الدليل اللغوى عند فيردناند دو سوسير
لا أحد ينكر أن البحث اللغوي المعاصر يدين لعالم سويسري كرس حياته لخدمة اللغة ، إنه فيردناند دو سوسير الذي وضع أسس علم اللغة العام من خلال محاضرات أملاها على طلابه، و هؤلاء قاموا بإعدادها و إخراجها على هيئة كتاب ما يزال ملهما للبحث في الميدان اللغوي واللساني ، رغم ما يثار من نقاش حول صحة محتواه.
و تسعى اللسانيات إلى دراسة اللغة باعتبارها نسقا من العلامات . ولمفهوم العلامة أو الدليل عند اللسانيين أهمية كبرى ، و لا يمكن الحديث عن الدلالة في الجملة دون التعرض للدليل ، كما أنه لا يمكن فصل العلاقة التي تربط بين الدال و المدلول أثناء الحديث عن الدليل. وسنتناول الحديث عن طبيعة الدليل عند دو سوسير ، محاولين الوقوف على ميزاته و خصائصه انطلاقا من مؤلفه الشهير " محاضرات في علم اللغة العام ".
فما هو الدليل ؟ و ما مفهومه عند دو سوسير ؟ و ما هي خصائصه ؟
1- في تعريف الدليل :
الدليل في اللغة من دل يدُلُّ دَِلالة ، المرشد ، و هو ما يستدل به و الجمع أدلة و أدلاء . و هو ما به الإرشاد .
أما في الاصطلاح فيشير الدليل (signe) - في مفهومه العام - إلى العلامة، أو الرمز (symbol) ، أو الإشارة (signal)، أو القرينة (indice) [4].
2- معنى الدليل اللساني عند دي سوسير:
نشير بدءا إلى أننا نستعمل الدليل هنا في مقابل المصطلح الفرنسي (signe) ، و مدلول في مقابل (signifié) ، و دلالة في مقابل (signification) ، و دال للمصطلح (signifiant)، و سنشير إلى ما يقابل المصطلحات التي يمكن أن ترد في العرض في حينه.
يتصور العالم اللساني السويسري فيرديناند دي سوسير( 1857-1913 Ferdinand de Saussure ) الدليل اللساني على أنه صورة ذهنية تتشكل من : (دال و مدلول) حيث إن الدال هو صورة صوتية ، و هي تلك الملفوظات المنطوقة صوتيا . أما المدلول فهو صورة ذهنية، أي " ما يتصوره العقل" و المدلول هو المفهوم الذي للإنسان لذلك الشيء الخارجي أي ذلك الموجود خارج ذهن الإنسان قبل أن تصله الصورة الصوتية، و هذا التخيل ندرج فيه كل الأشياء المادية و المعنوية و نسميه المرجع أو المدلول عليه .
و لكي نفهم أكثر نضرب المثال التالي :
×دليل لساني : " شجرة "
× الدال هو صورة لفظية : [ش+ج+ر+ ة ]
×المدلول هو صورة ذهنية : ذلك الشيء الطبيعي الذي له جذور و أغصان و أوراق و ثمار ...
بناء عليه يمكن أن نقول مع أحدهم إن:" المدلول هو الترجمة الصوتية لتصور ما ، و المدلول هو المستشار الذهني لهذا الدال ، و من هنا تتضح وحدتهما البنائية العميقة في الرمز اللغوي"
3- خصائص الدليل اللساني :
للدليل اللساني أربع خصائص أو ميزات ، هي:
1- الطابع الاعتباطي ، 2 _ التسلسل الخطي ، 3 _ السمة المميزة ، 4 _ التقطيع المزدوج.
3- 1: الطابع الاعتباطي أو(arbitraire) :
معنى الاعتباطية : جاء في قاموس اللسانيات :"في النظرية اللسانية ، و في اللسانيات عموما ، تميز الاعتباطية العلاقة الموجودة بين الدال والمدلول . فاللغة إذن اعتباطية بما أنها تعاقد ضمني بين مستعمليها من أعضاء المجتمع"
بمعنى أنه لا يوجد في اللفظ ما يدل حتما على معناه ، و لكي نفهم أكثر نتأمل المثال التالي:
مثلا : في كلمة شجرة ، لو فرضنا مثلا أن : ش = أوراق الشجرة و ج = الجذع و ر = الأغصان و ة= الثمار.
في هذه الحالة كل حرف يشير إلى شيء بالشجرة فنقول إن العلاقة بين لفظ " شجرة " و تصور " شجرة" ، علاقة حتمية طبيعية.
و لكن هذا غير حاصل ، و بما أنه كذلك فالعلاقة بين اللفظ و التصور هنا هي علاقة اعتباطية وضعية بمعنى أن لفظ"شجرة " تواضع و اتفق عليه المجتمع وفق عرف لساني . هذا العرف وجد قبل الفرد بكثير . فعندما يأتي الفرد يجد الجميع قبله أسموا شجرة بهذا الاسم و أصبح عرفا لسانيا لدى المستعملين ، فيكون لزاما عليه أن يستعمل اللفظ هو الآخر بناء على ما استعمله سابقوه ، و إلا فإنه إذا أراد أن يستعمل لفظا بديلا للمستعمل يحتاج إلى من يتواضع معه على ذلك حتى يعم الاستعمال .
و لكي نفهم أكثر هذا مثال آخر قريب من الاستعمال اليومي :
في المغرب يطلق على السيارة (بالعامية) : طوموبيل أو طونوبيل أو طونوبيلا(automobile) ؛ و منهم من يسميها : اللوطو (المناطق الشرقية للمغرب و الجزائر)؛ و العامة عندنا تقول : الطاكسي (taxi)، و تقصد سيارة الأجرة كبيرة كانت أو صغيرة.
و كذلك الأمر في اللهجات المحلية العربية و هذا يوجد أيضا بين اللغات:
مثلا :بالعربية (شجرة) و بالفرنسية( arbre) ؛ فأي الكلمتين تؤدي المعنى أكثر ؟ كلاهما يؤدي المعنى في بيئته و مجتمعه وفق الأعراف اللسانية المتواضع عليها .
و الملاحظ أن لا أحد ينازع في هذا المبدأ ، و لكنه ميسور و في المتناول ما جعله يهيمن على اللسانيات، و هو الأمر الذي جعل نتائجه لا حدود لها
3- 2 : التسلسل الخطي أو خطية الدال linéaire)
نعرف أن الركيزة المادية للدليل اللغوي هي الصوت .لذا فإنه أثناء عملية التلفظ" فإن الصوت يتسلسل، بتسلسل الزمن في خط أفقي
وهذا ما يسميه دي سوسير بـ: سلسلة الكلام أو la chaine parlée)) يقول : بما أن الدال ذو طبيعة سمعية ، فإنه يتسلسل بتسلسل الزمن في خط تتابعي ، و له الخصائص التي تترك بصمتها على الزمن :
أ- أنها تمثل امتدادا و ب- هذا الامتداد محسوب في اتجاه واحد : إنها خطية ( ligne) [9].
و لهذا قلنا إنها تشكل سلسلة من الملفوظات المتصل بعضها ببعض و التي تشكل في الأخير دوال معينة تتغير دلالاتها بتغير مواقعها .
و لكي نفهم نقدم المثال التالي:
في كلمة عجم ، التي تنطق حروفها بتسلسل وفق خط أفقي كالتالي : ع + ج + م
يعني زمنيا أن العين تسبق الجيم و بعده يأتي الميم.
لو غيرنا التسلسل الزمني و الأفقي في السلسلة الكلامية يصبح جمع : ج + م + ع
و بالتالي فإن أي تغيير في التسلسل الزمني و الأفقي ينتج عنه تغيير في المعنى و يعطينا معنى مختلفا تماما.
مثال آخر :
بنات = ب + ن + ا + ت / نبات = ن + ب + ا + ت
3- 3 : السمة المميزة ( trait distinctif):
بما أن اللسان نظام من الدلائل المحدودة العدد فإن هذه الدلائل لا تكون إلا وحدات مميزة أو مجزأة أي يتميز بعضها عن بعض وتكون قابلة للاستبدال. ، و قد خص دي سوسير الموضوع بفصل بعنوان :" عدم استبدالية الدليل و استبداليته"()
و لكن لنلاحظ أنه بعد الاستبدال نجد أنفسنا أمام أمرين أو علاقتين:
علاقة تبادلية تعاقبية أي أن الاستبدال لا يخل بالمعنى
و علاقة مميزة أي تغير في المعنى بعد الاستبدال
و لكي نفهم نوجه اهتمامنا إلى المثال التالي:
بالعربية كلمة غاب = غ + ا + ب
لو غيرنا أحد الأحرف بآخر لتغير المعنى مثلا نقول : راب = ر+ ا +ب
فلما غيرنا (غ) بـ (ر) أصبحت العلاقة مميزة ، هذا في اللغة العربية.
و الأمر ذاته يقال عن طريقة نطق الحرف ، فالكلمة (راب) يختلف معناها باختلاف نطق الراء بين التفخيم و الترقيق نقول : راب الحليب (بتفخيم الراء) و راب الحائط (بترقيق الراء) ، فالكلمة واحدة ، و لكن المعنى اختلف في الجملتين.
و لكن ماذا لو فعلنا الشيء نفسه للغة الفرنسية لنركز على ما يلي :
في اللغة الفرنسية كلمة(pierre) ، تكتب بالعربية (بيير أو بييغ )
و مثال آخر كلمة(Paris) تنطق في باريس بما يعرف بالراء الباريسة(le 'r' parisien) و في غيرها من المناطق تنطق بما يخالف هذا ، و لكن ذلك لا يغير من معنى الكلمة شيئا.
فاستبدال "ر" بـ "غ" لم يخل بالمعنى بالتالي العلاقة هنا علاقة تعاقبية تبادلية.
و هاك مثالا آخر من واقعنا المعيش ، كلمة (قال) : تنطق كما تكتب في بعض المدن ، و تنطق (آل) في فاس ، و(كَال) في مناطق الجنوب الشرقي (الرشيدية و نواحيها) ، و هذا التغير لا يغير من معنى الكلمة شيئا .
ملاحظة الأمر لا يتعلق بالأحرف فقط باعتبارها وحدات مجزأة تؤلف الكلمة بل الأمر منطبق أيضا على الكلمات باعتبارها وحدات مجزأة تكوّن جملة أو نصا بالتالي أي تغيير بالكلمة من شأنه الإخلال بالمعنى مثلا في قولنا :
أطفأ الرجل النار
نغير فنقول :
أطفأ الصلح النار
أطفأ العلم النار
فباستبدال كلمة الرجل بالصلح ، ثم كلمة الرجل بالعلم تغير المعنى
هناك أمر أخر أيضا في الطابع المميز :
لا ننفي من هذا الموضوع التقارب اللفظي بين الحروف لكن بحيث لا يتطور الأمر إلى حد ذوبان حرف في حرف مثل حرف : ض و ظ .
و هذا المبدأ يخضع ، في نظر دي سوسير لميراث اللغة الذي يصير إجباريا و لا يمكن تغييره ، لأنها صارت بمثابة قوانين إلزامية لا يمكن التدخل لتغييرها بين الفينة و الأخرى ، "و هذا الاعتراض يقود إلى وضع اللغة في إطارها الاجتماعي ، و إلى التساؤل حول كيفية تحولها كما نتساءل عن غيرها من المؤسسات الاجتماعية "
3- 4 : التقطيع المزدوج (segmentation) أو (double articulation ):
جاء في قاموس اللسانيات :" في اللسانيات البنيوية ، التقطيع إجراء يهدف إلى تقطيع الملفوظ ، بمعنى تجزيئه إلى وحدات منفصلة عن بعضها ، بحيث تمثل كل واحدة منها مورفيما ( morphème) ، و كل مورفيم سيقطع إلى وحداته المكونة له تدعى فونيمات (phonèmes) ".
و تعد هذه الصفة الوحيدة التي تميز الاتصال الإنساني اللساني عن الاتصال الحيواني.
ذلك أن الحيوان عندما يصيح / يصدر صوتا ، فهو يصدر مقطعا صوتيا معينا.
أما الإنسان فعندما يتكلم فإن كلامه قابل للتجزيء حسب مقاطع لفظية تدعى بالفرنسية(syllables) . فكلمة (articulation) تقطع إلى ما يلي /ar/ti/cu/la/tion/
و لكن لماذا سمي تقطيعا مزودجا ؟
ذلك ما قام به أحد تلامذة و أتباع دي سوسير أندري مارتيني (Andret Martinet) ، الذي أطلق المصطلح (double articulation ) يقول: " التقطيع نوعان :
أ- بتجزئة سلسلة الكلام إلى مقاطع صوتية ،
ب- بتجزئة سلسلة الدلالات إلى وحدات ذات معنى " .
التقطيع/ التمفصل الأول : يجزئ الملفوظ اللغوي إلى وحدات : مورفيمات
مثل : (الأطفال يلعبون) لدينا (الأطفال) " دال أول "، و( يلعبون) "دال ثان "
التقطيع / التمفصل الثاني : تجزئة العنصر الدال بدوره إلى وحدات متعاقبة أصغر هي الفونيمات :
مثل : الأطفال " الدال الأول " تصبح = ال + أط + فا+ ل
يلعبون " الدال الثاني " تصبح = يل + ع + بو + ن
و بتقطيع / تمفصل أكثر تعقيدا نقول:
الأطفال = ال + طفل في جمع التكسير
يلعبون = يلعب + ون للجماعة
و الكل :أل + طفل + جمع التكسير + يلعب + ون .
لا أحد ينكر أن البحث اللغوي المعاصر يدين لعالم سويسري كرس حياته لخدمة اللغة ، إنه فيردناند دو سوسير الذي وضع أسس علم اللغة العام من خلال محاضرات أملاها على طلابه، و هؤلاء قاموا بإعدادها و إخراجها على هيئة كتاب ما يزال ملهما للبحث في الميدان اللغوي واللساني ، رغم ما يثار من نقاش حول صحة محتواه.
و تسعى اللسانيات إلى دراسة اللغة باعتبارها نسقا من العلامات . ولمفهوم العلامة أو الدليل عند اللسانيين أهمية كبرى ، و لا يمكن الحديث عن الدلالة في الجملة دون التعرض للدليل ، كما أنه لا يمكن فصل العلاقة التي تربط بين الدال و المدلول أثناء الحديث عن الدليل. وسنتناول الحديث عن طبيعة الدليل عند دو سوسير ، محاولين الوقوف على ميزاته و خصائصه انطلاقا من مؤلفه الشهير " محاضرات في علم اللغة العام ".
فما هو الدليل ؟ و ما مفهومه عند دو سوسير ؟ و ما هي خصائصه ؟
1- في تعريف الدليل :
الدليل في اللغة من دل يدُلُّ دَِلالة ، المرشد ، و هو ما يستدل به و الجمع أدلة و أدلاء . و هو ما به الإرشاد .
أما في الاصطلاح فيشير الدليل (signe) - في مفهومه العام - إلى العلامة، أو الرمز (symbol) ، أو الإشارة (signal)، أو القرينة (indice) [4].
2- معنى الدليل اللساني عند دي سوسير:
نشير بدءا إلى أننا نستعمل الدليل هنا في مقابل المصطلح الفرنسي (signe) ، و مدلول في مقابل (signifié) ، و دلالة في مقابل (signification) ، و دال للمصطلح (signifiant)، و سنشير إلى ما يقابل المصطلحات التي يمكن أن ترد في العرض في حينه.
يتصور العالم اللساني السويسري فيرديناند دي سوسير( 1857-1913 Ferdinand de Saussure ) الدليل اللساني على أنه صورة ذهنية تتشكل من : (دال و مدلول) حيث إن الدال هو صورة صوتية ، و هي تلك الملفوظات المنطوقة صوتيا . أما المدلول فهو صورة ذهنية، أي " ما يتصوره العقل" و المدلول هو المفهوم الذي للإنسان لذلك الشيء الخارجي أي ذلك الموجود خارج ذهن الإنسان قبل أن تصله الصورة الصوتية، و هذا التخيل ندرج فيه كل الأشياء المادية و المعنوية و نسميه المرجع أو المدلول عليه .
و لكي نفهم أكثر نضرب المثال التالي :
×دليل لساني : " شجرة "
× الدال هو صورة لفظية : [ش+ج+ر+ ة ]
×المدلول هو صورة ذهنية : ذلك الشيء الطبيعي الذي له جذور و أغصان و أوراق و ثمار ...
بناء عليه يمكن أن نقول مع أحدهم إن:" المدلول هو الترجمة الصوتية لتصور ما ، و المدلول هو المستشار الذهني لهذا الدال ، و من هنا تتضح وحدتهما البنائية العميقة في الرمز اللغوي"
3- خصائص الدليل اللساني :
للدليل اللساني أربع خصائص أو ميزات ، هي:
1- الطابع الاعتباطي ، 2 _ التسلسل الخطي ، 3 _ السمة المميزة ، 4 _ التقطيع المزدوج.
3- 1: الطابع الاعتباطي أو(arbitraire) :
معنى الاعتباطية : جاء في قاموس اللسانيات :"في النظرية اللسانية ، و في اللسانيات عموما ، تميز الاعتباطية العلاقة الموجودة بين الدال والمدلول . فاللغة إذن اعتباطية بما أنها تعاقد ضمني بين مستعمليها من أعضاء المجتمع"
بمعنى أنه لا يوجد في اللفظ ما يدل حتما على معناه ، و لكي نفهم أكثر نتأمل المثال التالي:
مثلا : في كلمة شجرة ، لو فرضنا مثلا أن : ش = أوراق الشجرة و ج = الجذع و ر = الأغصان و ة= الثمار.
في هذه الحالة كل حرف يشير إلى شيء بالشجرة فنقول إن العلاقة بين لفظ " شجرة " و تصور " شجرة" ، علاقة حتمية طبيعية.
و لكن هذا غير حاصل ، و بما أنه كذلك فالعلاقة بين اللفظ و التصور هنا هي علاقة اعتباطية وضعية بمعنى أن لفظ"شجرة " تواضع و اتفق عليه المجتمع وفق عرف لساني . هذا العرف وجد قبل الفرد بكثير . فعندما يأتي الفرد يجد الجميع قبله أسموا شجرة بهذا الاسم و أصبح عرفا لسانيا لدى المستعملين ، فيكون لزاما عليه أن يستعمل اللفظ هو الآخر بناء على ما استعمله سابقوه ، و إلا فإنه إذا أراد أن يستعمل لفظا بديلا للمستعمل يحتاج إلى من يتواضع معه على ذلك حتى يعم الاستعمال .
و لكي نفهم أكثر هذا مثال آخر قريب من الاستعمال اليومي :
في المغرب يطلق على السيارة (بالعامية) : طوموبيل أو طونوبيل أو طونوبيلا(automobile) ؛ و منهم من يسميها : اللوطو (المناطق الشرقية للمغرب و الجزائر)؛ و العامة عندنا تقول : الطاكسي (taxi)، و تقصد سيارة الأجرة كبيرة كانت أو صغيرة.
و كذلك الأمر في اللهجات المحلية العربية و هذا يوجد أيضا بين اللغات:
مثلا :بالعربية (شجرة) و بالفرنسية( arbre) ؛ فأي الكلمتين تؤدي المعنى أكثر ؟ كلاهما يؤدي المعنى في بيئته و مجتمعه وفق الأعراف اللسانية المتواضع عليها .
و الملاحظ أن لا أحد ينازع في هذا المبدأ ، و لكنه ميسور و في المتناول ما جعله يهيمن على اللسانيات، و هو الأمر الذي جعل نتائجه لا حدود لها
3- 2 : التسلسل الخطي أو خطية الدال linéaire)
نعرف أن الركيزة المادية للدليل اللغوي هي الصوت .لذا فإنه أثناء عملية التلفظ" فإن الصوت يتسلسل، بتسلسل الزمن في خط أفقي
وهذا ما يسميه دي سوسير بـ: سلسلة الكلام أو la chaine parlée)) يقول : بما أن الدال ذو طبيعة سمعية ، فإنه يتسلسل بتسلسل الزمن في خط تتابعي ، و له الخصائص التي تترك بصمتها على الزمن :
أ- أنها تمثل امتدادا و ب- هذا الامتداد محسوب في اتجاه واحد : إنها خطية ( ligne) [9].
و لهذا قلنا إنها تشكل سلسلة من الملفوظات المتصل بعضها ببعض و التي تشكل في الأخير دوال معينة تتغير دلالاتها بتغير مواقعها .
و لكي نفهم نقدم المثال التالي:
في كلمة عجم ، التي تنطق حروفها بتسلسل وفق خط أفقي كالتالي : ع + ج + م
يعني زمنيا أن العين تسبق الجيم و بعده يأتي الميم.
لو غيرنا التسلسل الزمني و الأفقي في السلسلة الكلامية يصبح جمع : ج + م + ع
و بالتالي فإن أي تغيير في التسلسل الزمني و الأفقي ينتج عنه تغيير في المعنى و يعطينا معنى مختلفا تماما.
مثال آخر :
بنات = ب + ن + ا + ت / نبات = ن + ب + ا + ت
3- 3 : السمة المميزة ( trait distinctif):
بما أن اللسان نظام من الدلائل المحدودة العدد فإن هذه الدلائل لا تكون إلا وحدات مميزة أو مجزأة أي يتميز بعضها عن بعض وتكون قابلة للاستبدال. ، و قد خص دي سوسير الموضوع بفصل بعنوان :" عدم استبدالية الدليل و استبداليته"()
و لكن لنلاحظ أنه بعد الاستبدال نجد أنفسنا أمام أمرين أو علاقتين:
علاقة تبادلية تعاقبية أي أن الاستبدال لا يخل بالمعنى
و علاقة مميزة أي تغير في المعنى بعد الاستبدال
و لكي نفهم نوجه اهتمامنا إلى المثال التالي:
بالعربية كلمة غاب = غ + ا + ب
لو غيرنا أحد الأحرف بآخر لتغير المعنى مثلا نقول : راب = ر+ ا +ب
فلما غيرنا (غ) بـ (ر) أصبحت العلاقة مميزة ، هذا في اللغة العربية.
و الأمر ذاته يقال عن طريقة نطق الحرف ، فالكلمة (راب) يختلف معناها باختلاف نطق الراء بين التفخيم و الترقيق نقول : راب الحليب (بتفخيم الراء) و راب الحائط (بترقيق الراء) ، فالكلمة واحدة ، و لكن المعنى اختلف في الجملتين.
و لكن ماذا لو فعلنا الشيء نفسه للغة الفرنسية لنركز على ما يلي :
في اللغة الفرنسية كلمة(pierre) ، تكتب بالعربية (بيير أو بييغ )
و مثال آخر كلمة(Paris) تنطق في باريس بما يعرف بالراء الباريسة(le 'r' parisien) و في غيرها من المناطق تنطق بما يخالف هذا ، و لكن ذلك لا يغير من معنى الكلمة شيئا.
فاستبدال "ر" بـ "غ" لم يخل بالمعنى بالتالي العلاقة هنا علاقة تعاقبية تبادلية.
و هاك مثالا آخر من واقعنا المعيش ، كلمة (قال) : تنطق كما تكتب في بعض المدن ، و تنطق (آل) في فاس ، و(كَال) في مناطق الجنوب الشرقي (الرشيدية و نواحيها) ، و هذا التغير لا يغير من معنى الكلمة شيئا .
ملاحظة الأمر لا يتعلق بالأحرف فقط باعتبارها وحدات مجزأة تؤلف الكلمة بل الأمر منطبق أيضا على الكلمات باعتبارها وحدات مجزأة تكوّن جملة أو نصا بالتالي أي تغيير بالكلمة من شأنه الإخلال بالمعنى مثلا في قولنا :
أطفأ الرجل النار
نغير فنقول :
أطفأ الصلح النار
أطفأ العلم النار
فباستبدال كلمة الرجل بالصلح ، ثم كلمة الرجل بالعلم تغير المعنى
هناك أمر أخر أيضا في الطابع المميز :
لا ننفي من هذا الموضوع التقارب اللفظي بين الحروف لكن بحيث لا يتطور الأمر إلى حد ذوبان حرف في حرف مثل حرف : ض و ظ .
و هذا المبدأ يخضع ، في نظر دي سوسير لميراث اللغة الذي يصير إجباريا و لا يمكن تغييره ، لأنها صارت بمثابة قوانين إلزامية لا يمكن التدخل لتغييرها بين الفينة و الأخرى ، "و هذا الاعتراض يقود إلى وضع اللغة في إطارها الاجتماعي ، و إلى التساؤل حول كيفية تحولها كما نتساءل عن غيرها من المؤسسات الاجتماعية "
3- 4 : التقطيع المزدوج (segmentation) أو (double articulation ):
جاء في قاموس اللسانيات :" في اللسانيات البنيوية ، التقطيع إجراء يهدف إلى تقطيع الملفوظ ، بمعنى تجزيئه إلى وحدات منفصلة عن بعضها ، بحيث تمثل كل واحدة منها مورفيما ( morphème) ، و كل مورفيم سيقطع إلى وحداته المكونة له تدعى فونيمات (phonèmes) ".
و تعد هذه الصفة الوحيدة التي تميز الاتصال الإنساني اللساني عن الاتصال الحيواني.
ذلك أن الحيوان عندما يصيح / يصدر صوتا ، فهو يصدر مقطعا صوتيا معينا.
أما الإنسان فعندما يتكلم فإن كلامه قابل للتجزيء حسب مقاطع لفظية تدعى بالفرنسية(syllables) . فكلمة (articulation) تقطع إلى ما يلي /ar/ti/cu/la/tion/
و لكن لماذا سمي تقطيعا مزودجا ؟
ذلك ما قام به أحد تلامذة و أتباع دي سوسير أندري مارتيني (Andret Martinet) ، الذي أطلق المصطلح (double articulation ) يقول: " التقطيع نوعان :
أ- بتجزئة سلسلة الكلام إلى مقاطع صوتية ،
ب- بتجزئة سلسلة الدلالات إلى وحدات ذات معنى " .
التقطيع/ التمفصل الأول : يجزئ الملفوظ اللغوي إلى وحدات : مورفيمات
مثل : (الأطفال يلعبون) لدينا (الأطفال) " دال أول "، و( يلعبون) "دال ثان "
التقطيع / التمفصل الثاني : تجزئة العنصر الدال بدوره إلى وحدات متعاقبة أصغر هي الفونيمات :
مثل : الأطفال " الدال الأول " تصبح = ال + أط + فا+ ل
يلعبون " الدال الثاني " تصبح = يل + ع + بو + ن
و بتقطيع / تمفصل أكثر تعقيدا نقول:
الأطفال = ال + طفل في جمع التكسير
يلعبون = يلعب + ون للجماعة
و الكل :أل + طفل + جمع التكسير + يلعب + ون .