تهديدات رائعة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
بعد فترة من تجنيبها مسؤولية إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه الأعماق الإسرائيلية والتي امتدت منذ توقيع الجانبين على بنود الهدنة التي توّجت عدوان عمود السحاب، عادت إسرائيل لتحميل حركة حماس المسؤولية كاملةً، في أعقاب تلقّيها عدداً لا بأس به من الصواريخ والقذائف محلية الصنع، بدءاً من ليل الأحد وفجر الاثنين الماضيين، معتبرة بذلك بأنها لم تتعمّد خرق تلك الهدنة وحسب، بل متعمّدةً – كهدفٍ أصيل- جرّ إسرائيل للدخول في حربٍ ثالثة معها.
التفسير الإسرائيلي لقيام حماس بخرقها للهدنة أخذ شكلين، سياسي وأمني، أمّا السياسي: فهو الذي استند على نتيجة الأزمة التي تعيشها الحركة والتي لا تستطيع حلها وحتى في ظل مصالحتها مع حركة فتح، وتجِد في تصعيد الأمور مع إسرائيل فرصة للهروب من هذه الأزمة، خاصة في ظل انضمام عددٍ كبير من موظفيها لجيش العاطلين عن العمل بعد حكومة الوفاق الوطني والتي لا تجِدّ في إيجاد أيّة حلولٍ لها. وأمّا الأمني وكما استند الجيش والشاباك الإسرائيليين، على أن عملية الخرق جاءت كردة فعلٍ تلقائية، على إقدام إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال "محمد زياد عبيد" التي جرت بالقرب من محافظة خان يونس، والذي تعتبره إسرائيل أحد عناصر عز الدين القسام، حيث كان يستعد مع مجموعة من الكتائب لإطلاق صواريخ نحو إسرائيل.
إسرائيل من السهل عليها نشر الروايات وسوق التفسيرات ولصق المسؤولية، ولكن من الصعب عليها أن تجد لنفسها سنداً يُعينها على مشقة الجلوس تحت السماء بأمان، أو حتى تحت وطأة الحنق والغضب الإقليمي والدولي، بسبب أن الحقائق معلومة لدى الجميع ولا تحتاج إلى جهد مسألة البحث عنها، قبل أن نغض النظر، عن أن الحركة لا تجد أيّة غضاضة في شأن تحميلها تلك المسؤولية، وبخاصة في الوقت الذي تشعر فيه بأنها مُحِقّة أمام نفسها وأمام من يسرّهم الاحتفاظ بحريتهم وكرامتهم، كونها تأخذ على عاتقها مسألة التصدّي للممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وللمشروع الصهيوني بشكلٍ عام.
اعتادت إسرائيل على تفتيح العينين لما لها، وأغلاقهما تماماً لما عليها، فهي تكره أن تسقط النار على أسقفها، ولا ترغب في أن يشعر مواطنوها بالخطر أو الإزعاج على الأقل. وفي ذات الوقت تريد أن تكون مطلقة اليدين والرجلين معاً لممارسة إبداعاتها سواء في شأن اغفالها الهدنة أو بالالتفاف عليها كما دعت ضروراتها، أو في ممارساتها المختلفة العنفيّة ضد الفلسطينيين بعمومهم، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه تريد ويُسعدها رؤية حركات المقاومة وحركة حماس على نحوٍ خاص، أن تظل مكتوفة الأيدي ومغمضة العينين أمام انفلاتاتها ضد الفلسطينيين حيث ذاقوا المُر والأمرّ منه، ولم يهدؤوا يوماً، من خلال ممارسات التضييق والقتل والاغتيال والهدم والتشريد، والتي تضاعفت مراراً منذ عملية خطف المستوطنين الثلاثة، أوائل الشهر الماضي، حيث شهدت الضفة الغربية وبخاصة محافظة الخليل، من ممارسات عنفٍ إسرائيلية، ما لم تشهده من قبل وإلى الآن، حيث أعطت ممارساتها الفرصة لمستوطنيها أن يعيثوا خراباً في الأرض وتنكيلاً ضد الفلسطينيين، ذهب في إثرها في جريمة بشعة غير مغفورة بالمطلق، الطفل المقدسي "محمد أبوخضير" والتي تأفف منها المجتمع الدولي باعتبارها جريمة لا تمت للإنسانية بِصلة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" كان يُروّح عن نفسه ليس إلاّ، بمداومته على التهديد صحواً ونائماً، بأن على حماس وقف إطلاق الصواريخ أو يقوم هو بوقفها، في إشارة إلى تنفيذ حرب شاملة ضدها داخل القطاع، تكون أكثر كثافة وضراوة أكبر، بسبب علمه بأن تهديداته لم تعد نافعة ولا مُسلّية أيضاً، كونها تمت دراستها مسبقاً وثبُت نضوبها، وأن آخرها معلوم ومألوف ليس لدى المقاومة وحسب، وإنما في الداخل الإسرائيلي أيضاً، وإلاّ لما تفوّق عليه بدرجات مهمّة وقاتلة، وزيره "نفتالي بينت" الذي ضمّه بنفسه إلى حكومته في استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي جرت مؤخراً. وكان مسؤولون أمنيّون إسرائيليون قد أكّدوا أمام مسامعه، بأن إسرائيل لا يمكنها دراسة تنفيذ أيّة عملية عسكرية في هذ الاتجاه، كون الأوضاع الأمنية مُشبعة بالغموض، وأن البحث عن الهدوء هو الخيار الأفضل، وإذا ما أرادت إسرائيل أن تواصل سياستها ضد المقاومة وحماس على رأسها، فإن أمامها صيغ عسكرية أهون وأكثر ملائمة، يسهل تحمّلها ولا تجلب ردوداً قاسية قد لا تستطيع إسرائيل ابتلاعها بالمطلق، سيما وأن هناك إمكانات قتالية تصل مدياتها إلى تعطل الحياة الإسرائيلية ككل.
ليست هذه وحدها التي أظهرت تكاسلات "نتانياهو"عن الوفاء بتهديداته، على الرغم من استمرار الصواريخ في الهطول على المدن والبلدات الإسرائيلية وإلى الآن، وليست هي التي جعلته في كامل حيويته ونشاطاته يدور بكثافة لدى مصر في شأن البحث عن تهدئة ما، بل الذي جعله متكاسلاً ونشطاً في ذات الوقت، هو سماعه تهديدات مقابلة، أتت عاجلة من حركات المقاومة، وتحديداً الآتية من قِبل كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، وإن كانت موجزة ، إلاّ أنها دالة وشاملة، كان لها أن مسّت صميم قلبه، وزلزلت فرائصه بالجملة، من أن إسرائيل يجب أن تعلم بأن المعادلة قد تغيرت، وأن الحرب لن تكون نزهة أبداً، بالنسبة لما أعدّته المقاومة للمعركة المحتملة.
ولا شك، فقد كانت هذه التهديدات موجعة ورائعة في ذات الوقت، وجاءت روعتها في أن "نتانياهو" فهمها تماماً، من أن المقصود بها ليس هو ذاته أو الجيش الإسرائيلي الذي سيتألم، بل إسرائيل نفسها - من السلك إلى السلك-، هي التي ستكون أكثر إيلاماً، سيما وأنّه لم يستطع بعد، سد فجوة العنف الدامية، والتي قام بإحداثها في الضفة الغربية وانتشرت تداعياتها حتى القدس، والتي تنذر بحصول انتفاضة ثالثة أو بالمداومة على عدم الهدوء على الأقل.
خانيونس/فلسطين
4/7/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
بعد فترة من تجنيبها مسؤولية إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه الأعماق الإسرائيلية والتي امتدت منذ توقيع الجانبين على بنود الهدنة التي توّجت عدوان عمود السحاب، عادت إسرائيل لتحميل حركة حماس المسؤولية كاملةً، في أعقاب تلقّيها عدداً لا بأس به من الصواريخ والقذائف محلية الصنع، بدءاً من ليل الأحد وفجر الاثنين الماضيين، معتبرة بذلك بأنها لم تتعمّد خرق تلك الهدنة وحسب، بل متعمّدةً – كهدفٍ أصيل- جرّ إسرائيل للدخول في حربٍ ثالثة معها.
التفسير الإسرائيلي لقيام حماس بخرقها للهدنة أخذ شكلين، سياسي وأمني، أمّا السياسي: فهو الذي استند على نتيجة الأزمة التي تعيشها الحركة والتي لا تستطيع حلها وحتى في ظل مصالحتها مع حركة فتح، وتجِد في تصعيد الأمور مع إسرائيل فرصة للهروب من هذه الأزمة، خاصة في ظل انضمام عددٍ كبير من موظفيها لجيش العاطلين عن العمل بعد حكومة الوفاق الوطني والتي لا تجِدّ في إيجاد أيّة حلولٍ لها. وأمّا الأمني وكما استند الجيش والشاباك الإسرائيليين، على أن عملية الخرق جاءت كردة فعلٍ تلقائية، على إقدام إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال "محمد زياد عبيد" التي جرت بالقرب من محافظة خان يونس، والذي تعتبره إسرائيل أحد عناصر عز الدين القسام، حيث كان يستعد مع مجموعة من الكتائب لإطلاق صواريخ نحو إسرائيل.
إسرائيل من السهل عليها نشر الروايات وسوق التفسيرات ولصق المسؤولية، ولكن من الصعب عليها أن تجد لنفسها سنداً يُعينها على مشقة الجلوس تحت السماء بأمان، أو حتى تحت وطأة الحنق والغضب الإقليمي والدولي، بسبب أن الحقائق معلومة لدى الجميع ولا تحتاج إلى جهد مسألة البحث عنها، قبل أن نغض النظر، عن أن الحركة لا تجد أيّة غضاضة في شأن تحميلها تلك المسؤولية، وبخاصة في الوقت الذي تشعر فيه بأنها مُحِقّة أمام نفسها وأمام من يسرّهم الاحتفاظ بحريتهم وكرامتهم، كونها تأخذ على عاتقها مسألة التصدّي للممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وللمشروع الصهيوني بشكلٍ عام.
اعتادت إسرائيل على تفتيح العينين لما لها، وأغلاقهما تماماً لما عليها، فهي تكره أن تسقط النار على أسقفها، ولا ترغب في أن يشعر مواطنوها بالخطر أو الإزعاج على الأقل. وفي ذات الوقت تريد أن تكون مطلقة اليدين والرجلين معاً لممارسة إبداعاتها سواء في شأن اغفالها الهدنة أو بالالتفاف عليها كما دعت ضروراتها، أو في ممارساتها المختلفة العنفيّة ضد الفلسطينيين بعمومهم، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه تريد ويُسعدها رؤية حركات المقاومة وحركة حماس على نحوٍ خاص، أن تظل مكتوفة الأيدي ومغمضة العينين أمام انفلاتاتها ضد الفلسطينيين حيث ذاقوا المُر والأمرّ منه، ولم يهدؤوا يوماً، من خلال ممارسات التضييق والقتل والاغتيال والهدم والتشريد، والتي تضاعفت مراراً منذ عملية خطف المستوطنين الثلاثة، أوائل الشهر الماضي، حيث شهدت الضفة الغربية وبخاصة محافظة الخليل، من ممارسات عنفٍ إسرائيلية، ما لم تشهده من قبل وإلى الآن، حيث أعطت ممارساتها الفرصة لمستوطنيها أن يعيثوا خراباً في الأرض وتنكيلاً ضد الفلسطينيين، ذهب في إثرها في جريمة بشعة غير مغفورة بالمطلق، الطفل المقدسي "محمد أبوخضير" والتي تأفف منها المجتمع الدولي باعتبارها جريمة لا تمت للإنسانية بِصلة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" كان يُروّح عن نفسه ليس إلاّ، بمداومته على التهديد صحواً ونائماً، بأن على حماس وقف إطلاق الصواريخ أو يقوم هو بوقفها، في إشارة إلى تنفيذ حرب شاملة ضدها داخل القطاع، تكون أكثر كثافة وضراوة أكبر، بسبب علمه بأن تهديداته لم تعد نافعة ولا مُسلّية أيضاً، كونها تمت دراستها مسبقاً وثبُت نضوبها، وأن آخرها معلوم ومألوف ليس لدى المقاومة وحسب، وإنما في الداخل الإسرائيلي أيضاً، وإلاّ لما تفوّق عليه بدرجات مهمّة وقاتلة، وزيره "نفتالي بينت" الذي ضمّه بنفسه إلى حكومته في استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي جرت مؤخراً. وكان مسؤولون أمنيّون إسرائيليون قد أكّدوا أمام مسامعه، بأن إسرائيل لا يمكنها دراسة تنفيذ أيّة عملية عسكرية في هذ الاتجاه، كون الأوضاع الأمنية مُشبعة بالغموض، وأن البحث عن الهدوء هو الخيار الأفضل، وإذا ما أرادت إسرائيل أن تواصل سياستها ضد المقاومة وحماس على رأسها، فإن أمامها صيغ عسكرية أهون وأكثر ملائمة، يسهل تحمّلها ولا تجلب ردوداً قاسية قد لا تستطيع إسرائيل ابتلاعها بالمطلق، سيما وأن هناك إمكانات قتالية تصل مدياتها إلى تعطل الحياة الإسرائيلية ككل.
ليست هذه وحدها التي أظهرت تكاسلات "نتانياهو"عن الوفاء بتهديداته، على الرغم من استمرار الصواريخ في الهطول على المدن والبلدات الإسرائيلية وإلى الآن، وليست هي التي جعلته في كامل حيويته ونشاطاته يدور بكثافة لدى مصر في شأن البحث عن تهدئة ما، بل الذي جعله متكاسلاً ونشطاً في ذات الوقت، هو سماعه تهديدات مقابلة، أتت عاجلة من حركات المقاومة، وتحديداً الآتية من قِبل كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، وإن كانت موجزة ، إلاّ أنها دالة وشاملة، كان لها أن مسّت صميم قلبه، وزلزلت فرائصه بالجملة، من أن إسرائيل يجب أن تعلم بأن المعادلة قد تغيرت، وأن الحرب لن تكون نزهة أبداً، بالنسبة لما أعدّته المقاومة للمعركة المحتملة.
ولا شك، فقد كانت هذه التهديدات موجعة ورائعة في ذات الوقت، وجاءت روعتها في أن "نتانياهو" فهمها تماماً، من أن المقصود بها ليس هو ذاته أو الجيش الإسرائيلي الذي سيتألم، بل إسرائيل نفسها - من السلك إلى السلك-، هي التي ستكون أكثر إيلاماً، سيما وأنّه لم يستطع بعد، سد فجوة العنف الدامية، والتي قام بإحداثها في الضفة الغربية وانتشرت تداعياتها حتى القدس، والتي تنذر بحصول انتفاضة ثالثة أو بالمداومة على عدم الهدوء على الأقل.
خانيونس/فلسطين
4/7/2014