المرايا المكنونة : مائة وخمسون عاما من الرسم الجزائري

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • LAISANI
    Junior Member
    • Jun 2007
    • 20

    المرايا المكنونة : مائة وخمسون عاما من الرسم الجزائري

    NAQD n°17, printemps-eté 2003, pages 9-31 (arabe).

    فرنسوا بويون[*]
    المرايا المكنونة : مائة وخمسون عاما من الرسم الجزائري
    ترجمة: لحسن عيساني


    إن ما نقترحه هنا هو نظرة مقتضبة عن تاريخ الرسم في الجزائر لأنها خاصة بموضوع غير مطروق كثيرا، ونأمل أن يمس من خلال حركة واحدة مسارا طويلا لمدة تتجاوز، على أية حال، الحدود المتعارف عليها خاصة تلك التي تدوم مائة و اثنين و ثلاثين عاما و التي ننسبها للعهد الاستعماري.
    وهي مقتضبة أيضا لأننا نريد أن نلم ولو ببعض الاستفزاز باستمرارية تاريخية، فلا نضع القطائع التي تعودنا على تقديمها هنا لأن الجزائر يبدو أنها تحب الأنظمة ا الثورية التي تتغذى على قطائع غالبا ما تكون ظاهرة أكثر منها حقيقية.
    والمشكلة هي أننا نثير من بين ما نثير موضوعا غاية في الحساسية ألا و هو علاقة ما بين عاصمة إمبراطورية سياسية و ثقافية في آن معا، و بلد يعيش بأسى وضعه المحيطي.
    ويبدو أن تداخل الوقائع يعود إلى تطابق تام بين الهيمنة الثقافية و الإمبريالية، و كانت الأمور ستكون أبسط لو أن حقلي القوة هذين كانا منفصلين. و حتى لو لم تكن قوة استعمارية، لكانت فرنسا ستكون عاصمة ثقافية، غير أن تأثيرها الذي كانت ستمارسه ما كان ليحس بالطريقة نفسها.
    لذا فإن الجزائر في وضع مزدوج، و متناقض بصورة أليمة إذ أن عليها أن تتعر ض لتيار قادم من الشمال، و في الوقت ذاته تتنكبه، معترضة عليه رسميا، ومؤكدة في الوقت ذاته على وجود متمركز على نفسه.
    ولا يكون هذا الوجود من دون تأثير، ولكن القوة المنتجة تجهد أحيانا في إخفاء حقيقة المسار الجاري.
    ويسمح تحليل العلاقة التي تنشا في الفنون التشكيلية برسم حركية أكثر إيجابية، إذ لكي تذهب منذ البداية إلى نهاية مسارنا، سنلاحظ أن النقل الثقافي تم بنجاح أي أن الجزائر، التي لم يكن لها تقليد صور خاص، و كان يبدو أنها ترفض بعد بحسم فريد هذا النوع من التعبير، قد وجدت نفسها مزودة به: وبوصفه اختصاصا فنيا اخترع في الغرب، أصبح الرسم على مسند التصوير نشاطا مشروعا إذ فرض الرسامون أنفسهم كجماعة اجتماعية، و الرسم كنشاط مستقل.
    لذا فقد شهدنا نوعا من التطعيم نعتقد أنه دائم، و أيا كان المخرج السوسيولوجي للأزمة الحالية، فإن هذا الزرع الناجح قد آتى ثماره بعد.
    وقد نما على الرغم من كل أنواع المقاومات و حركات الإنكار، و يبدو أنه قد نجح بفضل ردود فعل الرفض الرمزي التي لا تمس الأمور الهامة، و هذه حيلة سوسيولوجية كلاسيكية في الحضارات المتوسطية: و تتمثل في تحويل مسارات النقل الاجتماعي و الثقافي إلى حركات داخلية للمجتمع، محولة وضع تبعية، يبدو في فترات معينة مقبولا بصعوبة، بأن تجعل منها تعبيرا أصيلا عن العبقرية، أو حتى تعبيرا عن استقلاليتها.
    و هذا ظاهر إذا لم نقتصر على فترة معينة، و لكن على العكس من ذلك إذا ما ارتفعنا فسنلاحظ هذه الحركات و الانبثاقات المتنوعة، دون أن نأخذ في الحسبان المنظومة المرجعية الخاصة بكل نظام.
    وفي حالتنا الخاصة بالرسم، لا يجب أن نتوقف عند التحقيب التقليدي ألا و هو ذلك الخاص بـ " مدارس" تاريخ الفن، المدركة كالكثير من الأدراج التي تجمع فيها الوقائع. وهذه الحقب ثلاثة و سنجتهد بعد ذلك في المزج بينها.
    - الحقبة الأولى: و تخص الرسم الاستشراقي و ستقودنا إجمالا من الغزو إلى منعرج القرن .20
    و يمكن أن توصف على أنها حركة أحادية للغرب و لرساميه، الذين يحملون فضولهم إلى المجتمعات الأجنبية التي سواء أكانت محتلة أم لا فهي تهمهم نظرا لشحنة الغرابة التي تحملها.
    و سنلاحظ أن هذا الاستشراق الذي يبدو انعطافا محضا للرسم الأوروبي، والذي لا يعني المجتمع الأهلي إلا من بعيد جدا لم يكن من دون تأثير: إذ انه قد استعيد بصورة كبيرة، و في النهاية أعيد إدماجه بسهولة في تراث الدولة المستقلة، التي تولت، فيما بعد تسيير هذا الفضاء.
    -الحقبة الثانية: ويمكن أن توصف بأنها حقبة الرسم الاستعماري، و تشمل النصف الأول من هذا القرن إلى غاية الاستقلال و تتميز بإنشاء الهيئات الثقافية كمدارس الفنون الجميلة و المتاحف و الأروقة، و المعارض و الجوائز الفنية...الخ.
    و سيؤدي هذا إلى بزوغ حياة فنية مستقلة في الإقليم و تخص على وجه الخصوص المجتمع الأوروبي الاستعماري و لم تكن من دون تأثير أيضا على شعب كان على الهامش، و كان يمكن أن تتبوأ مكانة الوسيط.
    و لأنهم وضعوا في هذا الموقف غير المريح، والذي هو شديد الخصوبة، نرى أشخاصا منحدرين من المجتمع الأهلي يبدون قادرين على الاستفادة من وضع يبدو أنه لم يخلق لهم و الذين هم في آن واحد ذريعتها والمستفيدون منها.
    - الحقبة الثالثة: بعد, 1962 و هي فترة الرسم الجزائري، و نرى فيها دولة مستقلة تسترجع الهيكل الثقافي المهم القائم وتتولى تسييره.
    و حمل جيل كامل من الرسامين الذين تكونوا في ظل النظام السابق، على تشكيل مدرسة وطنية للرسم و خلق فن، مثلما يأخذ من الجذور و القوانين الاجتماعية و كذا من المثل السياسية للدولة الجديدة، يمكن أن يفرض نفسه على الخارج، في سوق الفن، وفي التدرج الرمزي للقيم الفنية.
    و بين هذه المراحل الثلاث، هناك بالتأكيد فروق أساسية.غير أنه على الرغم من التعويض الكامل تقريبا للموظفين و لنمط توظيفهم الاجتماعي، هناك علاقات نشيطة جدا تربط بين فترة وأخرى، و بين ضفة وأخرى.
    و تمس هذه العلاقات الأشكال و النماذج المنقولة، دون اعتبارات للمحتويات الإيديولوجية التي يبدو أنها تتصدر إنشاءها.و نرى فيها في حالة نشاط الأولوية الأكيدة للهياكل، و أبعد من علاقة ميراث واضحة، تطبع انتقال الهيئات الفنية من الاستعمار إلى الاستقلال، نلاحظ تفاعلات أكثر تعقيدا، من الإعادات و الاستعادات أو التمثلات، غير أن الأهم يظل هذا التحويل للتكنولوجيا الخاصة بممارسة الرسم الفني المتوطن والذي يستمد جذوره من المجتمع.
    و يتعلق الأمر هنا بتحليل شروط هذه العلاقة إذ أنه إذا لاحظنا أن مجموع الأعمال الممارسة في هذا الاتجاه أحدثت بالفعل تعدد أصداء و ردود أفعال فسنلاحظ أيضا أنه وبطريقة لأتقل انتظاما، تم هذا على طريقة الإنكار.
    و تقوم القضية دون شكل على اعتبارات عامة جدا لنقل الأملاك من كل نوع حددت منذ أمد بعيد من قبل Mauss الذي أبرز أن حالة الشخص المستقبل غير مريحة للغاية، أومن قبل فرويد الذي كشف أن وضع الوريث وضع لا يطاق.
    سنباشر، كما في سلسلة محطات، بالتوقف، حسب ترتيب كرونولوجي تقريبي، عند لحظات يبدو أنها تميز علاقة حوارية بين تطور الرسم في فرنسا و الجزائر- وكذلك أيضا، بالعودة إلى الماضي، بملاحظة ما تفعله المجتمعات اليوم بهذا التراث.
    و يمكن أن نقرأ في هذا توهجات حوار صعب دائما بين المجتمع الجزائري (الاستعماري أو الأهلي) و عاصمة ذات سلطة منشودة ومرفوضة في آن واحد.
    ورثة هوراس فيرني Horace Vernet)
    عرف الاستشراق حقبة بدائية تبدو مستفزة بصورة خاصة للحساسية الوطنية الجزائرية.
    و الحقيقة أنه مع هوراس فيرني [3]اتخذ الغزاة من بين رساميه الرسميين، أحد الرسامين الأكثر بروزا في هذا الوقت، و الذي عين في هذه الوظيفة بينما كان يقيم في مديرية هيئة فنية مرغوبة جدا: فيلا ميديسيس بروما.
    و كان يجب على إنتاجه البطولي أن يتدرج على كل مشواره، إذ أنه قد كرس نفسه متأخرا لوضع رسوم قاعات أفريقيا لقصر فرساي.
    و لكن سرعان ما ظهرت في الصالون إحدى هذه المكونات ألا و هي الاستيلاء على زمالة عبد القادر الشهيرة »
    Prise de Samalah d'abd elKader (21,39 m x 4,89 m)
    كبيان احتفالية ذاتية مستفزة، تشبه نشاطا دعائيا محضا[4].
    قد نظن أن هذه الصورة كانت مرشحة لأن تقابل بالرفض، و بصورة قاطعة، من قبل الجزائر المستقلة التي استعادت كرامتها، غير أنه يبدو أن لا شيء من ذلك حدث.
    و لهذا عدة أسباب، أولها أنه في هذا الوقت من الغزو فقط، كما حدث في الاحتفال بذكرى الحملة على مصر، ننشغل بتمثيل المواجهة الاستعمارية بهذه الصورة [5].و بعد أن تمر هذه المرحلة الحماسية، سيتكالب الرسم المسمى - استشراقيا - بصورة متناقضة على التصرف و كأن هذه المواجهة لم تكن قد حدثت بعد.
    و سيكون المجتمع الأهلي ممثلا بصورة جيدة مع بعض العناية - و نعني بذلك مواقف مثيرة، و غريبة، مهذبة أو مثيرة للعواطف - إنما بدون الأوروبيين، سواء منهم الجيش الغازي أو المجتمع الاستعماري[6]، إذ أن الأمر يتعلق برسم مجتمع خارج التاريخ، خاصة هذا التاريخ العنيف، ألا و هو تاريخ المواجهة الاستعمارية: مجتمع جامد ساكن، يحلو لنا التعرف عليه تحت ملامح الأبدية - مجتمع أصلي، نقول عنه في اغلب الأحيان "توراتيا" مما يجعلنا منطقيا نقصي جميع الملامح وحتى جميع دلائل العصرنة، و التطبع الثقافي، و هذا سيميز عمل الرسامين إلى غاية الاستقلال، و ربما بعد ذلك أيضا. ورغم الطموح إلى الواقعية أو حتى إلى الطبيعية، فالعمل يكون علي محو كل علامات الحداثة من الحقل البصري[7].
    و على العكس، فان الحقبة المزهرة والزاهية للرسم، ألا وهي تلك التي يجسدها ''هوراس فارني'' تظهر لنا عساكر في مواجهة شعوب مقدمة بصورة غير مشينة، مهزومين من دون شك، لكن بعد معركة صعبة: محاربون فارون، شجعان مقدامون بنوع من الـروعة الآسرة -بوحشية في النظرة والوقفة، ولكن بكل الجمال الذي يقترن بتمثيل معركة الصيد.
    وإذا استطعنا أن ننتقد هذه الطريقة الثوارية (متعلقة بمصارعة الثيران).في إخراج المعركة، فعلينا أن نعترف بأن هناك شكلا من أشكال الاعتراف بالخصم سيختفي سريعا من التمثيلية. ونحن هنا بصورة ما أمام التمثيلية الأكثر استفزازا و ذات الطابع الاستعماري الأكثر وضوحا بالنسبة للبلد و لرجاله، غير أننا، بمعنى آخر، قد شكلنا بهذا خلفية إيقونية أساسية، يمكن أن يعاد استعمالها كثيرا بعد ذلك.
    و الحقيقة أنه بمجرد الظفر بالاستقلال، فإنه يجب من جديد تقديم صورة عن هذه المرحلة البطولية للغاية من التاريخ الوطني ألا و هي الحملة الاستعمارية.و سنلجأ عند ذلك إلى هذا التصوير.
    و ربما استدعى الأمر دون شك قلب الرموز، ولو قليلا، إذ أن هذه اللوحات تبين المعركة في ذروتها، إلى حد أقصى وغير أكيد أيضا، و ماهية الغزو، على الرغم من الفارق التكنولوجي بين الجيوش الموجودة.
    و للمرور من حزب إلى آخر، لا يجب تغيير الكثير من الأمور، فإن كانت البدلات، و الأسلحة، و عدة الرواحل قد أعيدت بأمانة، فإن الرسم كله تقريبا سينتقل إلى المعسكر الآخر. مع الأسلحة و المتاع، أي بما في ذلك الزينة.
    و عندما طلب نظام الرئيس الشاذلي في سنوات الثمانينات، لمتحف الجيش الفخم الذي أمر ببنائه في مركز رياض الفتح، ما يذكر بالمعركة، كانت ذكرى هوراس فارني هي التي عادت لتطفو على السطح: فما ظهر في هذه الطلبيات، كان جماليات ظافرة، ألا و هي جماليات فرنسا الغازية للقرن التاسع عشر التي تتشبه كثيرا في الواقع جمالية بناء وطني.
    هذا ما يبدو عند قراءة لوحات المعارك الكبيرة لـ حسين زياني: و بين الاثنين كانت العلاقة ظاهرة في المواقف و التعابير[8].
    و يمكن أن يؤخذ علينا أننا نتحدث هنا عن رسم أقل تمثيلا للرسم الجزائري الحقيقي، و للتيارات الأكثر شرعية، الواقعة تحت سيطرة التجريد الغنائي.
    و الحقيقة أن هذه التيارات متكاملة، و ليس أكيدا إن كنا نستطيع أن نضع ترتيبا مؤسسا، لا عن طريق العدد و لا من خلال الدعم الذي تجده من حظوة على التوالي من الجمهور أو من الدولة.
    ولا يقل الاعتراف بكفاءة محترفي الفن لهؤلاء الرسامين الواقعيين الذين يؤدون وظيفة اجتماعية لا جدال حولها و سنرى أنها ليست الحالة الأولى التي تشهر فيها فضائل المهنة، و هي ميزة فن أكثر بساطة، مقابل تلك الخاصة بالجرأة التشكيلية.
    بالنسبة لهذه الحالة، ومقابل عجز مدرسة خاضعة للتجريد يفرض نفسه تجنيد في المحيط، و قد رأينا ذلك مع زياني، الممثل الأكثر شرفا و موهبة، و لكن حالته تستدعي لفيفا من التشكيليين المنشغلين بوظائف أكثر بساطة و لكنها ضرورية في آن معا: ألا و هي وضع رسومات الكتب ورسوم الصحف وطوابع البريد و الشرائط المصورة و لوحات الدعاية و الإشهار لا يقل هؤلاء مساهمة في جعل مهنة الرسام فئة اجتماعية مشروعة.
    و تؤدي هذه المحطة الأولى التي تسمح بربط أبعد نقطتين في هذا الترتيب الكرونولوجي، إلى إبراز بعض خصائص المسار الثقافي الذي ندرسه: تفاوت معتبر في ترتيب الأعمال و الأشكال ومسار طويل للأشكال الجمالية و لتشريعها، و سنراها من جديد.
    نسيان فرومونتان:
    هناك محطة ثانية من هذا المسار تتعلق بحالة مقابلة معاكسة لحالة هوراس فارني - فمع أوجين فرومونتان Eugène Fromentin في الحقيقة، نحن بصدد رسام رفض بصورة عجيبة من قبل الجيل الجزائري التالي، مع أنه كانت هناك عناصر تجعله كاتبا وطنيا.
    و كان فرومونتان (Fromentin) قد حصل في حياته على ما يكفي لتكريسه كرسام، مع تفضيله الخاص لمشاهد الصيد في الجزائر، خاصة و أنه كان صاحب نصين مع نصوص الرحلات هما ثمرة إقامته في الجزائر في بداية مشواره: وهما صيف في الصحراء un été au Sahara و سنة في الساحل.
    une année dans le sahel.
    و قد أبدى فيهما موقفا محترما بشكل خاص للمجتمع الأهلي و عبر فيهما أيضا، في صفحات عن وضوح جميل، و مناهضة للاستعمار تفاجئ المناضلين أكثر من المؤرخين [10].
    و إن لم يكن الجميع ينظرون للمؤسسة الاستعمارية بعين الرضي، فذلك على وجه الخصوص بسبب المجتمع الذي بدأ يتحكم في زمام الأمور في هذه الأرض الموعودة.
    و لأنهم كانوا فرنسيين من المنطقة الثانية أو حديثي العهد، و لم يكن يطلق عليهم بعد الأقدام السود، لم يحصل هؤلاء على ألقاب الوجاهة فهم يعتبرون بالأحرى رعاعا مهربين حتى أن البعض يرون أن النخب الأهلية لديها شخصية أبية.
    فبالنسبة للكثير من الأرستقراطيين الفرنسيين، يجب بالأحرى التعامل مع هؤلاء لإرساء حماية وهو حلم بتعاون قائم على التواطؤ يين النخب العربية و الفرنسية, "المملكة العربية" هذه الأسطورة السياسية العزيزة على نابوليون Napoléon III، الذي كان يتصور أنه سيضم إليه أرستقراطيات تلتقي على حب الخيل و الولع بالصيد.
    و صفحات '' فرومونتان'' التي تذم الاستعمار الاستيطان. سرعان ما نسيت و كذلك المذهب الذي يؤكده جهارا حول موضوع التصوير، و الذي يظهر فيه بعض التشدد في اختيار الموضوعات.
    و عليه فإن هذه الصفحة من'' سنة في الصحراء''
    Une année dans le Sahara: يجب النظر إلى هذا الشعب من المسافة التي يناسبه أن يرى منها: النساء عن بعد، الرجال عن قرب، أما غرفة النوم و المسجد، فلا[11].
    ونرى ما كان سيبقى من الرسم الاستعماري و منع النساء و مشاهد الخدور، و الكوميديا الأسبانية، التافهة أو المثيرة، أو داخل المساجد مقابل ذرية كامل مشبوهة و مقبولة أفضل من إنتاجه الخاص، يبدي " فرومونتان" احتراما كبيرا لقواعد التمثيل في المجتمعات العربية: الرجال في زى طويل في الوظائف القيمة.
    و هذا ما سيجتهد في إظهاره دون كلل طيلة حياته [12]بإفراط شديد: وكأن هذا المجتمع كان يقضي وقته على ظهور الخيل، أوفي اللعب في السهول أوفي صيد الصقور.
    و العجب أن الجزائر المستقلة لم تنصفه على هذه اللباقة إزاء مجتمعها الذي شوهه الكثيرون، و قدموه بكياسة تحت جميع أشكال الإخلال بالحياء، إذ أنه في فترة الاستقلال، كان رسم فرومونتان، كما رأينا، منسيا من الحركة الثقافية الفرنسية و لم تستطع النخب الجزائرية، المصنوعة على نفس الشاكلة، أن تستعيده إلى صفوفها.
    أما تفكيك الرموز، فنتصور أيضا أي تردد يمكن أن يثيره: فهؤلاء الأعيان الأهليون الذين أبرزهم فرومونتان دون كلل، يشبهون نوعا ما كثيرا القياد الموشحين بأوسمة الشرف حتى أسفل برانيسهم والذين رأينا أنهم'' يمثلون'' الشعب المسلم في كل تنقل يقوم به الحاكم العام، في الرابع عشر جويلية من كل عام و هذه الوجوه ''النيو- تقليدية'' للجزائر العميقة تثير ذكريات سيئة.
    و هنا توقف الحوار فجأة دون نتيجة، لم يتوصل فرومونتان، معززا بنواياه الحسنة على غرار، الاشتراكيين الطوباويين، إلى الخروج من وسطه الأصلي ألا و هو برجوازية الفترة الاستعمارية.
    و قد أخطأ في حق رسمه، و في حق الحداثة، و هذا الشعب الجزائري الوجداني الذي لطالما تمنى، و هو الرومانسي الخجول، أن يتحاور معه.
    دينيه و الاستشراق المتأخر:
    المرحلة التالية تعطينا رواية أخرى، و هي رواية ناجحة، و نيتها سياسية أكثر منها في الاتصال التشكيلي، إذ أن الاستشراق عرف على هذه الأرض الأفريقية نجاحا متناقضا.
    و قد تبنت الحركة الإغرابية التي انتشرت خلال القرن 19 التغيرات التشكيلية للرسم خلال هذا القرن: رومنطيقية، أكاديمية، طبيعية......الخ و قد خفتت مع الثورة الانطباعية التي تستمد مواضيعها من كل مكان.
    و عندما يبعث التجريد على الاعتقاد بأن هناك معنى تاريخيا في تاريخ الفن، فان الاستشراق عندئذ يرفض بدون رحمة و بعد الاستقلال، يؤخذ عليه تواطؤه المقترن مع الاحتلال و الاتباعية.
    و بعد ما يمكن أن نصفه بفترة الأفول، انتهى مع ذلك بالعودة مجددا إلى الظهور، و ستفاد إجمالا من عودة الاهتمام بالرسم الأكاديمي، أولا على نحو ساخر art-kitch ثم ماليا بصورة أكثر جدية، و يؤكد الخبراء أن السوق نشطت عن طريق الطلب القادم من البلدان العربية، بفضل الثروات - العمومية و الخاصة - المحققة بمناسبة الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط [13].
    و بعد عودة الأمور إلى طبيعتها لم يمنحها هذا النجاح التجاري سوى مشروعية محدودة، إذ أن الذين اشتروا هذا الإنتاج من الكروموزومات كانوا موضع سخرية من قبل الخبراء، " الحقيقيين" المنحدرين من الثقافة العالية.
    هنا نجد المقلدين، و النخب المتوسطة التي تقلدت مناصب صنع القرار عند الاستقلال و ورثت أيضا الذوق السقيم للبرجوازية الاستعمارية.
    و الرسام إتيان دينيه (Etienne Dinet) معني بصورة خاصة بهذه العودة الظرفية، إذ تواترت الخلافات حول اسمه و مصير عمله، إلى درجة أنه جسد اللحظة الأكثر كثافة لتقارب و عدم إدراك لا حدود له.
    و قد درسنا في مكان آخر شروط رد الاعتبار لإيتيان دينيه [14]لنقل، حتى نلخص ذلك في بضع أسطر، أنه باعتباره ممثلا متأخرا للاستشراق، فإن دينيه يحتل وسط المجموعة مكانة قصوى.
    بداية لأنه لا يكتفي قط كسابقيه بالرحلات السريعة، التي تصلح لجمع بعض المقتطفات الوثائقية بغرض وضعها في غرفة.فعندما أقام في الجزائر لمدد متفاوتة الطول، فقد انتهى حتى باتخاذ مسكن له في بوسعادة، وهي واحة تقع في الصحراء.
    ولكن لكي يقترب من هذا المجتمع، فقد فعل أكثر من ذلك، إذا اعتنق الإسلام، و هو من بين الشخصيات النادرة في المستعمرة التي قامت بهذه أللفتة من الاحترام الثقافي.
    و من غير المؤكد ما إذا كان هذا الأمر قد عدل جوهريا من نظرته للمجتمع الأهلي، و لكن من الواضح أنه كان له أهمية حاسمة بالنسبة للمصير المستقبلي لعمله، لأن دينيه حصل بهذا على حياتين.
    فحين مات عام ,1929 بعد عودته من الحج إلى مكة بقليل، حصل دينه من المستعمرة على جميع آيات الاحتفاء، و لا شك أن الوسط الاستعماري كان ينظر إليه نظرة تواطؤ ساخرة، غير أن رسمه عرف في ذلك الوقت كذلك حظوة معتبرة، و هذا راجع للموضوع والشكل إذ أن دينيه كانت له تقنية تقليدية، و مهنة لا تقبل النقاش.
    كان يمنح المستعمرات تمثيلات مرضية جدا للمجتمع الأهلي، فقد وجد في الصحراء ما يشبه الكونسرفتوار: وبعيدا عن فوضى الحياة الفنية الباريسية، كان لديه أيضا عرض من " النوع" الأهلي التقليدي، في وسط لم يكن قد فكك بعد بواسطة العصرنة.
    و لأن الشكل الذي أخذه الاحتلال هنا في الواقع، كان، هو''الفلكلرة'' (Folklorisation)فان ما يشبه إخراج المجتمع كتمثيلية يمتد ظاهريا، وهو الأمر الذي يروق كثيرا للسواح.
    فالنسوة اللواتي كن يؤدين دور النماذج المفضلة لدى دينيه كن يحتفظن أيضا بحليهن و أزيائهن و رقصاتهن، غير أن أولاد نايل هؤلاء كانوا في الحقيقة بائعات هوى عصريات تماما، يعشن من أجل زبائن من السواح و الجنود الصحراويين.
    بعد ذلك، عرف رسمه بعض النسيان: وهو ذلك النسيان الذي غرق فيه الرسم الأكاديمي و الفولكلوري و الواقعي برمته. و لم يقدر الاستقلال الأول قط، تلك ''البهارج الاستشراقية''
    غير أن دينيه حظي بمعاملة استثنائية من قبل وزير نافذ للثقافة، ألا و هو أحمد طالب الإبراهيمي.
    و بطريقة تسلطية نوعا ما، و ضد تيارات معاكسة، قرر إعادة الاعتبار له [15]، و كان الأمر بالنسبة إليه يعني أن يقدم من خلال الصور ذاكرة للتقاليد التي كانت لا محالة زائلة، لفترة كان يطغى عليها رسم مجرد كان معدوه غير مستعدين إلا قليلا أن يقدموا مواجيز تاريخية في شكل صور.
    و على هذه الأرضية الجمالية تحديدا، يتعلق الأمر أيضا بالدفاع عن " مهنة مفقودة" [16] و دعوة الفنانين إلى العودة إلى واقعية رصينة.
    إن اعتناق دينه للإسلام أضفى نوعا من الشرعية المذهبية على العملية، غير أن تحولا آخر طرأ على رسمه، فإذا استطعنا البحث بالضبط عن " الحقيقة" التي تنبثق من الإيماءة أو الإشارة، فإن تغيرا حقيقيا سيطرأ على الموضوع.
    فالفلكلرة (Folklorisation) ستقرأ مجددا على أنها تمظهر هوية، فالنادرة و بعض الحدب البائس، ستعتبر انحيازا لصالح الشعوب الأهلية و يبدو أن الاتباعية تنضم إلى الواقعية الاشتراكية للثورة الجزائرية، و هذه سلسلة من الغموض يمكن أن يلعب عليها التاريخ الذي يعمل على هذا التحويل لمدلولات و الأشكال.
    غير أنه، هنا أيضا، لا يقوم الحوار، فإن كان النجاح الشعبي للعملية حقيقيا، فان العالم الفني، سواء الجزائري أو الفرنسي لزم مسافة معينة.و واصل الجمهور المثقف احتقاره لدينيه.
    إكليل عبد اللطيف
    حين كان دينيه ما يزال حيا، انطلقت عملية تحديث الرسم في الجزائر، ووعيا بعد بالتأخر الإنتاج الفني، على أرض موعودة، كانت آنذاك تشكل أكبر واجهة للإمبراطورية الفرنسية.
    كانت هناك محاولة لبناء قاعدة شمال أفريقية في الفن [18].
    و قد لاحظ جونارت (Jonnart) و كان حاكما عاما للجزائر، المستوى الرديء للإنتاج الوطني لا في مجال الفن و حسب بل وأيضا في الصناعة التقليدية الشعبية، التي كانت عندئذ بلا وريث تماما.
    و قد أكد تقرير طلب من ناقد باريسي مشهور، ألا و هو أرسان اليكسندر ARSENE
    ALEXANDRE، هذا التشخيص و قد تلاه عدد من الإنجازات التي كان الأطول عمرا من بينها إنجاز بعض النصب التذكارية في الجزائر العاصمة، من نوع النيو- إنديجينية - [Néo - indégeniste [19.
    لكن كان يجب أن تكون هذه الفرصة لإنشاء عدد معين من الهيئات و في مقدمتها فيلا الفنانين، التي كان إنشاؤها مطلوبا ندعوها منذ زمن طويل [20] لتؤوي على طريقة فيلا ميدسيس la villa de Médicis عددا من الحائزين على المنح، القادمين من فرنسا: ثم تأتي بعد ذلك فيلا عبد اللطيف.
    وتأتي بع ذلك بداية من عام ,1922 جائزة فنية كبيرة للجزائر تمنح سنويا، و تساهم في تعزيز أمجاد محلية كانت تخرج أحيانا من الفيلا، و حوالي عام ,1930 مدرسة حقيقية للفنون الجميلة و كذا متحف للفنون الجميلة.
    ترى هل توجت هذه العملية الثقافية الواسعة بالنجاح؟ أما بالنسبة لأهمية هذا الاستثمار، فيبدو الميراث هزيلا، إذ أصبح الحائزون على الجوائز الكبرى حقا، مثل الحائزين على الجوائز الكبرى لروما تقريبا، صناع رسومات عمومية ذلت طابع ديكوري أكثر منه فني.
    و مع ذلك فقد اضطر أفضل الرسامين في المكان إلى الذهاب للدراسة في باريس، لأن الجميع ببساطة كان يتصرف على هذا النحو في ذلك الوقت.
    أما أولئك الذين صنعوا قاعدة في الجزائر، فكانت تحتفي بهم صحافة استعمارية ذات ميول نوعا ما بروفنسالي.و في النهاية، اهتزت ذكرى هذه الحركة بشكل واسع بعاصفة القضاء على الاحتلال، حتى انه ظن في لحظة ما أنه لم يعد هناك سوى ذكريات رجال موهوبين، مثل كوغي[21] Caury و[Assus[22 أو [23]Galiéro الحائز على الجائزة الكبرى عام ,1962 قبل الاستقلال مباشرة.
    و يعود سبب فشل هذا الجهد الثقافي للمستعمرة في المقام الأول إلى فشل المستعمرة نفسها، التي أزاحها التاريخ بعد أن ظنت أنها قد احتلت المكان إلى الأبد.و قد أصبح واجب الذاكرة التي قد تكون أدته محل تشكيك إذ أن الأرشيف نفسه لم يحفظ بسهولة.
    أما السبب الثاني فيعود لنوعية الرسامين المرقين، الذين لم يكن الكثير منهم يفوز بالعضوية، و لم يكونوا بعدد كاف لفرض هذه المدرسة لشمال أفريقية التي كانت مأمولة البروز.
    فأفضلهم لم يكونوا يتميزون دائما مثل، ماركي Marquet، على سبيل المثال، الذي لم يحصل على أي تكريم، و مع أنه من أصل قسنطيني إلا أن أتلان Atlan بنى لنفسه مركزا في فرنسا، على غرار كامو Camus، معاصره و الأهم، هو أن الجزائر كانت تنظر إلى هذا الميراث بعين الازدراء.
    المعجزة - راسم:
    غير أن الفشل الأفدح، و الذي كان مؤشرا على انتهاء الحرفية و عجز المستعمرة عن ترقية المبدعين الجزائريين المسلمين و هو أمر مهم إذا ما نظرنا إلى حالة مبدع شكل الاستثناء لهذه القاعدة، ألا و هو محمد راسم[25] الذي يبدو أنه الوحيد في هذه الفئة الذي حصل على جميع التكريمات و مارس بكرامة مهنة الرسم النبيلة.
    إذ أن هذه ليست مسلمة، فلأنه ينحدر من وسط متواضع نسبيا ألا و هو وسط الحرفيين المزخرفين بالقصبة في الجزائر العاصمة فقد اتجه أولا إلى الصناعة التقليدية الأهلية، في اختصاص المزوقين حيث كان جزائريو ''الأصل'' يعيشون الكساد طبعا.
    و عليه، فقد التقاه دينيه في ديوان رسومات التعليم الأهلي و طلب منه زخرفة مؤلف عن حياة الرسول الذي كان يعده للناشر الباريسي بيازا - PIAZZA - و تلت ذلك طلبات أخرى، خاصة منها زخرفة ا ألف ليلة و ليلة ا الرائعة في ترجمة ماردروس Mardrus.
    و بواسطة عمله كحرفي أيضا، لكن في باريس هذه المرة، حيث بقي هناك ثماني سنوات.
    وخلال هذه الرحلة في مدينة الأنوار، حيث التقى رسامين آخرين قادمين من الأطراف بحثا، مثله، عن مزاوجة التقليد الوطني و الإبداع الفني، خطرت له فكرة إعادة إحياء فن المنمنمات.
    و قد استطاع أن يفرض نفسه كفنان كامل، باقتراح أعماله باسمه على معارض، و أروقة متاحف، لكن باعتباره فنان منمنمات: رجل ذو حرفة لا حدود لها، لكنها صغيرة جدا و تتميز ببطء محبط.
    و إن كان راسم قد عرف في هذا الوسط ترقية حقيقية، حسب تقليد الجمهورية، فلأنه تمكن من تملق الوضع الاستعماري، و الاستفادة منه: من خلال انحصاره في فن صغير، ألا و هو فن المنمنمات الذي حمل رايته كرمز ثقافي شرعي.
    وآيا كان ما قيل في تلك الفترة وخاصة بعدها، عند الاستقلال فليس هناك تقليد وطني من المنمنمات فالجميع يعلم بوجود المدارس التركية أو الفارسية أو المغولية ويربط هذه الإبداعات بفن إسلامي، ومع ذلك فان فن المشرق هذا لم يصنع قاعدة في ارض الإسلام ذي العداء الشديد للأيقونات.
    رغم ذلك كان هذا عنصرا مهما في تشريع إبداعات راسم، وأدرج مجددا في تقليد شمال-غرب أكثر منه في التبعية شمال-جنوب أكثر واقعية مع ذلك مما يبدو عليه. إذ كان يتمتع أيضا بموهبة تطويع وتكييف تقنيات الرسم الأكاديمي مع فن هي غائبة فيه عموما، ومثل المنظور الذي كثفه فقط أو فن التقولب، مما يجعل رسمه أكثر فهما لجمهور معتاد على الفن الغربي.
    ويشكل اختيار الموضوع عنصرا آخر في نجاحه، فراسم كان يتخذ كموضوع مفضل العالم الأسطوري نوعا ما لجزائر أرستقراطية ألا وهو فترة روائع السباق الجزائري.
    وتقوم هذه النظرة عن الجزائر العاصمة مليئة حلاوة ورونقا، وهما أمران لا يلتقيان عادة وستؤخذ عليه فيما بعد خلال النقاش الجزائري، ومن قبل خدة على وجه الخصوص الذي تساءل بوصفه مناضلا ليجد هنا اثر المعاناة واستغلال الاستعماريين.
    ويمثل راسم جزائر الحلم التي لا علاقة لها بالواقع التاريخي وان كان يستند إلى معلومة دقيقة في تعابير الأزياء ود اخل المنازل ...إلخ
    و الواقع أنه من غموض المدلولات ينبثق، كما بالنسبة لدينيه نجاح لم يتوقف، و بدل ألام انحطاط هذا القرن المتشدد، اقترح راسم إعادة حالمة، مليئة بالزخارف لكنها تعطي في النهاية عن هذا العالم صورة مشجعة.
    و قد أبرز راسم من قبل المستعمرة التي كانت تعتبره مثلا و دليلا على عملها لصالح ترقية النخب الأهلية: و قد نشر كتابه بصورة فاخرة و وزع من قبل الإقامة العامة.
    و مع ذلك فقد كان يمكن لهذه الصورة في هذه الفترة بالذات، أن تشكل بالنسبة للمناضلين الوطنيين مرجعا ثقافيا نفيسا [28].
    و يفهم قصر مدة التنكر الذي شمل راسم، و أسباب إعادة الاعتبار له هي ذاتها تلك الخاصة بدينيه، فمن غموضه هو نفسه، نجح في تمثيل أفكار مجتمع غامض هو أيضا بتنازعه روابط متناقضة بين الغرب و الشرق[29] و هو سبب الحرب الأهلية المرشحة لأن تصيح دائما أكثر فظاعة.
    و ليس عجيبا إجمالا أ رؤاه للأمور قد أعجبت بكيفيات مختلفة، الأنظمة الاستعمارية و الوطنية التي تعاقبت على الجزائر.
    جيل عام 1930 : باية وخدة:
    آخر محطة في مشوارنا تخص فاعلين عاشوا بنشاط المرور إلى الاستقلال، ففي هذه الحقبة، نلاحظ أن القطيعة أفرزت نوعا من تشطيب الثقافة السابقة، إذ فحص الانضمام إلى النظام السابق بدقة، و كانت القاعدة هي أن نسير الأمور و كأن انخراط الجميع في ثورة جبهة التحرير الوطني كان أمرا بديهيا.
    و يتألف جيل رسامي الاستقلال بصورة كبيرة من أشخاص و لدوا في حدود الثلاثينات، و تلقوا جميعهم تكوينا في الإطار الاستعماري، و سواء أكانوا مقاومين أم لا، فقد استفادوا عام 1962 من هجرة النخب الفرنسية.
    و كانت هذه الترقيات النتيجة الطبيعية للوضعيات الثورية، و لا تسهل قراءة المسارات الفردية.
    و الحقيقة أن رسامي الاستقلال درسوا في فرنسا، لأنها أرض الحرية و عاصمة فنية في آن، و قد تابع إسياخم و مسيلي مثلا في باريس دروس مدرسة الفنون الجميلة.
    و لكن الحالات الأكثر دلالة، مع ذلك، هي التي لم تمر في هذه الفترة بالمدرسة، و هناك في الواقع شخصيتان كبيرتان من هذا الجيل لعام, 1930 تعكسان بصورة بارزة العلاقة الأليمة بين التبعية الثقافية و الاستقلال.
    و باية[31] هي التي عرفت في الإطار الاستعماري الترقية الأكثر تميزا، و قد بدأ ذلك كما في الحكايات الأسطورية: فتاة صغيرة يتيمة فرت من جبلها في القبائل و احتضنها الأوروبيون. لاحظت المعلمة أن الفتاة الصغيرة البرية تخربش، إذا ما وجدت أوراقا، أشياء جميلة جدا، و هكذا اعتبرت الطفلة البرية طفلة عبقرية و قذف به في الحلم.
    لم يكن لديها سوى اسم وهاهي ستعرض في باريس، في رواق Maeght و ذهل الجميع لهذا الاكتشاف: ومنهم أندريه بروتون André Breton الذي كتب المقال الأساسي في الكتالوج [32] و إميل درمنغام Emille Dermenghem ، عالم أعراق معروف باهتمامه بتقاليد المجتمع الأهلي.
    و احتفل الجميع بالملكة الصغيرة، إذ أنها كانت جميلة جدا، و منحت تربصا للعمل في الخزف، في فالو ريس Valloris جارة لـ بيكاسو.
    إنه لتكريم رائع لا يشبه في شيء ما نتوقعه من ترقية في هذه الفترة من التطور الفردي الوطني، إذ أن هذه الرسامة الشابة لم تلق الترحيب بوصفها ممثلة لحضارة قائمة إنما احتفل في شخصها بسليلة حضارة بدائية، و تعبيرا عن طبيعة عرق، و ليس ثقافة عالمة [33].
    و سيتعين بعد ذلك العمل كثيرا على التاريخ لاستعادة باية كرسامة وطنية، بين الأوائل من هذا النوع إلى جانب راسم.
    أما الشخصية الثانية، في هذا الجيل فهي محمد خدة رسام الاستقلال الكبير الذي عاش بطريقة كثيفة بشكل خاص، العلاقة بين الرسم الوطني و الرسم الكوني، و هي العلاقة التي حاول حلها بجدية.
    و قد واجه هذه العلاقة بصورة خاصة لأنه على غرار باية، لكن بصورة مختلفة جدا، جعله تكوينه العصامي في علاقة أكثر نشاط بالموروث.فبعد أن قذف به قبل الأوان إلى الحياة العملية، أصبح خدة عاملا في مجال الكتب، و بهذه الطريقة هاجر نحو عاصمة الفن، في باريس حيث أصبح شيوعيا و رساما في فترة كانت فيها هذه الأمور، تحت إشراف بيكاسو و أراغون Picasso, Aragon، تتفق مع عصرنة الإبداع.
    و في الورشات حيث كان يعمل مساء مع صديقه بن عنتر، شاركا عمليا في انتصار التجريد الغنائي و في هذا الإطار، كان يمكن أن يصنع مشوارا نزيها في فرنسا، في مدرسة باريس المشكلة أساسا من الأجانب.
    و مع أنه لم يعلن عنه كمجاهد، فقد عاد بشكل طبيعي إلى الجزائر عند الاستقلال، و لم يعد إليها كوريث، إذ لم يكن يملك الشهادات ليقوم بمهام التعليم، غير أن كثافة بحثه، و نوعية تدخلاته المكتوبة في هذا السجل تساهم في منحه مكانا مركزيا في تعريف الفن الجزائري في فترة الثورة الظافرة.
    و سيتمثل بحثه أساسا في أن تدخل في إشكالية جهوية ثورة تشكيلية، ألا و هي ثورة التجريد، التي تعد كونية. وتعتبر هذه الأخيرة مستقلة طبعا، عن الاحتلال و عن الثورة الجزائرية، و سيحاول أن يبحث لها عن معنى في هذا المزدرع بين الإشارات التشكيلية للصناعة التقليدية و التقاليد غير التشكيلية للفن الإسلامي.
    و مقابل الاتجاهات نحو الوضعية الاشتراكية أو إلى التصوير التقليدي الذي رأينا منه بعض الانبثاقات، ناضل لإدخال الرموز العربية في الفن التشكيلي، مع بعض البنيات الأساسية، كشجرة الزيتون.
    و كان هذا البحث عن تعبئة جديدة هو بالأساس خدعة، إذ من الواضح أن أساس الموضوع شيء آخر موجود في الغرب، في ثورة الفن، هنا و في حالات أخرى شكل الرمز العربي أساسا لعبة ثقافية (و ذريعة سياسية) و عنوان أصالة لشيء ما من طبيعة أخرى.
    إن الإحساس بالذنب تجاه الغرب، و كذا صعوبة تقبل نفسه حاملا لطموح عالمي هو ما يؤدي إلى حمله كعنوان.
    ما الذي نستخلصه من هذه السلسلة من الوضعيات التي تمثل الكثير من العقد في العلاقات ؟ عدد معين من التكرارات التي تمر على الأنظمة و الحقب، و تسمح لنا بهذا برسم نوع من البنية الأنثروبولوجية للعلاقة الثقافية بين الجزائر و فرنسا [35].
    وقد قام اتصال لا محالة، و لكن مع الوقت و بعناء في شكل انبثاقات متأخرة و كأن علاقة مباشرة لم تكن لتقوم، ليس في الوقائع دون شك، حيث يتم هذا على العكس بشكل جيد، إنما في وضوح الضمائر الجماعية.
    و لم يعترف أبدا بهدوء هذه العلاقة في وضوحها، و إن أمكن القول، بضرورتها.
    و نحن في الحقيقة بصدد جدلية، في صيغتها الهيغلية حيث تكون لحظة الإنكار هي غالبا اللحظة الحاسمة.
    إذن فهناك صورا مرسلة ومنعكسة بصورة لا نهائية، و التبادل الذي يتم، على غرار الكثير من أنظمة التبادل عبر العالم، هو تبادل غير متناظر.و هذا لا يحيلنا فقط على هذا التبادل غير المتكافئ، بين المركز و المحيط، و الذي لاحظه المنظرون الاقتصاديون منذ زمن طويل.
    و هو وينتمي إلى أنواع إعادة التوزيع التي وصف Polanyi حقل استعمالها الواسع و هو بنية متمركزة ومتدرجة في آن، حيث تملك التبادلات هذه الأولوية المتمثلة في تعزيز المساواة و التدرج - إذ إن كانت الخدمات تغني بصورة مبتذلة المركز، فإعادات التوزيع تزيد في رفاهيته وتعزز سلطانه [36].
    وهكذا ففرنسا لم تنكر أبدا أن الجزائر حملت إلى فنها عددا من العناصر المهمة[37] و يشهد الرسامون الاستشراقيون، بنصوص لا تحصى، بتحمسهم لمهرجانات المشرق، و يعترفون بامتنانهم لفضل الإلهام الذي يحدثه نظام الأشكال المقترح من قبل إنتاجات الفن المحلي: الهندسة المعمارية، و الصناعة التقليدية و الخط.
    و في الأرض المجاورة في تونس، و عشية الحرب الكبرى، استمد كلي Klee و ماك Macke من رحلة قصيرة الطاقة لإحدى ثورات الفن الحديث.
    و من هذه المساهمة في الفن، لم يؤخذ بعين الاعتبار إلا القليل، إذ أن الأمر لا يتعلق، بصورة ما، إلا بتوفير المادة الأولية، نوع من النهب مرة أخرى.
    وعلى العكس تحس التبعية في مجال التعليم التشكيلي كهيمنة وفوق ذلك، فإن التفوق الفادح في إنتاج الصور، والذي ينشأ لمدة طويلة في شبه احتكار يفرض اللجوء إلى الخارج بما في ذلك لإعطاء صورة عن الذات .
    وهذه التبعية التكنولوجية مقبولة بصورة من السوء بحيث أن الانعكاسات المبرزة بهذا الشكل لا تمنح فعلا الرضى، وهناك الكثير من المآخذ هنا سواء على الاستراتيجية التشكيلية أو على محتوى الصور المنتجة نفسه .
    ويبلغ التوتر ذروته حين تكشف هذه العلاقة عن أبوية معتدلة وأن السلطات الفكرية للعاصمة تنظر بعين التعالي لإنجازات الفن التشكيلي الأهلي.
    ولا يجد الفنانون البارزون أمثال :دينيه وراسم وزياني،...الخ وحتى باية وخدة بسهولة سبل الاعتراف المشروع.
    ومع ذلك فإن العمل الثقافي، يتم في محنة الإحساس، وسط الإنكارات العنيفة التي تمس شكل النقل أكثر من محتواه الحقيقي. وتنشأ المدارس مرتبطة بالمجتمع والدولة ولها تظاهراتها وعصبها ونشأت سوق داخلية مع إنتاج الكتب ومراكز التعليم ومواد إيقونية بالجملة، وخرجت إلى الوجود حرفة رسم، رسم جزائري .
    وفي شهر ماي ,1993 مرت مائة عام، بالضبط، على احتلال AUMALEزمالة عبد القادر من طرف دوق وهذا الحدث الذي وكان الحدث الذي مرت ذكراه بوضوح مرور الكرام قد طبع مع ذلك الحياة الثقافية الفرنسية-الجزائرية، بواسطة عمل رأينا تأثيره الدائم أقل منه بالنشاط العسكري
    على أنه مع هذا القرن ونصف القرن، فإن النجاح المهين لهجوم عسكري مفاجئ تحول عن طريق خدعة ذكية ولعبة تحويلات وانتقالات إلى نصر ثقافي للجزائر، ونأمل الآن لو نستطيع أن نهتف مثل ماركس [39]
    ''"Bien creusé, vielle taupe


    الهوامش
    ________________________________________[*] عالما أعراق مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (باريس)
    [1] هذا النص إعادة لمداخلة تمت في ملتقى نظم في تونس قدمها هاشمي قروي في عام .1993 وقد سبق 09 نشو ضمن نشاطات هذا الملتقى
    Les sociétés musulmanes) au miroir des oeuvres d'art, Tunis, CERES، ,1996 ص.91 ,61- وقد جددت، الببليوغرافيا لإعادة النشر هذه).
    حاولنا هنا أن نقوم بإعادة تركيبية في سلسلة أعمال تمت خلال عشر سنوات حول الرسام والحركات الثقافية في الجزائر، وستذكر هذه الأعمال في حينها، ولكن الفكرة العامة صياغة أخرى في نسختين من دليل شمال أفريقيا:بـ

    l’Annuaire de l’Afrique du Nord: «Exotisme, modernisme, identité»: la société algérienne en peinture» (Dossier Le Maghreb, l’Europe et la France
    تحت إشراف قاسم باصفاو وجون روبير هنري، منشورات: CNRS
    [«Annuaire de l’Afrique du Nord 1990»] et «échange agonistique et marché des valeurs artistiques»: situation de la peinture en Algérie»Dossier La question de l’image dans le monde arabe
    وتحت إشراف
    Gilbert Beaugé et Jean-François Clément, ééditions du CNRS, 1995, pp. 163-174 [«Annuaire de l’Afrique du Nord 1993»])
    وأود أن أشكر دومنيك كولاس وإيمانويل تيراي
    Emmanuel Terray
    و Dominique Colas الذين استشرتهما، كالعادة بصورة مفيدة، عن بعض المعلومات.
    [2] حسب تعبير كلود ليفي- ستروس
    Claude Lévi-Strauss
    (in La pensée sauvage, Plon, 1962, p.173) matérialiste pourtant bien tempéré.
    [3] بصفته وريث ثلة من الرسامين المشهورين، عرف هوراس فيرني (1789-1863) مشوارا متألقا، ومر خلال نجاحه بعدة أنظمة- رغم بعض الصعوبات بسبب مواقفه البونابارتية.
    وكان مشواره بعد موته أصعب خاصة بسبب حكم قاس من بودلير في صالونه عام 1845 (إنه عسكري يمارس الرسم) ورغم العودة القوية للاستشراق، لم يكن محل دراسات معرفية ( وإعادة تقييم نقدي): ولا كتالوج مدروس ولا مونوغرافيا (دراسة وافية) ولا دراسة لعمله «orientale»
    [4] أنظر مقالنا بـ :
    [«Annuaire de l’Afrique du Nord 1990»] et «échange agonistique et marché des valeurs artistiques»: situation de la peinture en Algérie»Dossier La question de l’image dans le monde arabe
    [5] فصلنا هذا الموضوع في مقالين :
    Fantaisie et investigations dans la peinture orientaliste du XIXe siècle, in Jean-Claude Vatin (Ed.), D’un Orient l’autre: les métamorphoses successives des perceptions et connaissances, éditions du CNRS, 1991, vol.1, pp.265-280; et «L’ombre de l’islam»: les figuration de la pratique religieuse dans la peinture orientaliste du XIXe siècle, Actes de la Recherche en sciences sociales, n°75, 1988, pp.24-34 [traduction arabe in études Orientales, n°11-12, 1991, pp.124-149].
    [6] أنظر مثلا التحول الذي كان موضوعه لوحة فارني ببعض التعديلات التفصيلية، خلال نسختين متلاحقتين:
    le parlementaire لـ متحف Chantilly نلمح، في الخلفية إلى اليسار، بزات عسكرية فرنسية) ، أصبح حكواتيا مسالما في نسخة اللوحة المنظورة في Wallace Collection في لندن (عوضت البندقية بشبق طويل والعساكر بحاملة ماء لذيذة، تتمكن من جلب نظر المحارب الفظ، يسار المجموعة) ودون أن تتمكن من التحقق من الكرونولوجيا الحقيقية للأعمال، فإن فرضيتنا تقودنا إلى أن نستنتج تعاقبا بهذا الترتيب.
    [7] سيطبع هذا أيضا الفوتوغرافيا أو قريبا، البطاقة البريدية، التي تريد هي أيضا أن تلف موضوعها في ما يشبه الهالة الأبدية: ننتبه إلى أن المناظر لا تحتوي على أي سلك هاتفي، ولا عمود إشارة، ولا بناية حديثة وكثيرا من العناصر التي لم يكن سيغفلها رسامون يطلق عليهم "شهود عصرهم". هنا كل عنصر عارض وطارئ هو عامل مشوش، وواقعي أكثر من اللازم، وعن طريق بتر الاصطلاحات فإننا نجعل الأصالة مشبوهة. ويساهم هذا النوع من التمثيل في التعمية على هذا المجتمع في حين تنشأ في المستعمرة حركة كبيرة من التحديث والتمدين بالانطلاق في مسارات اقتصادية وسياسية وديمغرافية وثقافية معتبرة. وسنواصل التصرف وكأن المجتمع الأهلي قد استمر في الوجود في نقائه الأصلي، وكأننا كنا نفاجئه لحظة انكشافه.
    أثناء الاحتفال بمئوية احتلال الجزائر العاصمة، سنرى إعادة نفس المشاهد تقريبا التي استغلها حوال تاريخ 1830 تحديدا، دولاكروا Delacroix خلال رحلة في المغرب والجزائر العاصمة نفسها (أنظر: رسومات مطوية المئوية الخاصة بالمجتمع الأهلي) هذه النظرة الموجهة هي التي ستميز الرسم الاستشراقي
    [8] وهو من مواليد ,1953 ولم يمر حين زيارتي على المدرسة، ومع ذلك فقد فرضته مواهبه التشكيلية في فريق رسامين شباب مجتمعين، تحت رعاية أمحمد إسياخم لتزيين متحف الجيش؛ وقد أنجز على وجه الخصوص في هذا الإطار عملين كبيرين (4.5 م x2.1 م) يصوّران لحظات ظافرة لحروب عبد القادر: معركة خنق النطاح (1832)، في 1984 ومعركة المقطع (1835) عام .1987 وقد تألق بعد ذلك في أنواع أكثر مسالمة، خاصة الطبيعية الميتة، حيث يستطيع أن يستفيد من تقنية جميلة، وقد حظي بشرعية بفضل الخطوة الجديدة التي عرفتها الواقعية في ضفتي المتوسط.
    [9] في سنوات ,1960 كان Eugène Fromentin (1820-1876) معروفا أساسا من الجمهور المثقف كمؤلف رواية عاطفية Dominique، كان هناك أيضا عند باعة الكتب، إحدى الطبعات العديدة لرحلته في متاحف بلجيكا وهولندا Les maîtres d'autrefois.
    لكن نصوصه عن الجزائر نسيت، ونسي حتى انه كان رساما، وسنحصل فيها بعد على طبعات جيدة من النصوص خاصة Un été dans le Sahara بقلم Anne-Marie Christin, Le Sycomore, 1981 Œuvres complètes dans la Pléiade
    وليس هناك كتالوج مدروس للعمل المرسوم، لكن هناك بعد دراسة وافية في سلسلة
    d'Eugène Fromentin, ACR, 1987). Les orientalistes (James Thompson & Barbara Wright, La vie et l'œuvre
    [10] انظر النص الشهير Une année dans le Sahel
    «Il y a deux villes dans Alger (...). Se comprend-on? Se comprendra-t-on jamais? (...) Je ne le crois pas. La paix est faite en apparence, mais quel prix? (...) Au fond, les Arabes (...) demandent peu de chose; par malheur, ce peu de chose, nous ne saurions le leur accorder. Ils demandent l’intégrité et la tranquillité de leur dernier asile (...). Ils voudraient n'être pas gênés, coudoyés, surveillés, vivre leur guise, se conduire leur fantaisie, faire tout ce que faisaient leurs pères, posséder sans qu’on cadastre leurs terres, bâtir sans qu’on aligne leurs rues, voyager sans qu’on observe leurs démarches, naître sans qu’on les enregistre, grandir sans qu’on les vaccine, et mourir sans formalités (...). Ce que ces proscrits volontaires détestent en nous, car ils nous détestent, ce n’est donc pas notre administration, plus équitable que celle des Turcs, notre justice moins vénale, notre religion tolérante envers la leur»; ce n’est pas notre industrie dont ils pourraient profiter, notre commerce (...). Ce qu’ils détestent, c’est notre voisinage, c’est-dire nous-mêmes; ce sont nos allures, nos coutumes, notre caractère, notre génie. Ils redoutent jusqu’nos dire nous-mêmes; ce sont nos allures, nos coutumes, notre caractère, notre génie. Ils redoutent jusqu’à nos bienfaits. Ne pouvant nous exterminer, ils nous subissent, ne pouvant nous fuir, ils nous évitent. in Œuvres, Pléiade, op. cit, pp.196-200
    [11] in Œuvres, Pléiade, op. cit., p.176 1850
    [12] يكون قد عبر عن بعض الملل لـ Maxime Du Camp الذي لم يتوان عن ترديد:
    Pour la centième fois, il recommençait le petit cheval blanc, le petit ciel bleu, le petit gué argenté, le petit arbre sans nom dans la botanique et le petit arabe aux bras nus. Un jour qu’il venant de terminer une de ces jolies toiles, il me la montra, et, levant les épaules avec impatience, il me dit»: -Je suis condamné à perpétuité- (Souvenirs littéraires, Aubier, 1994, p.487)
    [13] Cf. Lynne Thornton, «Le marché des orientalistes», Les Cahiers de l’Orient, n°19, 1990.
    [14] Cf. François Pouillon Les deux vies d’Etienne Dinet, peintre en Islam: l’Algérie et l’héritage colonial, Paris, Balland, 1997 (développe Legs colonial, patrimoine national: Nasreddine Dinet, peintre de l’indigène algérien, Cahiers d’études Africaines, n°119, 1990, pp.329-36314-
    وتوجد أهم مادة توثيقية في الترجمة التي خصته بها أخته Jeanne Dinet Rollince
    La vie de Etienne Dinet (1861-1929), Maisonneuve, 1938 وفي كتالوج قودير بن شيكو
    (in Brahimi et Benchikou, La vie et l’œuvre de Etienne Dinet, ACR, 1984; nouv. éd. augmentée, 1991).
    [15] تأخذ هذه الأخيرة شكل كتاب ذي عنوان غير مبهم
    Un maître de la peinture algérienne: Nasreddine Dinet [texte (en français et en arabe) de Sid Ahmed Baghli
    تقديم احمد طالب إبراهيمي، الجزائر م.و.ن.ت 1976
    [16] عنوان فتحت تحته مجلة، Le Débat بداية سنوات ,1980 أي في سياق مختلف، تماما، جدلا كنا نظنه قد انفض منذ زمن طويل، وهذا انطلاقا من نص بقلم
    Claude Lévi-Strauss, préface au catalogue d’une exposition Anita Albus (Frankfort, 1980
    وهو النص الذي أعيد تحت عنوان:
    A un jeune peintre, dans Le Regard éloigné, Plon, 1983, pp.332-344)
    [17] - حسب عنوان كتاب لـGabriel Audisiso (1927)
    [18] عن تاريخ هذه العملية، انظر الأجزاء العامة لمقال مصطفى اوريف:
    De l’art indigène l’art algérien, Actes de la Recherche en Sciences Sociales, n°75, 1988, pp.35-49.
    وأول من أرخ له Pierre Angel
    (L’Ecole nord-africaine dans l’art français contemporain, Les Œuvres Représentatives, 1931) et Victor Barrucand (L’Algérie et les peintres orientalistes, Grenoble, B.Arthaud, 2vol., 1930).
    [19] يسمى تحديدا: »style Jonnart
    البريد المركزي والولاية وكذا المخزن العام لشارع ديزلي انظر مقال نبيلة أولبصير
    Du politique l’esthétique: l’architecture néo-mauresque Alger, in Jocelyne Dakhlia (Ed.), Urbanité arabe - Hommage Bernard Le petit, Paris, Sindbad/Actes Sud, 1998, pp. 299-321)
    [20] Déjà Delacroix, en 1832, dans une lettre de Tanger: Il faudrait infiniment davantage être envoyé comme mousse en Barbarie sur le premier vaisseau que de fatiguer plus longtemps la terre classique de Rome. Rome n’est plus dans Rome (d’après Jean Alazard, L’Orient et la peinture française au XIXe siècle, Plon, 1930, p.42). Et, très explicitement, Théophile Gautier, en 1861es utilitaires peuvent dire que l’Algérie ne sert à rien et ne rapporte pas assez à la France. Quant à nous qui ne sommes pas économistes, nous l’aimons car elle a fourni un contingent à l’art. Elle lui a procuré un élément nouveau. Le voyage d’Algérie devient pour les peintres aussi indispensables que le pèlerinage en Italie. Ils vont là apprendre le soleil, étudier la lumière, chercher des types originaux, des mûrs, des attitudes primitives et bibliques (Salon de 1861, d’après Philipe Julian, Les orientalistes, Office du Livre, Fribourg, 1977, p.124). Sur la Villa Abdel Tif elle-même, Cf. Elizabeth Cazenave, La villa Abd-el-Tif: Un demi-siècle de vie artistique en Algérie (1907-1962), Paris, Association Abd-el-Tif, 1998.
    [21] جاء Léon Cauvy إلى الجزائر بفضل منحة عبد اللطيف التي كان أول من حصل عليها، أقام فيها ليصبح بداية من عام ,1909 مديرا لمدرسة الفنون الجميلة وقد تخصص في الأعمال الزخرفية مبرزا فيها، عامة المسلمين في ديكور بارد نوعا ما للجزائر الاستعمارية.
    [22] تكون Armand Assus (1892-1977) وهو يهودي من الأقدام السوداء في و le Paris de Montparnasse et de Montmartre, وقسم حياته بعد ذلك بين باريس والجزائر العاصمة. وقد عكف على فهم المباهج السوسيولوجية للجماعات وخاصة الإشعاع الجميل للميناء -انظر( Dr. André Assus, Armand Assus, Portes du Sud, 1991)
    [23] يعتبر 1963 -1914 Sauveur Galiéro الحاصل على الجائزة الفنية الكبرى عام ,1962 مباشرة قبل الاستقلال، شخصية مهمة في النهضة الثقافية للجزائر العاصمة ما بعد الحرب، الذي احتفى به مثلا Gabriel Audisio في L'opéra fabuleux (Julliard,1970)
    وقد أنصف في جوان عام 1993 بواسطة معرض في المركز الثقافي الجزائري بباريس.
    [24] من حصيلة كاملة بالعودة إلى الماضي، لم يحتفظ محمد خدة من بين هؤلاء الرسامين الأقدام السوداء الذين
    «ont fait sur ce sol des œuvres de qualité» que les noms de Nallard, Maria Menton, Jean de Maisonseul et Atlan (…éléments pour un art nouveau, Alger, UNAP, 1972, p. 51)
    [25] أحدث عرض شامل عن راسم هو ل مصطفى أوريف نص Mustafa Orif (op. cit., أعيد في كتالوج في معرض معهد العالم العربي
    (Mohammed Racim, miniaturiste algérien, 1992, pp.22-35)
    والنص التالي يعيد مادة الذي قدمناه لهذا الكتالوج
    («Tableaux d’Orient et d’Occident : la synthèse Racim», ibid. pp. 14-20 & 42) - pour le parallèle avec Dinet cf. «Legs colonial, patrimoine national...» op. cit., pp. 346-351.
    [26] وحده محمد خدة واضح في هذه النقطة: ، هكذا كتب عن راسم.
    «Contrairement un lieu commun courant», «la miniature n’est pas chez nous une forme d’expression antérieure la période coloniale» («Modernité et ressourcement», in Feuillets épars liés, Alger, SNED, 1983, p. 40) ; «par une curieuse entorse faite à l’histoire, on octroie l’art de la miniature un statut traditionnel» («Les arts plastiques l’ancrage», ibid., p. 47)
    «L’artiste (...) fuit les outrances. Ainsi un [27] combat singulier entre deux cavaliers n’est pas tout à fait un duel, mais un élégant ballet (...). Dans les patios toujours calmes, les démarches sont feutrées, les gestes lents. On murmure plutôt qu’on ne parle (...). Dans cet univers clos de luxe discret et d’oisiveté à la fonction de la femme est d’être belle, le chant de Racim est intarissable (...). Ce vieillard impatient et passionné est parvenu à nous donner une œuvre douce, sereine, et résolument passéiste. Car ces images sélectives qui font la «toilette de l’Histoire» ne retiennent, avec nostalgie, que le luxe des princes d’antan, n’évoquent que le confort désuet des couches sociales nanties à leur déclin. (...) Images à l’orée de l’Histoire. A l’orée de la réalité aussi. (...) L’œuvre de Racim se situe hors de l’actualité. Car manifestement, cet homme qui a vécu la période la plus tumultueuse et la plus cruelle de notre Histoire nationale n’évoque jamais ce temps. Pas une seule allusion, pas un témoignage, Racim a mis son art en marge du temps vécu.» («Racim par-delà l’actualité», El Moudjahid culturel, n∞ 157, 11 avril 1975, p. 8 ; repris in Feuillets épars liés, 1983, pp. 12-14]
    [28] انظر بشير حاج علي بشأن مشهد خدر في سقيفة في القصبة
    «notre cœur, peu sensible à la beauté un peu froide du tableau, se gonfle au souvenir des splendeurs passées que cette œuvre (...) ramène dans les mémoires. (...) Le débarquement français de Sidi-Ferruch n’a pas encore eu lieu. Et par ce tableau Alger nous parle ; elle était une belle cité, capitale d’une société civilisée, avec ses valeurs de culture, un artisanat prospère» («Culture nationale et révolution algérienne», La Nouvelle Critique, n° 147, 1963, pp. 33-34)
    [29] أولت صفقة مهمة، خلال الحقبة الغامضة بصورة مثيرة العمل على استرجاع مجموعة منمنمات راسم المودعة في متحف الفنون الجميلة في متحف فنون إسلامية.
    [30] انظر رواية المدونة الإيقونية نفسها، خاصة مجموعة الوسام- التي أعيدت في ثلاث سياقات مختلفة.
    Georges Marçais, La vie musulmane d’hier vue par Mohammed Racim, Arts et Métiers Graphiques, 1960 ; Sid Ahmed Baghli, Mohammed Racim, miniaturiste algérien, Arts et Métiers Graphiques, 1971 (Préface de Ahmed Taleb-Ibrahimi) ; Mohammed Khadda, Mohammed Racim, miniaturiste algérien, Alger, Enal, 1990.
    [31] عرفت باية (1931-1999) التكوين في السادسة عشر من عمرها، عن طريق معرض عند Maeght في باريس وعرفت بعد ذلك صمتا طويلا، بعد زواجها عام 1953 بالموسيقي محي الدين. وفي الاستقلال عادت إلى الحياة العامة، انظر
    Cf. catalogues d’expositions au musée Cantini («L’Orient des Provençaux», Marseille, 1982), et au musée des Arts Africains et Océaniens (Algérie, expressions multiples : Baya, Issiakhem, Khadda, 1982) et notre «Baya au pays du réel», in Baya (catalogue de l’exposition à l’EHESS, 4-21 jan. 2000), Paris, Cahiers de l’ADEIAO, n∞ 16, 2000, pp. 31-34.
    Un concours ultra-favorable de [32] circonstances permet (...) de cerner [chez Baya] pour n’en faire qu’un, d’une part ce que l’imagination berbère a gardé vivace de la tradition de l’ancienne Egypte, d’autre part ce qui au terme des observations de Jean Piaget, peut être mis au compte des sentiments de participation et des pratiques magiques chez l’enfant. (...) Le désir humain est chez elle à l’état pur, n’admettant à sa satisfaction aucun obstacle, livré sans frein à son besoin d’exaucement. La main qui tenait le prisme, le voit noircir et, mue par un ressort immémorial, s’oriente vers l’herbe et l’épingle. Dans une époque comme celle que traverse le monde musulman, scandaleusement asservi, il est peut-être naturel que le geste de Baya reproduise dans l’ombre celui de la jeune bergère du Moyen Age européen» («Baya», in Derrière le miroir, Galerie Maeght, nov. 1947, pp. 5-6
    Cf. la fin de l’article d’Emile Dermenghem : [33] «Baya (qui a fait la plupart de ses peintures lorsqu’elle n’avait que treize ans) continuera-t-elle à peindre, à modeler ? Fera-t-elle «carrière» dans les arts ? La technique et le métier succéderont-ils à l’inspiration pure ? Est-ce même souhaitable ? Pour l’adolescente bronzée aux yeux de gazelle, faut-il rêver l’exposition annuelle et les salons parisiens ? Ne serait-il pas, peut-on penser, plus saisissant et plus beau, de disparaître dans la foule anonyme et la vie ordinaire, après s’être délivrée de son extraordinaire message» (ibid., p. 6)
    [34] عند عودته إلى الجزائر عام 1963 بعد سنوات تكوينه في فرنسا فرض خدة (1930-1991) نفسه بتميز بحثه التشكيلي وكذا بمداخلاته في الوسط الثقافي بخصوص
    Eléments pour un art nouveau, Alger, UNAP, 1972 ; et feuillets épars liés, Alger, Sned, 1983
    وعن تحليل مشواره، انظر مساهمتنا في ملتقى ذكرى وفاته التي نشرت نصوصها تحت عنوان
    Khadda, une vie pour œuvre («Penser le patrimoine algérien : révolution et héritage dans les écrits sur l’art de Mohammed Khadda», Beaux-arts [Alger], n° 1, pp. 77-91)
    وعن مشواره، انظر خصوصا في العدد نفسه مقالات de Michel-Georges Bernard, Noureddine Saadi, Paul Siblot, وكذا كتالوج Algérie, expressions multiples, op. cit.
    [35] يتعلق الأمر إجمالا بقلب جملة Jacques Berque التي قالها عند الاستقلال تحديدا
    Par cela même que le Maghreb récuse sinon l’apport, du moins l’esprit de la période coloniale et se réclame, par-delà celles-ci, de continuités plus anciennes, il convie l’observateur à méditer sur certaines constantes, naguère perdues de vue, et sur les vicissitudes temporelles qui les affectent» (in «Le Maghreb d’hier à demain», Cahiers internationaux de Sociologie, XXXVII, 1964, p. 51).
    Cf. «L’économie en tant que procès [36] institutionnalisé», in Polanyi & Arensberg (éds.), Les systèmes économiques dans l’histoire et dans l’économie, Larousse, 1975, pp. 239-260 ; ainsi que le compte rendu de Lucette Valensi sur «L’œuvre de Karl Polanyi», Annales, E.S.C., 1974 (3), pp. 1311-1319.
    1 C’est le sens de la remarque de Gautier citée plus haut.
    [37] هذا هو معنى ملاحظة Gautierالمذكٍورة أعلاه
    Cf. Bruno …tienne, Abdelkader, Hachette, [38] 1994, pp. 202-203.
    Le dix-huit brumaire de Louis Bonaparte [39] (…éditions Sociales, 1963, p. 102) ; référence probable à Shakespeare (Hamlet, acte 1, scène 5).


    أرسلت بتاريخ: 2008/12/25 13:28
    التعديل الأخير تم بواسطة Moderator-1; الساعة 07-19-2009, 02:04 PM.
يعمل...