فلسطين واليهود في سياسة
أوليفر كرومويل
(1من5)
د.ناظم الديراوي
باحث وأُستاذ جامعي عراقي
اتسم النصف الأول من القرن السابع عشر بالصراع الاجتماعي- السياسي التصادمي بين ملوك إنجلترا وهيئاتهم البرلمانية القديمة،بقايا القرون الوسطى،وأدى هذا التصادم إلى فوز البرلمان الإنجليزي(الهيئة التمثيلية)على الملك،الذي أصبح بعد دحره شكلاً عملياً من أشكال الحكومة(1).ومن المصاعب الكبيرة التي واجهها ملك إنجلترا،قبل الثورة الإنجليزية(1640-1649)،وكان لها تأثير كبير على سقوط النظام الملكي،لاحقاً،هي ثورة الشعب الإسكتلندي على سياسة الملك شارل الأول.إذ أعلن الإسكتلنديون سنة(1637)حالة التمرد والعصيان،في أدنبرة،رداً على محاولات بذلتها حكومة شارل الأول في فرض الديانة الإنجليكانية في اسكتلندا،وعلى سن ضرائب جديدة من أجل الحصول على موارد لإنشاء الأسطول والصرف عليه.
وتذكر المصادر التاريخية أن الملك شارل الأول دعا سنة(1640)البرلمان الإنجليزي إلى اجتماع لأول مرة وبعد إحدى عشرة سنة من تعطيل أعماله،لأخذ موافقته على توفير المال اللازم لقمع العصيان الإسكتلندي،لكن البرلمان أظهر عداءه عليه،مما دفع الملك إلى حله وانتخاب برلمان جديد جاء ثانية بالأعضاء السابقين.وكان قادته الأوائل رجالاً معروفين من أمثال جون هامبون و جون بييم و أوليفر كرومويل،وهم من الملاك الصغار أو متوسطي الحال.ولما لم يبرز من طبقة التجار زعماء فقد ساندوهم وأيدوهم( 2).ولاحقاً،وفي سنة(1649)أعدمت هذه(الفضلة)البرلمانية الملك شارل الأول،وأعلنت الجمهورية في إنجلترا أو بالأحرى في جميع الجزر البريطانية وأطلق عليها رابطة الشعوب البريطانيةCommonwealth.وحاول كرومويل أن يحكم البلاد بأحسن ما وسعه من الحكم،فعلى الصعيد الداخلي أصدر مرسوم التسامح الديني،وفيه استثنى أتباع مذهب التوحيد(اليونيتريان Unitarians)والملحدين من جهة الكاثوليك الرومان) والإنجليكان المتعصبين تعصباً شديداً من جهة أخرى،وكان قد استثنى هؤلاء الآخرين استثناء كلياً.
اعتبر الاسكتلنديون والايرلنديون إعدام الملك شارل الأول،انتهاكاً لحرمة آل ستيوارت الإسكتلندية القومية العريقة الأمر الذي دفع البلاد،على حد تعبير المؤرخ روبرت بالمر،إلى حظيرة معسكر الملكيين،مما جعل أوليفر كرومويل يستخدم سياسة العنف لإخضاع البلاد.ولم يأنف،عام(1650)،في استخدام أبشع الأساليب لسحق مقاومة الشعب الاسكتلندي( 3).
كرومويل وفلسطين
قبل أن نتناول دعوات وردت في خطابات ومنشورات وزعت أبان حكم أوليفر كرومويل طالبت بعودة اليهود إلى إنجلترا ليتم شحنهم،فيما بعد،إلى الأرض المقدسة ينبغي أن نعرج على الفكر البيوريتاني المتشدد وعلاقته بأعراف و عقائد اليهود المتطرفين المستندة إلى نصوص في التوراة والتلمود لتيسير فهم طبيعة وأهداف هذه الدعوات المبكرة.
تميزت إنجلترا في القرن السابع عشر بطابع(التشدد المفرط في النزعة البيوريتانية)(4).إذ تأثر المذهب البيوريتاني تأثراً عميقاً بروح(العهد القديم)أكثر مما تأثر بروح المسيح.وبروح القتال المقدس،أكثر منه بروح الحب... ووضع الثقل الأكبر مثل اليهودية التقليدية،على مسؤولية كل فرد عن خلاص المجتمع بأسره،بإتباع السنن الإلهية حرفيا،وليس خلاص روحه بمفردها كما دعت المذاهب البروتستانتية الأخرى.وقد برز هذا العنصر بوضوح في التطهيرية في الإيمان وتأثر بفرية(الشعب المختار)ونقلها وتطبيقها على الأمة الإنجليزية،وكذلك في المحاولات المتعددة لبناء(كومنولث إنجيلي)أو(القدس الجديدة)التي كان لها دور كبير في إنشاء مستعمرات المتطهرين الإنجليز بأمريكا..وقد أدت هذه العقائد المتطرفة إلى نشر فكرة رسالة إنجلترا زعيمة وحامية لأمم البروتستانتية جميعاً( 5).
ويرى المفكر وليام كنجهام أن سبب تردي الأخلاقيات الاجتماعية في إنجلترا هو التخلي عن الأخلاق المسيحية وإحلال العادات اليهودية مكانها.وفي هذا يقول كنجهامكان الاتجاه العام الذي سارت فيه البيوريتانية يرمي إلى التخلي عن الأخلاق المسيحية،وإلى إحلال العادات اليهودية مكانها.وكان البيوريتانيون يلتزمون حرفياً بتشريع عتيق بدلاً من الركود إلى الوعي المسيحي الذي ألهمته السماء.مما أدى إلى الارتداد نحو نمط أدنى من الأخلاقيات الاجتماعية،تجلى في إنجلترا،وفي غيرها من الدول)( 6).هذا الارتداد حرف فكرة الرسالة القومية لدى المتطهرين الإنجليز الأمر الذي جعلهم يتخذون من روما ورسالتها الإمبراطورية النموذج,وشكل الاعتداء والتوسع لب الحركة القومية الصاعدة في المرحلة التجارية خلال القرن السابع عشر.وهذا المفهوم(ارتبط بالاعتداءات القديمة بالسيادة على البحار واكتسب في حالات كثيرة مضموناً عدوانياً وتوسعياً و قد حذت إنجلترا حذو الرومان الذين أقاموا إمبراطوريتهم على التجارة والأسطول)( 7).
وفي أواسط القرن السابع عشر،حيث كانت الإمبراطورية البريطانية تتطلع إلى تأمين طرق تجارتها مع الهند ومستعمراتها في الشرق الأوسط وتسعى إلى التحكم في عقد المواصلات العالمية،كانت سياسة أوليفر كرومويل تجمع بين دوافع دينية وسياسة وتجارية،لكنها على أي حال(كانت سياسة قومية بهذا المفهوم.وبالرغم من أن كرومويل كان يقول أن مصلحة المسيحية لها أولوية على المصلحة القومية،إلا أن دينه كان يشع منه الإيمان برسالة أمته العظيمة،واستخدام قوتها ضد الكاثوليكية لنشر الدين الحقيقي في العالم وحمايته في كل مكان.وقد أراد أن يجعل من إنجلترا زعيمة "فيدرال"من جميع الدول البروتستانتية ضد بيت هابسبرج،وادعى حق حماية البروتستانتية في فرنسا وغيرها)(8).وقد أدى نجاح كرومويل في زيادة هيبة إنجلترا ونفوذها إلى نمو الشعور بالفخار القومي.وكانت فكرة الشاعر والسياسي الإنجليزي جون ميلتون/ Milton)/ 1608-1674)عن رسالة إنجلترا هي أنها ستنشر الحرية والمدنية بين المواطنين والممالك والأمم.ورأى في مخيلته(أمة نبيلة قادرة أن تقوم مثل رجل قوي بعد النوم وتنشر سهامها التي لا تغلب).هذه الفكرة،التي لا تخلو من نزعة استعلائية،لم يعبر عنها المفكر ميلتون وحده بل عبر عنها،أيضاً،رينجتون الذي وضع الأساس لنظرية(المجال الحيوي)للأمة ذات الرسالة العظيمة.ويمكن اكتشاف فكرة رسالة إنجلترا العالمية لدى كتّاب وساسة كثيرين.كما وأن فكرة(الأمة النبيلة)كانت ترتبط,أحيانا،بالنزعات القومية والتوسعية للبرجوازية الإنجليزية،التي تبحث عن أسواق لتجارتها في أوروبا وفيما وراء البحر.كما تعكس من جانب آخر النزعات الإنسانية والعالمية لنفس البرجوازية التي تقودها مُثل التحرير والتنوير(9).
وتغدو دعاوى وفرية(الشعب المختار)و(الرسالة القومية)،التي تتماثل في مضمونها العنصري،فكراً وسياسة-كمذهب استعلائي، مُستوحى من نصوص التلمود المتطرفة يتعارض مع نواميس القيم الإنسانية العادلة من جهة،و نزوع نحو التوسعية العدوانية في المرحلة الاستعمارية و المنافسات التجارية بين الدول الأوروبية الناشئة وخاصة إسبانيا و بريطانيا وفرنسا وألمانيا،من جهة أخرى.والمؤسف أن المتطرفين اليهود كثيرا ما تعمدوا الإساءة في تفسير عبارة(شعب الله المختار)و نسبوا إليها أبعادا اجتماعية - سياسية مخالفة لمفهومها الديني البحت.هذا الرأي أعرب عنه مورتز غودمان رئيس حاخامي فِيينا في نهاية القرن التاسع عشر قائلا(أن عبارة"شعب الله المختار"تعني اختيار الله اليهود لتحقيق رسالتهم الدينية وليس التركيز على طابع قومي).ويرى الحاخام غودمان أن هذا الاختيار مخالف كليا لخصائص من نوع الغطرسة القومية والتمجيد القومي العقيم وهو بالضبط ما دعا الله إلى تذكير إسرائيل القديمة مرة تلو الأخرى بأنها مجتمع صغير محاطة بشعوب قديمة(10).
وفي هذا قدر للنصوص الشوفينية في(التلمود) أن تقوم بدور بارز في الفكر والفهم الإنجليزي البيوريتاني للنظام العالمي القائم في ذلك الوقت.ومن هنا يمكن فهم فكرة إعادة فلسطين إلى(أسلافها)العبرانيين،التي إنتشرت بين الأوساط المسيحية وروج لها الكتاب الإنجليز قبل اليهود !بل وقبل ظهور الحركة الصهيونية-كمنظمة عالمية بأكثر من قرنين ونصف القرن..!
المراجع
1 -2- بالمر روبرت،تاريخ العالم الحديث، ترجمة:محمود الأمين،ج1، الموصل- العراق/1964،ص254-255.
3- المصدر نفسه،ص262.
4 -Thomas Caryle, Oliver Cromwell & Sipeches. Boston, 188 , voel: 1, p. 32.
5– هرتز،فريدريك،القومية في التاريخ والسياسة،ص152.
6 - Industry & Commerce, William Canninghman', Groth of the English 1892,p. 349. نقلاً عن:الشريف،ريجينا،الصهيونية غير اليهودية في إنجلترا،الصهيونية والعنصرية،ج:2 بيروت/1977،ص27.
-7ديمتري،أديب،جذور العرقية الصهيونية ومستقبل الصراع في الوطن العربي،مجلة(آفاق عربية)عدد:5،بغداد/1978،ص93.
8 - هرتز,فريدريك،مصدر سابق،ص349.
9- غوديمان،مورتز.(فاشبيتال جودنتوم)فينا /1897
10- ديمتري،أديب،مصدر سابق،ص93.
أوليفر كرومويل
(1من5)
د.ناظم الديراوي
باحث وأُستاذ جامعي عراقي
اتسم النصف الأول من القرن السابع عشر بالصراع الاجتماعي- السياسي التصادمي بين ملوك إنجلترا وهيئاتهم البرلمانية القديمة،بقايا القرون الوسطى،وأدى هذا التصادم إلى فوز البرلمان الإنجليزي(الهيئة التمثيلية)على الملك،الذي أصبح بعد دحره شكلاً عملياً من أشكال الحكومة(1).ومن المصاعب الكبيرة التي واجهها ملك إنجلترا،قبل الثورة الإنجليزية(1640-1649)،وكان لها تأثير كبير على سقوط النظام الملكي،لاحقاً،هي ثورة الشعب الإسكتلندي على سياسة الملك شارل الأول.إذ أعلن الإسكتلنديون سنة(1637)حالة التمرد والعصيان،في أدنبرة،رداً على محاولات بذلتها حكومة شارل الأول في فرض الديانة الإنجليكانية في اسكتلندا،وعلى سن ضرائب جديدة من أجل الحصول على موارد لإنشاء الأسطول والصرف عليه.
وتذكر المصادر التاريخية أن الملك شارل الأول دعا سنة(1640)البرلمان الإنجليزي إلى اجتماع لأول مرة وبعد إحدى عشرة سنة من تعطيل أعماله،لأخذ موافقته على توفير المال اللازم لقمع العصيان الإسكتلندي،لكن البرلمان أظهر عداءه عليه،مما دفع الملك إلى حله وانتخاب برلمان جديد جاء ثانية بالأعضاء السابقين.وكان قادته الأوائل رجالاً معروفين من أمثال جون هامبون و جون بييم و أوليفر كرومويل،وهم من الملاك الصغار أو متوسطي الحال.ولما لم يبرز من طبقة التجار زعماء فقد ساندوهم وأيدوهم( 2).ولاحقاً،وفي سنة(1649)أعدمت هذه(الفضلة)البرلمانية الملك شارل الأول،وأعلنت الجمهورية في إنجلترا أو بالأحرى في جميع الجزر البريطانية وأطلق عليها رابطة الشعوب البريطانيةCommonwealth.وحاول كرومويل أن يحكم البلاد بأحسن ما وسعه من الحكم،فعلى الصعيد الداخلي أصدر مرسوم التسامح الديني،وفيه استثنى أتباع مذهب التوحيد(اليونيتريان Unitarians)والملحدين من جهة الكاثوليك الرومان) والإنجليكان المتعصبين تعصباً شديداً من جهة أخرى،وكان قد استثنى هؤلاء الآخرين استثناء كلياً.
اعتبر الاسكتلنديون والايرلنديون إعدام الملك شارل الأول،انتهاكاً لحرمة آل ستيوارت الإسكتلندية القومية العريقة الأمر الذي دفع البلاد،على حد تعبير المؤرخ روبرت بالمر،إلى حظيرة معسكر الملكيين،مما جعل أوليفر كرومويل يستخدم سياسة العنف لإخضاع البلاد.ولم يأنف،عام(1650)،في استخدام أبشع الأساليب لسحق مقاومة الشعب الاسكتلندي( 3).
كرومويل وفلسطين
قبل أن نتناول دعوات وردت في خطابات ومنشورات وزعت أبان حكم أوليفر كرومويل طالبت بعودة اليهود إلى إنجلترا ليتم شحنهم،فيما بعد،إلى الأرض المقدسة ينبغي أن نعرج على الفكر البيوريتاني المتشدد وعلاقته بأعراف و عقائد اليهود المتطرفين المستندة إلى نصوص في التوراة والتلمود لتيسير فهم طبيعة وأهداف هذه الدعوات المبكرة.
تميزت إنجلترا في القرن السابع عشر بطابع(التشدد المفرط في النزعة البيوريتانية)(4).إذ تأثر المذهب البيوريتاني تأثراً عميقاً بروح(العهد القديم)أكثر مما تأثر بروح المسيح.وبروح القتال المقدس،أكثر منه بروح الحب... ووضع الثقل الأكبر مثل اليهودية التقليدية،على مسؤولية كل فرد عن خلاص المجتمع بأسره،بإتباع السنن الإلهية حرفيا،وليس خلاص روحه بمفردها كما دعت المذاهب البروتستانتية الأخرى.وقد برز هذا العنصر بوضوح في التطهيرية في الإيمان وتأثر بفرية(الشعب المختار)ونقلها وتطبيقها على الأمة الإنجليزية،وكذلك في المحاولات المتعددة لبناء(كومنولث إنجيلي)أو(القدس الجديدة)التي كان لها دور كبير في إنشاء مستعمرات المتطهرين الإنجليز بأمريكا..وقد أدت هذه العقائد المتطرفة إلى نشر فكرة رسالة إنجلترا زعيمة وحامية لأمم البروتستانتية جميعاً( 5).
ويرى المفكر وليام كنجهام أن سبب تردي الأخلاقيات الاجتماعية في إنجلترا هو التخلي عن الأخلاق المسيحية وإحلال العادات اليهودية مكانها.وفي هذا يقول كنجهامكان الاتجاه العام الذي سارت فيه البيوريتانية يرمي إلى التخلي عن الأخلاق المسيحية،وإلى إحلال العادات اليهودية مكانها.وكان البيوريتانيون يلتزمون حرفياً بتشريع عتيق بدلاً من الركود إلى الوعي المسيحي الذي ألهمته السماء.مما أدى إلى الارتداد نحو نمط أدنى من الأخلاقيات الاجتماعية،تجلى في إنجلترا،وفي غيرها من الدول)( 6).هذا الارتداد حرف فكرة الرسالة القومية لدى المتطهرين الإنجليز الأمر الذي جعلهم يتخذون من روما ورسالتها الإمبراطورية النموذج,وشكل الاعتداء والتوسع لب الحركة القومية الصاعدة في المرحلة التجارية خلال القرن السابع عشر.وهذا المفهوم(ارتبط بالاعتداءات القديمة بالسيادة على البحار واكتسب في حالات كثيرة مضموناً عدوانياً وتوسعياً و قد حذت إنجلترا حذو الرومان الذين أقاموا إمبراطوريتهم على التجارة والأسطول)( 7).
وفي أواسط القرن السابع عشر،حيث كانت الإمبراطورية البريطانية تتطلع إلى تأمين طرق تجارتها مع الهند ومستعمراتها في الشرق الأوسط وتسعى إلى التحكم في عقد المواصلات العالمية،كانت سياسة أوليفر كرومويل تجمع بين دوافع دينية وسياسة وتجارية،لكنها على أي حال(كانت سياسة قومية بهذا المفهوم.وبالرغم من أن كرومويل كان يقول أن مصلحة المسيحية لها أولوية على المصلحة القومية،إلا أن دينه كان يشع منه الإيمان برسالة أمته العظيمة،واستخدام قوتها ضد الكاثوليكية لنشر الدين الحقيقي في العالم وحمايته في كل مكان.وقد أراد أن يجعل من إنجلترا زعيمة "فيدرال"من جميع الدول البروتستانتية ضد بيت هابسبرج،وادعى حق حماية البروتستانتية في فرنسا وغيرها)(8).وقد أدى نجاح كرومويل في زيادة هيبة إنجلترا ونفوذها إلى نمو الشعور بالفخار القومي.وكانت فكرة الشاعر والسياسي الإنجليزي جون ميلتون/ Milton)/ 1608-1674)عن رسالة إنجلترا هي أنها ستنشر الحرية والمدنية بين المواطنين والممالك والأمم.ورأى في مخيلته(أمة نبيلة قادرة أن تقوم مثل رجل قوي بعد النوم وتنشر سهامها التي لا تغلب).هذه الفكرة،التي لا تخلو من نزعة استعلائية،لم يعبر عنها المفكر ميلتون وحده بل عبر عنها،أيضاً،رينجتون الذي وضع الأساس لنظرية(المجال الحيوي)للأمة ذات الرسالة العظيمة.ويمكن اكتشاف فكرة رسالة إنجلترا العالمية لدى كتّاب وساسة كثيرين.كما وأن فكرة(الأمة النبيلة)كانت ترتبط,أحيانا،بالنزعات القومية والتوسعية للبرجوازية الإنجليزية،التي تبحث عن أسواق لتجارتها في أوروبا وفيما وراء البحر.كما تعكس من جانب آخر النزعات الإنسانية والعالمية لنفس البرجوازية التي تقودها مُثل التحرير والتنوير(9).
وتغدو دعاوى وفرية(الشعب المختار)و(الرسالة القومية)،التي تتماثل في مضمونها العنصري،فكراً وسياسة-كمذهب استعلائي، مُستوحى من نصوص التلمود المتطرفة يتعارض مع نواميس القيم الإنسانية العادلة من جهة،و نزوع نحو التوسعية العدوانية في المرحلة الاستعمارية و المنافسات التجارية بين الدول الأوروبية الناشئة وخاصة إسبانيا و بريطانيا وفرنسا وألمانيا،من جهة أخرى.والمؤسف أن المتطرفين اليهود كثيرا ما تعمدوا الإساءة في تفسير عبارة(شعب الله المختار)و نسبوا إليها أبعادا اجتماعية - سياسية مخالفة لمفهومها الديني البحت.هذا الرأي أعرب عنه مورتز غودمان رئيس حاخامي فِيينا في نهاية القرن التاسع عشر قائلا(أن عبارة"شعب الله المختار"تعني اختيار الله اليهود لتحقيق رسالتهم الدينية وليس التركيز على طابع قومي).ويرى الحاخام غودمان أن هذا الاختيار مخالف كليا لخصائص من نوع الغطرسة القومية والتمجيد القومي العقيم وهو بالضبط ما دعا الله إلى تذكير إسرائيل القديمة مرة تلو الأخرى بأنها مجتمع صغير محاطة بشعوب قديمة(10).
وفي هذا قدر للنصوص الشوفينية في(التلمود) أن تقوم بدور بارز في الفكر والفهم الإنجليزي البيوريتاني للنظام العالمي القائم في ذلك الوقت.ومن هنا يمكن فهم فكرة إعادة فلسطين إلى(أسلافها)العبرانيين،التي إنتشرت بين الأوساط المسيحية وروج لها الكتاب الإنجليز قبل اليهود !بل وقبل ظهور الحركة الصهيونية-كمنظمة عالمية بأكثر من قرنين ونصف القرن..!
المراجع
1 -2- بالمر روبرت،تاريخ العالم الحديث، ترجمة:محمود الأمين،ج1، الموصل- العراق/1964،ص254-255.
3- المصدر نفسه،ص262.
4 -Thomas Caryle, Oliver Cromwell & Sipeches. Boston, 188 , voel: 1, p. 32.
5– هرتز،فريدريك،القومية في التاريخ والسياسة،ص152.
6 - Industry & Commerce, William Canninghman', Groth of the English 1892,p. 349. نقلاً عن:الشريف،ريجينا،الصهيونية غير اليهودية في إنجلترا،الصهيونية والعنصرية،ج:2 بيروت/1977،ص27.
-7ديمتري،أديب،جذور العرقية الصهيونية ومستقبل الصراع في الوطن العربي،مجلة(آفاق عربية)عدد:5،بغداد/1978،ص93.
8 - هرتز,فريدريك،مصدر سابق،ص349.
9- غوديمان،مورتز.(فاشبيتال جودنتوم)فينا /1897
10- ديمتري،أديب،مصدر سابق،ص93.