عُمْرِي!عُمْرِي!
فيِ زَمَنِ العوْلمَةِ هَذَا يُنَادُونَ الشّخْصَ الَمَحْبُوبَ بِ "بيبي" حتىّ كَلِمَاتُ
الحُبِّ عَوْلَمُوهَا!
لَكني اسْتَعْمِلُ كَلِمَةً"إقْلِيمِيَةٍ"مُسْتَعْمَلَةً بِصِفَةٍ وَاسِعَةٍ جَزَائِرِيًا.
هَلْ تَذْكُرْ ذَلِكَ اليَوْم الذي أَخْبَرْتُكَ فِيهِ أَنَّنِي قَرَّرْتُ تَرْسِيمَ اللُّغَةِ
العَرَبِيَةِ لُغَةَ التَّعَامُلِ الُأولَى بَيْنَنَا؟لَقَدْ تَسَلَّيْتُ كَثِيرًا بِمَنْظَرِكَ وَ
أَنْتَ مندهشٌ وَ مأخوذٌ وَغير مصدقٍ…كَانَتْ تلك المرة الأولى التي تراني
أكمل جملة بهذه اللُّغَةِ…قبلها كَانَتْ لُغَةُ الحديث بيننا الفرنسية
اللُّغَةُ الأم بالنسبة إلي ،تلك التي تعلَّمْتُهَا عن مَامَا …
عُمْرِي!
مَاذَا تَعْرِفِ ـ أَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ ـ عَنِّي ؟فِي صَمِيمِي أَعْنِي… مَـاذَا
تَعْرِفِ عَنْ أَلَمِي،وَ عَنْ وَحْشَتِي، وَعَنْ خَوْفِي،وَ عَنْ أَمَلِي،و عَنْ يَأْسِي،وَ عَنْ
كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ أُحِسَّهُ الآنَ…؟
فيِ الوَقْتِ الَّذِي قَدْ تَظُنُّ فِيهِ أَنَّنِي ـ أَنَا بَطَلُتُكَ ـ أتخندق مع
فصيلة مِنَ التَّسْلِيمِ وَ الرِّضَى وَ الصَّبْرِ تماما كما حِيَن كُنْتُ أُصِرُّ عَلَى
وَضْعِ الِإشَارْب علَى رأسي وَلبس ثوب بأكمام طويلة فِي عز الصيف…
….كلما حدَثَ هذا كَانَتْ مَامَا تفتعل أزمة الضَّغْطِ…وَ كَانَ بَابَا يأتي
ليعنفني…وَ ينتهي الأمر بأن يسحبني مِنْ شعري و يضربني على وجهي و
على رأسي و على ظهري …يفعل معي هذا وَ أنا سأكمل عامي السابع وَ
العشرين…
عِنْدَمَا كَانَ بَابَا يَضْرِبُنِي كُنْتُ أنكفئ على الداخل و أدعه يفرغ كل
غضبه على جسدى…و أبدًا لمَ يَكُنْ يَطَالُنِي حِين أهرب إِلَى حديقتي
السرية…وَ فِي أقرب فرصة كُنْتُ أهرع إِلَيْكَ وَ كُنْتَ تشجعني على
الاستمرار في المقاوَمة وَ كُنْتُ أسعد حينما تقول لي بأنك فخور بي…
وَ الآن… هل أَنْتَ تفخر بي الآن وَ أنا أجلس على البلاط في هذه
الغرفة المتداعية أعانق ركبتي وَ أضع رأسي عليهما…و أتمنى لو
أَنَّهُ فقط بالإمكان أَنْ تكون هـُنا الآن وَ فورا…وَ أُحِسُّ بِبَعْضِ الحِقْدِ
عَلَيْكَ لِأِنَّكَ تظلُّ ـ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ ـ غَيْرَ مُسْتَجِيبٍ وَ إِحْسَاسُكَ بِي يَظَلُّ
ضَعِيفًا وَغَيْرَ مُكْتَمِلٍ ، وَ تظلُّ غير عارف بما يحدث لي…
فيِ هَذَا النَّمَطِ الغَرِيبِ ـ الحَمِيمِ كَمَا لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَكْثَر ـ مِنْ
عَلَاقَاتِ الُأنُوثَةِ وَ الذُّكُورَةِ عِنْدَمَا نُعَلِّقُ كُلَّ شَيْءٍ ـ أَوْ الكَثِيَر جِدًّا
ـ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ يُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّ الفَوَاصِلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ قَدْ سَقَطَتْ
وَنتصور أَنَّه قريب إِلَيْنَا إلى درجة يمكننا معها التخفف مِنْ
وحدتنا حتى لو لم يكن موجودا معنا بحساب المادة وَ الجسد…
فلماذا أنا ـ الآن ـ وَحْدِي فِي مُوَاجَهَةِ حَقِيقَتِي العَمِيقَةِ… وَ ضَعِيفةٌ وَ
وَحِيدةٌ وَخَائِفةٌ وَ جَبَانة؟
لماذا تعجز أَنْتَ عن إمدادي بأية قوة تعصمني مِنَ السقوط
فِي الهوة…أنا أ تعرض لإعياء شديد،لا مفرَّ لي مِنْ ذَلِكَ…أرضية
الغرفة تهدد بالسقوط عند أدنى حركة مِنِّي…أو مِنْ أحد سكان
الطوابق الأخرى…الأصوات تأتي مِنْ كل صوب.. مِنْ داخل العمارة ـ أو
التي كَانَتْ قبْلَ سَاعَاتٍ عِمَارَةً ـ.. وَ مِنَ الخَارِجِ…أصوات تأتيني
كلها.. مِنْ بعيد وَ كأنني موجودة فِي بئر عميقة…الظاهر أنني فعلا
تحت الأرض ..أم هو انطباق الطوابق على بعضها…هو الذي يعطيني
ذلك الإحساس الرهيب بأنني فِي القبر…هل تتخيل؟أنا التي تخاف
المسارب الأرضية وَ المصاعد وَ كل الأماكن المغلقة…أجد نفسي محشوة
داخل عمارة مِنْ خمسة عشر طابقا...
عُمْرِي!
بَدَأَ الشَكُّ يُسَاوِرُنِي فِي أَشْيَاءَ كَثُيَرٍة…وَ بَـدَأَتِ التَّسَاؤُلَاتُ تَفْرِضُ
نَفْسَهَا عَلَيَّ…تصر فِي إلحاح على الارتسام على مساحات الوعي
المتبقية مِنْ كياني المتهالك…هل حان الآن وَقت الرحيل؟هل ستذهبين
الآن؟وَ ماذا ستأخذين معك؟وَ ماذا سوف تقولين؟أليست هناك وَ لو
فرصة صغيرة للمحاوَلة من جديد؟
وَ مَامَا هل ستحاسب مِنْ أجلي؟
وَ مَامَا هل ستحاسب مِنْ أجلي؟
أتدري…أظنني لن أحب فكرة ذلك رغم أنها كَانَتْ مأساتي منذ
البداية …حتى قبل قراري الالتزام…أم تراني أنا التي كنت
مأساتها…أظنها كَانَتْ تحقد علي لأنني لم أكن ـ مثلها ـ امرأة
فاتنة تستدير عند مرورها كل الرؤوس…ربما كَانَتْ تخجل بي…وَ مع
ذلك أنا حاوَلت…لقد أنفقت سنين ثمينة مِنْ عمري….وَأنا مهووسة
بهذا الجسد الذي كَانَ يرفض أن يكون طيعا…وَ زادني ذلك إصرارا وَ
أذقته كل أنواع العذاب…التمارين الرياضية القاسية…لحرمان مِنْ
الطعام.. وَ الاقتصار على كوكتيل البيض النيئ فِي الصباح وَ
السلطة الخضراء فِي المساء…وَحلقات الإقياء التي كَادتْ أن تقتلني…
لقد عانيت دُونَ أَنْ تدعمني …دُونَ أَنْ تشفق علي يوما….
و بعد هذا الثمن الباهظ جاءت النتيجة..تحولت حبة اليقطين إلى
أميرة جميلة…وقتها فقط أصبحت مَامَا تنظر إلي…لأنني أصبحت محور
حديث صديقاتها التافهات…و لكن هذا لم يدم طويلا …
و كَانَ مسَاء…
ذَلِكَ المسَاء الَّذي حدثتني ـ وَ فِي صَوْتِكَ شَجَنٌ سَاحِرٌ حَزِين ـ عَنْ عَزْمِكَ
عَلَى الِالتِزَامِ وَ عَنْ قَرَارِكَ بِتَجْمِيدِ خِطْبَتِنَا المُدَّةَ الكَافِيَةَ لِي لِأَخْذِ
فُرْصَةِ لِلتَّفْكِيِر…
تفعل بي هذا…بعد أن أصبحت جميلة …بعد أن أصبح جسدي طيعا يتلبس
جميع الأثواب…و يتشرب جميع المواد الفاخرة…
انتَابَتْنِي ـ سَاعَتَهَا ـ حَالَةُ اضْطِرَابٍ مَجْنُونةٌ…كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جَدِيدًا
عَلِيَّ…بلْ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّنِي كُنْتُ أَعْرِفُ كُلَّ شَيءٍ عَنِ الالتِزَامِ ِمما
كَانَتْ تَقُولُهُ مَامَا…الأَفْكَارُ المتحجرة… وَ مُصَادَرَةُ الحُرِّيَةِ وَ الإِرَادَة….
المَرْأَةُ بَيْنَ الجُدْرَانِ وَ البَابُ مُقْفَلٌ…وَ لَبْسِ أَكْيَاسِ الزَّبَالَةِ السَّوْدَاءِ…
وَ حَضْرِ السِّينِمَا وَ المَسْرَحِ وَالمَسْبَحِ وَ البَحْرِ وَ السَّفَرِ….
في تلك اللحظة..باغتتني نوبة وعي استثنائية ..لقد ألقيت على
نفسي القبض وَ هي متلبسة بجرم حساب تبعات الغدر بك…وَ كَانَتْ
نفسها اللحظة التي اخترتها أَنْتَ …وَ كما بكَـبسة زَرٍّ… جملة
وَاحِدَةٍ….قوَّضْتَ كُلَّ دِفَاعَاتِي…قلتَ ليِ أَنَّ هذه الدنيا مَهْمَا طَالَتْ لَنْ
تَكْفِينَا لِنَعِيشَ مَعًا مِلْءَ القَلْبِ ،مِلْءَ الرُّوحِ ،مِلْءَ العُمْرِ…وَ أنها لا
ينبغي أن تكون أكثر مِنْ محطة نحضر فيها أنفسنا للخلود معا….
أَحْسَسْتُ مَعَكِ بِأَمَانٍ أَنَاِني ـ أَمَانٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَالَهُ أَحَدٌ نَظَرِيًا ـ
ذلك الأمان لم يزعزعه قليلا سوى صوت مَامَا المنفجر في
وجهي:"تريدين مواصلة الارتباط به حتى بعد أن أصبح أصوليا…لقد
سحرك…وَلكنني سأعرف شغلي معه…سأعيده لأمه مسجى فِي صندوق…
الإرهابي…."
كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَ جَعَلْتُ انْسَحبُ إِلَى الوَرَاءِ حتَّى تعرَّفَتْ خَطَوَاتِي عَلَى
بَابِ غُرْفَتِي…دَخَلْتُهَا وَ أَغْلَقْتُ البَابَ وَرَائِي..لَكِنَّ صَوْتَهَا ظَلَّ يُلَاحِقُنِي
وَ يَقْتَحِمُ عَلِيَّ خَلْوَتِي…حتىَّ سمعت حَرَكَةً غَيْرَ عَادِيَةٍ تَيَقَّنْتُ أَنَّهَا أزمة
الضَّغْطِ…أو ما تفتعله وَ تسَمِّيهِ كَذَلِكَ …هذا فقط مِنْ أجل أَنْ أَنَالَ
جَزَاءَ مُخَالَفَةَ إِرَادَتِهَا…
عُمْرِي!
الوقت يمر.. وَ فُرَصِي فِي النَّجَاةِ تَقِل…أحس إعياء وَ عطشا وَ اختناقا…
وَ لكني أرغب فقط في قطعة قماش أضعها على رأسي…أَرَى خَيْطًا مِنْ
ضياء يخترق العتمة نحوي هَلْ هِيَ النِّهَايَة؟…هَلْ هِيَ بِدَايَةٌ جَدِيدَة؟
سهيلة /الجزائر07-06-03
فيِ زَمَنِ العوْلمَةِ هَذَا يُنَادُونَ الشّخْصَ الَمَحْبُوبَ بِ "بيبي" حتىّ كَلِمَاتُ
الحُبِّ عَوْلَمُوهَا!
لَكني اسْتَعْمِلُ كَلِمَةً"إقْلِيمِيَةٍ"مُسْتَعْمَلَةً بِصِفَةٍ وَاسِعَةٍ جَزَائِرِيًا.
هَلْ تَذْكُرْ ذَلِكَ اليَوْم الذي أَخْبَرْتُكَ فِيهِ أَنَّنِي قَرَّرْتُ تَرْسِيمَ اللُّغَةِ
العَرَبِيَةِ لُغَةَ التَّعَامُلِ الُأولَى بَيْنَنَا؟لَقَدْ تَسَلَّيْتُ كَثِيرًا بِمَنْظَرِكَ وَ
أَنْتَ مندهشٌ وَ مأخوذٌ وَغير مصدقٍ…كَانَتْ تلك المرة الأولى التي تراني
أكمل جملة بهذه اللُّغَةِ…قبلها كَانَتْ لُغَةُ الحديث بيننا الفرنسية
اللُّغَةُ الأم بالنسبة إلي ،تلك التي تعلَّمْتُهَا عن مَامَا …
عُمْرِي!
مَاذَا تَعْرِفِ ـ أَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ ـ عَنِّي ؟فِي صَمِيمِي أَعْنِي… مَـاذَا
تَعْرِفِ عَنْ أَلَمِي،وَ عَنْ وَحْشَتِي، وَعَنْ خَوْفِي،وَ عَنْ أَمَلِي،و عَنْ يَأْسِي،وَ عَنْ
كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ أُحِسَّهُ الآنَ…؟
فيِ الوَقْتِ الَّذِي قَدْ تَظُنُّ فِيهِ أَنَّنِي ـ أَنَا بَطَلُتُكَ ـ أتخندق مع
فصيلة مِنَ التَّسْلِيمِ وَ الرِّضَى وَ الصَّبْرِ تماما كما حِيَن كُنْتُ أُصِرُّ عَلَى
وَضْعِ الِإشَارْب علَى رأسي وَلبس ثوب بأكمام طويلة فِي عز الصيف…
….كلما حدَثَ هذا كَانَتْ مَامَا تفتعل أزمة الضَّغْطِ…وَ كَانَ بَابَا يأتي
ليعنفني…وَ ينتهي الأمر بأن يسحبني مِنْ شعري و يضربني على وجهي و
على رأسي و على ظهري …يفعل معي هذا وَ أنا سأكمل عامي السابع وَ
العشرين…
عِنْدَمَا كَانَ بَابَا يَضْرِبُنِي كُنْتُ أنكفئ على الداخل و أدعه يفرغ كل
غضبه على جسدى…و أبدًا لمَ يَكُنْ يَطَالُنِي حِين أهرب إِلَى حديقتي
السرية…وَ فِي أقرب فرصة كُنْتُ أهرع إِلَيْكَ وَ كُنْتَ تشجعني على
الاستمرار في المقاوَمة وَ كُنْتُ أسعد حينما تقول لي بأنك فخور بي…
وَ الآن… هل أَنْتَ تفخر بي الآن وَ أنا أجلس على البلاط في هذه
الغرفة المتداعية أعانق ركبتي وَ أضع رأسي عليهما…و أتمنى لو
أَنَّهُ فقط بالإمكان أَنْ تكون هـُنا الآن وَ فورا…وَ أُحِسُّ بِبَعْضِ الحِقْدِ
عَلَيْكَ لِأِنَّكَ تظلُّ ـ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ ـ غَيْرَ مُسْتَجِيبٍ وَ إِحْسَاسُكَ بِي يَظَلُّ
ضَعِيفًا وَغَيْرَ مُكْتَمِلٍ ، وَ تظلُّ غير عارف بما يحدث لي…
فيِ هَذَا النَّمَطِ الغَرِيبِ ـ الحَمِيمِ كَمَا لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَكْثَر ـ مِنْ
عَلَاقَاتِ الُأنُوثَةِ وَ الذُّكُورَةِ عِنْدَمَا نُعَلِّقُ كُلَّ شَيْءٍ ـ أَوْ الكَثِيَر جِدًّا
ـ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ يُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّ الفَوَاصِلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ قَدْ سَقَطَتْ
وَنتصور أَنَّه قريب إِلَيْنَا إلى درجة يمكننا معها التخفف مِنْ
وحدتنا حتى لو لم يكن موجودا معنا بحساب المادة وَ الجسد…
فلماذا أنا ـ الآن ـ وَحْدِي فِي مُوَاجَهَةِ حَقِيقَتِي العَمِيقَةِ… وَ ضَعِيفةٌ وَ
وَحِيدةٌ وَخَائِفةٌ وَ جَبَانة؟
لماذا تعجز أَنْتَ عن إمدادي بأية قوة تعصمني مِنَ السقوط
فِي الهوة…أنا أ تعرض لإعياء شديد،لا مفرَّ لي مِنْ ذَلِكَ…أرضية
الغرفة تهدد بالسقوط عند أدنى حركة مِنِّي…أو مِنْ أحد سكان
الطوابق الأخرى…الأصوات تأتي مِنْ كل صوب.. مِنْ داخل العمارة ـ أو
التي كَانَتْ قبْلَ سَاعَاتٍ عِمَارَةً ـ.. وَ مِنَ الخَارِجِ…أصوات تأتيني
كلها.. مِنْ بعيد وَ كأنني موجودة فِي بئر عميقة…الظاهر أنني فعلا
تحت الأرض ..أم هو انطباق الطوابق على بعضها…هو الذي يعطيني
ذلك الإحساس الرهيب بأنني فِي القبر…هل تتخيل؟أنا التي تخاف
المسارب الأرضية وَ المصاعد وَ كل الأماكن المغلقة…أجد نفسي محشوة
داخل عمارة مِنْ خمسة عشر طابقا...
عُمْرِي!
بَدَأَ الشَكُّ يُسَاوِرُنِي فِي أَشْيَاءَ كَثُيَرٍة…وَ بَـدَأَتِ التَّسَاؤُلَاتُ تَفْرِضُ
نَفْسَهَا عَلَيَّ…تصر فِي إلحاح على الارتسام على مساحات الوعي
المتبقية مِنْ كياني المتهالك…هل حان الآن وَقت الرحيل؟هل ستذهبين
الآن؟وَ ماذا ستأخذين معك؟وَ ماذا سوف تقولين؟أليست هناك وَ لو
فرصة صغيرة للمحاوَلة من جديد؟
وَ مَامَا هل ستحاسب مِنْ أجلي؟
وَ مَامَا هل ستحاسب مِنْ أجلي؟
أتدري…أظنني لن أحب فكرة ذلك رغم أنها كَانَتْ مأساتي منذ
البداية …حتى قبل قراري الالتزام…أم تراني أنا التي كنت
مأساتها…أظنها كَانَتْ تحقد علي لأنني لم أكن ـ مثلها ـ امرأة
فاتنة تستدير عند مرورها كل الرؤوس…ربما كَانَتْ تخجل بي…وَ مع
ذلك أنا حاوَلت…لقد أنفقت سنين ثمينة مِنْ عمري….وَأنا مهووسة
بهذا الجسد الذي كَانَ يرفض أن يكون طيعا…وَ زادني ذلك إصرارا وَ
أذقته كل أنواع العذاب…التمارين الرياضية القاسية…لحرمان مِنْ
الطعام.. وَ الاقتصار على كوكتيل البيض النيئ فِي الصباح وَ
السلطة الخضراء فِي المساء…وَحلقات الإقياء التي كَادتْ أن تقتلني…
لقد عانيت دُونَ أَنْ تدعمني …دُونَ أَنْ تشفق علي يوما….
و بعد هذا الثمن الباهظ جاءت النتيجة..تحولت حبة اليقطين إلى
أميرة جميلة…وقتها فقط أصبحت مَامَا تنظر إلي…لأنني أصبحت محور
حديث صديقاتها التافهات…و لكن هذا لم يدم طويلا …
و كَانَ مسَاء…
ذَلِكَ المسَاء الَّذي حدثتني ـ وَ فِي صَوْتِكَ شَجَنٌ سَاحِرٌ حَزِين ـ عَنْ عَزْمِكَ
عَلَى الِالتِزَامِ وَ عَنْ قَرَارِكَ بِتَجْمِيدِ خِطْبَتِنَا المُدَّةَ الكَافِيَةَ لِي لِأَخْذِ
فُرْصَةِ لِلتَّفْكِيِر…
تفعل بي هذا…بعد أن أصبحت جميلة …بعد أن أصبح جسدي طيعا يتلبس
جميع الأثواب…و يتشرب جميع المواد الفاخرة…
انتَابَتْنِي ـ سَاعَتَهَا ـ حَالَةُ اضْطِرَابٍ مَجْنُونةٌ…كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جَدِيدًا
عَلِيَّ…بلْ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّنِي كُنْتُ أَعْرِفُ كُلَّ شَيءٍ عَنِ الالتِزَامِ ِمما
كَانَتْ تَقُولُهُ مَامَا…الأَفْكَارُ المتحجرة… وَ مُصَادَرَةُ الحُرِّيَةِ وَ الإِرَادَة….
المَرْأَةُ بَيْنَ الجُدْرَانِ وَ البَابُ مُقْفَلٌ…وَ لَبْسِ أَكْيَاسِ الزَّبَالَةِ السَّوْدَاءِ…
وَ حَضْرِ السِّينِمَا وَ المَسْرَحِ وَالمَسْبَحِ وَ البَحْرِ وَ السَّفَرِ….
في تلك اللحظة..باغتتني نوبة وعي استثنائية ..لقد ألقيت على
نفسي القبض وَ هي متلبسة بجرم حساب تبعات الغدر بك…وَ كَانَتْ
نفسها اللحظة التي اخترتها أَنْتَ …وَ كما بكَـبسة زَرٍّ… جملة
وَاحِدَةٍ….قوَّضْتَ كُلَّ دِفَاعَاتِي…قلتَ ليِ أَنَّ هذه الدنيا مَهْمَا طَالَتْ لَنْ
تَكْفِينَا لِنَعِيشَ مَعًا مِلْءَ القَلْبِ ،مِلْءَ الرُّوحِ ،مِلْءَ العُمْرِ…وَ أنها لا
ينبغي أن تكون أكثر مِنْ محطة نحضر فيها أنفسنا للخلود معا….
أَحْسَسْتُ مَعَكِ بِأَمَانٍ أَنَاِني ـ أَمَانٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنَالَهُ أَحَدٌ نَظَرِيًا ـ
ذلك الأمان لم يزعزعه قليلا سوى صوت مَامَا المنفجر في
وجهي:"تريدين مواصلة الارتباط به حتى بعد أن أصبح أصوليا…لقد
سحرك…وَلكنني سأعرف شغلي معه…سأعيده لأمه مسجى فِي صندوق…
الإرهابي…."
كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَ جَعَلْتُ انْسَحبُ إِلَى الوَرَاءِ حتَّى تعرَّفَتْ خَطَوَاتِي عَلَى
بَابِ غُرْفَتِي…دَخَلْتُهَا وَ أَغْلَقْتُ البَابَ وَرَائِي..لَكِنَّ صَوْتَهَا ظَلَّ يُلَاحِقُنِي
وَ يَقْتَحِمُ عَلِيَّ خَلْوَتِي…حتىَّ سمعت حَرَكَةً غَيْرَ عَادِيَةٍ تَيَقَّنْتُ أَنَّهَا أزمة
الضَّغْطِ…أو ما تفتعله وَ تسَمِّيهِ كَذَلِكَ …هذا فقط مِنْ أجل أَنْ أَنَالَ
جَزَاءَ مُخَالَفَةَ إِرَادَتِهَا…
عُمْرِي!
الوقت يمر.. وَ فُرَصِي فِي النَّجَاةِ تَقِل…أحس إعياء وَ عطشا وَ اختناقا…
وَ لكني أرغب فقط في قطعة قماش أضعها على رأسي…أَرَى خَيْطًا مِنْ
ضياء يخترق العتمة نحوي هَلْ هِيَ النِّهَايَة؟…هَلْ هِيَ بِدَايَةٌ جَدِيدَة؟
سهيلة /الجزائر07-06-03