فتح واحدة ولُغتان متضادتان !
د. عادل محمد عايش الأسطل
عانت حركة فتح صراعات داخلية، منذ قيامها 1965، وكان يمكن تلافيها أو الحد منها في كل مرّة، لكنها لم تتعلم الكثير، باتجاه أن لا تصطدم بما يمكن أن يُوهن مكانتها أو يُقلص من ثقلها، وعلى المستويين الفلسطيني والدولي، ففي الوقت الذي يتوجب عليها ترميم بيتها، وتعزيز مسيرها، نجد وكأن زعاماتها لا تعلم ما هو مطلوب منها، أو لا تريد أن تفي به طواعيةً، في ضوء أن المسؤولية برمّتها مُلقاة على عاتقها ومنذ تزعّمها منظمة التحرير الفلسطينية على الأقل.
المشكلة الرئيسة دائماً، كانت تكمن في الوسائل المتبعة بشأن التّقدّم والزعامة، بعيداً عما يمكن أن تشكّل إنذاراً بحدوث أمور معاكسة تهوي بالحركة إلى وادٍ سحيق، فكلما أقدمت على جولة جديدة من انتخاباتها الداخلية، كلّما تجددت صراعاتها فيما بين تياراتها المختلفة، والتي غالباً ما تعجُّ بالعداءات وتفيض بالاتهامات، والكل بلا منازع، يُعتبر بطلاً مغواراً، في سرد الحجج وسوْق المبررات بشأنها، وكنّا قد شهِدنا خلال انتخاباتها الداخلية عشية الانتخابات التشريعية 2006، صراعات مريرة، أنتجت أمراضاً لا بأس بها، أثقلت كاهلها وقوّضت طموحاتها، باتجاه إدامة سيطرتها على أمور الحكم، فعلاوة على ما كان شائعاً بفسادٍ عميقٍ يُحيط بها عن اليمين وعن الشمال، فإن البحث عن الزعامة، وإن كانت في غير محِلّها، كانت من الأسباب الوجيهة لخسرانها وبصورةٍ مؤلمة لتلك الانتخابات أمام حركة حماس، بحيث لم تسعفها نداءات الاستغاثة ولا طلبات العون باتجاه الناخب، بسبب أنها مُتأخرة، وبدون تقديم علاجات ساحرة، أو فاعلة للنجاة من العذاب، والذي لم تستطع بسببه التصدّي لذلك الخسران، إلاّ بالزيادة في صنع المتاعب.
في هذه الأثناء، وبالإضافة إلى ما تعانيه الحركة، من مصائب شاقّة مع حركة حماس، وباحتدام الصراع معها، نتيجة فشل مصالحتهما والتخوّف من تهديداتها من إمكانية سيطرتها على مناطق الضفة الغربية، وإلحاقاً بالضائقة المالية التي تمر بها نتيجة تسبب الجانب الإسرائيلي لها، فإن هناك متاعب أخرى - وهي الأهم في هذه المرحلة- والمتمثلة بمعضلة القيادي المفصول "محمد دحلان" التي تستشري شيئاً فشيئاً في الجسد الفتحاوي، والتي وصلت إلى حدود ربما ليس من السهل الرجوع عن تطوراتها وما وصلت إليه في الوقت القريب، فبغض النظر عن طول القائمة ضد "دحلان " وأعوانه، فقد لجأت السلطة إلى معاقبة العشرات من عناصرها، بحجة تواطؤهم أو مناصرتهم أو تعاطفهم معه، من خلال قيامها بحجب رواتبهم عنهم، دون النظر للوضع الاقتصادي السيء الذي يُعانون منه والقطاع بشكلٍ عام، ودون اعتبار لأيّة انعكاسات حركية وشعبية أخرى، حيث اضطرّ كما يبدو أولئك المقطوعة رواتبهم، والذين كانوا لا ينتظرون، أو ينتظرون عقوبات تنظيمية وحسب، إلى التعبير عن غضبتهم، والإفصاح علانيةً عن شراستهم، توطئةً لما هو آتٍ، فبالإضافة إلى ما نشطوا به باتجاه تخريب العمليات الانتخابية الداخلية للحركة بقوّتهم الذاتيّة والممكنة، وبإنتاج سيول من البيانات والتهديدات، بشأن تخريب أية فعاليات فتحاوية قادمة، والتي قد تؤثّر ضد انعقاد المؤتمر العام السابع للحركة، فقد لجأوا إلى التهديد والأخذ بالثأر من أولئك الذين يعتقدون بأنهم وراء توصيل رسائل كيديّة ضدهم، وقد تم الإعلان عملاً، عن تشكيلهم مجموعة اتخذت "السواعد الضاربة" اسماً لها، تهدف إلى ملاحقة – على حد قولهم- جواسيس السلطة- من كتبة التقارير أو المساهمة بها، وكانت الحركة في إحدى الدوائر الانتخابية الداخلية، قد طالبت الرئيس "محمود عباس" بالتدخل لاعتماد نتائجها، بعد أن تم إلغاؤها بفعل تدخل أنصار "دحلان"، واتخاذ قرارات صارمة بحقهم، بما يُوحي بأن الحركة باتت بروحين اثنتين، كل روحٍ متجهة ضد الأخرى.
الآن يمكننا أن نتوقع جملة من الأضرار الناشئة عن التطورات والإجراءات المتبادلة، والتي يتم البناء عليها، في ضوء أن جملة الرواتب هي مطروحة من قِبل السلطة الفلسطينية وليس من الحركة نفسها، وإن من العسير عليها أن تعلن عن إجراءات كهذه وبهذه القسوة، بسبب أنها ستعمل على إحداث خيبة أمل حول سيرها، وتجلب مزيداً من الضرر لها، والذي ربما لا يمكن تلافيه على مدى المستقبل، فالكل يعلم أن الهدم سريع الحصول، ومن الصعب ترميم الأمور بشيءٍ يسير، في ضوء أن الأوضاع الفلسطينية بمستوياتها المختلفة تبدو أكثر تعقيداً، سيما وأن الحركة باتت الآن- كحقيقة- ترزح بين تيارين رئيسين لهما مصالح جدّ متضاربة، والتي من شأنها وفي حال بقيت إجراءاتهما مُتصاعدة، أن تُلزمنا الاستعداد لمشاهدات غير مُرضية، ربما تحدث بين أنصارهما، وتجبرنا – لا سمح الله- للتجهيز لأيام سوداويّة آتية.
يجدر التنبيه في هذا السياق، إلى أن إسرائيل المقبلة على انتخاباتها التشريعية، والتي لم تكن القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها الانتخابية كما هو المعتاد، وسواء ليسارها أو يمينها، تبدو سعيدة جداً، وتزداد سعادتها على نحوٍ أكثر، كلما تواردت إلى مسامعها أنباءً خلافيّة فتحاوية جديدة، والتي بالضرورة تزيد أضعافاً عن تلك التي أنعشتها طويلاً، بخلافاتها العظيمة واللامتناهية مع حماس، والتي امتدّت على مدى السنوات الثماني الفائتة وإلى ما بعد الآن.
خانيونس/فلسطين
26/1/2015
د. عادل محمد عايش الأسطل
عانت حركة فتح صراعات داخلية، منذ قيامها 1965، وكان يمكن تلافيها أو الحد منها في كل مرّة، لكنها لم تتعلم الكثير، باتجاه أن لا تصطدم بما يمكن أن يُوهن مكانتها أو يُقلص من ثقلها، وعلى المستويين الفلسطيني والدولي، ففي الوقت الذي يتوجب عليها ترميم بيتها، وتعزيز مسيرها، نجد وكأن زعاماتها لا تعلم ما هو مطلوب منها، أو لا تريد أن تفي به طواعيةً، في ضوء أن المسؤولية برمّتها مُلقاة على عاتقها ومنذ تزعّمها منظمة التحرير الفلسطينية على الأقل.
المشكلة الرئيسة دائماً، كانت تكمن في الوسائل المتبعة بشأن التّقدّم والزعامة، بعيداً عما يمكن أن تشكّل إنذاراً بحدوث أمور معاكسة تهوي بالحركة إلى وادٍ سحيق، فكلما أقدمت على جولة جديدة من انتخاباتها الداخلية، كلّما تجددت صراعاتها فيما بين تياراتها المختلفة، والتي غالباً ما تعجُّ بالعداءات وتفيض بالاتهامات، والكل بلا منازع، يُعتبر بطلاً مغواراً، في سرد الحجج وسوْق المبررات بشأنها، وكنّا قد شهِدنا خلال انتخاباتها الداخلية عشية الانتخابات التشريعية 2006، صراعات مريرة، أنتجت أمراضاً لا بأس بها، أثقلت كاهلها وقوّضت طموحاتها، باتجاه إدامة سيطرتها على أمور الحكم، فعلاوة على ما كان شائعاً بفسادٍ عميقٍ يُحيط بها عن اليمين وعن الشمال، فإن البحث عن الزعامة، وإن كانت في غير محِلّها، كانت من الأسباب الوجيهة لخسرانها وبصورةٍ مؤلمة لتلك الانتخابات أمام حركة حماس، بحيث لم تسعفها نداءات الاستغاثة ولا طلبات العون باتجاه الناخب، بسبب أنها مُتأخرة، وبدون تقديم علاجات ساحرة، أو فاعلة للنجاة من العذاب، والذي لم تستطع بسببه التصدّي لذلك الخسران، إلاّ بالزيادة في صنع المتاعب.
في هذه الأثناء، وبالإضافة إلى ما تعانيه الحركة، من مصائب شاقّة مع حركة حماس، وباحتدام الصراع معها، نتيجة فشل مصالحتهما والتخوّف من تهديداتها من إمكانية سيطرتها على مناطق الضفة الغربية، وإلحاقاً بالضائقة المالية التي تمر بها نتيجة تسبب الجانب الإسرائيلي لها، فإن هناك متاعب أخرى - وهي الأهم في هذه المرحلة- والمتمثلة بمعضلة القيادي المفصول "محمد دحلان" التي تستشري شيئاً فشيئاً في الجسد الفتحاوي، والتي وصلت إلى حدود ربما ليس من السهل الرجوع عن تطوراتها وما وصلت إليه في الوقت القريب، فبغض النظر عن طول القائمة ضد "دحلان " وأعوانه، فقد لجأت السلطة إلى معاقبة العشرات من عناصرها، بحجة تواطؤهم أو مناصرتهم أو تعاطفهم معه، من خلال قيامها بحجب رواتبهم عنهم، دون النظر للوضع الاقتصادي السيء الذي يُعانون منه والقطاع بشكلٍ عام، ودون اعتبار لأيّة انعكاسات حركية وشعبية أخرى، حيث اضطرّ كما يبدو أولئك المقطوعة رواتبهم، والذين كانوا لا ينتظرون، أو ينتظرون عقوبات تنظيمية وحسب، إلى التعبير عن غضبتهم، والإفصاح علانيةً عن شراستهم، توطئةً لما هو آتٍ، فبالإضافة إلى ما نشطوا به باتجاه تخريب العمليات الانتخابية الداخلية للحركة بقوّتهم الذاتيّة والممكنة، وبإنتاج سيول من البيانات والتهديدات، بشأن تخريب أية فعاليات فتحاوية قادمة، والتي قد تؤثّر ضد انعقاد المؤتمر العام السابع للحركة، فقد لجأوا إلى التهديد والأخذ بالثأر من أولئك الذين يعتقدون بأنهم وراء توصيل رسائل كيديّة ضدهم، وقد تم الإعلان عملاً، عن تشكيلهم مجموعة اتخذت "السواعد الضاربة" اسماً لها، تهدف إلى ملاحقة – على حد قولهم- جواسيس السلطة- من كتبة التقارير أو المساهمة بها، وكانت الحركة في إحدى الدوائر الانتخابية الداخلية، قد طالبت الرئيس "محمود عباس" بالتدخل لاعتماد نتائجها، بعد أن تم إلغاؤها بفعل تدخل أنصار "دحلان"، واتخاذ قرارات صارمة بحقهم، بما يُوحي بأن الحركة باتت بروحين اثنتين، كل روحٍ متجهة ضد الأخرى.
الآن يمكننا أن نتوقع جملة من الأضرار الناشئة عن التطورات والإجراءات المتبادلة، والتي يتم البناء عليها، في ضوء أن جملة الرواتب هي مطروحة من قِبل السلطة الفلسطينية وليس من الحركة نفسها، وإن من العسير عليها أن تعلن عن إجراءات كهذه وبهذه القسوة، بسبب أنها ستعمل على إحداث خيبة أمل حول سيرها، وتجلب مزيداً من الضرر لها، والذي ربما لا يمكن تلافيه على مدى المستقبل، فالكل يعلم أن الهدم سريع الحصول، ومن الصعب ترميم الأمور بشيءٍ يسير، في ضوء أن الأوضاع الفلسطينية بمستوياتها المختلفة تبدو أكثر تعقيداً، سيما وأن الحركة باتت الآن- كحقيقة- ترزح بين تيارين رئيسين لهما مصالح جدّ متضاربة، والتي من شأنها وفي حال بقيت إجراءاتهما مُتصاعدة، أن تُلزمنا الاستعداد لمشاهدات غير مُرضية، ربما تحدث بين أنصارهما، وتجبرنا – لا سمح الله- للتجهيز لأيام سوداويّة آتية.
يجدر التنبيه في هذا السياق، إلى أن إسرائيل المقبلة على انتخاباتها التشريعية، والتي لم تكن القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها الانتخابية كما هو المعتاد، وسواء ليسارها أو يمينها، تبدو سعيدة جداً، وتزداد سعادتها على نحوٍ أكثر، كلما تواردت إلى مسامعها أنباءً خلافيّة فتحاوية جديدة، والتي بالضرورة تزيد أضعافاً عن تلك التي أنعشتها طويلاً، بخلافاتها العظيمة واللامتناهية مع حماس، والتي امتدّت على مدى السنوات الثماني الفائتة وإلى ما بعد الآن.
خانيونس/فلسطين
26/1/2015