحقها، إلاّ أنها أظهرت بأنه ساءتها إجراءات "نتانياهو"، كون المفاوضات يجب أن تستمر بين الطرفين، وهذا يتطلب التواصل لبناء الثقة، وترى أنها لا تساعد. وإسرائيلياً، عارض وزراء داخل الحكومة، ومنهم وزير البيئة الإسرائيلي "عمير بيريتس" تلك التوجيهات بسبب أنها تضر بالعلاقات بين الطرفين، ولا تساهم في خلق أجواء إيجابية. في نفس الحين، أعرب زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" عن آماله باعتماد مخطّطه الرامي إلى الانتهاء من الكل، من خلال أن تستسلم الحكومة نحو ضم الكتل الاستيطانية في (يهودا والسامرة) الضفة الغربية، وفرض السيادة على منطقة (ج) ومنح الجنسية للفلسطينيين المتواجدين فيها، وعزز آماله هذه، بأنه يمتلك أغلبية ساحقة من أعضاء الكنيست والوزراء في الحكومة في هذا الصدد.
تزامنت تصريحات "بينيت" مع لجوء وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" إلى مداعبة نظيره "كيري" في واشنطن، بأنه يتمسك به كصديق، وبأنه يسعى إلى السلام، وأبلغه بأنه لا يزال يخالجه شعور بأنه قادر على فعل شيء، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخلى عن المفاوضات ولا عن مشاركة فعّالة واضحة بشأنها.
على أي حال، فإن الإشارات الأمريكية، باعتبارها مُفضيةً للانسحاب من عملية السلام، أو باعتبارها تكتيك للضغط على الطرفين، بناءً على نتيجة المفاوضات السيئة، فإنها لم تمنع القيادة الفلسطينية، من تنشيف أساليبها في العلاقة مع الإسرائيليين، وتنطيق سقف مطالبها إلى الأعلى، وبإعلان تهديداتها المقابلة وبدرجة أوضح، حينما أبلغت بأن في نيّتها دراسة إجراءات مقابلة في مواجهة إجراءات "نتانياهو" والتي تتعلق بـالقفز مباشرةً إلى (الخيار صفر) والذي يعني تخفيض العلاقات مع الإسرائيليين إلى الصفر، وهي المتعلقة بتلك التي استثناها "نتانياهو" من الحظر.
هذا الخيار بلا شك، وإن كان بدر من القيادة الفلسطينية، فإنه يمكن الكلام بشأنه طولاً وعرضاً ولكنه صعب التنفيذ، ليس بسبب أن يكون هناك غضباً إسرائيلياً، أو انتقاداً آخر أمريكياً، وإنما يرجع إلى عدم وجود رغبة فلسطينية في تطبيقه على الواقع، لأنه يعني بطريق أو بأخرى، إلى ما يمكن تسميته تفكيك السلطة، وهو الذي يعني عودة الاضطراب والفوضى إلى المنطقة مجدداً، وهذا غير مقبول لدى القيادة، بحجّة أن المتاعب التي سيجنيها الفلسطينيين هي أكثر أضعافاً من المكاسب المتوخاة، ودائماً كانت تدفع عن نفسها إمكانية حصول أيّة انتفاضات أخرى، وتدافع في نفس الوقت عن وجود السلطة وتُجاهد من أجل تعزيزها، باعتبارها من مكتسبات الفلسطينيين التي توّجت نضالاتهم على مدى سنين مريرة، وإن استسهال التفريط بها، يصب حتماً في صالح الإسرائيليين.
في إسرائيل، لا اكتراث بتهديدات السلطة، ولا شعور بالحنق الفلسطيني، وحتى في حال تحميلهم مسؤولية الفشل التفاوضي وعدم التوصل إلى حل، بسبب اعتقادهم بأن الدنيا لن تكون نهايتها عند هذا الحد. حتى لدى الأمريكيين، فإن القيادة الفلسطينية مسموحٌ لها أن تُبرز غضبها هنا، وتُعلي من صراخها هناك على مسارح الأمم، ولها أن تصِف الإسرائيليين كما تشاء، وتنعتهم بكل الصفات المذمومة (العنصرية، الفاشية، الغطرسة) وغيرها، ولكن في نطاق التحمّل الأمريكي، بسبب أن الكلاب لا تضغط على ذيول بعضها.
خانيونس/فلسطين
10/4/2014