حتى آمالنا لم تسلم من أذى الآخر!
د. حازم خيري
"إن الأمل هو مقوٍ نفسي للحياة والتطور"
إريك فروم
[align=justify]د. حازم خيري
"إن الأمل هو مقوٍ نفسي للحياة والتطور"
إريك فروم
فى مجتمعاتنا العربية، فقدت الايديولوجيات والمفاهيم كثيراً من جاذبيتها! والكليشيهات التقليدية كالـ"يسار" والـ"يمين"، أو الـ"شيوعية" و الـ"رأسمالية" والـ"أصولية" لم يبق لها معنى! أولئك الذين يصبون بشوق إلى أن يعيشوا وإلى أن يكون لهم مواقف جديدة يُؤثرونها على المخططات الموضوعة فى قوالب جاهزة، يبحثون عن اتجاه جديد، عن فلسفة ينصرف مضمونها نحو أولوية الإنسان لا أولوية الايديولوجيات والمفاهيم! هؤلاء الثوار بوسعهم تشكيل حركة تطمح فى آن واحد إلى تغييرات عميقة فى ممارستنا وفى تمهيدنا الفكري للحياة!
بيد أنه لابد من توضيح نقطة لها أهميتها، وذلك أنه يوجد اليوم يأس واسع الانتشار جداً بين النابهين وذوي الرأى فيما يتعلق بإمكانيات تغيير مجرى الأمور. هذا اليأس هو، فى جزئه الكبير، راجع لما يعترى فهم ظاهرة الأمل من إساءة!
البداية المنطقية، إذن، لهذا المقال هى دراسة ظاهرة الأمل والتعرف على ماهيته(1)! فهل الأمل، على نحو ما يرى كثيرون، هو ما لدى المرء من رغبات وأمنيات؟..فى هذه الحالة يمكن أن يكون أولئك الذين يرغبون فى اقتناء السيارات والبيوت والكماليات بأعداد كبيرة وأفضل نوع، من ذوي الأمل..لكنهم ليسوا كذلك، إنهم أناس نهمون، على ما يبدو، بمزيد من الاستهلاك لا من ذوي الأمل..
وإذا لم يكن موضوع الأمل شيئاً وإنما امتلاء، حالة من اليقظة أكبر، تحرر من السأم أو بعبارة أخرى، إذا كان موضوع الأمل هو الخلاص أو الثورة، فهل يكون ذلك هو الأمل؟ هذا النوع من الانتظار يكون من اللاأمل إذا لم يعكس سوى سلبية وتوقع، إذ أن الأمل يخفي، هكذا، الاستسلام والايديولوجية المحضة..
لقد وصف كافكا هذا النوع من الأمل السلبي والمُنقاد، وصفاً رائعاً فى مقطع من كتابه "القضية". حيث يصل رجل إلى الباب الذى يؤدي إلى السماء (الشريعة) ويتوسل إلى الحارس لكي يدعه يدخل. فيجيبه بأنه لا يستطيع الآن السماح له بذلك. وعلى الرغم من أن الباب الذى يقود إلى الشريعة يظل مفتوحا،ً فإن الرجل يقرر أنه يُحسن صنعاً لو انتظر حتى يحصل على الإذن بالدخول!
يظل الرجل يطلب بانتظام الإذن بالدخول، ولكنه يتلقى دائماً نفس الجواب أنه مازال لا يستطيع بعد الحصول على الاذن بالدخول. الرجل لسنوات طويلة يلاحظ الحارس باستمرار تقريباً، ويتعلم أن يتحقق حتى من براغيث ياقته الفرو. فى النهاية يصبح الرجل طاعناً فى السن، وإذ يحس أنه على شفا الموت، يسأل لأول مرة: "كيف جرى أنه لم يسع أى شخص غيري، طيلة هذه السنوات كلها، إلى الدخول؟" فيجيب الحارس : "لم يكن فى وسع أحد غيرك أن يحصل على الوصول إلى هذا الباب، بما أن هذا الباب كان مخصصاً لك. والآن فإنني أغلقه"!
كان الرجل الشيخ طاعناً فى السن أكثر مما يجب لكي يفهم، ولكنه لم يكن فى وسعه أن يفهم أكثر لو أنه كان أصغر سناً. فهو، كمعظم أبناء مجتمعاتنا، يرى أن الآخر ـ وأقصد به هنا كل من يحرص على إبقاء الإنسان مغترباً ثقافياً، أى يحرص على إبقاءه مُستهلكاً لثقافة، أى لطريقة حياة شاملة، لا يملك الحق فى نقدها أو تطويرها(2) ـ يملك الكلمة الأخيرة: إن قال لا فإنه لا يستطيع الدخول! ولو كان للرجل أكثر من هذا الأمل السلبي لأمكنه الدخول، ولأمكن لشجاعته فى مخالفة إرادة الآخر أن تكون الفعل المحرر الذى يمكنه أن يقوده إلى غايته..
هذا النوع من الأمل السلبي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشكل مطلق من الأمل يمكن أن يوصف كأنه رجاء فى الزمن. الزمن والمستقبل يصبحان المقولة الرئيسية لهذا النوع من الأمل. فما من شيء يُفترض حدوثه فى الآن وإنما بعد ذلك فحسب، فى اليوم التالي أو فى العام القادم، وفى العالم الآخر، إذا كان من المحال الاعتقاد بأن الأمل يمكن أن يتحقق فى هذا العالم. فوراء هذا الاعتقاد تجد نفسها وثنية المستقبل والتاريخ والأجيال القادمة، تلك التى تُعبد كأنها آلهة!
المرء لا يفعل شيئاً، إنه يبقى سلبياً لأنه ليس شيئاً ولأنه عاجز، ولكن المستقبل سوف يكمل ما لم يستطع تحقيقه. هذه العبادة للمستقبل، هى استلاب الأمل! فبدلاً من أن أكون أنا من يعمل أو يصبح شيئاً ما فإن الأوثان، المستقبل والأجيال القادمة، ستحقق لى مشاريعي دون أن يكون على ما أفعله..
إذا كان الانتظار السلبي هو شكل مموه لليأس والعجز، فثمة شكل آخر من القنوط، يتخذ تماماً القناع المقابل، قناع المغامرية، قناع اللامبالاة تجاه الواقع! ذلك هو موقف أولئك الذين يزدرون من لا يفضلون الموت على استدامة النضال! هذا الستار الراديكالي المُستعار من اليأس والعدمية هو متواتر لدى بعض العناصر الأكثر التزاماً فى مجتمعاتنا. فهم بليغو الأثر بجسارتهم وحزمهم، لكنهم يفقدون كل مواجهة بانعدام الواقعية والحس الاستراتيجي وأحياناً بانعدام حب الحياة..!
نمر جاثم هو الأمل الحقيقي، لا ينقض إلا عندما تجيء اللحظة!..
فأن يؤمل المرء يعني أن يكون مستعداً فى كل لحظة لاستقبال ما لم يكن قد نشأ بعد، دون أن ييأس! إن ضعاف الأمل، فى كل زمان ومكان، يستقرون فى الراحة أو فى العنف. والذين يكون أملهم حقيقياً يميزون كل أشارة حياة جديدة، ويتشبثون بها، فهم فى كل لحظة مستعدون للمشاركة فى انبثاق ما يجب أن يُولد!
إغترابنا الثقافي وسلبية آمالنا:
ثمة علاقة وطيدة بين امتلاك الانسان، فى مجتمعاتنا المتخلفة، لأمل سلبي وبين إغترابه ثقافياً، لأنه إذا كان الاغتراب الثقافي، كما عرفته سلفاً، يعني بقاء الانسان مستهلكاً لثقافة، أى لطريقة حياة شاملة، لا يملك الحق فى نقدها أو تطويرها، فإن الأمل السلبي، وهو رجاء فى الزمن واكتفاء بالسلبية والتوقع، يُعد ـ بحق ـ نتيجة وسبباً لادامة الاغتراب اللعين، إذ يكرسه ويحول دون قهره!
أبناء مجتمعاتنا العربية، أعنى معظمهم، يشبهون رجل كافكا العجوز! يأملون، لكنهم لم يُمنحوا ما يدفعهم للتصرف وفقاً لحركة عقولهم وقلوبهم، وما لم يُعط الآخر الآثم الضوء الأخضر فإنهم لا يكفون عن الانتظار..انتظار جودو(3)..
قارئي الكريم، أظنك الآن تُطالبنى بمزيد من الايضاح، وإليك ما تطلب!..
قلت فى مقال سابق لى بعنوان "الله والحرية"، منشور على شبكة الانترنت، إن الآخر العربي/ المحلى (ومن وراءه الآخرين الغربي/العالمي والاسرائيلي/الاقليمي) نجح فى الترويج، بدم بارد، لمسألتى التأثيم الالهى لحرية الفكر وإحلال نفسه محل الله، فما يفعله هو إرادة الله تجرى على يديه الملوثتين!
أجل، نجح الآخر العربي/المحلى، بنسخه المتعددة والمتشابهة، فى تغريب شعوبنا ثقافياً، وتحويلها لمجرد مستهلك لثقافة، لايملك الحق فى نقدها أو تطويرها! اغتصب الآخر العربي امتياز نقد الثقافة العربية الاسلامية وتطويرها، وبات مُهدداً فى دمه وعرضه وماله من يجرؤ على سلب الآخر هذا الامتياز غير الانساني..
النخب الحاكمة، تقف بالطبع فى طليعة قوى الظلام، وذلك باعتبارها حجر الزاوية فى هيكل الآخر العربي! إنها لا تكف عن إيهامنا بأننا شعوب مستقلة، والحق أن دولنا لا تملك من الاستقلال الحقيقي سوى إسمه! فأى إستقلال هذا، وتواطؤ الآخر المحلى مع الآخرين العالمي والاقليمي لا تُخطئه إلا أعين الجبناء!
تجار الآلام يرتعون فى ربوعنا الطيبة كالأفاعى السامة، يطالبون شعوبنا، فى جرأة مخيفة، بتجنب جائحة الحرية، ويحذرونها من مجرد التفكير فى استعادة حقها المشروع فى نقد وتطوير ثقافتها العربية الاسلامية! يوهمونها أن فى انفراد الآخر العربي/المحلى بفعل التفكير والنقد ارضاء لله وتجنب لسخطه وغضبه!..
أوهموا البسطاء أن الله لا يثق إلا فى عقل الآخر العربي، أما عقولهم ـ وياللغرابة ـ فما خُلقت لتُستخدم، وإنما لتستوعب ما تجود به قريحة الآخر! يالها من جريمة مُخزية، أورثتنا الذل والمهانة، على كافة الأصعدة وفى كافة الميادين..
فى ظل أجواء ظلامية كهذه، يعجز فيها المغترب عن ممارسة أبجديات التفكير، نرى المغتربون فى كافة المحافل، يطلبون الفتوى، حتى فى أتفه الأمور!
أقول إنه فى ظل أجواء كهذه، يصبح منطقياً شيوع الأمل السلبي بين المغتربين، فاحتلال عقولهم يسلبهم إرادة الفعل، فنرى آمالهم مجرد رجاء فى الزمن واكتفاء بالسلبية والتوقع! ألم أقل إنهم يشبهون رجل كافكا العجوز! يُهدرون أعمارهم الغالية، والتى يستحيل تعويضها، فى انتظار أن يمن عليهم الآخر المحلى بتحقيق ولو بعض آمالهم، على تواضعها! إنهم فى انتظارهم خائفون، لا يجرؤون على مبادرة الفعل، فتحذيرات تجار الآلام لهم وتخويفهم إياهم بغضب الله، تزيد من سلبية آمالهم، فنراهم تجسيداً مريراً للانتظار..انتظار اللاشيء! المؤلم هو أن الآخر العربي (ومن وراءه الآخرين الغربي والاسرائيلي) يجد فى انتظار المغتربين لبانته، فيعمد لتثمين هذا الانتظار، ويحوله لوثن يطالبهم بتقديسه..!
من هنا، قارئي الكريم، نجد تفسيراً لشيوع تمجيد الانتظار والصبر فى ثقافتنا العربية الاسلامية، فالواضح أن الآخر العربي/المحلى نجح على ما يبدو فى تحقير الحاضر فى عيون المغتربين! ودليل ذلك ما نراه بيننا من تقديس للماضي وسعي لاستعادته فى المستقبل، وكذا ما نراه من تقديس للمستقبل وهروب للأمام!
هكذا ينفرد الآخر العربي بالحاضر، وإذا سُئل: لما لا تتعاطى الانتظار، وأنت تحرص على الترويج له! ساعتها يضحك الآخر العربي قائلاً: "الآخر العربي يأكل..والذات العربية تشبع!". الحق، قارئي الكريم، أن مأساة أمتنا موغلة فى التعقيد والقدم، فما يحدث هو أن ثأراً قديماً لم تزل نيرانه تتأجج فى قلب الآخر الغربي/العالمي، دافعه الغزو العربي للغرب، ذلك الذى أجج الآخر العربي يوماً نيرانه وسماه فتحاً مبيناً! خطيئة الآخر العربي وقتها أن غلفه برقائق دينية!..
ياله من ثأر مروع! أن يتولى آخر عربي/محلى (ومن وراءه الآخرين الغربي والاسرائيلي) مهمة تأبيد تخلف الذات العربية، عبر تغريبها ثقافياً وإدامة انتظارها إلى ما لانهاية! ولقارئي الكريم أن يُقارن بين خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما (وهو أحد أبرز رموز الآخر الغربي/العالمي) فى القاهرة وخطابه فى أكرا ـ غانا التى زارها مؤخراً، ستجده فى غانا السوداء يشدو بالحرية لإفريقيا السوداء، أما فى القاهرة العربية فيحرص أوباما على تجاهل قضية الحرية، ويستبدل بها حديثاً انتهازياً عن الاقتصاد والتجارة والبيئة!..تُرى ما الفرق؟!
الفرق يعرفه المتخصصون، وأنا منهم، فالغرب فى تعاطيه مع إفريقيا يميز بين إفريقيا السوداء (إفريقيا جنوب الصحراء) وإفريقيا العربية (الشمال الإفريقي)! صحيح أن الغرب حرص على خلق ودعم آخرية محلية فى إفريقيا السوداء، إبان الحرب الباردة، لكن هدفه كان مواجهة المد الشيوعي فيها، وليس إدامة تخلفها..
والدليل أنه بمجرد إنهيار الكتلة الشرقية واختفاء الخطر الشيوعي، توجه الآخر الغربي/العالمي بزعامة الآخر الأمريكي نحو تخليص إفريقيا السوداء من وباء الآخرية المحلية، وعمل ولا يزال على تحقيق الاستقلال الحقيقي لدولها، الأمر الذى دفع البعض لاطلاق مسمى "الاستقلال الثاني" على هذه المرحلة، اقتفاء بمرحلة خروج الأوروبيين من إفريقيا السوداء فى بداية ستينيات القرن الماضي!
وقتها تساءلنا: وماذا عنا معشر العرب؟ ألم يأن لربوعنا الطيبة أن تتخلص من الآخرية العربية/المحلية أسوة بإفريقيا السوداء؟! ولم يلبث الرد المؤلم أن جاء: وماذا عن الثأر القديم، أخرجتمونا من التاريخ مرتين، ولن نسمح بتكرار ذلك(4)!
بيد أنه بوقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لم تنج النخب العربية الحاكمة، باعتبارها حجر الزاوية فى هيكل الآخر العربي، من ثورة الغضب الأمريكي، وشهد النهج الأمريكي تجاه النخب العربية الحاكمة تحولات راديكالية، على الأقل نظريا! فلأول مرة تُثمن الولايات المتحدة المقولات الأنسنية في خطابها الموجه للعالم العربي، على خلاف تثمينها السابق للنخب العربية الحاكمة، ومساندتها لها في تكريسها لمبدأ الاستقلال السلبي وإدامتها لتخلف الذات العربية!
ولعل نظام الراحل صدام حسين كان بحق أبرز ضحايا الغضبة الأمريكية..
إذ أنه طبقاً لتقرير اللجنة الوطنية الأمريكية الخاص بهجمات الحادي عشر من سبتمبر(5)، استند تنظيم القاعدة بصورة ملموسة إلى الأتباع من مختلف الدول العربية، وهو ما بدا واضحاً في تشكيل المجموعات التي اضطلعت بتخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد أهداف أمريكية، حيث حمل أعضاء تلك المجموعات جنسيات عربية مختلفة، فضلاً عن اضطلاع خالد شيخ محمد بالتخطيط لتلك الهجمات، فبرغم انتمائه لأصول عرقية غير عربية، إلا أنه نشأ وتربى في الكويت، وانتمى لجماعة الإخوان المسلمين في السادسة عشر من عمره. وفى الولايات المتحدة، حصل على مؤهله الجامعي في الهندسة الميكانيكية في 1986. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلته التي قادته إلى التخطيط لهجمات سبتمبر 2001. وهى الهجمات التى أسفرت عن إزهاق آلاف الأرواح في دقائق معدودة، وتدمير برجين تدميراً كاملاً، فضلا عن تدمير جزء من مبنى البنتاجون..
وكما هو معروف، لم تلبث الولايات المتحدة أن أعلنت أن الهجمات إعلان صريح للحرب عليها! وبذلك بدأ فصل جديد في تاريخ الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في شقها المعني بالعالم العربي، فقد اعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين، النخب العربية الحاكمة التي طالما نعمت بالمساندة الغربية لها، مسئولة عن تكريس الأجواء القمعية المؤهلة لإفراز أمثال مخططي و منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر! وهو ما شكل ـ من وجهة نظرها آنذاك ـ تهديداً صريحاً للأمن الغربي بصفة عامة، والأمن القومي الأمريكي بصفة خاصة..
ولسوف أختم هذه الجزئية بسؤال أجابت عنه ممارسات الادارة الأمريكية الجديدة، وخطاب أوباما فى القاهرة: هل كانت الولايات المتحدة، بوصفها زعيمة العالم الغربي، جادة حين أعلنت على لسان رئيسها السابق جورج بوش(6)، فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أن اطاحتها بالنخبة الصدامية، إنما ترمى لمساعدة دول العالم العربي على التخلص من نسخ الآخر العربي، وكذا مساعدة الدول العربية على استبدال استقلالها الحقيقي باستقلالها السلبي، عبر جعل العراق نموذجاُ لما ينبغي أن تكون عليه الدولة العربية فى المستقبل؟! أم أن الاطاحة بالنخبة الصدامية جاءت لاستعادة الهيبة فحسب، والبحث عن بديل مُروض؟!..
نحو تثوير الأمل فى مجتمعاتنا:
قارئي الكريم، لم يبق لى الآن، بعد أن تطرق حديثى، الذى أظنه قد طال بعض الشيء، إلى تحليل ظاهرة الأمل، وتوضيح جناية الآخر على الأمل فى مجتمعاتنا ـ أقول لم يبق لى سوى الدعوة لأنسنة الأمل فى مجتمعاتنا العربية المتخلفة، بمعنى أن نُفقد آمالنا سلبيتها ونجعلها آمالاً حقيقية، لا انتظاراً أبدياً..
أعلم أن الاغتراب الثقافي لشعوبنا والآخرية البغيضة، خاصة الآخرية العربية/المحلية، يقفان حجر عثرة فى طريق التثوير المنشود! وأعلم كذلك، ربما أكثر من غيري، صعوبة، إن لم أقل استحالة، تخليص أمالنا من تشوه لحق بها!
غير أن هذا لا يبرر، ولا ينبغي له أن يبرر، فقدان الأمل، لأنه عندما يختفى الأمل، لا يبقى للحياة من معنى! ففعل أمل هو حالة من الوجود، إنه حيوية داخلية، حيوية شديدة، تدفع صاحب الأمل للتغيير والتطوير، لا لهدر الحياة..
الأمل هو عنصر باطني فى الحياة وفى ديناميكية الفكر! فلنطمح إلى إحداث تغييرات عميقة فى ممارستنا وفى تمهيدنا الفكري للحياة! ولنميز كل أشارة حياة جديدة، ونتشبث بها! لنكن فى كل لحظة مستعدون للمشاركة فى انبثاق ما يجب أن يُولد! لنصرخ فى وجه الآخر: خلقنا الله أحراراً، فليعش عقلك ولتعش عقولنا!
الهوامش:
ـــــــــ
(1) لمزيد من التحليل لظاهرة الأمل راجع: اريك فروم، ترجمة ذوقان قرقوط، ثورة الأمل، (بيروت: منشورات دار الآداب، 1973).
(2) راجع: حازم خيري، محنة شعوبنا إدراكها الساذج للآخر، مقال منشور على شبكة الانترنت.
(3) "فى انتظار جودو"، مسرحية شهيرة للكاتب المسرحي صمويل بيكيت، ترتبط فكرتها بفكرة الأمل السلبي أو وثنية الانتظار، وذلك حين نُنفق أعمارنا، على أهميتها وندرتها، فى انتظار ما لا يأتى، نُنفقها فى انتظار اللاشيء..
(4) راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 338 – 339.
(5) اعتمد الكاتب في رصده لأحداث 11 سبتمبر على الرواية الأمريكية، ليس لكونها الأكثر مصداقية ، ولكن لكونها الأكثر تأثيرا في مجريات الأحداث راجع:
National Commission on Terrorist Attacks upon the United States, The 9/11 Commission Report: Final Report of the National Commission on Terrorist Attacks upon the United States, (New York: W. W. Norton, 2004).
(6) United States of America, The National Security Strategy of the United States of America, White House, September 2002 . [/align]