صوت إسرائيل من أفريقيا !
د. عادل محمد عايش الأسطل
معلوم، أن ما يربحه طرف ما، هو ما يخسره الطرف المقابل، وإذا كانت إسرائيل قد أعلنت عن أن اجتياح رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" للقارة الإفريقية الأسبوع الماضي، قد حقق نجاحاً منقطع النظير، فإن ذلك لا يأتي على حساب المصالح العربية وحسب، بل على حساب أمنها القومي من غير ريب.
فمنذ لحظة عودته إلى تل أبيب، تمكن "نتنياهو" أن ينسب لنفسه مجموعة كبيرة من الإنجازات السياسية والدبلوماسية، والتي من شأنها أن تمكنه من أن يفرض نفسه زعيماً جديراً لإسرائيل، والتغطية على جملة التنغيصات التي دأب بها حُسّاده ومناوئيه للإطاحة به على الأقل، بل وأجبرتهم على اللحاق بالآلة الإعلامية والمؤسسات الحكومية الأخرى التي استمرّت على الإشادة بمّا استطاع من جمعه من الغنائم، وخاصة تلك التي قصد توفيرها لإسرائيل وللشعب الإسرائيلي، كإنجازات خارقة لم تعهدها من قبل.
فبمجرّد وقوفه على البساط الأحمر كرئيس دولة عظمى، ودّ الإعلان على الهواء مباشرةً بأن: (هنا صوت إسرائيل من أفريقيا) خاصةً بعدما وجد نفسه وقد شغِل المكان، وضمِن وصوله للثروات العملاقة التي تزخر بها القارّة، ولمركزها الاستراتيجي المطل على البحار والممرات المائية المؤثّرة على حركة التجارة الدولية، خاصةً وأنها تشكل حالياً ميداناً عسكرياً رحباً، وممراً مهماً للتجارة البحرية الإسرائيلية.
وهو بذلك يصل إلى رغبة إسرائيل، في مراقبة ومحاصرة المصالح العربية – الأفريقية المشتركة، ومن ناحية أخرى تطويق الأمن المائي العربي، والسيطرة على الاقتصاديات العربية، إضافةً إلى إنشاء تيارات أفريقية مناهضة للأنظمة العربية ومؤيدة لإسرائيل، وإفساح المجال أمام خلق وتطوير أسواق كبيرة للصادرات الإسرائيلية.
أيضاً فقد أعلن "نتانياهو" عن تغييرات جوهرية حصلت للمواقف الاستراتيجية للدول الأفريقية لصالح إسرائيل، وعلى حساب القضية الفلسطينية، وسواء على النطاق الأفريقي العام، أو على مستوى المحافل الدولية، ولم يكن إعلانه جزافاً أو هكذا، بل بعدما حصل على تأكيدات حقيقية بشأنها، إضافة إلى ما هو مهم، والمتمثّل بحصوله على تعهدات أفريقية بتسهيل هجرة مواطنيها اليهود إلى إسرائيل، وبالعمل ضد حملات المقاطعة، ومكافحة السامية، والتعاون في مواجهة الحركات الإسلامية المتشددة، والحيلولة دون وصولها لكراسي السلطة باعتبارها تشكّل أخطاراً مشتركة.
"نتانياهو" لم يستطع الإعلان بحسب الاتفاق، ولا الإخفاء أيضاً، من أجل إثبات جدارته في إضافة نجاحات سياسية ودبلوماسية إلى سجلّه السياسي، وخاصة لهذه الجولة، حيث بادر بالتلميح عن نجاحه في التواصل وبـ (طلاقة) مع دول أفريقية –عربية ومسلمة- لم تكن لإسرائيل القدرة في الماضي من الاتصال بها، وكانت شبهات قد دارت حول الصومال والدولة التشادية.
تقريباً كل الدول التي سقط عليها، أضافت موافقتها إلى تأييد عشرات من دول شرق القارّة، باتجاه استعادة إسرائيل مكانتها كـ (مراقب) في الاتحاد الأفريقي، وهذا سيكون قريب المنال خاصة وأن هناك أكثر من 45 من 53 دولة، تربطها علاقات إيجابيّة مع إسرائيل، بما يعني أن لا قيمة لأي اعتراضات عربيّة على تلك النوايا، بسبب أنها سيكون لا مستقبل لها، وفي ضوء أن بعض الدول ومصر بخاصة، ستكون من الأصوات الداعمة في هذا الاتجاه وبصورة نهائية.
ولأن مشروع النهضة الأثيوبي سيخدم في النهاية الدولة الإسرائيلية بطريقة أو بأخرى، فقد أعلن "نتانياهو" عن موقفه بكل وضوح، عن دعمه للمشروع، وبدون أي اهتمام للمصلحة المصرية، باعتبار أن مصر هي التي في حاجة إلى إسرائيل وليس العكس، خاصة في الظروف السياسية والاقتصادية الكئيبة التي تعيشها.
لم يكن اتجاه إسرائيل نحو أفريقيا منذ هذه الفترة، بل كانت هناك علاقات سابقة وتنامت خلال السنوات الماضية لتصل إلى ما هي عليه اليوم من تطور يهدد الأمن القومي العربي وبشكل لا فرار منه، علاوة على أن لديها آلاف الأقدام المتجذّرة في أعماق مشروعات اقتصادية وأمنيّة ضخمة، أظهرت من خلالها ولا تزال أنها البديل الكفء لأي دور عربي مهما كان حجمه، وبالضغط باتجاه أن استلام أفريقيا للتكنولوجيا الإسرائيلية، لهي أفضل بأضعاف من مد يدها لاستقبال المال.
إن المتابع للسياسة الإسرائيلية، تجاه القارة الأفريقية، يتضح له أن إسرائيل بفضل "نتانياهو" أرست لنفسها استراتيجية مستقبلية للتعامل معها عبر مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنيّة على نحوٍ خاص، والتي بوسعها أن تلقف أي أدوار عربية ماضية أو مستقبليّة، وإذا كان مثل هذا الاعتقاد صحيحاً، فلا بد أن يكون العرب مدركين تماماً لكافة المخاطر، والتي هي أكبر كثيراً مما تراه العيون.
خانيونس/فلسطين
10/7/2016
د. عادل محمد عايش الأسطل
معلوم، أن ما يربحه طرف ما، هو ما يخسره الطرف المقابل، وإذا كانت إسرائيل قد أعلنت عن أن اجتياح رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" للقارة الإفريقية الأسبوع الماضي، قد حقق نجاحاً منقطع النظير، فإن ذلك لا يأتي على حساب المصالح العربية وحسب، بل على حساب أمنها القومي من غير ريب.
فمنذ لحظة عودته إلى تل أبيب، تمكن "نتنياهو" أن ينسب لنفسه مجموعة كبيرة من الإنجازات السياسية والدبلوماسية، والتي من شأنها أن تمكنه من أن يفرض نفسه زعيماً جديراً لإسرائيل، والتغطية على جملة التنغيصات التي دأب بها حُسّاده ومناوئيه للإطاحة به على الأقل، بل وأجبرتهم على اللحاق بالآلة الإعلامية والمؤسسات الحكومية الأخرى التي استمرّت على الإشادة بمّا استطاع من جمعه من الغنائم، وخاصة تلك التي قصد توفيرها لإسرائيل وللشعب الإسرائيلي، كإنجازات خارقة لم تعهدها من قبل.
فبمجرّد وقوفه على البساط الأحمر كرئيس دولة عظمى، ودّ الإعلان على الهواء مباشرةً بأن: (هنا صوت إسرائيل من أفريقيا) خاصةً بعدما وجد نفسه وقد شغِل المكان، وضمِن وصوله للثروات العملاقة التي تزخر بها القارّة، ولمركزها الاستراتيجي المطل على البحار والممرات المائية المؤثّرة على حركة التجارة الدولية، خاصةً وأنها تشكل حالياً ميداناً عسكرياً رحباً، وممراً مهماً للتجارة البحرية الإسرائيلية.
وهو بذلك يصل إلى رغبة إسرائيل، في مراقبة ومحاصرة المصالح العربية – الأفريقية المشتركة، ومن ناحية أخرى تطويق الأمن المائي العربي، والسيطرة على الاقتصاديات العربية، إضافةً إلى إنشاء تيارات أفريقية مناهضة للأنظمة العربية ومؤيدة لإسرائيل، وإفساح المجال أمام خلق وتطوير أسواق كبيرة للصادرات الإسرائيلية.
أيضاً فقد أعلن "نتانياهو" عن تغييرات جوهرية حصلت للمواقف الاستراتيجية للدول الأفريقية لصالح إسرائيل، وعلى حساب القضية الفلسطينية، وسواء على النطاق الأفريقي العام، أو على مستوى المحافل الدولية، ولم يكن إعلانه جزافاً أو هكذا، بل بعدما حصل على تأكيدات حقيقية بشأنها، إضافة إلى ما هو مهم، والمتمثّل بحصوله على تعهدات أفريقية بتسهيل هجرة مواطنيها اليهود إلى إسرائيل، وبالعمل ضد حملات المقاطعة، ومكافحة السامية، والتعاون في مواجهة الحركات الإسلامية المتشددة، والحيلولة دون وصولها لكراسي السلطة باعتبارها تشكّل أخطاراً مشتركة.
"نتانياهو" لم يستطع الإعلان بحسب الاتفاق، ولا الإخفاء أيضاً، من أجل إثبات جدارته في إضافة نجاحات سياسية ودبلوماسية إلى سجلّه السياسي، وخاصة لهذه الجولة، حيث بادر بالتلميح عن نجاحه في التواصل وبـ (طلاقة) مع دول أفريقية –عربية ومسلمة- لم تكن لإسرائيل القدرة في الماضي من الاتصال بها، وكانت شبهات قد دارت حول الصومال والدولة التشادية.
تقريباً كل الدول التي سقط عليها، أضافت موافقتها إلى تأييد عشرات من دول شرق القارّة، باتجاه استعادة إسرائيل مكانتها كـ (مراقب) في الاتحاد الأفريقي، وهذا سيكون قريب المنال خاصة وأن هناك أكثر من 45 من 53 دولة، تربطها علاقات إيجابيّة مع إسرائيل، بما يعني أن لا قيمة لأي اعتراضات عربيّة على تلك النوايا، بسبب أنها سيكون لا مستقبل لها، وفي ضوء أن بعض الدول ومصر بخاصة، ستكون من الأصوات الداعمة في هذا الاتجاه وبصورة نهائية.
ولأن مشروع النهضة الأثيوبي سيخدم في النهاية الدولة الإسرائيلية بطريقة أو بأخرى، فقد أعلن "نتانياهو" عن موقفه بكل وضوح، عن دعمه للمشروع، وبدون أي اهتمام للمصلحة المصرية، باعتبار أن مصر هي التي في حاجة إلى إسرائيل وليس العكس، خاصة في الظروف السياسية والاقتصادية الكئيبة التي تعيشها.
لم يكن اتجاه إسرائيل نحو أفريقيا منذ هذه الفترة، بل كانت هناك علاقات سابقة وتنامت خلال السنوات الماضية لتصل إلى ما هي عليه اليوم من تطور يهدد الأمن القومي العربي وبشكل لا فرار منه، علاوة على أن لديها آلاف الأقدام المتجذّرة في أعماق مشروعات اقتصادية وأمنيّة ضخمة، أظهرت من خلالها ولا تزال أنها البديل الكفء لأي دور عربي مهما كان حجمه، وبالضغط باتجاه أن استلام أفريقيا للتكنولوجيا الإسرائيلية، لهي أفضل بأضعاف من مد يدها لاستقبال المال.
إن المتابع للسياسة الإسرائيلية، تجاه القارة الأفريقية، يتضح له أن إسرائيل بفضل "نتانياهو" أرست لنفسها استراتيجية مستقبلية للتعامل معها عبر مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنيّة على نحوٍ خاص، والتي بوسعها أن تلقف أي أدوار عربية ماضية أو مستقبليّة، وإذا كان مثل هذا الاعتقاد صحيحاً، فلا بد أن يكون العرب مدركين تماماً لكافة المخاطر، والتي هي أكبر كثيراً مما تراه العيون.
خانيونس/فلسطين
10/7/2016