بلا لمبة حمراء

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    بلا لمبة حمراء



    بلا لمبة حمراء

    تجربة مسرحية راقصة

    للمركز الثقافي الفرنسي بدمشق

    إعداد ودراسة : محمد زعل السلوم

    تم بالمركز الثقافي الفرنسي يومي 18-19/7/2003 عرض مسرحية " بلا لمبة حمرا" وهي تجربة مسرحية راقصة جديدة ذات سمة بحثية (نهاية ورشة عمل) وميزتها إبداعية حيث الحفر على إيقاعات الحركة المجدولة مع ترانيم الصوت القاري إن صح التعبير الفكري والفلسفي في تجربة المسرح الصوتي-الحركي من خلال حركة جسدية تتفجر من الداخل وهي حركة الصمت الذي يبوح من خلال مسرح حركي-صوتي راقص,ملئ بالرقصات المتنوعة حيث حركة الجسد الملتوي إلى اللطم إلى الحركات الغربية والشرقية حيث الكوريغرافيا التي تبحث عن لغة جسدية تعبر عن العالم والكون,وأزماته وانقساماته ,وصولا لأزمة الجوع والبطالة والأمية والأمراض والمخدرات والحروب ,بحركات الرأس والأيدي والأرجل,فضلا عن المسرح الصوتي "البوليفوني" حيث تتعدد الصور والمستويات الموسيقية التي تود التعبير عن دور الصحن اللاقط "الدش" والغرفة السوداء أي التلفزيون, وقدرتها على الدوران حول العالم والتحليق ابتداءا من سطح المنزل وصولا إلى القارات جميعها وان كان عدد المؤدين ستة فحسب كذلك أضافوا حركات الصوفية الممزوجة بالجاز والباليه والرقص الحديث, وحتى المقطوعات الموسيقية وهي 6 أو 7 مقطوعات تبدأ الأولى بصوت بركة ماء كما تعبر عنها الضفادع ونقيقها بتلك البركة وكانت حركة الأقدام لعبور البركة بشكل تعبيري جميل وكأني أرى بها لوحة "ديكارت العابر للحدود" الشهيرة حيث يتجاوز جميع الرؤوس المتحجرة بالفضاء تاركا آثار أقدامه على الجانبين, ليعطي منعكسا جديدا للمجتمعات ,تلك المنهجية الديكارتية القاضية بحتمية الانفتاح على الفكر الإنساني بمصراعيه, فديكارت العصر هو الصحن اللاقط والانترنيت ووسائل الاتصالات الحديثة ,تلك الأدوات الطيعة بيد الإنسان ,والقادرة على نقل الحضارة بكاملها عن طريق نقرة زر واحدة .

    اذا هو مسرح متعدد الأصوات تمزج فيه المؤثرات الصوتية التي تتفاعل وبنجاح تام مع أصوات التشكيلة البشرية من مؤدين ومؤديات ثم ليبدأ تشكيل الألوان والانقسام والآراء,فالفكر المنفتح يمر عبر العصور بل ويقسم العالم إلى قطبين وهكذا فقطب واحد وبالنهاية متعدد الأقطاب ,وهو رمز انتصار البشرية, ويرافق ذلك مزيج من الموسيقى الشرقية والغربية, وليتحول إيقاع الجسد من بطئ إلى سريع,فترى كبوة هنا ونهوضا هناك,وكأن هذا النهوض يرتبط بضرب الأقدام على الأرض لتعبر عن قوة النهضة,وكذلك موسيقى تعبر عن طقس العمل والحياة برمتها في هذا العالم الملئ بالمآسي كما هو ملئ بالصراع والدموية, وكذلك الانفتاح والسعادة البشرية بين المطرقة والسندان التي تعبر عن تمازج الألوان والثقافات والحضارات والقارات ,فهي لا تعبر عن شمال فقط أو عالم غربي وإنما عن كل البشرية,وكذلك موسيقى الجاز التي لا تعبر أيضا عن القارة الأمريكية بعينها بل عن العالم اجمع وهناك الموسيقى الإفريقية,وكذلك نستطيع قراءة موسيقى المطرقة والسندان عن الرتيب والمكرور والروتين وحركة البشرية جمعاء وتقدمها وحراكها بكافة المجالات ,ولكن هذا التنوع الموسيقي و حتى التمازج في أداء الراقصين من رقص الزار والصوفية,والحلقات المتسلسلة والتكتل الجماعي والدوران والرقص الغربي والإفريقي ,كل ذلك يوصلنا إلى الإنسان في كل مكان ,كذلك استخدمت موسيقى إعادة الشريط ,وهي حركة الاسترجاع التي تعبر عن الدوران بذات المكان وذات الأفق دون التقدم نحو الأمام وهذه النظرة إلى الوراء تستفز فينا قراءات متعدد وطويلة ,ذلك أن نص المسرح الحركي- الصوتي الراقص يحتمل قراءات متعددة و متنوعة,فهناك كوريغرافية وبوليفونية واضحة فضلا عن مساحات الرقص وحلقاتها وتسلسلها التي تزيد أحيانا وترقص أحيانا أخرى مما يجعلها تعبر عن الحوار والصراع والعولمة وبدائل العولمة ووحدانية هذا العالم حول القضايا الرئيسية من جوع وحروب إلى قضايا الايدز و المخدرات مرورا بالأمية والبطالة وغير ذلك الكثير فالأمية بحركات النعاس والغطيط ,وأما المخدرات فيتم التعبير عنها بحركات حك الأنف ,والجوع باللطم على البطن,والبطالة بهز الكتفين دون القدرة على الحراك وإبراز هذا الصراع الداخلي,أو قد تكون تلك الحركات هي تعبير عن الميتولوجيا الجماعية للبشر أو حتى الفردية كما لدى فرويد ويونغ وان اختلفا في طبيعة كل ميتولوجيا واعتقد أن التلفزيون والإنترنيت أصبحا جزء من الميتولوجيا الجماعية والفردية للبشر على السواء,وبالتالي فتلك القضايا التي يتم التعبير عنها بالرقص فقد تم طرحها بشكل متساوي دفعة واحدة باصطفاف المؤدين والمؤديات جنبا إلى جنب ,لإيجاد الحل لتلك المشاكل فورا ,أو للتعبير عن تلك الحاجات التي يشترك جميع البشر بها من غرائز وحاجات الطعام والشرب..الخ .

    ثم يتم العرض الضوئي لصور تعبر عن التحليق نحو العالم من خلال تلك المعجزة ألا وهي الصحن اللاقط والذي يتجه نحو السماء حيث الانفتاح على العالم بمنظار الحوار الهادئ والخلاق والهادف والبناء ,وكأن السطوح تجسد الهواء الطلق حيث البيئة النظيفة والسليمة لحوار تلك القرية الكونية الصغيرة حيث لابد من التعايش السلمي ونبذ الصراع والحروب والبحث عن الحلول ,فتلك الصور تتابع ذات القضية وكل شئ مباح وليس هناك من ضوابط أو لمبة حمراء تمنع السرعة والانطلاق نحو هذا الكون الفسيح , فديكارت العصر يجمع الناس على مائدة واحدة.

    وبالنهاية كان بهو المركز الثقافي الفرنسي بدمشق خشبة فعلية حافظت بكل معنى الكلمة على الوهم المسرحي بين مجال العرض ومجال الجمهور رغم التحام المجالين ,بل وفاعلت الجمهور الذي بات مفكرا ,بل ومحتاجا إلى بعض التفكير حتى بعد العرض ,فالقضية تحتمل الكثير من القراءات والرؤى المختلفة ,فمسألة الرقص على إيقاع العالم ,وهي مسألة لها ايجابياتها كما لها سلبياتها ,ولكنها بالنتيجة هي الحل الأمثل لعالم متنوع وكسر لكل انعزال عن الأرض .

    دام العرض 20 دقيقة حيث الإضاءة ثابتة لحركات متحولة على إيقاع الموسيقى.



يعمل...