انحدار اخلاقي قاتل !!
د. عادل محمد عايش الأسطل
تميزت علاقات الدول العربية على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، بجدل في التقييم المناسب والدقيق بين ما تفرضه مصطلحات العروبة كأمّة واحدة، وبين مصالحها القومية كلٌ على حِدة. وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنها كانت أكثر تماسكاً وحرصاً على القضية، مقارنةً بالمرحلة هذه، وبخاصةً في أثناء الحرب العدوانية الإسرائيلية – الجرف الصامد- والتي تواصلت ضد المقاومة والسكان معاً داخل القطاع، على مدار ما يقرب من شهرين متتاليين، حيث لم تعد القضية الفلسطينية، ولا ما ينتج عنها، قضية أولوية لديها، بحجج ومبررات تكاد لا تحصى، وسواءً تم ربطها بنفاذ صبرها، أو إهمالها لعدم استفادتها سياسياً واقتصادياً، أو لمناكفتها لبعضها البعض، أو لانشغالها ببعض مشكلاتها الداخلية، أو لانزلاقها إلى متاهات التطبيع مع (الكيان الإسرائيلي).
توضح الكل جلياً، عندما وقفت أمام الامتحان - العدوان الإسرائيلي- ولم تستطع أغلبيتها من ملئ الفراغ بكلمة واحدة، تنبؤ عن أن لديها نيّة باتجاه النجاح، برغم المدة الطويلة الممنوحة لها، ووسائل الدراسة السهلة والميسرة التي كانت تحت تصرّفها، وبرغم أيضاً من التدخل في شأن تلقينها الإجابة الكافية، وفي كل ما يتعلق بالعروبة والعزة والكرامة، وغيرها، بهدف الأخذ بيديها لتتجاوز هذه المرحلة الكئيبة، إلاّ أن ذلك كلّه ذهب دون فائدة.
وبرغم السقوط الذي اعتبر من أكثر السقوطات دويّاً وصخباً، إلاّ أن كل دولة وببساطة، ترى نفسها على حق، وهي ملزمة باحترام صوابيتها، بمعزل عن انتقادات جهات أخرى لها، وسوغت في كل مرة مواقفها تجاه القضية باسم علاقات متشابكة وتطورات أهم، وتقوم من جهة أخرى بالتجرؤ على رد منتقديها، وحتى في حصول صحة نقدها بحذافيرها، وتُكنُّ بالعداء فوراً.
صحيح أن ليس من الحق ولا من المصلحة، أن تتدخل الدول في الشؤون الداخلية لدولٍ أخرى، لكن بعضها اختارت أن تتدخل برغم معرفتها مسبقاً بأن تدخلها يضر بمصلحتها وبالمصلحة العربية ككل، بسبب أن الآثار المترتبة لن تقف عند حدود معينة، بل ستتجاوز الحدود بحدود أخرى، علاوة على أن الدول المتورطة، لن تستطع المضي قدماً نحو اتخاذ موقف أخلاقي بشأن علاقاتها فيما بينها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، أو بمشكلات الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام.
نجح إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" وعلى مدر فترتين رئاسيتين ومن بعدها إدارة الرئيس "باراك أوباما" في تثبيت شيئين رئيسين، ضمنا بهما اشتعال المنطقة العربية وفي نفس الوقف الحفاظ على المصلحة الأمريكية كمهمّة كبرى، وهما: بث روح الفتنة بين الأنظمة العربية، وتثبيت شعار محاربة الإرهاب لديها، بعد أن كانت واشنطن متورطة في خلقه منذ البداية، حتى أصبحت تلك الدول، دائبة في تعليق جل مشكلاتها على عاتق ذلك الإرهاب، الذي يتوقف تماماً، عندما يتصل بالحال الإسرائيلي، وسواء كان ذلك خوفاً من العقاب أو طمعاً في مكرمة، ففي الوقت الذي أصبحت تندد تلك الدول ضد بعضها البعض جهاراً، فإنه لا يمكنها فعل الشيء نفسه ضد (إسرائيل)، وحتى إذا توفرت إمكانية لتنسيقٍ مسبق.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لم نحفل كثيراً لغياب مواقف عربية يمكن احترامها ضد (إسرائيل)، بسبب أننا نعلم مسبقاً بها، ترتيباً على مواقف ورؤى ووجهات نظر سابقة، ومن جهةٍ ثانية، هو اعتقادنا بأن العدوان الحالي كسوابقه من حيث القسوة والمدة التي استغرقها. وبرغم تطوراته الخطِرة، من مجرد الإغارة الجوية على أهداف معينة، إلى البدء في حربٍ برية، كنّا أيضاً نجد عذراً لتلك الأنظمة بشكلٍ أو بآخر، في أن لا مواقف لديها مُعلنة ضد تلك التطورات، بسبب محدودية الحرب- كما أشيع-، والتي تهدف إلى تدمير الأنفاق، ومنع عمليات تسلل خلف الخطوط الإسرائيلية وحسب.
لكن الذي لم نجد له عذراً بالمطلق، هو عدم اتخاذها مواقف حاسمة، ولم نجد مبرراً لصمتها المُطبِق، حين بلغ العدوان الصهيوني مرحلة قصوى لم يبلغها أي عدوان من قبل، فكان اسم على مسمّى تماماً كما حصل على الواقع المشاهد، حيث جرف الكل أمامه، بلا فوارق أو تفريق بين إنسان وإنسان، ولا صغيرٍ أو كبير، ولا شجر أو حجر.
فمنذ أيامه الأخيرة، وأمام الجميع، طوّر الجيش الإسرائيلي سلوكه الهمجي ضد القطاع، حيث بات لا يفهم سوى لغة القتل والتدمير وبأقصى أشكاله، ووصل بجنونه قتل الكل من أجل الوصول إلى مطلوب واحد، أو الانتقام من المجموع، بسبب ما يزعم أن قذيفة أُطلقت من المكان، وكان نتيجة ذلك التطور، أن أباد أحياءً سكنية بكاملها، وأخرج ما يقرب من مائة عائلة من السجل المدني الفلسطيني.
لم تأت هذه التطورات هكذا ومن تلقاء نفسها، وإنما جاءت كنتيجة مباشرة للانحدار العربي، والغير مسبوق باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، حيث أعطى الحكومة الإسرائيلية التصريح الكافي، لأن تواصل عدوانها رغبةً في تحقيق أغراضها، للوصول إلى أهدافها الرئيسة العليا، ومنها بث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين المدنيين والإضرار بهم في الأنفس والأموال والممتلكات، وأملاً في خلق حالة، ليست للتراجع عن تأييدهم للمقاومة وحسب، بل لتجبرهم على المساعدة في إخمادها، سيما وأنها ما فتئت تدعو من خلال منشورات وزّعتها طائراتها من الجو، إلى التبرؤ من المقاومة وعدم التعامل معها وحتى الإبلاغ عن حركات أفرادها ونشاطاتهم إذا ما أرادوا النجاة بأنفسهم.
يتعذر علينا فَهم، حتى في ضوء تحقيقنا لانتصارٍ مؤزّر، تمّ تسجيله بمداد القوّة والشجاعة في كتبٍ محفوظة، أن كيف تذهب تلك الأنظمة – العربية-، بعيداً عن الاعتراف به كأولوية مُقدّمة، وعمّا هي مطالبةً به باتجاه قضاياها ومقدراتها وأخلاقياتها العربية والإسلامية كأولويّة خاصة أخرى، وهي تعلم بأن خسارتها واجبة، طالما بقيت على نهجها هذا، كما يتعذّر علينا استيعاب أن تغيب في شراكة مباشرة وغير مباشرة مع (إسرائيل) المنهزمة، وهي متأكدة وحتى بعد مئات السنين من أنها لن تحصل على شيء في مقابل تلك الشراكة.
خانيونس/فلسطين
8/9/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
تميزت علاقات الدول العربية على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، بجدل في التقييم المناسب والدقيق بين ما تفرضه مصطلحات العروبة كأمّة واحدة، وبين مصالحها القومية كلٌ على حِدة. وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنها كانت أكثر تماسكاً وحرصاً على القضية، مقارنةً بالمرحلة هذه، وبخاصةً في أثناء الحرب العدوانية الإسرائيلية – الجرف الصامد- والتي تواصلت ضد المقاومة والسكان معاً داخل القطاع، على مدار ما يقرب من شهرين متتاليين، حيث لم تعد القضية الفلسطينية، ولا ما ينتج عنها، قضية أولوية لديها، بحجج ومبررات تكاد لا تحصى، وسواءً تم ربطها بنفاذ صبرها، أو إهمالها لعدم استفادتها سياسياً واقتصادياً، أو لمناكفتها لبعضها البعض، أو لانشغالها ببعض مشكلاتها الداخلية، أو لانزلاقها إلى متاهات التطبيع مع (الكيان الإسرائيلي).
توضح الكل جلياً، عندما وقفت أمام الامتحان - العدوان الإسرائيلي- ولم تستطع أغلبيتها من ملئ الفراغ بكلمة واحدة، تنبؤ عن أن لديها نيّة باتجاه النجاح، برغم المدة الطويلة الممنوحة لها، ووسائل الدراسة السهلة والميسرة التي كانت تحت تصرّفها، وبرغم أيضاً من التدخل في شأن تلقينها الإجابة الكافية، وفي كل ما يتعلق بالعروبة والعزة والكرامة، وغيرها، بهدف الأخذ بيديها لتتجاوز هذه المرحلة الكئيبة، إلاّ أن ذلك كلّه ذهب دون فائدة.
وبرغم السقوط الذي اعتبر من أكثر السقوطات دويّاً وصخباً، إلاّ أن كل دولة وببساطة، ترى نفسها على حق، وهي ملزمة باحترام صوابيتها، بمعزل عن انتقادات جهات أخرى لها، وسوغت في كل مرة مواقفها تجاه القضية باسم علاقات متشابكة وتطورات أهم، وتقوم من جهة أخرى بالتجرؤ على رد منتقديها، وحتى في حصول صحة نقدها بحذافيرها، وتُكنُّ بالعداء فوراً.
صحيح أن ليس من الحق ولا من المصلحة، أن تتدخل الدول في الشؤون الداخلية لدولٍ أخرى، لكن بعضها اختارت أن تتدخل برغم معرفتها مسبقاً بأن تدخلها يضر بمصلحتها وبالمصلحة العربية ككل، بسبب أن الآثار المترتبة لن تقف عند حدود معينة، بل ستتجاوز الحدود بحدود أخرى، علاوة على أن الدول المتورطة، لن تستطع المضي قدماً نحو اتخاذ موقف أخلاقي بشأن علاقاتها فيما بينها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، أو بمشكلات الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام.
نجح إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" وعلى مدر فترتين رئاسيتين ومن بعدها إدارة الرئيس "باراك أوباما" في تثبيت شيئين رئيسين، ضمنا بهما اشتعال المنطقة العربية وفي نفس الوقف الحفاظ على المصلحة الأمريكية كمهمّة كبرى، وهما: بث روح الفتنة بين الأنظمة العربية، وتثبيت شعار محاربة الإرهاب لديها، بعد أن كانت واشنطن متورطة في خلقه منذ البداية، حتى أصبحت تلك الدول، دائبة في تعليق جل مشكلاتها على عاتق ذلك الإرهاب، الذي يتوقف تماماً، عندما يتصل بالحال الإسرائيلي، وسواء كان ذلك خوفاً من العقاب أو طمعاً في مكرمة، ففي الوقت الذي أصبحت تندد تلك الدول ضد بعضها البعض جهاراً، فإنه لا يمكنها فعل الشيء نفسه ضد (إسرائيل)، وحتى إذا توفرت إمكانية لتنسيقٍ مسبق.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لم نحفل كثيراً لغياب مواقف عربية يمكن احترامها ضد (إسرائيل)، بسبب أننا نعلم مسبقاً بها، ترتيباً على مواقف ورؤى ووجهات نظر سابقة، ومن جهةٍ ثانية، هو اعتقادنا بأن العدوان الحالي كسوابقه من حيث القسوة والمدة التي استغرقها. وبرغم تطوراته الخطِرة، من مجرد الإغارة الجوية على أهداف معينة، إلى البدء في حربٍ برية، كنّا أيضاً نجد عذراً لتلك الأنظمة بشكلٍ أو بآخر، في أن لا مواقف لديها مُعلنة ضد تلك التطورات، بسبب محدودية الحرب- كما أشيع-، والتي تهدف إلى تدمير الأنفاق، ومنع عمليات تسلل خلف الخطوط الإسرائيلية وحسب.
لكن الذي لم نجد له عذراً بالمطلق، هو عدم اتخاذها مواقف حاسمة، ولم نجد مبرراً لصمتها المُطبِق، حين بلغ العدوان الصهيوني مرحلة قصوى لم يبلغها أي عدوان من قبل، فكان اسم على مسمّى تماماً كما حصل على الواقع المشاهد، حيث جرف الكل أمامه، بلا فوارق أو تفريق بين إنسان وإنسان، ولا صغيرٍ أو كبير، ولا شجر أو حجر.
فمنذ أيامه الأخيرة، وأمام الجميع، طوّر الجيش الإسرائيلي سلوكه الهمجي ضد القطاع، حيث بات لا يفهم سوى لغة القتل والتدمير وبأقصى أشكاله، ووصل بجنونه قتل الكل من أجل الوصول إلى مطلوب واحد، أو الانتقام من المجموع، بسبب ما يزعم أن قذيفة أُطلقت من المكان، وكان نتيجة ذلك التطور، أن أباد أحياءً سكنية بكاملها، وأخرج ما يقرب من مائة عائلة من السجل المدني الفلسطيني.
لم تأت هذه التطورات هكذا ومن تلقاء نفسها، وإنما جاءت كنتيجة مباشرة للانحدار العربي، والغير مسبوق باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، حيث أعطى الحكومة الإسرائيلية التصريح الكافي، لأن تواصل عدوانها رغبةً في تحقيق أغراضها، للوصول إلى أهدافها الرئيسة العليا، ومنها بث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين المدنيين والإضرار بهم في الأنفس والأموال والممتلكات، وأملاً في خلق حالة، ليست للتراجع عن تأييدهم للمقاومة وحسب، بل لتجبرهم على المساعدة في إخمادها، سيما وأنها ما فتئت تدعو من خلال منشورات وزّعتها طائراتها من الجو، إلى التبرؤ من المقاومة وعدم التعامل معها وحتى الإبلاغ عن حركات أفرادها ونشاطاتهم إذا ما أرادوا النجاة بأنفسهم.
يتعذر علينا فَهم، حتى في ضوء تحقيقنا لانتصارٍ مؤزّر، تمّ تسجيله بمداد القوّة والشجاعة في كتبٍ محفوظة، أن كيف تذهب تلك الأنظمة – العربية-، بعيداً عن الاعتراف به كأولوية مُقدّمة، وعمّا هي مطالبةً به باتجاه قضاياها ومقدراتها وأخلاقياتها العربية والإسلامية كأولويّة خاصة أخرى، وهي تعلم بأن خسارتها واجبة، طالما بقيت على نهجها هذا، كما يتعذّر علينا استيعاب أن تغيب في شراكة مباشرة وغير مباشرة مع (إسرائيل) المنهزمة، وهي متأكدة وحتى بعد مئات السنين من أنها لن تحصل على شيء في مقابل تلك الشراكة.
خانيونس/فلسطين
8/9/2014