القرآن الكريم صالح لكلّ زمان ومكان يجدد نفسه ليلائم العصر

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • nizameddin
    نظام الدين إبراهيم أوغلو
    • Sep 2007
    • 135

    القرآن الكريم صالح لكلّ زمان ومكان يجدد نفسه ليلائم العصر

    القرآن الكريم صالح لكلّ زمان ومكان
    يجدد نفسه ليلائم العصر

    نظام الدين إبراهيم أوغلو
    محاضر في جامعة هيتيت ـ تركيا
    nizamettin955@hotmail.com

    حقيقة الدين الإسلامي

    المسلم المؤمن يعلم يقيناً أن نصوص دينه صالحة لكل زمان ومكان بالمعنى الحقيقي دون إختلاف أكثرية العلماء والحكماء وحتى العامة من الناس إلاّ الفاسقين والمنافقين والطاغين منهم، وهذا لا يحتاج إلى أن نثبت للمسلمين بأن القرآن يلائم كافة العصور لأنهم عاشوا مع حقيقتها وطبقوها أكثر من 13 عشر قرناً، وذاقوا معها طعم الحياة السعيدة والحياة الآمنة والمطمئنة، وذاقوا معنى الحرية والأخوة والعدالة والمساواة وغنى النفس والفداء ..، ومتى أن دخل الشيطان والنفس اللّوامة إلى فطرتهم السليمة فأغوى هؤلاء الفاسقين والمنافقين والطغاة وأبعدهم عن دينهم وعن أحكامها الغراء فطبقوا قوانين ودساتير جديدة غير إسلامية من ديمقراطية وحرية وحقوق الإنسان الكاذبة ليكون بديلاً للقوانين الإسلامية وإدعوا أنها صالحة لعصرهم هذا. فلو كانوا على صدق أقوالهم، بأنها ملائمة لعصرهم هذا فلم الحروب والصراعات والفتن والظلم والفساد وسلب حقوق وحريات وأموال الشعوب، ولم إباحة تشريد وسفك دماء الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء العزل؟ ولم لا تتجلى العدالة والمساواة في دوائر العدالة والمحكمات وحتى في المحاكمات الدولية عندهم؟، ولم فقدوا الآمانة والراحة والطمأنيتة؟ وأسئلة كثيرة فلا يحتاج إلى سردها.
    ولكن المسلمون يجدون كل هذا في القرآن الكريم وإتخذوه دستور عادلاً لهم. لقد طبق المنافقون والطغاة منهم النظام الإشتراكي والشيوعي والرأسمالي واللّيبرالي والديمقراطي وحتى جرّبوا بنظام إسلامي ومدني خلط فلم يفلحوا وسوف لن يفلحوا أبداً.
    والمسلمون الطيبون يشكرون الله على ما هداهم بهذه النعم الكريمة ويرون أنفسهم محظوظين بإقنائهم الدين الإسلامي، ولكن الطغاة والمنافقون كما ذكرت لا يعرفون قيمة دينهم لأنّهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون وهؤلاء فضلوا أن يكونوا عبدة لأعداء الله دون الله تعالى.
    وعنما أصبحوا عبدة للإستعمار والدول الكبيرة الطاغية، وبدون شك يبدأون بتنفيذ مخططاتهم من منع الحجاب على المرأة ومنع حف اللحى وصلاة الشباب جماعة في المساجد ومنع فتح دورات تحفيظ القرآن ومنع تدريس الإسلام كما أراده الإسلام وبكافة محتوياتها ونحو ذلك، وبتشويق التعصب القومي والمذهبي والفساد والسفور وفتح أماكن الدعارة ونحو ذلك.
    ونحن هنا إذ نوضح للمنافقين والإستعمار المسلطين على المسلمين بعض الشيء من الأدلة على أن القرآن الكريم صالحة لكل زمان ومكان وقابلة للتجديد.
    لم يجعل علماء المسلمين وفقهاءهم ومفسريهم العظام القرآن الكريم كتاب العرافين وكتاب يحفظ البيوت وأصحابه من شرور الجن فقط أو كزينة يعلق أو يوضع في أجمل مكان، بل إتخذوه مصدر علومهم ومصدر شريعتهم ومصدر هدايتهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومصدر قوتهم ووحدتهم، لذا لم يتركوه في الرفوف، بل جعلوه منهاجاً لهم وجزء لا يتجزء من حياتهم اليومية، ففسروه بتفاسير عديدة في كل عصر ليلائمه وأخرجوا أحكاماً وفتاوى كثيرة ليجيب على مسائل عصرهم، وفقاً للمنهج الإسلامي الذي يحدده أصول الفقه الإسلامي، لا كيفما يشاؤا كما نرى عند الكتاب والباحثين في بعض الوسائل الإعلامية يحللون المسائل الإسلامية على أهوائهم دون مراعاة أصول الفقه.
    أ ليس هذا أكبر دليل على تجديد الدين الإسلامي وصلاحه لكافة العصور، أما عرقلة التجديد وتطبيقه لم يكن مشكلة المسلمين ولكن كانت المشكلة عند الحكام، يسجنون ويسكتون ويقتلون العلماء العاملون الصالحون ثم يخرج المشعوذون والمنافقون ويستلمون مهام الإسلام ويفتون كيفما يشاء حكوماتهم ويتلقون منهم الشكر والتقدير والمقام والمكافئات الجميلة. فعندها الطامة الكبرى والتي نحن التي بصددها. وتشجيع العلماء الأفاضل إلى تجديد القرآن الكريم بتفاسير جديدة من واجبات الحومات يفتح لهم مجمع علمي للعلوم الإسلامية، ويعين عليها الآهلين لهذا العمل الجبار. وحتى يمكن تجديد قصص القرآن وتنظيم إدارة حكم جديد وتحويل أنظمة العالم الإسلامي إلى أنظمة ديمقراطية حقيقية وأن يكون الحكم فيها لأغلبية الشعب، وأن تصان فيها الحريات، وأن يحاربوا فيها الفساد الأخلاقي والمالي لأن هذا من إختصاصهم، ولكن إذا نيات الحكام على ذلك.
    ودليل أخر على تجديد القرآن الكريم في كل عصور، أنظروا إلى كتب التاريخ ستجدون ظهور علماء مجددين لكل عصر يجددون هذا الدين ويعطون لهم إسم المجدد. كما قال (ص) (إنّ الله تعالى يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة مَن يُجدّد لها)، فأصبح هؤلاء بفضل القرآن رموز الهداية والرحمة للناس وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، فأمنوا بهم الكثير، ووقف أمام طريقهم القليل.
    أما الأثبات كون القرآن الكريم من رب العالمين، بالإضافة تأييد شعراء مكة الأفاحل الذين كتبوا المعلقات السبعة (العشرة) أثبتوا بأن القرآن الكريم معجزة إلهية وليس بكلام بشر، وأنه منهج متكامل لتظيم حياة الأسرة والدولة وفيها من المعجزات والأخبار التاريخية والعلمية التي لا يمكن معرفتها إلاّ عن طريق الخالق الموحى إلى العالمين عن طريق الرّسل والأنبياء. وأثبت المستشرقون وعلماءهم من المسيحيين واليهود والمشركين على صحته وكونه من الله تعالى بأدلة علمية وعقلية ومنطقية وآمن به الكثير من علماءهم وأسلموا وأحسنوا إسلامهم بفضل الله تعالى وبفضل القرآن الكريم، وإلى عصرنا الحاضر وإلى يوم القيامة ستبقى معجزة إلهية تجدد نفسه بعبارته المجازية التي تحتمل المعاني الجديدة وبالتشبيه التي تصور الأحداث المعاصرة، ولم نجد أنه قد تعارض للعلوم الدّنيوية أبداً وحتى بعد الثورة الصناعية وتطور التكنولوجية العلمية والفضائية، والسبب معروف خالق العلوم هو الله وخالق البشرية والكون هو الله فكيف يمكن أن يخرج التعارض والإختلاف بينهما. وفي كل عصر الذي يخرج المشاكل والنفاق والبلبة في أوساط الشعوب هم المنافقون والإنتهازيون والكفرة من الناس.
    هل تؤيد تجديد الفكر الإسلامي؟
    يمكن أن يطرح سؤال بهذا الشكل أو ما شابه من الأسئلة على المسلمين، نتيجة انخراط المسلمين إجبارياً في استحقاقات العولمة، وهنا يتطلب على العلماء والمثفقين المسلمين الإجابة على هذا السؤال بشكل جدي وعصري، حتى لانكون نحن كمسلمين لا ندرك مفهوم العولمة ولا أن نجعل أحكام المعاملات الشرعية في داخل العولمة كما يردها الأعداء وإجبارهم علينا بشكل مباشر أو غير مباشر تحت شعارات جذابة كأنها من أساس الإسلام وتحت شعارات حقوق الإنسان ونظام الديمقراطية والحرية. ولأجل تقديم الإسلام بصورته النقية الأولى علينا أن نجدد أنفسنا كمسلمين لا أن يتجرأ غيرنا ويقوم بتجديد ديننا، والتجديد وتفسير الآيات بما يلائم العصر والتطورات والأحداث المستجدة فرض على الدولة وفقهائها الصالحون وهم يعطون الفتاوى ويفسرون الأحكام على إطار أصول الفقه الإسلامي المعروف لدى العلماء. وحتى أنهم أفتوا لكثير من المسائل الفقهية الجديدة كموضوع الصعود إلى أقمار السموات والضمان والبنوك ومواضيع التجارة التي لم تكن معمولاً في السابق والإنجاب عن طريق أنابيب الأطفال ونسخ الإنسان أو الحيوان وحجاب وتستر المرأة بما تلائم العصر ونحو ذلك.
    ولي هنا ملاحظة مهمة، هناك من المسلمين يلتزمون بالتعصب والتطرف ولا يريدون التطور والأزدهار، بفعلهم هذا لا يضرون فقط أنفسهم وإنما يضرون المسلمين جمعاء هم يخسرون الدنيا والأخرة لأنهم أضّروا منفعة الأمة وجروهم إلى الويلات بسبب عدم تطوير أنفسهم من ناحية الحجاب وملابس النساء بملابس عصرية لا تشمأز العيون وتظهر أمام الناس شيئاً غريباً لا يستأنسه حتى عقولهم. ويجب أن لا ننسى أننا نعيش في عالم صغير أصبح كل الناس إطلاع قريب لهم، وهناك مواضيع أخرى أيضاً آداب عامة يجب مراعاتها من آداب الأكل والمناقشات والنوم ونحو ذلك.
    والإسلام يلائم الفطرة السليمة، والقواعد العالمية ومن أبرز هذه المواضيع: مثل قاعدة المساواة بين الذكر والأنثى والناس أجمعين ممثلة بقوله تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقوله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى يكون بالقول والفعل لا بأحدهما. وبقاعدة حرية العقائد والأديان ممثلة بقوله تعالى (لا إكراه في الدين) ، وفي حل الصراعات والحروب كما في قوله الله تعالى (من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً) وقوله (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) وأيضاً (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) ، ومنها قاعدة تيسير وتسهيل الأمور على الناس ممثلة بقوله تعالى (يريد الله بكم اليسر) وكذلك (ما جعل عليكم في الدّين من حرج)، وفي قاعدة درء المفاسد الآتية من قوله تعالى (والله لا يحب الفساد) ، وفي قاعدة العدل ممثلة بقوله تعالى (ليقوم الناس بالقسط) ، وفي قاعدة الجزاء كما في قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وفي إزالة التميز العنصري كقول الرسول (ص) ( لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى).. وآيات كثيرة كلها تلائم أحكام الأمم المتحدة. وبعد هذا الحديث فلا يحتاج لنا إثبات القرآن أنها صالحة لكل زمان وقبل الأمم المتحدة طبقت أربعة عشر قرنأ.
    والتجديد والإجتهادات الجديدة وحتى الإختلافات التي تحصل في كافة أمور حياتنا وفي فرعيات الإسلام أما في القواعد الأساسية والأمور العقائدية فلا يجوز التغير والتجديد.
    وفي التجديد والإجتهاد فؤائد كثيرة منها تطوير وتوسيع أفق وعقلية المسلمين والإبداع فيها فالإجتهاد رحمة ونعمة وتيسير أمور الإنسان وتطوير لحياتهم اليومية فلا غضب ولا نقمة من الله كما يدعي البعض، ولهذا صدق رسول الله عندما قال (إختلاف أمتي رحمة) أي الإختلاف في الجزئيات أما في أساس الشّريعة فلا إجتهاد كما نعلم. فعند تشديد المذاهب في الأمور الفقهية وتضيقها في إطار مذهبهم، ويحرمون الإجتهاد يكونوا مسؤولين أمام الله تعالى ومهزلة أمام العالم.

    الكمال لله وفاقد الشيء لا يعطيه
    كيف يمكن للمادة الغير الحية أن يخلق مادة حيّة، والمخلوق كيف يمكن أن يخلق خلقاً أخر خلقه، وكيف يمكن له أن يخلق السموات والأرض وما فيها من النعم الكثيرة من الأنهار والجبال والغابات والحيوانات والطيور وما تحتها من المعادن والثروات الكثيرة. فلو نظرنا إلى مراحل خلق الله للكائنات لعرفنا قدرة الله أكثر، خلق الإنسان من ماء ثمّ أصبح مضغة ثمّ كسى العظام بمضغة وأخيراً أصبح جنيناً ثم طفلاً له كامل أوصاف البشر، وأنظر إلى الكتكوت كيف يكسر البيض بالقرن ويخرج منه؟ فمن الذي أعطاه القرن وبعد الكسر يخفيه؟ وأنظر كيف سخّر الله حبة الباقلاء إذا زرعناه بأي شكل من الأشكال سوف يكون سويقها فوق الأرض فمن الذي يحركه ويُعده تحت التراب؟ وأنظر إلى قدرة وكمال الخالق كيف أنه سخّر الجمل الكبير لطفل صغير ليجره إلى ما يشاء!
    فالذي لا يملك أن يحفظ نفسه وروحه من الموت فكيف يمكن له أن يعطي الناس الحياة كما إدّعى فرعون ومن بعدهم فراعنة كلّ العصور. والذي لا يملك العلوم كلها فكيف يمكن أن يعطي للناس علوماً أ ليس خالق مصادر هذه العلوم هو الله تعالى؟ والإنسان ماتعلمه من الله يعلّمه لغيره (وعلّم آدم الأسماء كلها) . أما لم يعلمه الله للإنسان من الغيبيات وما وراء الطبيعة لا يمن أن يتعلمه وحتى أنّ الإنسان في عالمنا لم يكشف لحد الآن ماهية الكهرباء والجاذبية والمغناطيس ونحو ذلك. ونقول الله خلق ذبابة أو أي حشرة صغيرة فأخلق لنا مثله! والله خلق التراب والماء والمعادن فأخلق شيئاً جديداً غيرهما. والإنسان الذي يدّعي أنه يستطيع أن يخلق كل شيء لو وفرت له كل شيء من مواد ووقت ونحو ذلك، ونحن نقول ليجتمع كافة العلماء وعباقرة العالم، وليأحذوا كافة المساعدات المالية من أغنياء الدول، وليعملوا عصور طويلة من أجل خلق شيء مالم يخلقه الله.
    الكمال لله وفاقد الشيء لا يعطيهِ. فالإنسان بعقله يستطيع الوصول إلى كلّ هذه الحقائق الإلهية عن طريق التّعلم والكشف والإختراع وكذلك بالسّعي والتّنقيب والرّحلات والمختبرات والمعامل، والقرآن ليس كتاب علم وإنّما كتاب هداية ورحمة، يهدي الأمة إلى الطّريق الصّحيح ويرحمهم وينقذهم بلاء الدنيا ومن نار جهنم ويسعدهم في الدنيا ويدخلهم روضة من رياض الجنّةن كيف يهديهم يهديهم بكتاب الله وسنة رسوله، والذي خَلقهم يعرف خُلقهم أيضاً ويعرف كيف يعالج الخلق السيئة والنفس الدنيئة في كافة العصور، لذا جعل الله للقرآن معجزة إلهية تصلح لحل كافة مشاكل العالم وفي كافة العصور بسبب معجزته في قبلية تطوير وتجديد نفسه.
    ووعد الله الناس بوعود كثيرة إذا أطاعوا أوامره فيسخر لهم كلّ شيء من علم ومعجزة وغيب وحكم للعالم إذا أمنوا به حقّ الإيمان فقال تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) . (وكم من فئة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) . ووعد لهم أشياء كثيرة وحتى أن يكونوا خليفة الله في الأرض، فقال تعالى (إني جاعل لكم في الأرض خليفة) .

    ولأجل إثبات صلاح القرآن في كافة العصور علينا إثبات فضائله وإعجازه

    أـ فضائل علوم القرآن: فضائله كثيرة منها
    يعتبر القرآن الكريم المصدر الأساسي والأول للإسلام وللتعاليم الإسلاميّة ويكون الرّجوع الى أُصولها كالعقائد والعبادات وأحكام الحدود وأحكام الميراث والمعاملات والأحكام الدّستورية وقوانين العقوبات وتنظيم الدّولة السّياسي والإداري والصّحي والعسكري وكذلك المفاهيم والقِيم والموازين والشّعائر والأخلاق والأداب وغير ذلك. لقد وضع لكل هذه المواضيع أُسسها، وأرسى دعائمها. إذن لايمكن الشّبهة من القرآن لحل كافة مشاكل الفرد والمجتمع والدّولة أبداً. وكذلك يتطرق الى المواضيع العلميّة والطبيعية لتبيّن لنا معجزته العلمية أيضاً. وأنّ أكثر من عُشْرْ الأيات القرأنيّة تتعلّقُ بالعُلوم الطّبيعيّة وعلى وجه التّدقيق (670) أية تبحث في شتى المواضيع العلمية موزّعة كما يلي:
    1ـ الرّياضيّات، 61 أية. 2ـ الذّرة، 5 أية. 3ـ النّسبية، 62 أية. 4ـ الفلك والمجرّات، 100 أية. 5ـ المناخيّات (الطّقس)، 20 أية. 6ـ المائيّات، 14 أية. 7ـ الفضاء والنّجوم، 11 أية. 8ـ الحيوان، 12 أية. 9ـ الزّراعة، 21 أية. 10ـ الأحياء، 36 أية. 11ـ الجغرافية العامة، 73 أية. 12ـ السّلالات البشريّة، 10 أية. 13ـ طبقات الأرض، 20 أية. 14ـ الكون وتاريخ الأحداث الكونيّة، 36 أية. 15ـ الفيزياء (منها الجاذبية وحركة الأرض والغلاف الجوي والنّقل البعيد والضّغط الجوي ونحوه) 64 أية. 16ـ الكيمياء، 9 أية. 17ـ الرّياضيّات 57 .

    ب ـ علم إعجازُ القُرآن
    "" أنواع علم إعجازُ القُرآن: خمسةٌ منها
    1ـ الإعجاز البياني أو اللغوي: وهو ما يتعلّق ببلاغة القرآن، ونظمه وأسلوبه وعبارتهِ وألفاظهِ، والرّسول تحدّى به المشركين من العرب أن يأتوا بحديثٍ مثلهِ أو بعشرِ سورٍ مثلهِ أو بسورةٍ مثلهِ (قُل لئن إجتمعتِ الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القُرآن لا يأتون بمثلهِ ولوا كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً) الإسراء،88. ولقد أسهم في ذلك عُلماء كثيرون منهم الباقلاني وعبدالقاهر الجرجاني والطّبري والرّافعي في إعجاز القرأن وسيد قطب في التّصوير الفني في القرآن ومشاهد القيامة في القرآن وعبدالله دراز في النّبأ العظيم وبنت الشّاطئ في تفسير القرآن بما فيه من المجاز والتّشبيه والمثال ونحو ذلك.
    2ـ الإعجاز المُوضوعي أو التشريعي: ونعني به، أنّ القرآن قد جُمع من صنوف الهداية والحكمة والموعظة الحسنة، ومن وجوه الإصلاح التّوجيهي والتّربوي والتّشريعي وصيانة لحقوق الإنسان وعبر وعِظات في القصص القرآني، ما يسعدُ البشر أفراداً وأسَراً وجماعات ودولاً، في دينهم ودُنياهم لو أنّهم اهتدوا به وآتّبعوهُ . وألّفَ في ذلك كثيرون منهم رشيد رضا في الوحي المُحمدي ومقالات محمد أبو زهرة عُنوانها شريعة القرآن دليل على أنّه من عند الله وكُتب العقاد الإنسان في القرآن الكريم والمرأة في القرآن ونحوذلك.
    3ـ الإعجاز العِلمي: ونعني به ما يتعلق بإشارة القرآن في كثير من آياتهِ الى كافة الحقائق العلميّة والتي كشف عنها العلم الحديث ، مع أنّها كانت مجهولة في عصر النّبوة، وما بعدهُ لقرونٍ عديدة. لقد كتب كثير من علماء المعاصرين في هذا الموضوع منهم د. محمد أحمد الغمراوي و د. محمد جمال الدين الفندي وعبدالرّزاق نوفل والشّيخ طنطاوي جوهري. ومن وجوه الإعجاز العلمي، حيث توصل العلم الحديث اليوم إلى كثير من الحقائق التي أثبتها القرآن الكريم قبلُ، كقوله تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) الحجرات 14،1. والعروج يكون في خطوط منحنية غير مستقيمة كما نجد ذلك في العصر الحديث. وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا) الأنبياء، 30. ونحو ذلك من الآيات التي أكدها العلم الحديث وصدقها، كل ذلك تصديقًا لقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فصّلت، 53. وقد تحقق هذا الوعد الإلهي بما أثبته العلم وما يثبته كل يوم، ورأى الناس آيات الله فيما بثه في كونه وما أودعه في مخلوقاته. والاية الكريمة التي توصف عذاب الانسان يوم الحساب الاكبر وهية بعد بسم الله الرحمن الرحيم (كلا لئن لمن ينتهِ لنسعفاً بالناصية ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ ) العلق 15، 16هذة الاية الكريمة بعد التقدم بالعلم الحديث اكتشف العلماء ان الدماغ مقسم الى عدة اقسام وكل قسم مسوؤل عن نوع من التصرف او العمليات الحريكة في الانسان وبعد التركيز في البحث اكتشف العلماء ان الجزء من الدماغ المسوؤل عن الكذب والخطيئة في الانسان موجود في مقدمة الرأس اي ما وصفها القرآن بالناصية فهل بعد هذا الاعجاز في كلام الله اعجاز فاعتبرو يا أولي الالباب.
    4ـ إعجاز الخُلود: ومن خصائص القرآن أنّه كتابُ الخُلود ليس كتاب جيلٍ ولا كتاب عصرٍ ولا كتاب أجيالٍ أو أعصار محدودةٍ، بل هو الكتاب الخاتم للرسالة الخاتمة، ولهذا تكفّل اللهُ بحفطه (إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا لهُ لحافظون) الحجر، 9. (وإنّه لكتابٌ عزيزٌ لا يأتيه الباطلُ من بين يديهِ ولامن خلفهِ) فصّلت،41،42. وبإعجازِه بقي صالحة لكلّ عصر وزمان.
    5ـ الإعجاز الشّمول: ومن خصائص القرآن كذلك الشّمول فكما أنّه متاب الزّمن كُلّهِ هو كتاب الدّين كُلّهِ، جمع أصول الهداية الإلهيّة، والتّوجيه الرّباني ، في العقائد والشّعائر والآداب والأخلاق، كما جمع أصول التّشريع الإلهي في العبادات والمعاملات وشؤون الأسرة وعلاقات المجتمع الصّغير والكبير، المحلّي والدّولي، الى جانب تنظيم الشّؤون الإجتماعية فهو كتاب الإنسانيّة كُلّها ، وكتاب الحياة كُلها . ولهذا جعله الله هدىً للناس و للعالمين.(شهر رمضان الّذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس) البقرة،185. (إنْ هو إلاّ ذكرٌ للعالمين) التّكوير27"" .
    ومن مباحثها ومواضيعها أيضاً: الإعجاز الغَيبي والمُستقبلي والتّاريخ التي لا يُمكن الإطّلاع عليها إلاّ بالوحي، والإعجاز العددي والتي يهدف إلى حلّ مواضيع وأحداث القرأن عن طريق الأرقام، وكذلك معجزته في أمثال القرآن وبيان الّنظم، ومواضيع أخرى .
    فالكمال كلّ الكمال في القرآن الكريم وفي الدّين الإسلامي الحنيف والمنزّه من كلّ التّحريف والأخطاء مهما قالوا ، فالله تعالى يقول (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون) الحجر، 9. والقرآن الكريم كما هو معلوم أنّه وصل إلينا عن طريق التّواتر وعن طريق نبيّنا محمّد (ص) الأمين، وهو خالٍ من التّحريف، وهذا الكتاب العظيم لايُمكن أنْ يكتبه أو يُحرّفه رجلٌ أميٌّ، ويتحدى كبار العُلماء والحكماء والأدباء واللّغويين الفاسقين والكافرين من إتيان سورة من مثله، ففيهِ الإبداع البلاغي الرّائع والتّرادف والإشتقاق ومعاني الكلمات الكثيرة الرّقيقة والرّنانة وغيرها من الصّفات ممّا تجعله لغة عالميّة وتصلح أن تستخرج منها معاني جديدة تلائم كلّ العصور. وآيات التّحديات كثيرة لا تُحصى من خلق السّموات والأرض وما فيهما فمثلاً لمنكري الله بخلق أصغر مخلوق ولو بذُبابة، ولكنّهم لا يستطيعون على ذلك أبداً.
    والقرآن الكريم تشريع ومنهج متكامل للبشرية جمعاء يتطرّق إلى مواضيع كثيرة في أساسها علم العقيدة التي فيها الإيمان بالله وأنواع العبادات بصورة واضحة ومفصّلة، ثمّ إلى كافة العلوم وأمور الدّنيا والأخرة بشكل عام وموجز ويضع قواعد وأسس لهذه العلوم بما تهم البشريّة لكي يهتدوا ويتعلموا ويجتهدوا ويفكّروا ويتفقهوا في أمور هذه العلوم وأن يهتموا ويبتدعوا ويطوروا ويجددوا أنفسهم على قدر علومهم وفهم نصوص القرآن الكريم كلّما إزاددت العلوم والتكنولوجية والصناعة والكشوف والإختراع إزداد إلى فهم القرآن الكريم من جديد وبهذا يتم التجديد الذي نحن بصدده، ولكي يتمّ التجديد في كلّ العصور، وحسب الظّروف والمكان بشرط عدم الخروج من الإطار العام لمبادئ الإسلام الأساسية وعلم اصول الفقه. وقال (ص) (إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد النّاس). ولكن حرّم الإسلام الإبتداع الدّخيل على الإسلام والدّين براءٌ منهم، فمثلاً لا يجوز الإجتهاد في العقائد والعبادات الموجودة والثابتة في القرآن والسنة، ولكن يجوز الإجتهاد لفروع العقائد. قال الرّسول (ص) (إتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم عليكم بالأمر العتيق) رواه الدارمي والطّبراني في المعجم الكبير. وقال (كُلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار) متّفق عليه، وعلينا أن لا ننخدع بالأهواء والشّهوات وبالغزو الثّقافي والإقتصادي والسّياسي الغربي، لأنّ فيها خدع شيطانيّة والله يأمرنا أن لا نتبّع خطواط الشّيطان. بل علينا أن نتبع خطواط الله ورسوله لأجل الوصول إلى الحقائق وأكبر حقيقة هو معرفة الله بعلم اليقين وعين اليقين وقلب اليقين، هكذا نستطيع إستلام راية القوّة الحضارية من يد الأوربيين والغربيين.

    ماذا يجب على المسلمين لأجل فهم وتجديد دينهم؟

    على المسلمين أن يتعلموا مواضع ضعفهم ويعرفوا كيف يمكن لهم إصلاح أنفسهم ديناً وخلقاً وأدباً وقوة وبدناً، وأن يعرفوا كيف يمكن لهم أن يبتعدوا عن الكسل والخمول والإهمال والتوكّل المفرط والخاطيء، وأن يعرفوا كيف يمكن لهم أن يصلوا حقائق السموات والأرض وجوهر العلوم وكيف يمكن لهم أن يسعوا من أجله؟ فلو عرفنا كل هذا معناه عرفنا معنى التجديد والتطوير. فلو عرفنا كلّ ذلك نكون مستعدين للتجديد والحداثة والتّغيير والتّطوير لكافة مرافق حياتنا الدنيوية والأخروية، ونعرف كيف نصنع عُدتنا وأسلحتنا وغذائنا وملابسنا، وأن نبني معاملنا وصنائعنا وتكنولوجيّتنا، وأنْ نزرع زراعتنا ونهتمّ برعي حيوانتنا دون أن نستورد من أعدائنا.
    وهناك من الناس من يدّعي أن كلّ جديدٍ بدعةٌ ومن أمور الشّيطان، فالتّغير لابُدّ أن يجري لا مُحال فعلى هؤلاء بدلاً من أن يمنعوا التطور والتجديد عليهم أن يتعبوا قليلاً ويُهيّئوا أنفسهم أمام التغيرات وأن لا يتكاسلوا في مسائل دينية حتمية. وقول الله تعالى على التّغير والتّجديد (إنّ الله لا يُغيير ما بقوم حتى يُغيير ما بأنفسهم) . وقال (ص) (الإنسان مغبون إذا ساوى يوماه). وقال أيضاً (إنّ الله تعالى يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة مَن يُجدّد لها ) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، وهذا الحديث له معاني منها تحديثها وملائمتها للعصر أي تجديد البناء مع بقاء الأصل وهو يعني الإجتهاد من علماء صالحون.
    كما نعلم أن مصدر العلوم هو الله تعالى لقد علّم الإنسان مالم يعلم عن طريق الوحي والأنبياء وسيتعلّمون إلى يوم القيامة عن طريق العُلماء الصّالحون لأنهم ورثة الأنبياء. ونرى في تاريخ الإنسان والبشريّة أنّ موضوع الحسد والفتنة والقتل موجودة منذ أن خلق الإنسان وكذلك مواضيع الثروات الزراعية والثروات المعدنية والطبية ومواضيع الفلك والنجوم ونحو ذلك وسوف يستمر هذا الموضوع ومواضيع أخرى إلى يوم القيامة.
    وفي مواضيع التطور والتجديد يمكن القول الأنبياء لا يخطأون عندما يجددون أمر الله ومنذ آدم إلى ظهور النبي محمد كان التجديد مستمراً وأكبر تجديد حصل في عصر النبي محمد (ص). وبعد الرسول (ص) سلمت راية التجديد إلى العلماء الأفاضل وأنهم قليل الأخطاء لأنهم أولياءه والصّالحين من الناس.
    آيات وأحاديث كثيرة حول العلماء منها: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .(يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) .(فأسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) .(ياأبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتيك فأتبعني أهدك صراطاً سويّاً) . وفي أحاديث الرسول (ص) (العُلماء ورثة ألأنبياء) رواه الأربعة وأخرون. ( سألت ربي فيما إختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إليّ: يامحمد إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء: بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشئ مما هم عليه من إختلافهم فهو عندي على هدى) رواه سعيد بن السيب عن عمر بن الخطاب (رض)، وهم بقدر الإمكان يعتنون على عدم الخطأ في المسائل الدينية إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطاؤا فلهم أجر الإجتهاد، وأفضل عصر هو عصر نبينا محمد (ص) وهو العصر الذّهبي لقد قلّ أخطاء الصّحابة بفضل الرّسول (ص) فلم نجد الظّلم والشّقاء والعذاب والخوف، بل كان فيها أمان وإطمئنان وبركة، لأنهم كانوا من القرية الصالح أهلها. قال تعالى (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها) . (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يُونس) .(وضرب الله مثلاً قريةً آمنة مُطمئنّة) ، وبدأت تدخل أهواء النّفس بعد الرّسل بفقدهم القائد العظيم والمعلّم لهم الأمور ثمّ وجدوا فائدتها وصحّتها بما فيها الدّين والسّياسة والإقتصاد، ثمّ قلّت الإيمان بعد الخلفاء الرّاشدين، ثمّ إزدادت الأخطاء تدريجيّاً في عصر الأمويين ثم العباسيين ثم السّلاجقة والمماليك والعّثمانيين، وهذه سنة الله في الأرض لوصول القوم إلى الذّروة عند تمسكه لأسباب النّجاح ونزولهِ إلى فقدان كلّ شيء عند الإبتعاد عنه أو عند الرّكود في السّعي والتّطرير والإشتغال في الرّفاه واللّهو.

    ماذا علينا في عصر التكنولوجيا لأجل الحفاظ على عقديتنا؟

    في عصرنا الحاضر والتي يُسمى بعصر الدّيمقراطية والحرية وعصر التّكنولوجيا والفضائيّة وعصر الميلانيوم، بدلاً من أن يسهل أمور الناس تعقّدت أمورهم وأخذت تسير نحو الدمار والهلاك فقلّ وقتهم في التّفكير بأيات الله تعالى وقلت الخشوع في العبادات وإبتعدت عن الأخلاق الفاضلة وفقدنا الشيء الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وفقدنا إحترام الكبار والعُلماء الصّالحين وفقدنا الأمان والسّعي بالإخلاص وفقدنا التّعاون وحُبّ الغير وحتى أننا فقدنا أسباب النّجاح والقدوة الحسنة التي يكمن في القرآن الكريم وفي أخلاق الرّسول (ص) وبدأنا نخطأ أخطاءاً كثيرة لأننا لا نُريد التّعلم من القرآن بل بدأنا نتعلم من كتب وإعلام الطغاة، ولا نريد الحل الإلهي لحلّ مشاكلنا بل نرجع في حلول مشاكلنا إلى علماء وحُكام الطغاة والمنافقين وإلى السّحرة والدّجالين وغيرهم. والله تعالى يريد من أن نكون من القرية الصالح أهلها (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) . (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس) . (وضرب الله مثلاً قرية آمنة مطمئنة) .
    وأقول مهما مكرَ الماكرون وحدع الخادعون لإزالة هذا الدّين الإسلامي العظيم فلا يستطعون لأن قوة مكر الله أكبر وأعظم، (فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون) . فالقلّة القليلة من المسلمين الطّّيبين والصّالحين يكفي بأن يكونوا جند الله يهزمون أعداءه وينصرون دينه، حيث قال جلّ وعلا (كم من فئةٍ قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) ، لأنّ في نصر الفئة القليلة حكمة إلهيّة جليلة وتحدي لمن يتباهى بعدده وعُدّته، وستتواجد هؤلاء في كل عصور وأزمان لكي يجاهدوا في سبيل الله ويعلوا كلمة الله إلى يوم القيامة بإذن الله تعالى وكما قال الرسول (ص) (الظلم لا يدوم وإذا دام دمر).

    البعث الإسلامي الحضاري:
    " إذا لم تكن في الأرض اليوم حضارة إسلامية قائمة فعلاً، فإن فرص بعثها ما زالت متوفرة ومشجعة. إن المسلمين ما زالوا بحمد الله تعالى قادرين على الأوبة إلى الكتاب الهادي، وقادرين على السعي لامتلاك السيف الناصر. وذلك:
    أولاً: لأن انحراف الأمة عن دينها لم يكن ـ وما كان له أن يكون ـ ردة كاملة عامة عن الدين الحق. فهذا دين تكفل الله تعالى بحفظ كتابه كما تكفل بحفظ العاملين من علمائه. فإذا كان الله تعالى قد قال، وقوله الحق "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فإن رسوله صلى الله عليه وسلم قد قال ـ غير ناطق عن هوى ـ لا تزالُ طائفة من أمتي ظَاهرين على الحقِ لا يَضُرُهم من خالَفهم ولا من خَذَلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون.
    ثانياً: لأنه إذا كان جوهر الحضارة ـ أو المدنية ـ وأساسها الذي يُشيَّدُ عليه بنيانها هو رسالتها، هو المعتقدات والقيم التي تستمسك وتعتز بها، فإن الجوهر والأساس الإسلامي ما يزال أقوى من منافسه العلماني الغربي. إن الإسلام يما يزال يبرهن عبر تاريخه الطويل بأنه فعلاً فطرة الله التي فطر الناس عليها. فليس على وجه الأرض دين عبر الحواجز الجغرافية والثقافات المحلية ليبقى بين المستمسكين به ـ في جملته ـ الدين الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم. فكتابه هو الكتاب الذي أنزل على رسوله، وصلوات الناس هي الصلوات كانت تقام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزكاته هي الزكاة، وحجه وصيامه هما كما كانا في أشكالهما ومواقيتهما. وبالرغم مما أضيف إلى هذا الدين من بدع إلا أنه يظل رغم ذلك أكثر الأديان احتفاظاً بحقيقته، وقد كان هذا وحده مما أغرى بعض الباحثين عن الحق بالدخول فيه.
    ثالثاً: وما يزال هذا الدين يؤكد هذه الحقيقة بسرعة انتشاره المذهلة حتى في موطن الحضارة الغربية. فهم يقولون إن معدل سرعة انتشاره أكبر من معدل سرعة الزيادة في سكان العالم.
    رابعاً: لأنه باعتباره دين الفطرة، ما يزال هو الدين الذي يجد الناس في آيات كتابه عِلماً بالإله الحق الموصوف بكل صفات الكمال المُنَزَّه عن كل صفات النقص من الولد والوالد التي تطفح بها بعض الأديان، وهدياً بأنه هو وحده المستحق للعبادة الهادي إلى أنواعها وكيفياتها. ويجدون في آيات كتابه وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم عِلماً بحقيقة أنبياء الله وما كانوا عليه من كمال بشري أهَّلَهُم لأن يكونوا الأسوة التي يتأسى بها كل سالك طريق إلى الله. لكن الأديان المحرفة تجعل من بعضهم آلهة وأنى للبشر أن يتأسى بالإله؟ وتنسب إلى بعضهم جرائم يستنكف عن ارتكابها عامة عباد الله، فأنى يكونون أسوة لغيرهم؟
    خامساً: ولأنه دين الفطرة فلا يجد الناس فيه تصادماً بين مقتضيات العقول التي فطرهم الله عليها، ولا مخالفة لحقائق الخلق التي يشاهدونها ويجربونها. فالعقل فيه نصير الدين لا خصيمه، كما هو حاله في بعض الأديان. والعلم التجريبي يشهد له ولا يشهد عليه كما يفعل مع بعض الأديان.
    سادساً: ولأن الناس كما يجدون فيه حاجتهم إلى الإيمان الخالص والعبادة السليمة والأخلاق الحسنة فإنهم يجدون فيه هدياً لتنظيم الحياة الاجتماعية تنظيماً يتوافق مع ذلك الإيمان وتلك العبادة وهاتيك الأخلاق، ويعبر عنها ويؤكدها ويحميها؛ فهو الدين الوحيد الذي لا يحتاج إلى علمانية تكمل نقصه، أو تتصالح معه.
    سابعاً: وهو الدين الذي ما يزال يشهد لأحقيته سلوك المهتدين من أبنائه. فهؤلاء هم أكثر أهل الأرض ذكراً وعبادةً لله، وأبعدهم عن مساخط الله، وأكثرهم بذلاً لأنفسهم وأموالهم في سبيل الله، وأكثرهم رحمةً بصغير وتوقيراً لكبير وصلةً لرحم.
    وقد اعترف بهذه الحقيقة حتى بعض علماءِ النصارى، ومن أعجبهم بيتر كريفت أستاذ الفلسفة بكلية بوستن، الذي يحث إخوانه النصارى على أن يعدوا المسلمين أصدقاء وأعوانا لهم في حربهم ضد العلمانية التي يرى فيها العدو اللدود للدين والخطر الأكبر على الحياة الاجتماعية. يقول هذا الرجل:
    لماذا ينتشر الإسلام بهذه السرعة المذهلة؟ سيسارع علماء الاجتماع وعلماء النفس والمؤرخون والاقتصاديون والديمغرافيون والسياسيون إلى تفسير ذلك النمو تفسيرا دنيويا كل بحسب تخصصه. لكن الإجابة بدهية لكل مسيحي ذي صلة بالكتاب المقدس: إن الله تعالى يفي بوعده، ويبارك أولئك الذين يطيعون أوامره ويخشونه، ويعاقب الذين لا يفعلون ذلك. إن الأمر في غاية من البساطة التي يعسر على الأساتذة الأكاديميين رؤيتها: قارن بين كميات الإجهاض، وزنا المحصنين وغير المحصنين والشذوذ بين المسلمين والنصارى. ثم قارن بين كمية العبادة.
    ثامناً: ولأن كثيراً من الناس في الغرب بدؤوا يشعرون بالخطر الذي تسوقهم إليه الحياة العلمانية المجردة عن الدين، خطر تمكينها للاتجاه الفردي في الناس، وإضعافها للوازع الخلقي، وعبادتها للجنس، وتحويلها الحياة إلى جهد لا معنى له ولا غاية" .
    والله من وراء القصد
    (إنّ الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفس) صدق الله العظيم
يعمل...