هل يعلم أوجلان ما يجري خارج سجنه؟
هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
[align=justify]لم يشذّ خطاب حزب العمال الكردستاني السياسي والإعلامي عن أولئك الذين يحاولون، بشتى الوسائل، الطعن بالثورة السورية واعتبارها «مؤامرة إمبرياليّة على الأنظمة التقدميّة والمقاومة». لقد شكك الكردستاني قبلاً بالثورة الليبيّة، بحجّة تدخّل الناتو، وانتعاش جماعات الإسلام السياسي. وحين سألت بعض عناصره عن هذا الموقف، قالوا: «لقد وقف القذّافي إلى جانبنا في يوم من الأيّام». ونسي هؤلاء أن القذّافي ديكتاتور وطاغية امتدّت شروره حتى خارج ليبيا، وقدّم جائزة حقوق الإنسان لأردوغان حين كان يقمع الكرد والكردستاني. نفس الموقف، اتخذه حزب العمال من الثورة السوريّة. وفضلاً عن ان الكثير من المعطيات والمؤشّرات يؤكّد وجود علاقة وتنسيق بين الكردستاني ونظام الأسد، يتمّ استخدام نفس الحجّة: «لقد ساعدنا نظام الأسد، لمدّة 20 سنة»، ويتناسى هؤلاء أن ذاك النظام لم يقدّم الدعم والمساندة للكردستاني، لسواد عيونه وعيون الكرد، وأن حافظ الأسد من وقّع اتفاق أضنة مع تركيا، وشارك في اختطاف اوجلان، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبحكم أن الكردستاني قاد ثورة لأجل حقوق الكرد المضطهدين، كان يُفترض أن يكون أوّل المدافعين والداعمين للثورات في المنطقة، ولكنه انزلق نحو المصالح الحزبيّة الضيّقة، بحجّة تحييد الكرد، وتجنيبهم ويلات الحرب في سورية، علماً أنه أقحم كرد تركيا وسورية والعراق وإيران في حربه على أنقرة، طوال 30 سنة.
ويبرر الكردستاني موقفه السلبي من الثورة السوريّة بأن هنالك تدخّلات أميركيّة وتركيّة وقطريّة وسعوديّة وإمبرياليّة... في هذه الثورة. لكن صراع الكردستاني مع تركيا كان أيضاً بدعم سوري وإيراني ويوناني وأرميني. ويتناسى الحزب أنه كان مخترقاً من الدولة التركيّة العميقة أيضاً. وبالتالي، إذا كان ما يجري في سورية، ليس ثورة، نتيجة التدخّلات والاختراقات، فهذا يعني أن ما قام به الكردستاني ضدّ تركيا، لم يكن ثورة أيضاً، للأسباب نفسها.
لقد بذل أوجلان، خلال سنوات اعتقاله، جهداً سياسيّاً وفكريّاً كبيراً، لطيّ صفحات الحرب في تركيا. ويمكن القول إن أردوغان مدين لأوجلان، لجهة تحقيق حزب العدالة والتنمية نجاحاته وإنجازاته السياسيّة والاقتصاديّة، بفضل التسهيلات والتنازلات الكثيرة والمؤلمة التي قدّمها اوجلان، في إطار حلّ القضيّة الكرديّة. بالتزامن مع ذلك، بذل أوجلان الكثير من الجهد كي يبقي حزبه تحت السيطرة، بالإضافة إلى محاولة إخراج الكردستاني من العسكرة نحو المدنية. صحيح أن الكردستاني تبنّى المراجعات النقديّة التي قدمها أوجلان في كتبه التي ألّفها داخل السجن، وأكّد الحزب بأنه يتبنّى نظرياً مفاهيم المجتمع الإيكولوجي، والأمّة الديموقراطيّة، والجمهوريّة الديموقراطيّة، المواطنة الحرّة...، لكن في الممارسة العمليّة، لا زال الكردستاني منغلقاً على إيديولوجيّته اليساريّة السابقة، بل انزلق أكثر نحو التزمّت والدوغمائيّة، وعبادة القائد، والوثنيّة السياسيّة، وتسيطر على سلوكه، بخاصّة في سورية، نزعة عدوانيّة، كارهة للتنوّع والاختلاف، على رغم حديثه الطويل العريض عن التنوّع والاختلاف ومشاركة كل المكوّنات القوميّة في سلطته التي فرضها على المناطق الكرديّة السوريّة. وقد أصبح التخوين أبسط تهمة يطلقها على من ينتقده أو يخالفه.
فهل يعلم أوجلان، حقّاً، ما يقوم به حزبه في سورية؟. هل هنالك من يقول له إن ذهنيّة التخوين هي ما يحكم أداءه داخل سورية وخارجها، وأن ممارساته هي على الضدّ تماماً مما يطرحه أوجلان من أفكار ومشاريع سياسيّة وفكريّة؟. هل يعلم أوجلان أن حزبه يمارس العنف ضدّ الكرد السوريين المختلفين معه؟ وأنه يعتقل النشطاء والسياسيين والصحافيين، ويقتل المدنيين في مدينة عامودا وكوباني؟. هل يعلم أن رهان حزبه على نظامي الأسد وطهران خاسر، وأن حزبه يشنّ حرباً إعلاميّة وسياسيّة شعواء على الديموقراطي الكردستاني، ومسعود بارزاني، ويتهمه بالخيانة؟. هل أوجلان راضٍ عن محاولات شيطنة بارزاني التي يمارسها العمال الكردستاني منذ أشهر، وعن وضع كرد سورية في مواجهة كرد العراق؟. متى كان إيجاد حلّ للقضيّة الكرديّة في تركيا، يمرّ عبر تدمير كردستان العراق وتخوين وشيطنة قيادتها؟. وهل يعلم أوجلان أن حزبه تسيطر عليه دوغمائيّة حزبيّة شديدة التطرّف، ما يهدد القضيّة الكرديّة في أجزاء كردستان الأربعة، وأن حزبه، في إطار الدفاع عن زعيمه بشكل مبتذل، يشوّه صورته ويحوله من زعيم كردي مناضل إلى ستالين جديد؟. إن على أوجلان أن يرفض تحويل الحزب له إلهاً يُعبد.
غالب الظنّ أن المعلومات التي تصله حول كرد سورية، وكردستان العراق، فيها الكثير من المبالغة والتضليل. وهو ينبغي أن يعي خطورة ما قد يفعله المنافقون. فالمسؤوليّة التاريخيّة الملقاة على عاتقه كبيرة وثقيلة جداً، سواء على صعيد إيجاد حل للقضيّة الكرديّة، أو في مدْيَنة الحزب وتخليصه من العسكرة وذهنيّة الهيمنة والتخوين. وهو وحده القادر على لجم الحزب، وإخراجه من التورّط الذي أقحم نفسه فيه إلى جانب نظام الملالي الإيراني ونظام الأسد. وعلى أردوغان مساعدة اوجلان في هذه المهمّة التاريخيّة، عبر الإسراع في إنجاز خطوات جادّة وعمليّة بخصوص التسوية السلميّة، لأن من دونها، سيبقى الكردستاني ورقة بيد طهران ودمشق، تهدد حاضر ومستقبل تركيا وكل الكرد في المنطقة.
* كاتب كردي سوري
المصدر:
[/align]