<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-comfficeffice" /><o></o>
قراءة في نص (آمال ارملة ) للشاعرة تريفة دوسكي / جوتيار تمر<o></o>
<o></o>
امال ارملة<o></o>
البحث عن صورة حسية تتشكل ذهنيا لدى المتلقي وهو يقف عند هذا العنوان آمال ارملة ستكون مجردة ،اذا ما اغفل عن الصورة الحرة التي تتولد في ذهن الشاعرة والتي لم تتوانى عن ذكرها في القصيدة ، فموحيات المداليل هنا اعمق من التقاط مشهد منودرامي ابتر، مشهد أرملة تلتحف بالسواد وتضع يديها على خدها ، تتنهد وتمسح بين الفينة والاخرى دموعها ، لأن هذا الحصر الذهني ومن ثم اللفظي يقيد حركية النص ومدى الترابط بين اللقطة والتعبير ، لذا نجد ضرورة البعث للصور المترابطة التي تتولد لدينا بمجرد النظر للعنوان على شكل احساسات مرئية ، وعتدما نبدأ بالقراءة تتولد صور لفظية ، وفي عقلنا يتولد صوت الكلمات والتي نسمهيا بالصور السمعية ، وبذلك نخلق صور للكلمات لا للاشياء التي ترمز اليها الكلمات ، وهذا بلاشك توثسق لارتباطهما بالاحساسات المرئية للكلمات المطبوعة.<o></o>
<o></o>
لاابغي الحديث عن الحرب<o></o>
وارى جثة الوطن في ريبورتاج محترق<o></o>
وانت بين الجثث تبتسم لي<o></o>
انظر من عينيك اللتين جعلوهما البشوات خندقا وغرسوا<o></o>
فيه الوطن<o></o>
<o></o>
البدء بحالة ما ، حالة ذاتية والنهي عنها ، دليل واضح على امتلاك الشاعرة للارداة التي تنبع من وعي وادراك بالحالة المعنية نفسها ، كونها حالة ذات لها جذور عميقة سواء على المستوى الفردي أم الجماعي ، لذا نجدها ترصد الحالة بثقة متجنبة الخوض في امور باتت حتمية تؤرق حياتها وحياة الوطن فيها ايضا ، فالواقع الذي ترصده الشاعرة هنا يبعث الاسى والعجر والقهر ، وفي القوت نفسه يخز في جسده(الواقع) وخزات ذات ايحاءات مؤلمة ويعريه من صوره التي باتت سابقة لماهيتها ، وليس من فرد لايتوقعها ، الوطن ستار لتحقيق طموح البعض، وابناء الشعب سور لهم باسم الوطن ، مزج رهيب نلاحظه للصور ، ودلالات مفضية تغرس في النفس التضاد ، فمن ناحية صور الجثة وابتسامتها والوطن المذبوح ونهاية عالم فردي يمكن ان يعمم بنهاية جماعية ، ومن ناحية اخرى السائرون على الجثث وهم يصطفون خلف الاسوار باللامبالاة تثير الدهشة ، وهذا ما جعلت الشاعرة تقف لبرهة تسترجع الزمن لتوظفه كدليل استمراء على الصورة الحالية.<o></o>
<o></o>
سنة 1988 كنا عروسين<o></o>
كنت اخجل أن أقول لك<o></o>
أحبك<o></o>
لم أنقطها..لم أتمكن من لفظها<o></o>
حتى جعلت خجلي حجراً ورميته<o></o>
غبتَ عن عيني<o></o>
اليوم أصبحت دفترا وأنا بين صفحاته<o></o>
كسمكة بوعيها تتخبط<o></o>
أنا بأمس الحاجة إليك<o></o>
ست عشرة سنة وأنا على أبواب التاريخ ولا يدعني ان ادخل<o></o>
ست عشرة سنة منذ أن هرب حصانك نحو مراعي الجبال العالية بصحبة فارس غريب<o></o>
ست عشرة سنة أريدك أن تأتي لأقول لك<o></o>
لن اخجل بعد الآن..احبك ..احبك<o></o>
غيروا البطاقة الشخصية<o></o>
الاسم : شرمين<o></o>
العمر :30<o></o>
الحالة الاجتماعية : أرملة<o></o>
عيب بعد الآن أن اجمع باقات الورد<o></o>
واجعل كل ربيع نهرا دافئا<o></o>
وعيب أن احني للشمس شعري<o></o>
أنا صفر إلى اليسار<o></o>
والوطن مقبرة جماعية<o></o>
وكل شبر أضع قدمي عليها أحالها رأسك<o></o>
الذي كان على زندي يغفو نائما<o></o>
لهذا ارتبك<o></o>
أتراجع ولا أتجرأ على التقدم<o></o>
تعال وقل أين تنتظرني لأتي<o></o>
<o></o>
لهذا التاريخ وقع خاص على الذات ، وقع مؤلم لكل ابناء الوطن ، لِمَ تجلى فيه سطوة وجبروت الحكام في وطن الشاعرة ، وماتجسد من الناحية الاخرى من معاناة ومآسي نعيت الضمير الانساني في ارجاء الخراب المسمى الارض ، وهي باستحضارها لهذا التاريخ انما تعيد الى الذهن الانساني مراحل موت الانسانية التي بدأت تصقل في ذهن الشاعرة منذ ذلك التاريخ ، فنجدها تستحضر صورة وجدانية بلغة صوفية شفيفة ، وكانها تتعمد التلاعب بعنصري الزمكانية فتحيل الاول ممكنا مرئياً، والثاني تخيليا لامرئيا كعملية خرق للسائد الممكن،فتأتي الكلمات هنا تصف الصورة نفسها فمشهد العروسين ، والخجل من البوح ، كل هذا يتجلى ، ويتمخض بصورة اكتئاب وحزن دائم لديها ، جراء غياب قسري ، وبما انها تعيش حالة استحضارية فالزمن هنا ليس الا اداة لايصال الفكرة لكونه في الاصل حاصل –ماضي-، وهذا ما نجده في القفزة الذهنية التي تحدث في خيال وذهن الشاعرة وهي تتحدث بلسان الارملة ، فمن الماضي تنقلنا بصورة حية ومباشرة من خلال قولها اليوم اصبحت....) فترصد حالة ذاتية معتمدة على دلالات وصفية ،ومع ان الشعر الحديث اصبح يتجنب الصور التشبيهية ( كسمكة ) الا انني اجدها هنا ضرورة لوصف الحالة في فترة الانتقال بين الزمنين ، الماضي بصوره المأساوية من فقدان وجثث وطن غارق في الدماء ، والحاضر بكل ترسباته الذاتية على المستوى النفسي والاجتماعي معاً، فالحاجة هنا ليست بعنصر غريب طارئ دخيل اقتحم النص والنفس معا انما هو امتداد فطري للماهية الفزيولوجية البشرية ، وهذا ما يجعل الشاعرة في تقمصها لرداء ونفسية الارملة تسهب قليلا في وصف الحالة ، في حين ان النص كان يحتاج منها الى تكثيف وايحاء لترك المتلقي يستعين بذاكرته لاحياء الصورة ، فنجدها ترصد مجريات ومخالجات النفس ضمن فترة الغياب (ست عشرة ) سنة ، وربما هي في الوقت نفسه صور الوطن في تقلباته ومحاولاته من اجل صناعة كيان ذاتي ، وفي مزج الصورتين تبقى الصورة الاساس والمتمثلة بعدم تحقيق المراد ، واستمرارية الغياب كدليل استمرائي اخر يبعث الدهشة، فتتحول اللغة هنا الى عتب باطني تحاول من خلاله تبرير عدم البوح في البداية ، مع مزجها برؤية محملة بالاماني ، فتهمس لنفسها بأنه لو عاد ستبوح له بكل شيء دون خجل ، والخجل احد ركائز المرأة في الاجتماع لدينا ، لكنها في رحلة امانيها تتغلب على هذ العائق ، وتريد من خلالها ان تنطلق لافاق ابعد ، فتنقلنا الصورة اللفظية الى الصورة الحسية ، فمن مشاهد الى ملامس ، ضمن ثورة داخلية ، تعول عليها ان تخرج من عزلتها الذاتية جراء عدم البوح وانصهار الوطن في بوتقة الدم ، فتتحول صيغة الفعل من ماضي الى امر ، من خلال (غيروا البطاقة......)، وفي الصيغة هذه دلالات اخرى تتمثل بالجمع في صيغة الفعل ، وكذلك كبداية وقناعة منها بضرورة وضع نهاية لتكمل النهاية السابقة ، فعالم الشعر ليس بجامد ومكرر وفاقد للحركة الحياتية ، كذا يجب ان يكون عالمها ، هذه الحركية تسري في كل القوى الكونية ، من نباتات ونهر وشمس وو..لكنها تبقى حركية وثورة قصيرة الامد ، فما تلبث ان تفقد عزيمتها في لحظة ضعف ، فالارملة تعيش هنا حالة ضعف بعكس ما بدات به القصيدة من عزيمة وارادة ، فكأن الطبيعة العاطفية لها تاثيرها المعنوي والواقعي هنا ، فتجد نفسها غير مجدية ، وتبرر عدم جدواها بما يمر به الواقع من مآسي ودمار وقتل عشوائي، فتزاحم هذه الصور مخيلتها ، صور المقابر الجماعية كناية بما اقترفه النظام بحق ابناء شعبها ،حتى اصبحت هذه الصور ملازمة لمخيلتها ، فتستحضر من بينها صورته هو الغائب الذي لم تقل له احبك ، وبلغة عاطفية مغلفة بأسى اليأس تهمس لذاتها اخال كل شيء اضع قدمي عليه رأسك ، وهنا نلامس صورة شعرية قد لاتتكرر في اية قصيدة اخرى لعمقها الدلالي على المستوايين السمعي والبصري ، وهذا ما ميرز النص في نهايته وجعله يتخلص من الاسهاب الذي طاله في بعض مرحله ، ويعانق التكثيف ، هذا الرأس الذي كان في الامس البعيد القريب على زندها يغفو ، اصبح الان هاجسا مرعبا يقيد حركتها ، خشية ان تدوسه لكثرت ما طمرت جثث في ارضها ، هذه الصورة اربكتها فارجعتها الى قارورة الصورة المظلمة السائدة للارملة ، التي تعيش وقع المها النفسي الذاتي فتعاني منه معاناة مزمنة ، ووقع اجتماعها ووطنها الذي لايدعها تلبس الوان الامان والسكينة ، وهذا ماحدا بها ان تطالبه هو الغائب بأن يمد لها الطريق لتلحق به ، في صورة تعيد الى اذهاننا سمات الشعر في العصور الفيكتوري.<o></o>