بقلم الأستاذ محمد داني
البناء الشعري في المجموعة الشعرية لمحمد محضار(سيدة الياسمين)محمد محضار مبدع رقيق،سرقه الشعر من القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.وربما بدأ شاعرا في إرهاصاته الأولى،والتي كان يزجي بها نفسه في حالاته المزاجية المختلفة..فكان يؤنس بها لياليه ووحدته ..وها هو اليوم يطل علينا من خلال باكورته الشعرية(سيدة الياسمين)،والتي تتضمن 40 قصيدة تتفاوت طولا وقصرا وعنوانا.. وكلها من قصيدة النثر.وقد اختار هذا الاتجاه الشعري لقربه من نفسه،ولما يفتحه له من آفاق كي ينجح فيها بكل حرية.كما أنه من خلال هذه القصائد، ينهض ذاته ويجعل الأفكار تتلاءم مع البناء الهندسي للقصيدة..مما يجعل الشكل والمضمون في مجموعته يأتيان محكما البناء.كما أن المضامين التي تسكن القصائد تبين أن الشاعر محمد محضار له رؤية شعرية خاصة جديرة بالاهتمام،لما تحتويه من حس ودفق شعريين،تعددت جماليتهما..بالإضافة إلى ما تحمله قصائده من قيم في بعدها الذاتي والإنساني.واللحمة مع البناء الشعري وتشكلاته،لم تأت عند محمد محضار من فراغ..وإنما هي نتيجة قراءات للشعر العربي والمغربي المعاصرين..ونتيجة لرؤية خاصة،ونتيجة لعملية تواصل ما بين الشاعر واللغة.ومن ثمة أصبحت عنده المفردة ذات روح..مفردة سيالة،وسمت معجمه الشعري..وهذا المعجم هو الذي صنع لنا الرؤية الشعرية عنده،والتي يرى فيها غذاء لروحه،وتصوراته وهواجسه الشعرية.وهذا ما خلق نوعا من المتعة المتفاوتة من قصيدة إلى أخرى في مجموعته الشعرية (سيدة الياسمين)..صحيح،أن المتتبع لمسيرة محمد محضار الإبداعية، لا يعرف أولياته الشعرية.وبالتالي نجعل من (سيدة الياسمين) أوليات الشاعر،ومن خلالها نتتبع حالة نماء البناء الشعري عبر القصائد ،وتاريخها الشاهد على ولادتها.ولذا جل قصائد (سيدة الياسمين) لا تخرج عن هواجس وبوح ومناجاة،وانفعالات خاصة..إنها مربط حنين لمحمد محضار..تتوفر على غريزة جامحة،لما تشمله من عواطف وصدق شعري..ولما تسير حشودها على أحصنة صور..كما أن (سيدة الياسمين) كمجموعة شعرية هي أول من عرفت المتلقي/القارئ بمحمد محضار كشاعر..والسؤال المطروح،هو: من تكون سيدة الياسمين هاته،والتي عنون بها باكورته الشعرية؟إنها الأمل الذي يهتز على وجنتيه،ويصبغ حياته،والتي تجعله ينتشر وردا عند قدميها.إنها عشتاره التي تجعله يتبتل ويهيم في الفيض،وعب النبيذ الروحي من صورها،وشفتيها..إنها كائن تجعله يحس أنه يسبح في موج أزرق وفي غيم أزلي يشبه الفجر..إنها التي اكتشف في عينيها مجده وحلمه وحياته،وحقيقته..في عينيكاكتشفت مجديحلما بلوري اللونفقلت للحياة:السؤدد في مقلتيهاامتداد للحقيقةالخالصةإنها توحد بالنسبة إليه..يعشقها فيحولها في عشقه إلى صور مردية.وفي هذا العشق الحالم ينادي سيدة الياسمين بنداءات من مثل(يا تاريخ الشوق- يا عشتار الحانية- يا سيدة الياسمين- يا روعة التوحد- يا صحوة القلب- يا أنثى الشوق- يا ابتسامة الفجر...) غلى غير ذلك من النداءات والتي تمتد عبر المجموعة الشعرية كلها،لينتقل في عشقه إلى مسميات أكبر وهجانا،حين يعتبرها ضمير الوجود وسياق الحياة.فأي عشق هذا الذي يجعل شاعرا يرى في عيني سيدة الياسمين بحرا،ينشر فيه أشرعته،ويسافر فيه بحثا عن جزر الفرح؟إنه التماهي والتوحد..حيث يحتضن في هذا الكائن أشواقه،وظلاله..وينشئ تراتيله ووهجه..وبالتالي تصبح حياته:في بحر عينيكنشرت شراع مراكبيوسافرت إلى جزر الفرحقبلت الموج النديوصافحت الغيم الحالماحتضنت الأشواق العذراءثم تواريت تحت ظلالطيفكإن العشق يجعله يرى سيدة الياسمين مظلة يستظل تحتها..تجمع حروفه الصماء..وتطرز في كل لحظة عشق تواشيحه وانشطاره.بل أكثر من هذا ، تشعل نيرانه التي من خلالها يستحضر تاريخه،ومعرفته،وماضيه..فينبعث فيه سيزيف يجاهد ليصل الجبل رغم ثقل صخرته..ويتحول إلى بروميثيوس يتحمل همجية النسر ووحشيته..وا نعجب عندما نجد سيدة العشق هاته ليست سوى مدينة خريبكة،التي شغلت باله وملأت عليه فكره..ومن أجل هذا العشق لا يبالي بنهش كبده..ففي كل ذلك يجد الانتشاء الكلي والارتواء الأبدي، وحقيقته النورانية..بين الغفوة واليقظةأمسكت خيطا مننورثم ركبت صهوةفجر منبلجكبر الحلم في عينيوصار حقيقةرأيت الشمائلتحف ركبيوجبة الذكرتسكن نفسيحل الوجد بقلبيوصار وهجاينير وجودي (ص:30)هكذا في سياق مقطع القصيدة أعلاه نرى صراع الحياة..ونزوعاتها تتحكم في الشاعر وأحاسيسه.لذا نرى الشاعر محمد محضار يتفاعل مع هذه الإشارات،مما يجعل المتلقي يشعر بالشاعر،ويقف على إحساسه الملتهب،فيتفاعل معه.إن هذه النزوعات،هي نوع من الحياة التي يحياها الشاعر وهو في لحظة عشق..فنستنتج أنه إلى جانب كونه شاعرا فهو إنسان..تربطه بمحيطه علاقة عشق ومحبة.فلذا نجده في لحظات عشقه هاته يحمل نبض الحياة،والرغبة في التنقل من الواقع إلى الخيال،ومن الحرمان إلى الخصب،ومن الهم والهواجس إلى الفرح والنوال،ومن الرعشة إلى الثبات.إن كلماته تبين كثافة العشق التي تملأ قلبه..والنور الذي يغشى عينيه..والبياض الذي يصبغ دواخله..إن شعره يمثل واقعه.وبالتالي تفعل الكلمات ذاته،وتصبغ صوره،التي نرى من خلالها أن " الموهبة الخلاقة التي يتحكم بواسطتها الإنسان في القوى الكامنة في الطبيعة وفي نفسه" .إنه نوع من الالتزام من الشاعر محمد محضار تجاه ذاته،وقضاياه الشخصية،الخاصة.وهذا يبين بوضوح تفاعله مع ذاته الشاعرة،ومع الآخر والمتمثل في محيطه الخاص، وفضائه العام..وهذا ما يجعل شعره يتميز برؤيا واقعية تحمل تعبيرا خاصا عن الذات والمحيط.ولذا اختار كلماته بدقة ليعطي للمتلقي/القارئ صورة صادقة،وواقعية عن البوح الذي يصطخب داخله..صورة لا تخلو من جمالية وفنية.إن مجموعته الشعريةهي صوته.لغتها وصورها تعبر عن ذاته وعاطفته،وتعكس طموحه في كتابة قصيدة شعرية حداثية.وقد اختار محمد محضار قصيدة النثر كتقنية كتابية تعبيرية تعبر عن مشاعره وبوحه.واعيا بتقنيات قصيدة نثر كشعر حداثي من حيث البناء والتوظيف والتناص والسرد .وهو يرى كما يرى جل الشعراء المغاربة،أن " جوهر الشعر يكمن في لغة الذات والتفاصيل اليومية عن طريق السرد واللوحة والمفارقة في التعبير دون استعلاء وتضخيم للأنا الشعرية" .صحيح،أن لغة المجموعة الشعرية لغة عارية.لغة بلا صور،لكن المجموعة الشعرية لا تخلو من جمالية،ويتمثل في بعدها البصري لشكل القصائد،واعتمدت المجموعة على التشكيل البصري والحروفي،فوظفت الصفحة في هذا التشكيل لإظهار الجدلية القائمة ما بين البياض والسواد..وجد محمد محضار يعطي إيقاعات بصرية تتضافر مع انساق البنية الصوتية ..والمدعمة للخطاب اللغوي.كما انه يستثمر البياض ذاته ويدخله في نسيج بنيته النصانية،" حيث يمثل البياض في الصفحة الشعرية كينونة انزياح عن ضجيج السواد،أو أمثولة توقعات أو صيرورة احتمالات قرائية يحددها سياق النص وإدراك المتلقي" .وهكذا في لعبة البياض والسواد هذه، نجد السطر في المجموعة الشعرية (سيدة الياسمين) يمتد أو يتقلص حسب الدفقة الشعرية،والحالة النفسية للذات الشاعرة أثناء ولادة القصيدة.ففي قصيدة (أجراس الحزن) نجد البياض يفسح المجال للسواد ليمتد عبر تشكيلات تختلف من سطر إلى آخر.طلع النهاردقت الأجراسوتفجرت الطرق بالكلابتنبح جوعاضاعت مناجاة العابدفي صدى النباحلبست الدنيا ثوب الحدادوريح الجنون حط الرحالفوق ربى العذابلن يصل قطار الحلم غداوسننتظر إلى فصل الحصادحين تكون في أيدينا المناجلكما نجد في قصائده توظيفا لما يسمى ب(اللقطة المتحركة).وهي لقطة سردية لارتباط السرد بالقصيدة،لهيمنة منظور السرد على قصيدة النثر.ويرى الدكتور حاتم الصكر أن السرد المجتلبة تقنياته من النثر أساسا يتطلب تنظيما يناقض الفوضى الظاهرية في قصيدة النثر..لما تتضمنه القصيدة من سرد،مما يجعل منها القصة القصيدة..وبالتالي تصبح القصيدة - القصة عند محمد محضار،كتابة عبر نوعية- كما يسميها إدوارد الخراط- وتجعل نصه الشعري نصا مفتوحا...ويندرج السرد في المجموعة الشعرية (سيدة الياسمين) في ثلاثة أنواع،وهي:1- السرد البانورامي: كما في قصيدته (متى يعود أبي؟)،والتي تحفل بالشخوص والأحداث وتحكي حكاية من دون التخلي عن طريقة الشعر في تكثيف العالم وإعطائه نبرة كونية،وبنيوية للخطاب الشعري .ولنسمع محمد محضار يقول في هذه القصيدة:خلف الباب وقفت طفلة
سألت امها بحدةمتى يعود أبي؟قالت الأم:غدا يعودبكت الطفلة وقالت:الغد يا أمي صار جمرهتكوي القلب كلهأشاحت الأم وجههاتخفي دمعهقالت الطفلة:الغد يا أمي صار صفعهتدمي الخد كلهقالت الأم:لا تبكي يا طفلتيصدري لك قلعةوقلبي باحة حبوبستان ورد يندىقالت الطفلة:أحبك أميلكن متى يعود أبي؟(ص:95)2- السرد الجانبي:وهو الذي يطرح فيه الشاعر محمد محضار قصة تتعلق بأشخاص أو مكان..كما في قصيدته(ملاذ الشهداء)،والتي يقول فيها:سلومي ترقصكأفعىورأس يوحنا المعمدانيستسلم لنصلالغدرهيرودس يفتحأبواب الخيانةمن اجل عيون هيرودياأو في قصيدته(ليلة صيف ساخن)،والتي يقول فيها:في ليلة صيفساخنضاق بي المكانتهاوت أشيائيإلى الدرك الأسفلوصارت أفكاريغيمات عابرةجمعت شتات نفسيوخرجت أمارس فلسفةالامتعاضبين دروب المدينةوفي قصيدة (سيدة الفجر المغتال)،والتي يقول فيها:في محطة المسافريننام رجل يحضن كسرة"حلم"وبين قدميه توارتقطة تموء "بحزن"الليلة يموت " العام"وتسقط آخر ورقةمن شجرته3- السرد الداخلي:وهو السرد الذي ضمنه الشاعر قصيدته،كما في قصيدة(ليل بلا قمر) والتي قول فيها:سقطت في واد عميقتحجرت في عيني دمعةصارت حبة عقيقخرجت نفسي من قوقعتهاوقالت لي: أنت تضيعفي لجة النسيانوكذلك في قصيدة(خريبكة)،والتي يقول فيها:في ليلك البهيمجاؤوا من كل حدب وصوببسطوا الخرائطحددوا المواقعثم قالوا نحن لهاوكذلك في قصيدة(قصة مدينتي)و(موكب الصمت)..هذا غيض من فيض...ف(سيدة الياسمين) يبقى نافذة غنية بإطلالاتها على عوالم محمد محضار الشعرية..والتي تزخر بالصور...كما أنها صورة مقتضبة تعرفنا فيها على بعض شعرية محمد محضار..في انتظار قابل مجاميعه الشعرية..
البناء الشعري في المجموعة الشعرية لمحمد محضار(سيدة الياسمين)محمد محضار مبدع رقيق،سرقه الشعر من القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.وربما بدأ شاعرا في إرهاصاته الأولى،والتي كان يزجي بها نفسه في حالاته المزاجية المختلفة..فكان يؤنس بها لياليه ووحدته ..وها هو اليوم يطل علينا من خلال باكورته الشعرية(سيدة الياسمين)،والتي تتضمن 40 قصيدة تتفاوت طولا وقصرا وعنوانا.. وكلها من قصيدة النثر.وقد اختار هذا الاتجاه الشعري لقربه من نفسه،ولما يفتحه له من آفاق كي ينجح فيها بكل حرية.كما أنه من خلال هذه القصائد، ينهض ذاته ويجعل الأفكار تتلاءم مع البناء الهندسي للقصيدة..مما يجعل الشكل والمضمون في مجموعته يأتيان محكما البناء.كما أن المضامين التي تسكن القصائد تبين أن الشاعر محمد محضار له رؤية شعرية خاصة جديرة بالاهتمام،لما تحتويه من حس ودفق شعريين،تعددت جماليتهما..بالإضافة إلى ما تحمله قصائده من قيم في بعدها الذاتي والإنساني.واللحمة مع البناء الشعري وتشكلاته،لم تأت عند محمد محضار من فراغ..وإنما هي نتيجة قراءات للشعر العربي والمغربي المعاصرين..ونتيجة لرؤية خاصة،ونتيجة لعملية تواصل ما بين الشاعر واللغة.ومن ثمة أصبحت عنده المفردة ذات روح..مفردة سيالة،وسمت معجمه الشعري..وهذا المعجم هو الذي صنع لنا الرؤية الشعرية عنده،والتي يرى فيها غذاء لروحه،وتصوراته وهواجسه الشعرية.وهذا ما خلق نوعا من المتعة المتفاوتة من قصيدة إلى أخرى في مجموعته الشعرية (سيدة الياسمين)..صحيح،أن المتتبع لمسيرة محمد محضار الإبداعية، لا يعرف أولياته الشعرية.وبالتالي نجعل من (سيدة الياسمين) أوليات الشاعر،ومن خلالها نتتبع حالة نماء البناء الشعري عبر القصائد ،وتاريخها الشاهد على ولادتها.ولذا جل قصائد (سيدة الياسمين) لا تخرج عن هواجس وبوح ومناجاة،وانفعالات خاصة..إنها مربط حنين لمحمد محضار..تتوفر على غريزة جامحة،لما تشمله من عواطف وصدق شعري..ولما تسير حشودها على أحصنة صور..كما أن (سيدة الياسمين) كمجموعة شعرية هي أول من عرفت المتلقي/القارئ بمحمد محضار كشاعر..والسؤال المطروح،هو: من تكون سيدة الياسمين هاته،والتي عنون بها باكورته الشعرية؟إنها الأمل الذي يهتز على وجنتيه،ويصبغ حياته،والتي تجعله ينتشر وردا عند قدميها.إنها عشتاره التي تجعله يتبتل ويهيم في الفيض،وعب النبيذ الروحي من صورها،وشفتيها..إنها كائن تجعله يحس أنه يسبح في موج أزرق وفي غيم أزلي يشبه الفجر..إنها التي اكتشف في عينيها مجده وحلمه وحياته،وحقيقته..في عينيكاكتشفت مجديحلما بلوري اللونفقلت للحياة:السؤدد في مقلتيهاامتداد للحقيقةالخالصةإنها توحد بالنسبة إليه..يعشقها فيحولها في عشقه إلى صور مردية.وفي هذا العشق الحالم ينادي سيدة الياسمين بنداءات من مثل(يا تاريخ الشوق- يا عشتار الحانية- يا سيدة الياسمين- يا روعة التوحد- يا صحوة القلب- يا أنثى الشوق- يا ابتسامة الفجر...) غلى غير ذلك من النداءات والتي تمتد عبر المجموعة الشعرية كلها،لينتقل في عشقه إلى مسميات أكبر وهجانا،حين يعتبرها ضمير الوجود وسياق الحياة.فأي عشق هذا الذي يجعل شاعرا يرى في عيني سيدة الياسمين بحرا،ينشر فيه أشرعته،ويسافر فيه بحثا عن جزر الفرح؟إنه التماهي والتوحد..حيث يحتضن في هذا الكائن أشواقه،وظلاله..وينشئ تراتيله ووهجه..وبالتالي تصبح حياته:في بحر عينيكنشرت شراع مراكبيوسافرت إلى جزر الفرحقبلت الموج النديوصافحت الغيم الحالماحتضنت الأشواق العذراءثم تواريت تحت ظلالطيفكإن العشق يجعله يرى سيدة الياسمين مظلة يستظل تحتها..تجمع حروفه الصماء..وتطرز في كل لحظة عشق تواشيحه وانشطاره.بل أكثر من هذا ، تشعل نيرانه التي من خلالها يستحضر تاريخه،ومعرفته،وماضيه..فينبعث فيه سيزيف يجاهد ليصل الجبل رغم ثقل صخرته..ويتحول إلى بروميثيوس يتحمل همجية النسر ووحشيته..وا نعجب عندما نجد سيدة العشق هاته ليست سوى مدينة خريبكة،التي شغلت باله وملأت عليه فكره..ومن أجل هذا العشق لا يبالي بنهش كبده..ففي كل ذلك يجد الانتشاء الكلي والارتواء الأبدي، وحقيقته النورانية..بين الغفوة واليقظةأمسكت خيطا مننورثم ركبت صهوةفجر منبلجكبر الحلم في عينيوصار حقيقةرأيت الشمائلتحف ركبيوجبة الذكرتسكن نفسيحل الوجد بقلبيوصار وهجاينير وجودي (ص:30)هكذا في سياق مقطع القصيدة أعلاه نرى صراع الحياة..ونزوعاتها تتحكم في الشاعر وأحاسيسه.لذا نرى الشاعر محمد محضار يتفاعل مع هذه الإشارات،مما يجعل المتلقي يشعر بالشاعر،ويقف على إحساسه الملتهب،فيتفاعل معه.إن هذه النزوعات،هي نوع من الحياة التي يحياها الشاعر وهو في لحظة عشق..فنستنتج أنه إلى جانب كونه شاعرا فهو إنسان..تربطه بمحيطه علاقة عشق ومحبة.فلذا نجده في لحظات عشقه هاته يحمل نبض الحياة،والرغبة في التنقل من الواقع إلى الخيال،ومن الحرمان إلى الخصب،ومن الهم والهواجس إلى الفرح والنوال،ومن الرعشة إلى الثبات.إن كلماته تبين كثافة العشق التي تملأ قلبه..والنور الذي يغشى عينيه..والبياض الذي يصبغ دواخله..إن شعره يمثل واقعه.وبالتالي تفعل الكلمات ذاته،وتصبغ صوره،التي نرى من خلالها أن " الموهبة الخلاقة التي يتحكم بواسطتها الإنسان في القوى الكامنة في الطبيعة وفي نفسه" .إنه نوع من الالتزام من الشاعر محمد محضار تجاه ذاته،وقضاياه الشخصية،الخاصة.وهذا يبين بوضوح تفاعله مع ذاته الشاعرة،ومع الآخر والمتمثل في محيطه الخاص، وفضائه العام..وهذا ما يجعل شعره يتميز برؤيا واقعية تحمل تعبيرا خاصا عن الذات والمحيط.ولذا اختار كلماته بدقة ليعطي للمتلقي/القارئ صورة صادقة،وواقعية عن البوح الذي يصطخب داخله..صورة لا تخلو من جمالية وفنية.إن مجموعته الشعريةهي صوته.لغتها وصورها تعبر عن ذاته وعاطفته،وتعكس طموحه في كتابة قصيدة شعرية حداثية.وقد اختار محمد محضار قصيدة النثر كتقنية كتابية تعبيرية تعبر عن مشاعره وبوحه.واعيا بتقنيات قصيدة نثر كشعر حداثي من حيث البناء والتوظيف والتناص والسرد .وهو يرى كما يرى جل الشعراء المغاربة،أن " جوهر الشعر يكمن في لغة الذات والتفاصيل اليومية عن طريق السرد واللوحة والمفارقة في التعبير دون استعلاء وتضخيم للأنا الشعرية" .صحيح،أن لغة المجموعة الشعرية لغة عارية.لغة بلا صور،لكن المجموعة الشعرية لا تخلو من جمالية،ويتمثل في بعدها البصري لشكل القصائد،واعتمدت المجموعة على التشكيل البصري والحروفي،فوظفت الصفحة في هذا التشكيل لإظهار الجدلية القائمة ما بين البياض والسواد..وجد محمد محضار يعطي إيقاعات بصرية تتضافر مع انساق البنية الصوتية ..والمدعمة للخطاب اللغوي.كما انه يستثمر البياض ذاته ويدخله في نسيج بنيته النصانية،" حيث يمثل البياض في الصفحة الشعرية كينونة انزياح عن ضجيج السواد،أو أمثولة توقعات أو صيرورة احتمالات قرائية يحددها سياق النص وإدراك المتلقي" .وهكذا في لعبة البياض والسواد هذه، نجد السطر في المجموعة الشعرية (سيدة الياسمين) يمتد أو يتقلص حسب الدفقة الشعرية،والحالة النفسية للذات الشاعرة أثناء ولادة القصيدة.ففي قصيدة (أجراس الحزن) نجد البياض يفسح المجال للسواد ليمتد عبر تشكيلات تختلف من سطر إلى آخر.طلع النهاردقت الأجراسوتفجرت الطرق بالكلابتنبح جوعاضاعت مناجاة العابدفي صدى النباحلبست الدنيا ثوب الحدادوريح الجنون حط الرحالفوق ربى العذابلن يصل قطار الحلم غداوسننتظر إلى فصل الحصادحين تكون في أيدينا المناجلكما نجد في قصائده توظيفا لما يسمى ب(اللقطة المتحركة).وهي لقطة سردية لارتباط السرد بالقصيدة،لهيمنة منظور السرد على قصيدة النثر.ويرى الدكتور حاتم الصكر أن السرد المجتلبة تقنياته من النثر أساسا يتطلب تنظيما يناقض الفوضى الظاهرية في قصيدة النثر..لما تتضمنه القصيدة من سرد،مما يجعل منها القصة القصيدة..وبالتالي تصبح القصيدة - القصة عند محمد محضار،كتابة عبر نوعية- كما يسميها إدوارد الخراط- وتجعل نصه الشعري نصا مفتوحا...ويندرج السرد في المجموعة الشعرية (سيدة الياسمين) في ثلاثة أنواع،وهي:1- السرد البانورامي: كما في قصيدته (متى يعود أبي؟)،والتي تحفل بالشخوص والأحداث وتحكي حكاية من دون التخلي عن طريقة الشعر في تكثيف العالم وإعطائه نبرة كونية،وبنيوية للخطاب الشعري .ولنسمع محمد محضار يقول في هذه القصيدة:خلف الباب وقفت طفلة
سألت امها بحدةمتى يعود أبي؟قالت الأم:غدا يعودبكت الطفلة وقالت:الغد يا أمي صار جمرهتكوي القلب كلهأشاحت الأم وجههاتخفي دمعهقالت الطفلة:الغد يا أمي صار صفعهتدمي الخد كلهقالت الأم:لا تبكي يا طفلتيصدري لك قلعةوقلبي باحة حبوبستان ورد يندىقالت الطفلة:أحبك أميلكن متى يعود أبي؟(ص:95)2- السرد الجانبي:وهو الذي يطرح فيه الشاعر محمد محضار قصة تتعلق بأشخاص أو مكان..كما في قصيدته(ملاذ الشهداء)،والتي يقول فيها:سلومي ترقصكأفعىورأس يوحنا المعمدانيستسلم لنصلالغدرهيرودس يفتحأبواب الخيانةمن اجل عيون هيرودياأو في قصيدته(ليلة صيف ساخن)،والتي يقول فيها:في ليلة صيفساخنضاق بي المكانتهاوت أشيائيإلى الدرك الأسفلوصارت أفكاريغيمات عابرةجمعت شتات نفسيوخرجت أمارس فلسفةالامتعاضبين دروب المدينةوفي قصيدة (سيدة الفجر المغتال)،والتي يقول فيها:في محطة المسافريننام رجل يحضن كسرة"حلم"وبين قدميه توارتقطة تموء "بحزن"الليلة يموت " العام"وتسقط آخر ورقةمن شجرته3- السرد الداخلي:وهو السرد الذي ضمنه الشاعر قصيدته،كما في قصيدة(ليل بلا قمر) والتي قول فيها:سقطت في واد عميقتحجرت في عيني دمعةصارت حبة عقيقخرجت نفسي من قوقعتهاوقالت لي: أنت تضيعفي لجة النسيانوكذلك في قصيدة(خريبكة)،والتي يقول فيها:في ليلك البهيمجاؤوا من كل حدب وصوببسطوا الخرائطحددوا المواقعثم قالوا نحن لهاوكذلك في قصيدة(قصة مدينتي)و(موكب الصمت)..هذا غيض من فيض...ف(سيدة الياسمين) يبقى نافذة غنية بإطلالاتها على عوالم محمد محضار الشعرية..والتي تزخر بالصور...كما أنها صورة مقتضبة تعرفنا فيها على بعض شعرية محمد محضار..في انتظار قابل مجاميعه الشعرية..