كل من انتزعت منه الرحمة اعلم علم اليقين أنه شقي، وهؤلاء الأشقياء يقول فيهم أمير الرسل وسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم:
{ الدنيا دار فناء، ومنزل بلغة وعناء، قد نزعت عنها نفوس السعداء، وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء، فأسعد الناس فيها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم فيها، هي الغاشَّة لمن انتصحها، والمُغوية لمن أطاعها، والجائرة لمن انقاد لها، والفائز من أعرض عنها، والهالك من هوى فيها }(1)
فالأشقياء لا يتركونها إلا كُرهاً مرغمين، إما من قِبَل من حولهم قهراً وجبراً وإما إذا جاء أجلهم، فلا تخرج الدنيا من أيديهم بهوادة،وقد نرى أن عندهم الدنيا، ولكنهم هم من قال الحبيب في شأنهم { لَوْ أَنَّ لابنِ آدَمَ وادِيَيْنِ من ذَهَبٍ لابْتَغَى إِلَيْهِمَا مِثْلَهُ، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ وفى رواية: (فاه ابن آدم)، وفى أخرى مشهورة (عين ابن آدم) -إلا الترابُ، ويتوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ }.(2)
لم يقل المؤمن ولكن قال ابن آدم، لأن المؤمن بعيد عن هذا الأمر، إذ أن حال المؤمنين في كل زمان ومكان هو الرحمة التامة لجميع الأُمة ولو نظرت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تقلدوا الولايات وقرأت سيرتهم، تجد العجب العجاب في أحوال هؤلاء القوم انظر إلى سلمان الفارسي عندما عُيِّن أميراً على المدائن، كان يتجول في المدينة وإذا برجل تاجر غريب داخل المدينة ومعه حمل ثقيل، فقال هذا الرجل لسلمان يا هذا احمل عنى، فحمل عنه، وبينما هو سائر إذا رجل يقول له أيها الأمير، فقال الرجل الأمير يحمل عنى، قال وما عليك
والرجل الأعمى الذي اصطدم به عمر بن عبد العزيز في المسجد وهو يسير فيه فلم ينتبه إليه فصاح الرجل ،أأنت أعمى قال لا واعتذر له فصاح به الناس يريدون أن يؤدبوه كيف يخاطب الخليفة هكذا فقال أتركوه، سألني أأنت أعمى،فقلت له لا ،أيُّ قوم هؤلاء هؤلاء أرقى من القديسين، ومن ملائكة الله عزَّ وجلَّ الكرويين في أخلاقهم وأحوالهم
عمر بن العزيز كان وهو والياً على المدينة يأتيه التاجر بالحُلَّة من الحرير بألف دينار، فيمسكها بيده ويقول، ما أحسنها إلا أنها خشنة، وعندما وُلىَّ الخلافة، وحمل الحمل الثقيل للخلافة أحسَّ أنه عبء، فكان يأتيه التاجر بالثوب بدينار واحد فيقول ما أحسنه إلا أنه ناعم ،وأول ما وُلِّى الخلافة، وكانت زوجته ابنة خليفة وإخوتها خلفاء، فقال ،يا فاطمة، اختاري إما أن تأتى بالذهب الذي معك ويوضع في بيت مال المسلمين، وإما لا حاجة لي بك ،وهذا سر الأمر، فالرجل من لم يُملك زمامه لامرأته، فزمامه لله تعالى ولرسوله ،لأنه إذا ملَّك زمامه لامرأته فسدت كل الأمور، فقالت خذه، فأخذ مالها ووضعه في بيت مال المسلمين، هذه لقطة
واللقطة الثانية بعدها بسنوات عندما جاء أجله وقف حوله أولاده وكانوا ثماني عشرة، فقال له ابن عمه وأخو زوجته هشام بن عبد الملك
يا أمير المؤمنين تترك أولادك هكذا فقراء يتكففون الناس، فقال إنَّ بني أحد رجلين، أما الصالح منهم فالله يتولاه (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196الأعراف)، وأما غير الصالح منهم فما كنت أعينه على فجوره فيحاسبني الله على ذلك، وترك لكلِّ رجل منهم ديناراً، وتاجروا، فما مرَّ عليهم عام إلا وأصبح مع كل رجل منهم مائة ألف دينار من التجارة الحلال ،ألم يقل الله تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) [82الكهف]
وخذ اللقطة الثالثة المقابلة أبناء هشام بن عبد الملك، ترك لكل رجل منهم مائة ألف دينار، فما مرَّ عليهم عام إلا وصاروا يتكففون البيوت يسألون الناس، ألم يقل الله تعالى في المقابل: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ) [9النساء].،فالرحمة التي أوجدها الله في المؤمنين والمؤمنات وبها سرُّ السعادة في الدنيا، وسرُّ الفوز والنجاة يوم الميقات أن المؤمن عنده إحساس بكل مَنْ حوله، يشعر بهم ويحس بمشاكلهم، قال حبيب القلوب صلى الله عليه وسلم
{لَيْسَ المُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَاناً، وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ}، وفى رواية: {مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعاناً وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ}.(3)
إذاً شرط الإيمان أن يشعر بحاجة جيرانه، وأن يشعر بأحوال إخوانه المؤمنين وإخوانه الموقنين، وأن يعاملهم بالإيثار كما أخبر الواحد القهار
قال تعالى: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (9الحشر)
وهذه هي الروح التي نحتاج إليها الآن ليرجع إلينا الخير في كل مكان، فليس الأمر التخلص من رجال ومجئ رجال، لكن الأمر التخلص من أوحال اتسم بها رجال، وتَحَلِّى بأخلاق وكاملات كان عليها سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ومن حوله من كُمَّل الرجال، وهذا هو بيت القصيد في هذا الأمر
(1)الكشكول للبهاء العاملى
(2)سنن الكبرى للبيهقي عن ابن عباس
(3)ورواه الحاكم من حديث عائشة. ، الترغيب والترهيب ، والثانى: رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسن، مجمع الزوائد
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا
{ الدنيا دار فناء، ومنزل بلغة وعناء، قد نزعت عنها نفوس السعداء، وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء، فأسعد الناس فيها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم فيها، هي الغاشَّة لمن انتصحها، والمُغوية لمن أطاعها، والجائرة لمن انقاد لها، والفائز من أعرض عنها، والهالك من هوى فيها }(1)
فالأشقياء لا يتركونها إلا كُرهاً مرغمين، إما من قِبَل من حولهم قهراً وجبراً وإما إذا جاء أجلهم، فلا تخرج الدنيا من أيديهم بهوادة،وقد نرى أن عندهم الدنيا، ولكنهم هم من قال الحبيب في شأنهم { لَوْ أَنَّ لابنِ آدَمَ وادِيَيْنِ من ذَهَبٍ لابْتَغَى إِلَيْهِمَا مِثْلَهُ، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابنِ آدَمَ وفى رواية: (فاه ابن آدم)، وفى أخرى مشهورة (عين ابن آدم) -إلا الترابُ، ويتوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ }.(2)
لم يقل المؤمن ولكن قال ابن آدم، لأن المؤمن بعيد عن هذا الأمر، إذ أن حال المؤمنين في كل زمان ومكان هو الرحمة التامة لجميع الأُمة ولو نظرت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تقلدوا الولايات وقرأت سيرتهم، تجد العجب العجاب في أحوال هؤلاء القوم انظر إلى سلمان الفارسي عندما عُيِّن أميراً على المدائن، كان يتجول في المدينة وإذا برجل تاجر غريب داخل المدينة ومعه حمل ثقيل، فقال هذا الرجل لسلمان يا هذا احمل عنى، فحمل عنه، وبينما هو سائر إذا رجل يقول له أيها الأمير، فقال الرجل الأمير يحمل عنى، قال وما عليك
والرجل الأعمى الذي اصطدم به عمر بن عبد العزيز في المسجد وهو يسير فيه فلم ينتبه إليه فصاح الرجل ،أأنت أعمى قال لا واعتذر له فصاح به الناس يريدون أن يؤدبوه كيف يخاطب الخليفة هكذا فقال أتركوه، سألني أأنت أعمى،فقلت له لا ،أيُّ قوم هؤلاء هؤلاء أرقى من القديسين، ومن ملائكة الله عزَّ وجلَّ الكرويين في أخلاقهم وأحوالهم
عمر بن العزيز كان وهو والياً على المدينة يأتيه التاجر بالحُلَّة من الحرير بألف دينار، فيمسكها بيده ويقول، ما أحسنها إلا أنها خشنة، وعندما وُلىَّ الخلافة، وحمل الحمل الثقيل للخلافة أحسَّ أنه عبء، فكان يأتيه التاجر بالثوب بدينار واحد فيقول ما أحسنه إلا أنه ناعم ،وأول ما وُلِّى الخلافة، وكانت زوجته ابنة خليفة وإخوتها خلفاء، فقال ،يا فاطمة، اختاري إما أن تأتى بالذهب الذي معك ويوضع في بيت مال المسلمين، وإما لا حاجة لي بك ،وهذا سر الأمر، فالرجل من لم يُملك زمامه لامرأته، فزمامه لله تعالى ولرسوله ،لأنه إذا ملَّك زمامه لامرأته فسدت كل الأمور، فقالت خذه، فأخذ مالها ووضعه في بيت مال المسلمين، هذه لقطة
واللقطة الثانية بعدها بسنوات عندما جاء أجله وقف حوله أولاده وكانوا ثماني عشرة، فقال له ابن عمه وأخو زوجته هشام بن عبد الملك
يا أمير المؤمنين تترك أولادك هكذا فقراء يتكففون الناس، فقال إنَّ بني أحد رجلين، أما الصالح منهم فالله يتولاه (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (196الأعراف)، وأما غير الصالح منهم فما كنت أعينه على فجوره فيحاسبني الله على ذلك، وترك لكلِّ رجل منهم ديناراً، وتاجروا، فما مرَّ عليهم عام إلا وأصبح مع كل رجل منهم مائة ألف دينار من التجارة الحلال ،ألم يقل الله تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) [82الكهف]
وخذ اللقطة الثالثة المقابلة أبناء هشام بن عبد الملك، ترك لكل رجل منهم مائة ألف دينار، فما مرَّ عليهم عام إلا وصاروا يتكففون البيوت يسألون الناس، ألم يقل الله تعالى في المقابل: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ) [9النساء].،فالرحمة التي أوجدها الله في المؤمنين والمؤمنات وبها سرُّ السعادة في الدنيا، وسرُّ الفوز والنجاة يوم الميقات أن المؤمن عنده إحساس بكل مَنْ حوله، يشعر بهم ويحس بمشاكلهم، قال حبيب القلوب صلى الله عليه وسلم
{لَيْسَ المُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَاناً، وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ}، وفى رواية: {مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعاناً وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ}.(3)
إذاً شرط الإيمان أن يشعر بحاجة جيرانه، وأن يشعر بأحوال إخوانه المؤمنين وإخوانه الموقنين، وأن يعاملهم بالإيثار كما أخبر الواحد القهار
قال تعالى: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (9الحشر)
وهذه هي الروح التي نحتاج إليها الآن ليرجع إلينا الخير في كل مكان، فليس الأمر التخلص من رجال ومجئ رجال، لكن الأمر التخلص من أوحال اتسم بها رجال، وتَحَلِّى بأخلاق وكاملات كان عليها سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ومن حوله من كُمَّل الرجال، وهذا هو بيت القصيد في هذا الأمر
(1)الكشكول للبهاء العاملى
(2)سنن الكبرى للبيهقي عن ابن عباس
(3)ورواه الحاكم من حديث عائشة. ، الترغيب والترهيب ، والثانى: رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسن، مجمع الزوائد
منقول من كتاب {بنو اسرائيل ووعد الأخرة}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجانا