سنة تعاظم اليهودية !!
د. عادل محمد عايش الأسطل
قيام إسرائيل في العام 1948، كان على أساس اشتراكي (علماني - وديمقراطي)، حيث عمل القادة الصهاينة جهدهم أمام المجتمع الدولي، للمحافظة على الفصل بين الدين والسياسة، برغم ارتكاز الدولة على الاتحادات والأحزاب اليهودية، التي هبطت إلى فلسطين تبعاً لأيديولوجياتها القومية والدينية، ومع اشتداد الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد خشيت الدولة العلمانية على مصيرها ككل، حيث اضطرت إلى اللجوء إلى التشريعات الدينية، والتي على علاقة بها، كي تكون عاملاً مهمّا في تثبيت العنصر اليهودي بـ (أرض إسرائيل)، ومن جانبٍ أخر ترغيب الهابطين منهم في أصقاع الأرض، بأن يصعدوا إلى داخل الأرض المقدسة.
وقويت النشاطات الدينية في الدولة حتى في وقت استلام حزب العمل الصهيوني، والأحزاب اليهودية اليسارية الأخرى، كونها لها علاقة بالديانة اليهودية أيضاً، والتي كانت لا تستغني في شأن تشكيل الحكومة عن أحزاب دينية تحتوي على– يهود، أرثوذكس، متطرفون- مثل: أحزاب شاس، ويهدوت هتوراة، وديغل هتوراة، التي كانت في حالات كثيرة في فرض شروطها الدينية على الحكومات التي شاركت فيها.
وتقدّمت الحالة الدينية اليهودية أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة، حيث بات واضحًا خلالها، تلاقي اليهود المتدينون مع المتدينين القوميين، في شأن تغليب الروح الدينية على أرجاء الدولة، حيث كانت تفرض شروطها براحة تامة على المكلف بتشكيل الحكومة، سيما وأنه يتبع اليمين في إسرائيل، حيث برزت قوتها من خلال استطاعتها تمرير تشريعات دينية مختلفة من خلال الكنيست – البرلمان الإسرائيلي- تضطر إسرائيل بموجبها، إلى الخضوع لها وتطبيقها، وخاصة في الأمور التي تنفي أن تكون إسرائيل دولة علمانية على النحو الصحيح، أو كما يود العلمانيون أن تكون، ومنها: تقييدات عامة، تهدف إلى المحافظة على حرمة أيام السبت (الذي يُعتبر يوم العطلة الرسمي في إسرائيل)، والتي توجب عدم السفر، وإشعال النار، وعدم استعمال أيّ من الأجهزة الكهربائية، وأيضاً تثبيت الأحكام الدينية في شأن الحياة الشخصية، فيما يتلق بالمأكل والمشرب حسب الشريعة اليهوديّة (الكوشير) أي الطعام الحلال.
صحيح أن هناك طبقات يهودية لا تسرّها التقييدات الدينية المتلاحقة، ولا انتشار التديّن بين المجتمع الإسرائيلي، وهي أيضاً لا تؤيّد الحكومات التي تستجيب لاشتراطات الأحزاب الدينية، وقد بيّنت استطلاعات إسرائيلية مختلفة، تذمرهم من أن إسرائيل تذهب سريعاً في غياهب الدين والتديّن، حيث كشفت استطلاعات تشير إلى أن أكثر من 60% من الإسرائيليّين يؤيدون فصلَ الدين عن الدولة ويُريد أكثر من 70% منهم، عدم الالتزام بـ (يومَ السبت)، وأعرب أكثر من 66% منهم عن رغبته في ضرورة استبعاد الأحزاب الدينية المتشدّدة من الحكومة أو أيّة حكومة إسرائيلية قادمة.
لكن ما يناقض ما سبق وخاصةً في الأثناء، هو أن اليمين الإسرائيلي بدا وكأنه في ربيع(قومي وديني)غير عادي، حيث أظهرت استطلاعات مشابهة، بأنه أكثر شعبية في داخل إسرائيل من أي وقت مضى، وذلك من خلال تصاعد قوّة الحزب القديم الجديد (البيت اليهودي) الذي يتربع على زعامته وزير الاقتصاد "نفتالي بينت" والذي استطاع من خلال تليين فتاوى دينية لمطابقة الواقع اليهودي، ومن ناحية أخرى، إعطاء بعض التحسينات للأقليات غير اليهودية المتواجدة في إسرائيل، إلى حيازة نجاحات متقدمة للحزب وباتجاه زيادة الوعي الديني لدى الإسرائيليين أيضاً، وكان أحد التغييرات التي قادها خلال السنة الأخيرة هو تغيير البند في نظام الحزب، والذي يسمح للراغبين بالانضمام إلى صفوفه، علمانيين ودروز أو أبناء أديان أخرى، شريطة أن يتماهوا مع قيم الحزب ومعتقداته.
ليس هذا وحسب، فإن قوة خطابه السياسي المتشدد ضد الفلسطينيين سواء بشأن رفضه حل الدولتين أو بشأن الإيمان بضرورة مواصلة الاستيطان والنشاطات الإسرائيلية الأخرى، جعلته يُمثّل قوة دينيّة متصاعدة في إسرائيل، ليحتل مكاناً ثانياً بعد الليكود، أي بمعدل 18 مقعداً بدل 12 التي حصل عليها خلال انتخابات 2012، إن لم تكن هناك مفاجآت تمكنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
كما كان لأحداث الربيع العربي الدور الفاعل في التوجه الديني اليهودي، والذي انتجت أحداثه توالد حركات إسلامية متشددة كالدولة الإسلامية وجيش خراسان والجهاد المقدس وغيرها، والتي تشكّل- كما الاعتقاد السائد لديهم - خطراً على إسرائيل، كانت من الأسباب المهمّة التي دفعت إسرائيل عموماً تتقدم إلى الأمام نحو اليمين الديني المتطرف، والذي من شأنه أن يشكل خطراً على القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، حيث لن يكون منصباً على الجانب الديني فقط، بل سيتعدى إلى الجوانب القومية والتي من شأنها أن تُشكل خطرًا أكبر، باتجاه التمسك بالرؤية اليهودية (أرض إسرائيل الكاملة) والتي تشمل كل فلسطين التاريخية وأجزاء واسعة من البلاد العربية، وهي الرؤية التي باتت تُمثّل الشعور الجيّد لدى طبقات واسعة من الجمهور الإسرائيلي بشكلٍ أو بآخر، وكانت أثبتت طقوس السنة اليهودية الجديدة صحة حدوث طفرة دينية واضحة ومتشددة أيضاً، والتي حازت بجدارة على لقب (سنة تعاظم اليهودية).
خانيونس/فلسطين
25/9/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
قيام إسرائيل في العام 1948، كان على أساس اشتراكي (علماني - وديمقراطي)، حيث عمل القادة الصهاينة جهدهم أمام المجتمع الدولي، للمحافظة على الفصل بين الدين والسياسة، برغم ارتكاز الدولة على الاتحادات والأحزاب اليهودية، التي هبطت إلى فلسطين تبعاً لأيديولوجياتها القومية والدينية، ومع اشتداد الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد خشيت الدولة العلمانية على مصيرها ككل، حيث اضطرت إلى اللجوء إلى التشريعات الدينية، والتي على علاقة بها، كي تكون عاملاً مهمّا في تثبيت العنصر اليهودي بـ (أرض إسرائيل)، ومن جانبٍ أخر ترغيب الهابطين منهم في أصقاع الأرض، بأن يصعدوا إلى داخل الأرض المقدسة.
وقويت النشاطات الدينية في الدولة حتى في وقت استلام حزب العمل الصهيوني، والأحزاب اليهودية اليسارية الأخرى، كونها لها علاقة بالديانة اليهودية أيضاً، والتي كانت لا تستغني في شأن تشكيل الحكومة عن أحزاب دينية تحتوي على– يهود، أرثوذكس، متطرفون- مثل: أحزاب شاس، ويهدوت هتوراة، وديغل هتوراة، التي كانت في حالات كثيرة في فرض شروطها الدينية على الحكومات التي شاركت فيها.
وتقدّمت الحالة الدينية اليهودية أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة، حيث بات واضحًا خلالها، تلاقي اليهود المتدينون مع المتدينين القوميين، في شأن تغليب الروح الدينية على أرجاء الدولة، حيث كانت تفرض شروطها براحة تامة على المكلف بتشكيل الحكومة، سيما وأنه يتبع اليمين في إسرائيل، حيث برزت قوتها من خلال استطاعتها تمرير تشريعات دينية مختلفة من خلال الكنيست – البرلمان الإسرائيلي- تضطر إسرائيل بموجبها، إلى الخضوع لها وتطبيقها، وخاصة في الأمور التي تنفي أن تكون إسرائيل دولة علمانية على النحو الصحيح، أو كما يود العلمانيون أن تكون، ومنها: تقييدات عامة، تهدف إلى المحافظة على حرمة أيام السبت (الذي يُعتبر يوم العطلة الرسمي في إسرائيل)، والتي توجب عدم السفر، وإشعال النار، وعدم استعمال أيّ من الأجهزة الكهربائية، وأيضاً تثبيت الأحكام الدينية في شأن الحياة الشخصية، فيما يتلق بالمأكل والمشرب حسب الشريعة اليهوديّة (الكوشير) أي الطعام الحلال.
صحيح أن هناك طبقات يهودية لا تسرّها التقييدات الدينية المتلاحقة، ولا انتشار التديّن بين المجتمع الإسرائيلي، وهي أيضاً لا تؤيّد الحكومات التي تستجيب لاشتراطات الأحزاب الدينية، وقد بيّنت استطلاعات إسرائيلية مختلفة، تذمرهم من أن إسرائيل تذهب سريعاً في غياهب الدين والتديّن، حيث كشفت استطلاعات تشير إلى أن أكثر من 60% من الإسرائيليّين يؤيدون فصلَ الدين عن الدولة ويُريد أكثر من 70% منهم، عدم الالتزام بـ (يومَ السبت)، وأعرب أكثر من 66% منهم عن رغبته في ضرورة استبعاد الأحزاب الدينية المتشدّدة من الحكومة أو أيّة حكومة إسرائيلية قادمة.
لكن ما يناقض ما سبق وخاصةً في الأثناء، هو أن اليمين الإسرائيلي بدا وكأنه في ربيع(قومي وديني)غير عادي، حيث أظهرت استطلاعات مشابهة، بأنه أكثر شعبية في داخل إسرائيل من أي وقت مضى، وذلك من خلال تصاعد قوّة الحزب القديم الجديد (البيت اليهودي) الذي يتربع على زعامته وزير الاقتصاد "نفتالي بينت" والذي استطاع من خلال تليين فتاوى دينية لمطابقة الواقع اليهودي، ومن ناحية أخرى، إعطاء بعض التحسينات للأقليات غير اليهودية المتواجدة في إسرائيل، إلى حيازة نجاحات متقدمة للحزب وباتجاه زيادة الوعي الديني لدى الإسرائيليين أيضاً، وكان أحد التغييرات التي قادها خلال السنة الأخيرة هو تغيير البند في نظام الحزب، والذي يسمح للراغبين بالانضمام إلى صفوفه، علمانيين ودروز أو أبناء أديان أخرى، شريطة أن يتماهوا مع قيم الحزب ومعتقداته.
ليس هذا وحسب، فإن قوة خطابه السياسي المتشدد ضد الفلسطينيين سواء بشأن رفضه حل الدولتين أو بشأن الإيمان بضرورة مواصلة الاستيطان والنشاطات الإسرائيلية الأخرى، جعلته يُمثّل قوة دينيّة متصاعدة في إسرائيل، ليحتل مكاناً ثانياً بعد الليكود، أي بمعدل 18 مقعداً بدل 12 التي حصل عليها خلال انتخابات 2012، إن لم تكن هناك مفاجآت تمكنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
كما كان لأحداث الربيع العربي الدور الفاعل في التوجه الديني اليهودي، والذي انتجت أحداثه توالد حركات إسلامية متشددة كالدولة الإسلامية وجيش خراسان والجهاد المقدس وغيرها، والتي تشكّل- كما الاعتقاد السائد لديهم - خطراً على إسرائيل، كانت من الأسباب المهمّة التي دفعت إسرائيل عموماً تتقدم إلى الأمام نحو اليمين الديني المتطرف، والذي من شأنه أن يشكل خطراً على القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، حيث لن يكون منصباً على الجانب الديني فقط، بل سيتعدى إلى الجوانب القومية والتي من شأنها أن تُشكل خطرًا أكبر، باتجاه التمسك بالرؤية اليهودية (أرض إسرائيل الكاملة) والتي تشمل كل فلسطين التاريخية وأجزاء واسعة من البلاد العربية، وهي الرؤية التي باتت تُمثّل الشعور الجيّد لدى طبقات واسعة من الجمهور الإسرائيلي بشكلٍ أو بآخر، وكانت أثبتت طقوس السنة اليهودية الجديدة صحة حدوث طفرة دينية واضحة ومتشددة أيضاً، والتي حازت بجدارة على لقب (سنة تعاظم اليهودية).
خانيونس/فلسطين
25/9/2014