الصفويون والعثمانيون
ترجع هذه التسمية إلى الشيخ صفي الدين رئيس الطريقة الصفوية. هذا الشيخ الذي كان سنيا في الأصل نال شهرة كبيرة في أردبيل التي كانت مركز الطريقة في عهد الإيلخانيين، ونجح في جمع جماهير كبيرة من المريدين، وبالتالي كسب الاحترام البالغ من قبل رجال الدولة الإيلخانيين. وبعد وفاته عام 1334خلفه ابنه صدر الدين(فترة توليه للمشيخة 1334-1393) ثم حفيده خوجه علي (1392-1429) ومن بعده ابنه الشيخ إبراهيم(1429-1447)، تجاوزت شهرة هؤلاء الشيوخ حدود بلادهم وبات أردبيل مكانا يقصده الأشخاص من العراق وسورية والأناضول والمناطق الأخرى من إيران ومن بلاد أبعد من ذلك مثل بلخ وبخارى للزيارة والخدمة. كما كان هؤلاء الأشخاص يشتهرون لدى السلاطين العثمانيين في بروسة فيرسلون إليهم في كل عام هدايا تعرف بنقود الضياء، وإلى أن تولى المشيخة خوجه علي كان هذه المشيخة سنية صرفة، وفي عهده بدأت تميل نحو التشيع، ولنفوذه الكبير لدى تيمور أعطاه هذا الحاكم أردبيل مع قراها ثم أعفاه من كافة القيود داخل الأراضي ومنحه حرية التصرف المطلق فيها. لذلك تحولت هذه المنطقة على مر الزمن إلى مأوى لكثير من الخطرين على المجتمع، وبفضل نفوذ خوجه علي لدى تيمور تمكن من استقطاب شريحة واسعة من الباطنيين في الأناضول. وفي الواقع فإن التركمان الذين أخذهم تيمور معه من الأناضول، ثم أطلق سراحهم بعد ان تشفع لهم خوجة علي وكانوا كثيري العدد، باتوا من مريدي الشيخ والدعاة إلى أفكاره وناشريها، واستقر قسم من هؤلاء في حي خصص لهم من أردبيل، هذه الزمرة التي أطلق عليها اسم " الروملو" (الروميين) شكلت أقوى القبائل التي عرفت فيما بعد بالقزلباش. وعاد قسم آخر منهم إلى بلادهم وبدأوا يعلمون لصالحه. كان هؤلاء من الذين يشعرون بالفضل لشيخهم ولا يترددون في التضحية بأنفسهم عند الحاجة. فتوارث رئاسة الطريقة كان عاملا مساعدا لتحويل هذه المجموعة الدينية إلى وحدة سياسية، كما كان بين ممثلي الطريقة ومريديها في الأماكن البعيدة أشخاص وسطاء يعرفون بالخلفاء . هذه الطريقة تحولت في عهد الشيخ جنيد حفيد خوجه علي إلى تنظيم له أهداف سياسية صرفة. وفي واقع الأمر فإن هذا الرجل الذي اعتنق المذهب الشيعي جمع مؤيديه من مريدي أبيه بعد أن دب الخلاف بينه وبين عمه جعفر حول رئاسة الطريقة، تجول في أرََان وأذربيجان شرقي الأناضول والمناطق الأخرى من إيران أو أرسل مريديه إليها في خطوة لتشكيل دولة قوية. فأثار الاضطرابات وأعمال التمرد مما حدا بنظام القره قويون الذي كان يحكم هذه المناطق إلى طرده منها. وفي بعض الفترات لجأ أنصاره إلى بلاد العثمانيين والقره مان ، لكن جنيد لم يقدر على البقاء فيها فترة طويلة بسبب كثرة عدد أنصاره وانحراف عقيدته فطرد من هذه البلاد أيضا. فنقل نشاطه إلى منطقة إيج أل ، ثم إلى جنوب غربي الأناضول فشمال سوريا حيث قبائل التركمان ، وحاول تأسيس إمارة فيها لكن تدخل دولة مصر حال دون تحقيق هذا الهدف، فأراد تحقيقه بإزالة دولة الروم في طرابزون وإنشاء دولة على أنقاضها فتوجه إلى هناك، لكنه لم يوفق أيضا. وأخيرا تزوج بأخت حسن الطويل فأتيحت له فرصة ممارسة نشاطه في بلاد الأق قويون بحرية. وبات جليا هدفه السياسي من خلال الغزوات التي قام بها مع رجاله الذين تجاوز عددهم ثلاثة عشر ألفا، خلال هذه الفترة على بلاد الكرج والشركس، وقتل خلال المعركة التي خاضها ضد خليل حاكم شروان (4 مارس 1460) وبذلك يمكن القول بأنه أول من سعى إلى إقامة دولة للصفويين. هذه المحاولة التي لم تكتمل واصلها ابنه حيدر المولود من زوجته أخت حسن الطويل. فحيدر الذي استغل قرابته من حسن الطويل إلى أبعد الحدود ما أن خلف أباه حتى تزوج ببنت حسن الطويل فتضاعفت مكانته قوة ومنعة. ألبس حيدر هذا مريديه تاجا أحمر من اثني عشر حزا وأمر بلف العمامة عليه، ولذلك أطلق على منتسبيه اسم القزلباش. وكان أول عمل قام به هو السير نحو فروخ ياسار حاكم شيروان ليثأر لأبيه، لكنه قتل في ميدان المعركة (9 يوليو 1488) وأنقذ أبناؤه ومن بينهم إسماعيل ( ولادته في 17 يوليو 1488) من الموت من قبل خالهم السلطان يعقوب، لكنهم حبسوا مع أمهم في قلعة اشتهر، ولما توفي السلطان يعقوب عام 1490 دب الخلاف بين أبنائه، فأطلق سراح إسماعيل وأمه وإخوته. واختير السلطان علي وكان أكبر الأبناء رئيسا للطريقة من قبل مريدي أبيه. وكان طلب السلطان رستم حاكم الأق قويون الاستعانة بالسلطان علي وأنصاره ضد معارضيه عاملا في زيادة نفوذ العائلة الصفوية في دولة الأق قويون، كما استفاد السلطان علي من موقف حاكم الأق قويون، فغادر تبريز ليكون مع رجاله أو الأصح على رأس قواته التي ستجتمع حوله في أردبيل بصفته رجل دولة. حشد هذه القوات الكبيرة أثار قلق رستم، أراد في بداية الأمر استعادة السلطان علي إلى تبريز وجعله تحت المراقبة ثم القضاء على أنصاره، أدركت القوات التي أرسلها لاستعادة السلطان علي وهو في منتصف الطريق، وتعرض السلطان علي لحادث أثناء المعركة التي وقعت بين الطرفين فمات، وانفرط عقد قواته. لكن أخاه الأصغر إسماعيل الذي سبق وأن اختاره السلطان علي خلفا له ونجا من الوقوع في قبضة خصمه، أخذه مريدو أبيه وأخفوه في مكان بغيلان. وعندما قتل رستم خرج إسماعيل من لا هجان التي كان مختبئا فيها عام 1499 ليكون على رأس الدولة التي خلفها حسن الطويل، وهو طفل في في الثالثة عشر من عمره. عرف إسماعيل كيف يستغل فرصة الصراع على السلطة الذي ظهر في دولة الأق قويون بوفاة رستم، فجمع حوله الأتباع المعروفين بولائهم لأسرته وكان أكثرهم من الأوستاج والشوام والروم والموصليين والهنود والتكه والبايبورد والجابان والقره داغ والقره مان وذي القدرية والورسق والأوشار والقاجار وغيرهم من القبائل التركية المقيمة في الأناضول، ثم استولى على جزء من بلاد أرََان وشيوان، وسار بعد ذلك نحو أذربيجان ، واضطر ألوند بك من الأق قويون للهرب إلى ديار بكر، ثم عاد إلى تبريز ولبس تاج السلطنة . حاول ألوند بك استعادة بلاده أكثر من مرة لكن محاولاته باءت كلها بالفشل، استولى الشاه إسماعيل بعد ذلك على عراق العرب وديار بكر ووصل حتى ألبستان، وقتل كل من لقيه في طريقه من الأق قويون، ومن نجا من سيفه لجا إلى ذي القدرية أو مصر أو العثمانيين. وبعد أن قوى الشاه إسماعيل سلطنته بما يكفي، بات شديد التطرف والإفراط في شيعيته، واستخدام القوة المفرطة ضد مذاهب السنة، وأحدث في الأذان عبارة " أشهد أن عليا ولي الله" وان بلعن أبي بكر وعمر وعثمان، وبعد تصفية أعدائه في الغرب، وتأسيس تنظيم ديني مكثف في البلدان المجاورة، سار عام 916(1510/1511) نحو الشيباني خان الأوزبك في خراسان. وخسر الأوزبك في المعركة وقتل الخان، وكان من بين الذي وقعوا في الأسر بنت بابور شاه وأخته، وبعد أن أبدى الشاه إسماعيل واجب الاحترام لأخت بابور شاه أعادها إلى بابور في الهند، وكان ذلك عاملا في إقامة علاقات طيبة بين الدولتين.
وبهذه الصورة نجح الشاه إسماعيل في تحقيق الوحدة السياسية في إيران. لكن سعيه إلى الدعاية والتحريض في الأناضول لنشر طريقته فيها من جهة وسوء المعاملة التي لقيها منه أهل السنة من جهة أخرى كان يثير قلق سليم الأول ولي العهد الذي أصبح سلطان فيما بعد. وبعد تبادل الرسائل المهينة بينهما، وقعت بين العاهلين معركة جالديران الكائنة على بعد عشرين فرسخا من تبريز يوم الثلاثين من رجب عام 920 (23 أغسطس 1514) وانتهت بهزيمة الشاه إسماعيل، وبذلك باتت إيران توجه خطر التفتت بعد وحدتها. وبعد اضطرابات دامت حوالي عشرة أعوام وعلى اثر وفاة الشاه إسماعيل يوم 19 رجب 930(24 مايو 1524) تولى الملك ابنه طهماسب وكان يبلغ الثانية عشرة. وكان الشاه إسماعيل أعطى رؤساء القبائل التركية التي يعود إليهم الفضل في تحقيق الانتصارات صلاحيات واسعة ومناصب مهمة في حكم البلاد. لكن ذلك لم يعط نتائج طيبة لمن جاء بعده، ومع ذلك فإن الفضل يعود إليه في إعادة وحدة إيران السياسية والمذهبية.
كان الشاه طهماسب حتى بلوغه سن الرشد ألعوبة في أيدي رؤساء القبائل، بينما تزعزعت أركان الحكومة المركزية في هذه الفترة. فقد تحول ولاء المريد لشيخه الذي كان عليه رؤساء القبائل في أول الأمر إلى وسيلة لتحقيق الثراء، والطمع في اقتسام المناصب، فصار كل واحد منهم يتصرف في منطقته باستقلالية، وكان من بينهم من ثار وتمرد على الدولة ولجأ إلى الدولة العثمانية على نحو ما كان من قبيلة تكه لى. وفي هذه الفترة وبسبب من حركات تمرد القزلباش وتحريض اللاجئين إلى الدولة دخلت الجيوش العثمانية التي قادها السلطان القانوني بنفسه ثلاث مرات إلى أذربيجان وعراق العجم وعراق العرب، فدمر قسما منها واستولى على قسمها الآخر، وأخيرا وقعت معاهدة أماسيا بتاريخ 8 رجب 962(29 مايو 1555) التي حالت دون الضغوط العثمانية فترة من الزمن. ومع لجوء بايزيد الابن المتمرد على أبيه السلطان سليمان القانوني إلى الشاه طهماسب، بدت علاقات الصداقة بين الدولتين وكأنها في خطر، لكن تسليم الأمير المذكور لرجال السلطان القانوني حال دون التطور السلبي للأحداث، واستمرت علاقات الصداقة هذه بعد موت السلطان القانوني، حيث أرسل الشاه بمناسبة اعتلاء سليم الثاني ثم مراد الثالث عرش السلطنة هدايا قيمة مع سفرائه إلى أدرنة واستنبول. وفي هذه الفترة كذلك لجأ همايون حاكم دهلي إلى طهماسب، وعاد إلى عرشه بمساعدته، وطهماسب هذا الذي كان شديد التعصب تمكن من إزالة النزاع بين أبنائه، وبعد حكم دام ثلاثة وخمسين عاما توفي في 15 صفر 984(15 مايو 1576) وكان من المفترض أن يخلفه ابنه محمد خدابندا، لكن كونه أعمى البصر جعل الخلافة موضع خلاف بين ولديه الآخرين الميرزا حيدر والميرزا إسماعيل. فوقف رؤساء قبيلة اوستاجلو إلى جانب الميرزا حيدر بين وقف رؤساء قبائل الروملو والأوشار والتكه لى في صف الميرزا إسماعيل، وأخيرا تحققت رغبة أنصار الميرزا إسماعيل باعتلائه العرش، وقد كان منذ عشر سنوات مسجونا بقلعة قهقهة شمالي شرقي العصمة قزوين بسب معارضته لأبيه، فلبس التاج ولقب الشاه إسماعيل الثاني اعتبارا من 27 جمادى الأولى 984(22 أغسطس 1576) ، وكان أول عمل قام به هذا الشاه القضاء على رؤوس القزلباش وعلى كثير من الأمراء. كما ابعد علماء الشيعة عن القصر، وأقام مكانهم علماء السنة. ثم منع الإساءة للخلفاء وإزالة العبارات المتعلقة بهذه المسألة من جدران المساجد. ومع ذلك فإنه ميله نحو السنة لم يحل دون إفساحه المجال للتحريض بين القزلباش في الأناضول، واستمالته الأمراء التابعين للدولة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى إعلان الدولة العثمانية الحرب ضد الدولة الصفوية بعد وفاته. وقد دفعه حذره من رؤساء القزلباش الذين شغلوا مناصب مهمة إلى عزلهم وتعيين مؤيدين له ممن لا خبرة لهم في شئون الدولة ، هذا الحاكم الذي وصف بالعادل بالرغم من ممارسته الظلم كان يستعير اسم" عادلي" في أشعاره، ولم تمض فترة طويلة حتى صار معرضا لنفور أقرب مقربيه وفي الثالث عشر من رمضان 985(24 نوفمبر 1577) مات مسموما. وبعد أخذ ورد استمر طويلا جاء رؤساء القزلباش بمحمد خدابندا الابن الأكبر لطهماسب إلى سدة الحكم ، لكنه كان عليلا بالإضافة إلى فقدانه البصر وبالتالي عاجزا عن إدارة شئون الدولة، فصارت زوجته تدير شئون الحكم ، بينما اختير ابنه الميرزا حمزة البالغ الحادية عشرة من العمر وليا للعهد، لكن أمه تفردت بالحكم ، لكن القزلباش البعيدين كانوا مستائين من كون الأمير بعيدا عن مركز الحكومة، فتقرر جمع الأمراء في عاصمة الدولة خوفا من أن يجتمع القزلباش حول رؤسائهم ويعلنوا التمرد على الدولة. ومما زاد من تبرم وامتعاض رؤساء القزلباش في هذه الفترة صرامة وقسوة والدة الأمير ميرزا وتعيينها مقربيها في بعض المناصب. أما السلطان مراد الثالث الذي وجد في بعض الحوادث التي تسبب فيها الشاه إسماعيل نقضا للمعاهدة بينهما، فقد أمر بعد وفاة الحاكم المذكور بأن تستولي قواته المتمركزة على الحدود على أراضي الدولة الصفوية. وعقب ذلك أعد الجيش للقيام بحملة ، وأرسله بقيادة الوزير الثالث لالا مصطفى باشا الأسود لفتح جرجستان وشيروان وأذربيجان، ولأول مرة منيت القوات الصفوية بقيادة طوقماق محمدي خان وإمام قولى خان بالهزيمة في سهل جلدر، ثم وقعت تفليس وشيروان والمناطق المجاورة لها بأيدي العثمانيين. لكن الدولة الصفوية قامت بكثير من المحاولات لاستعادة شيروان وجرجستان، وأخيرا استغلت سذاجة سنان باشا الكبير الذي عين بدلا من لالا مصطفى باشا فسعت إلى استرداد بعض المناطق، لكنها مساعيها منيت بالفشل نتيجة جهود عثمان باشا اوزدمير اوغلى، ثم جيء بفرحات باشا للقيادة العامة للجيش العثماني، فرسخ أقدام العثمانيين في جرجستان بعد روان، كما تمكن الجيش من الاستيلاء على تبريز بقيادة اوزدمير اوغلى، وباءت محاولات الميرزا حمزة لاستعادة تبريز بالفشل فمال إلى الصلح لكنه قتل خلال هذه الفترة ، أما الخلاف الذي دب بين أمراء القزلباش حول من يعين لولاية العهد فقوى الاتجاه في الرغبة بالصلح، إلا أن جلوس الميرزا عباس ومقتل الأمراء المؤيدين للصلح حال دون تحقيقه. ولما علم الميرزا عباس باستيلاء عبد الله خان حاكم الأوزبك وسيره نحو مشهد في جمادى الثانية 996 (أواسط إبريل 1588) توجه إلى خراسان ليحول دون ذلك، فاستغلت القوات العثمانية هذا الوضع فاستولوا بقيادة فرحات باشا على كنجه، كما استولوا على نهاوند بقيادة أمير أمراء وقائد بغداد سنان باشا جيغالا زاده. أما الدولة الصفوية التي كانت تواجه تهديد القوات الأوزبكية في الشرق وتهديد القوات العثمانية في الغرب أصبحت أيضا بؤرة للإضطرابات الداخلية. حيث يعلن الأمراء تمردهم واستقلالهم هنا وهناك. أراد الشاه عباس حل الخلافات الداخلية في البلاد، فعرض أولا الصلح على الحكومة العثمانية ، في الوقت الذي كان العثمانيون يواجهون بعض المصاعب من استمرار الحرب، فقد أدت الحملات طويلة الأمد إلى بعض المشاكل المالية في الدولة العثمانية، كما أن الاحتفاظ بالأماكن التي سيطرت عليها ولد بعض المشاكل التي تستعصي على الحل. إلا أن الصفويين كانوا أحوج إلى الصلح من العثمانيين، لذلك أرسل الشاه مع وفد السفارة إلى استنبول الميرزا حيدر ابن شقيقه الميرزا حمزة بصفة رهينة ليكون دليلا على صدق رغبة الدولة الصفوية في الصلح. وصل الوفد إلى استنبول يوم الثاني عشر من ربيع الأول 998( 18 يناير 1590) وبعد مفاوضات ومباحثات توصل الجانبان إلى نص معاهدة تحمل توقيع السلطان مراد الثالث يتضمن تعهد إيران بالتخلي عن سب أصحاب وخلفاء رسول الله، والحذر من القيام بأي تصرف يؤدي إلى نفور السنة، وإبقاء الوضع في الأماكن التي يسيطر عليها كل جانب على ما هو عليه حتى نيروز عام 998(22 مارس 1590) والالتزام بالصلح طالما التزم الطرفان بأحكام المعاهدة ، وعدم حماية من يلجأ من المجرمين والمتمردين من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر بعد عقد المعاهدة. وبهذه الصورة بقيت تبريز وقسم من أذربيجان الغربية وأرمنية وشكي وشيروان وجرجستان وقره باغ وقسم من لورستان بيد العثمانيين. وتمكن الشاه عباس من تأمين الاستقرار في البلاد بعد التنكيل بالأمراء الذين تمردوا عليه في غيران، وإبعاد الأوزبك من خراسان. وأخذ الضغوط العثمانية بعين الاعتبار فنقل عاصمته من قزوين إلى إصفهان. وكان الجيش حتى هذه الفترة من عناصر تابعة للأمراء، فشكل وحدات عسكرية جديدة باسم "محبي الشاه"، وقتل قسما من الأمراء، كما حرم قسما آخر منهم من المواقع التي كانوا يحتلونها في إدارة الدولة ، وسعى في الوقت نفسه إلى إقامة علاقات وثيقة مع الدول الأوربية، وإلى تطوير التجارة والفنون اليدوية، وبذلك نجح في رفع شان إيران، كما ساعد اتخاذه إصفهان عاصمة الدولة على نمو هذه المدينة وتطورها. وبعد أن تمتين دعائم بلاده وجيشه وفق الشاه عباس من استعادة الأماكن التي احتلها العثمانيون، كما انتزع الجزر التي احتلها البرتغاليون عند مدخل خليج البصرة. حكم هذا الشاه الذي اشتهر بالظلم إلى جانب مزاياه الأخرى مدة اثنين وأربعين عاما وتوفي يوم الرابع والعشرين من جمادى الأولى 1038( 19 يناير 1629) وولي مكانه حفيده الميرزا سام التي تسمى بالشاه صافي الأول وعرف بالظلم والغطرسة، واضطرت إيران في عهده لمحاربة العثمانيين والأوزبك. وقد أدى اعتداء القوات الصفوية على وان إلى قيام مراد الرابع بحملة روان، كما أن حملته على بغداد انتهت ببقاء بغداد ضمن الممالك العثمانية بصورة نهائية. خلف الشاه صافي الأول (1629-1642) ابنه عباس الثاني وكان عمره أحد عشر عاما، ثم ابنه الشاه ميرزا صافي الذي لقب بالشاه سليمان الأول( 1666-1694). بالرغم من ضعف مزاجه وميله الكبير للنساء فقد نعمت إيران في عهده بالاستقرار بفضل وزرائه المقتدرين. وعلى اثر موت الشاه سليمان عام 1694، جاء السلطان حسين (1694) فترك شئون الدولة كلها بيد رجال الدين، وطارد من ليس على مذهب الشيعة. هذه السياسة التي أحدثت تململا وامتعاضا لدى الناس أدت أيضا إلى تدهور العلاقة مع الأفغان، وأعلن والي قندهار المير ويس استقلاله عام 1709 ، وأخيرا تمكن المير ويس وابنه محمود من الاستيلاء على إصفهان، وإزاحة السلطان حسين عن العرش. ولكن بجهود القائد نادر طرد الأفغان من إيران (1729)، وجاء نادر بالشاه طهماسب الثاني، لكنه ما لبث أن أزاحه مرة أخرى بسبب عدم كفاءته، وجاء بابنه عباس الثالث وهو في الشهر العاشر من عمره. وبعد فترة قصيرة توفي عباس الثالث، وانتهى حكم الأسرة الصفوية بتولي نادر شاه مقاليد الحكم يوم السادس والعشرين من فبراير 1737.
يرجع سبب انحطاط الحكم الصفوي وانقراضه إلى ضعف الوازع الديني وتزايد نفوذ العلماء الشيعة بصورة تدريجية ، ووقوفهم في وجه الحكام ، وعدم كفاءة الذين خلفوا الشاه عباس بالإضافة إلى تدخل نساء القصر في شئون الحكم.
فالصفويون الذين حققوا تشكيل نظام سياسي في إيران عرفوا أيضا بحبهم للفنون، وإذا استثنينا أدب تلك الفترة الذي لم ينل حظه من الدراسة والتحقيق، فإن الفنون البديعة والفنون اليدوية الأخرى مثل الرسم والعمارة وصناعة الخزف والفخار والسجاد والنسيج وغيرها شهدت مزيدا من التطور، وقد بلغت صناعة التجليد وتزيين التجليد وفن الخط شأوا كبيرا، بدليل الآثار التي بقيت حتى يومنا هذا. وإذا استثنينا مجال فقه الشيعة والتفسير والحديث الذي كان موضع الاهتمام المباشر من قبل الحكام في أمر نشر عقيدة الشيعة، فإننا لا نجد تطورا كبيرا في مجال المعرفة، فأكثر الأطفال كانوا يتعلمون قراءة القرآن في المدارس شديدة البساطة ثم ينتقلون إلى تعلم مهنة من المهن.
النظم الإدارية والمؤسسات
لم يكتف الشاه إسماعيل بالاستحواذ على البلاد التي كانت للأق قويون بل أخذ منهم أيضا نظمهم الإدارية ومؤسساتهم. ولما بدأت الاتصالات مع العثمانيين بعد معركة جالديران عرف الصفويون بنقص هذه النظم في كثير من النواحي، وقرروا تطبيق النظم العثمانية وعلى رأسها نظام الجيش. وتشابه الأسماء في نظام القصر وكذلك النظام الإداري يعطينا فكرة كافية حول هذا الموضوع. فبالإضافة إلى كون الشاه بشكل خاص الحاكم المطلق في القرن التاسع الهجري( الخامس عشر الميلادي) فقد كان له مجلس استشاري خاص، وهو يتقيد بتقاليد ومقتضيات المذهب الشيعي. والحكام الذين سبقوا الشاه عباس كانوا مضطرين للأخذ بعين الاعتبار دائما ميول وأفكار رؤساء ووجوه القزلباش الذين كان لهم الفضل في حكمهم. كما أن ولاة العهد يرسلون إلى أماكن بعيدة عن العاصمة على غرار ما كان لدى العثمانيين ليكسبوا الخبرات في إدارة شئون البلاد. ومنذ عهد الشاه عباس صاروا ينشأون في القصر ويتأثرون بمربيهم وبمن حولهم لدى وصولهم إلى سدة الحكم. والمناصب الإدارية المهمة التي كانت بيد القزلباش قبل مجيء الشاه عباس وزعت بعد ذلك للآخرين. وكان قسم من الشئون الإدارية وراثية ، وهكذا كان وضع الولاة أو الأمراء والوزير الأعظم الذين يختارون من ذوي النفوذ من لورستان وجرجستان وغيرها، وكان عدد الولايات أربعة وعلى رأسها خوزستان وجرجستان ، وكان يتبع هؤلاء الولاة الذين كانت لهم صلاحيات واسعة الخانات أو الأمراء الصغار المعروفون بغلام بك. وكان الولاة في زمن الحرب يرسلون عددا معينا من الجنود إلى العصمة أما في المناطق الأصغر حجما ، فقد كان فيها مأمورون إداريون يعرفون بالسلاطين يديرون مناطقهم تحت إشراف الوالي، ويعين هؤلاء من قبل الشاه. وكان يتبع الولاة ثلاثة من الإداريين ومساعد لهم وكاتب للوقائع.
وأهم منصب في الدولة هو منصب وزارت بزورغ ويطلق على الوزير الأعظم اسم اعتماد الدولة ونواب إيران مداري. وفي العهود التي حكم فيها رؤساء القزلباش كانت صلاحيات الوزير الأعظم ضيقة، ومع تقلص نفوذهم زادت أهمية منصبه بحيث لا تعد أحكام الحاكم نافذة إلا بختم الوزير الأعظم، وتكاد كل شئون الدولة مرتبطة به ، ويأتي من بعده قورجي باشى ويطلق عليه اسم أمير الأمراء، ويتبعه ثلاثة عشر قورجيا وهم قورجي العمامة وقورجي السيف وقورجي الخنجر وقورجي القوس وقورجي الرمح وقروجي جعبة السهام وقورجي الترس وقورجي الدرع وقورجي الحذاء وقورجي القدح وقورجي وقورجي اللجام وقورجي التخابر. ويأتي من بعدهم آغا العبيد وآغا العتبة وناظر البيوتات الذي يهتم بالشئون المالية للقصر، وقد بلغ نفوذ هذا الأخير في فترة من الفترات الوزير الأعظم ، وكان أمير الديوان رئيس ديوان العدالة، وكان هناك آغا القوشخانة ويتبع الأمير شيكار باشى(كبير القناصين) ، والسكبان باشى وحوالي الف من القناصين ، وكان هناك كبير المير آخور وهو مسئول عن شئون خيول الشاه، وكان هناك مجلس نويس مهمته الحفاظ على فرمانات الشاه والأوراق الرسمية الأخرى وكتابتها وإيصال الرسائل التي تأتي من الولاة إلى الشاه ، وإمامة المستوفي الذي يقوم بمهمة ناظر المالية.
أثبتت معركة جالديران عدم كفاية نظام الجيش الذي أقيم على أساس النظام السائد في الأق قويون، لكن هذا النقص لم يستكمل إلا بعد تولي الشاه عباس مقاليد الحكم. فقد أزاح الشاه عباس جانبا الجيش الذي تشكل وفقا لرغبات رؤساء القزلباش، وشكل جيشا جديدا بمساعدة المختصين الأوربيين مجهزا بالأسلحة الحديثة. وبذلك أصبحت في هذا العهد قوتان عسكريتان، تضم إحداهما وحدات تابعة للدولة تشكلت وفق النظام القديم من بقايا جيش القزلباش مجهزة بالسهام والقسي والسيوف والخناجر والسواطير والتروسوتعرف بالقورجي ، والأخرى من قوات الفرسان الذين جمعوا من المناطق التي يحكمها الولاة وأصحاب النفوذ وأرسلوا إلى العاصمة لدى الحاجة إليهم، أما جيش الشاه فكانت عبارة عن خمسة أقسام 1- حاملو البنادق وهم مجهزون بالبنادق القصيرة والسيوف والخناجر(تفنكجيان) ، ويختارون من بين الفلاحين وتدفع علوفاتهم من خزينة الشاه. 2- وحدات الفرسان وهم العبيد مجهزون بأسلحة القورجيين، ويختارون من بين شعوب القفقاس أو من بين الذين جاءوا من هناك وأمضوا مرحلة الصبا في إيران ، 3- المدفعية، 4- الصوفيون وهم المنتسبون للأسرة الصفوية وأقسموا اليمين على القتال في سبيلها. 5- حراس القصر وهم مجهزون بالسيوف والخناجر والبنادق ويحيطون بالقصر بصورة دائمة.
الطبقة الحاكمة في العهد الصفوي كانت في الأغلب من القبائل التركية التالية: شاملى اوستاجلى، تركمان، روملى، ذور القدرية ، أوشار ، قاجار تكه لى ، وحمصلى ، وكانت إلى جانب هذه القبائل قبائل إيرانية الأصل مثل طالس وروزاكي وسياه منصور وبازوكي وأردلان. واستمر نفوذ هؤلاء في شئون الدولة حتى عهد الشاه عباس.
أما الطبقة الوسطى فكانت من التجار والحرفيين والعمال والفلاحين ، وكان للدولة الحق في وضع يدها على أملاك هؤلاء في أي وقت تشاء. وقد قسمت الأراضي إلى خصبة وبور، وكانت الأراضي الخصبة تتبع الدولة والحكام وأشخاص مخصوصين والأوقاف، وقد خصصت واردات أراضي الدولة للقادة والعساكر والحاكم المحلي ومساعده، أما أكثر الأراضي التابعة للشاه فكانت في خراسان وفارس وكرمان وأذربيجان، وتكون وارداتها كاملة للشاه والقصر. أما أملاك الوقف فكانت عبارة عن البساتين الشيعة والبيوت والدكاكين والحمامات وخانات القوافل وتخصص لعلماء الشيعة ويمنع غيرهم من التدخل فيها. وأما الأراضي التابعة لأشخاص فهي مخصصة لهم لمدة تسعة وتسعين عاما، وفي نهاية هذه المدة يمكن تجديد حق التصرف فيها بعد أخذ الدولة وارداتها لعام واحد. كما كانت الأراضي البور تحت تصرف الشاه ويمكن للأهالي مراجعة السلطات المحلية واستغلال هذه الأراضي لفترة محدودة.
ليس هناك معلومات قطعية حول واردات الدولة، ولكن يمكن أخذ فكرة عنها من بعض المصادر.
ترجع هذه التسمية إلى الشيخ صفي الدين رئيس الطريقة الصفوية. هذا الشيخ الذي كان سنيا في الأصل نال شهرة كبيرة في أردبيل التي كانت مركز الطريقة في عهد الإيلخانيين، ونجح في جمع جماهير كبيرة من المريدين، وبالتالي كسب الاحترام البالغ من قبل رجال الدولة الإيلخانيين. وبعد وفاته عام 1334خلفه ابنه صدر الدين(فترة توليه للمشيخة 1334-1393) ثم حفيده خوجه علي (1392-1429) ومن بعده ابنه الشيخ إبراهيم(1429-1447)، تجاوزت شهرة هؤلاء الشيوخ حدود بلادهم وبات أردبيل مكانا يقصده الأشخاص من العراق وسورية والأناضول والمناطق الأخرى من إيران ومن بلاد أبعد من ذلك مثل بلخ وبخارى للزيارة والخدمة. كما كان هؤلاء الأشخاص يشتهرون لدى السلاطين العثمانيين في بروسة فيرسلون إليهم في كل عام هدايا تعرف بنقود الضياء، وإلى أن تولى المشيخة خوجه علي كان هذه المشيخة سنية صرفة، وفي عهده بدأت تميل نحو التشيع، ولنفوذه الكبير لدى تيمور أعطاه هذا الحاكم أردبيل مع قراها ثم أعفاه من كافة القيود داخل الأراضي ومنحه حرية التصرف المطلق فيها. لذلك تحولت هذه المنطقة على مر الزمن إلى مأوى لكثير من الخطرين على المجتمع، وبفضل نفوذ خوجه علي لدى تيمور تمكن من استقطاب شريحة واسعة من الباطنيين في الأناضول. وفي الواقع فإن التركمان الذين أخذهم تيمور معه من الأناضول، ثم أطلق سراحهم بعد ان تشفع لهم خوجة علي وكانوا كثيري العدد، باتوا من مريدي الشيخ والدعاة إلى أفكاره وناشريها، واستقر قسم من هؤلاء في حي خصص لهم من أردبيل، هذه الزمرة التي أطلق عليها اسم " الروملو" (الروميين) شكلت أقوى القبائل التي عرفت فيما بعد بالقزلباش. وعاد قسم آخر منهم إلى بلادهم وبدأوا يعلمون لصالحه. كان هؤلاء من الذين يشعرون بالفضل لشيخهم ولا يترددون في التضحية بأنفسهم عند الحاجة. فتوارث رئاسة الطريقة كان عاملا مساعدا لتحويل هذه المجموعة الدينية إلى وحدة سياسية، كما كان بين ممثلي الطريقة ومريديها في الأماكن البعيدة أشخاص وسطاء يعرفون بالخلفاء . هذه الطريقة تحولت في عهد الشيخ جنيد حفيد خوجه علي إلى تنظيم له أهداف سياسية صرفة. وفي واقع الأمر فإن هذا الرجل الذي اعتنق المذهب الشيعي جمع مؤيديه من مريدي أبيه بعد أن دب الخلاف بينه وبين عمه جعفر حول رئاسة الطريقة، تجول في أرََان وأذربيجان شرقي الأناضول والمناطق الأخرى من إيران أو أرسل مريديه إليها في خطوة لتشكيل دولة قوية. فأثار الاضطرابات وأعمال التمرد مما حدا بنظام القره قويون الذي كان يحكم هذه المناطق إلى طرده منها. وفي بعض الفترات لجأ أنصاره إلى بلاد العثمانيين والقره مان ، لكن جنيد لم يقدر على البقاء فيها فترة طويلة بسبب كثرة عدد أنصاره وانحراف عقيدته فطرد من هذه البلاد أيضا. فنقل نشاطه إلى منطقة إيج أل ، ثم إلى جنوب غربي الأناضول فشمال سوريا حيث قبائل التركمان ، وحاول تأسيس إمارة فيها لكن تدخل دولة مصر حال دون تحقيق هذا الهدف، فأراد تحقيقه بإزالة دولة الروم في طرابزون وإنشاء دولة على أنقاضها فتوجه إلى هناك، لكنه لم يوفق أيضا. وأخيرا تزوج بأخت حسن الطويل فأتيحت له فرصة ممارسة نشاطه في بلاد الأق قويون بحرية. وبات جليا هدفه السياسي من خلال الغزوات التي قام بها مع رجاله الذين تجاوز عددهم ثلاثة عشر ألفا، خلال هذه الفترة على بلاد الكرج والشركس، وقتل خلال المعركة التي خاضها ضد خليل حاكم شروان (4 مارس 1460) وبذلك يمكن القول بأنه أول من سعى إلى إقامة دولة للصفويين. هذه المحاولة التي لم تكتمل واصلها ابنه حيدر المولود من زوجته أخت حسن الطويل. فحيدر الذي استغل قرابته من حسن الطويل إلى أبعد الحدود ما أن خلف أباه حتى تزوج ببنت حسن الطويل فتضاعفت مكانته قوة ومنعة. ألبس حيدر هذا مريديه تاجا أحمر من اثني عشر حزا وأمر بلف العمامة عليه، ولذلك أطلق على منتسبيه اسم القزلباش. وكان أول عمل قام به هو السير نحو فروخ ياسار حاكم شيروان ليثأر لأبيه، لكنه قتل في ميدان المعركة (9 يوليو 1488) وأنقذ أبناؤه ومن بينهم إسماعيل ( ولادته في 17 يوليو 1488) من الموت من قبل خالهم السلطان يعقوب، لكنهم حبسوا مع أمهم في قلعة اشتهر، ولما توفي السلطان يعقوب عام 1490 دب الخلاف بين أبنائه، فأطلق سراح إسماعيل وأمه وإخوته. واختير السلطان علي وكان أكبر الأبناء رئيسا للطريقة من قبل مريدي أبيه. وكان طلب السلطان رستم حاكم الأق قويون الاستعانة بالسلطان علي وأنصاره ضد معارضيه عاملا في زيادة نفوذ العائلة الصفوية في دولة الأق قويون، كما استفاد السلطان علي من موقف حاكم الأق قويون، فغادر تبريز ليكون مع رجاله أو الأصح على رأس قواته التي ستجتمع حوله في أردبيل بصفته رجل دولة. حشد هذه القوات الكبيرة أثار قلق رستم، أراد في بداية الأمر استعادة السلطان علي إلى تبريز وجعله تحت المراقبة ثم القضاء على أنصاره، أدركت القوات التي أرسلها لاستعادة السلطان علي وهو في منتصف الطريق، وتعرض السلطان علي لحادث أثناء المعركة التي وقعت بين الطرفين فمات، وانفرط عقد قواته. لكن أخاه الأصغر إسماعيل الذي سبق وأن اختاره السلطان علي خلفا له ونجا من الوقوع في قبضة خصمه، أخذه مريدو أبيه وأخفوه في مكان بغيلان. وعندما قتل رستم خرج إسماعيل من لا هجان التي كان مختبئا فيها عام 1499 ليكون على رأس الدولة التي خلفها حسن الطويل، وهو طفل في في الثالثة عشر من عمره. عرف إسماعيل كيف يستغل فرصة الصراع على السلطة الذي ظهر في دولة الأق قويون بوفاة رستم، فجمع حوله الأتباع المعروفين بولائهم لأسرته وكان أكثرهم من الأوستاج والشوام والروم والموصليين والهنود والتكه والبايبورد والجابان والقره داغ والقره مان وذي القدرية والورسق والأوشار والقاجار وغيرهم من القبائل التركية المقيمة في الأناضول، ثم استولى على جزء من بلاد أرََان وشيوان، وسار بعد ذلك نحو أذربيجان ، واضطر ألوند بك من الأق قويون للهرب إلى ديار بكر، ثم عاد إلى تبريز ولبس تاج السلطنة . حاول ألوند بك استعادة بلاده أكثر من مرة لكن محاولاته باءت كلها بالفشل، استولى الشاه إسماعيل بعد ذلك على عراق العرب وديار بكر ووصل حتى ألبستان، وقتل كل من لقيه في طريقه من الأق قويون، ومن نجا من سيفه لجا إلى ذي القدرية أو مصر أو العثمانيين. وبعد أن قوى الشاه إسماعيل سلطنته بما يكفي، بات شديد التطرف والإفراط في شيعيته، واستخدام القوة المفرطة ضد مذاهب السنة، وأحدث في الأذان عبارة " أشهد أن عليا ولي الله" وان بلعن أبي بكر وعمر وعثمان، وبعد تصفية أعدائه في الغرب، وتأسيس تنظيم ديني مكثف في البلدان المجاورة، سار عام 916(1510/1511) نحو الشيباني خان الأوزبك في خراسان. وخسر الأوزبك في المعركة وقتل الخان، وكان من بين الذي وقعوا في الأسر بنت بابور شاه وأخته، وبعد أن أبدى الشاه إسماعيل واجب الاحترام لأخت بابور شاه أعادها إلى بابور في الهند، وكان ذلك عاملا في إقامة علاقات طيبة بين الدولتين.
وبهذه الصورة نجح الشاه إسماعيل في تحقيق الوحدة السياسية في إيران. لكن سعيه إلى الدعاية والتحريض في الأناضول لنشر طريقته فيها من جهة وسوء المعاملة التي لقيها منه أهل السنة من جهة أخرى كان يثير قلق سليم الأول ولي العهد الذي أصبح سلطان فيما بعد. وبعد تبادل الرسائل المهينة بينهما، وقعت بين العاهلين معركة جالديران الكائنة على بعد عشرين فرسخا من تبريز يوم الثلاثين من رجب عام 920 (23 أغسطس 1514) وانتهت بهزيمة الشاه إسماعيل، وبذلك باتت إيران توجه خطر التفتت بعد وحدتها. وبعد اضطرابات دامت حوالي عشرة أعوام وعلى اثر وفاة الشاه إسماعيل يوم 19 رجب 930(24 مايو 1524) تولى الملك ابنه طهماسب وكان يبلغ الثانية عشرة. وكان الشاه إسماعيل أعطى رؤساء القبائل التركية التي يعود إليهم الفضل في تحقيق الانتصارات صلاحيات واسعة ومناصب مهمة في حكم البلاد. لكن ذلك لم يعط نتائج طيبة لمن جاء بعده، ومع ذلك فإن الفضل يعود إليه في إعادة وحدة إيران السياسية والمذهبية.
كان الشاه طهماسب حتى بلوغه سن الرشد ألعوبة في أيدي رؤساء القبائل، بينما تزعزعت أركان الحكومة المركزية في هذه الفترة. فقد تحول ولاء المريد لشيخه الذي كان عليه رؤساء القبائل في أول الأمر إلى وسيلة لتحقيق الثراء، والطمع في اقتسام المناصب، فصار كل واحد منهم يتصرف في منطقته باستقلالية، وكان من بينهم من ثار وتمرد على الدولة ولجأ إلى الدولة العثمانية على نحو ما كان من قبيلة تكه لى. وفي هذه الفترة وبسبب من حركات تمرد القزلباش وتحريض اللاجئين إلى الدولة دخلت الجيوش العثمانية التي قادها السلطان القانوني بنفسه ثلاث مرات إلى أذربيجان وعراق العجم وعراق العرب، فدمر قسما منها واستولى على قسمها الآخر، وأخيرا وقعت معاهدة أماسيا بتاريخ 8 رجب 962(29 مايو 1555) التي حالت دون الضغوط العثمانية فترة من الزمن. ومع لجوء بايزيد الابن المتمرد على أبيه السلطان سليمان القانوني إلى الشاه طهماسب، بدت علاقات الصداقة بين الدولتين وكأنها في خطر، لكن تسليم الأمير المذكور لرجال السلطان القانوني حال دون التطور السلبي للأحداث، واستمرت علاقات الصداقة هذه بعد موت السلطان القانوني، حيث أرسل الشاه بمناسبة اعتلاء سليم الثاني ثم مراد الثالث عرش السلطنة هدايا قيمة مع سفرائه إلى أدرنة واستنبول. وفي هذه الفترة كذلك لجأ همايون حاكم دهلي إلى طهماسب، وعاد إلى عرشه بمساعدته، وطهماسب هذا الذي كان شديد التعصب تمكن من إزالة النزاع بين أبنائه، وبعد حكم دام ثلاثة وخمسين عاما توفي في 15 صفر 984(15 مايو 1576) وكان من المفترض أن يخلفه ابنه محمد خدابندا، لكن كونه أعمى البصر جعل الخلافة موضع خلاف بين ولديه الآخرين الميرزا حيدر والميرزا إسماعيل. فوقف رؤساء قبيلة اوستاجلو إلى جانب الميرزا حيدر بين وقف رؤساء قبائل الروملو والأوشار والتكه لى في صف الميرزا إسماعيل، وأخيرا تحققت رغبة أنصار الميرزا إسماعيل باعتلائه العرش، وقد كان منذ عشر سنوات مسجونا بقلعة قهقهة شمالي شرقي العصمة قزوين بسب معارضته لأبيه، فلبس التاج ولقب الشاه إسماعيل الثاني اعتبارا من 27 جمادى الأولى 984(22 أغسطس 1576) ، وكان أول عمل قام به هذا الشاه القضاء على رؤوس القزلباش وعلى كثير من الأمراء. كما ابعد علماء الشيعة عن القصر، وأقام مكانهم علماء السنة. ثم منع الإساءة للخلفاء وإزالة العبارات المتعلقة بهذه المسألة من جدران المساجد. ومع ذلك فإنه ميله نحو السنة لم يحل دون إفساحه المجال للتحريض بين القزلباش في الأناضول، واستمالته الأمراء التابعين للدولة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى إعلان الدولة العثمانية الحرب ضد الدولة الصفوية بعد وفاته. وقد دفعه حذره من رؤساء القزلباش الذين شغلوا مناصب مهمة إلى عزلهم وتعيين مؤيدين له ممن لا خبرة لهم في شئون الدولة ، هذا الحاكم الذي وصف بالعادل بالرغم من ممارسته الظلم كان يستعير اسم" عادلي" في أشعاره، ولم تمض فترة طويلة حتى صار معرضا لنفور أقرب مقربيه وفي الثالث عشر من رمضان 985(24 نوفمبر 1577) مات مسموما. وبعد أخذ ورد استمر طويلا جاء رؤساء القزلباش بمحمد خدابندا الابن الأكبر لطهماسب إلى سدة الحكم ، لكنه كان عليلا بالإضافة إلى فقدانه البصر وبالتالي عاجزا عن إدارة شئون الدولة، فصارت زوجته تدير شئون الحكم ، بينما اختير ابنه الميرزا حمزة البالغ الحادية عشرة من العمر وليا للعهد، لكن أمه تفردت بالحكم ، لكن القزلباش البعيدين كانوا مستائين من كون الأمير بعيدا عن مركز الحكومة، فتقرر جمع الأمراء في عاصمة الدولة خوفا من أن يجتمع القزلباش حول رؤسائهم ويعلنوا التمرد على الدولة. ومما زاد من تبرم وامتعاض رؤساء القزلباش في هذه الفترة صرامة وقسوة والدة الأمير ميرزا وتعيينها مقربيها في بعض المناصب. أما السلطان مراد الثالث الذي وجد في بعض الحوادث التي تسبب فيها الشاه إسماعيل نقضا للمعاهدة بينهما، فقد أمر بعد وفاة الحاكم المذكور بأن تستولي قواته المتمركزة على الحدود على أراضي الدولة الصفوية. وعقب ذلك أعد الجيش للقيام بحملة ، وأرسله بقيادة الوزير الثالث لالا مصطفى باشا الأسود لفتح جرجستان وشيروان وأذربيجان، ولأول مرة منيت القوات الصفوية بقيادة طوقماق محمدي خان وإمام قولى خان بالهزيمة في سهل جلدر، ثم وقعت تفليس وشيروان والمناطق المجاورة لها بأيدي العثمانيين. لكن الدولة الصفوية قامت بكثير من المحاولات لاستعادة شيروان وجرجستان، وأخيرا استغلت سذاجة سنان باشا الكبير الذي عين بدلا من لالا مصطفى باشا فسعت إلى استرداد بعض المناطق، لكنها مساعيها منيت بالفشل نتيجة جهود عثمان باشا اوزدمير اوغلى، ثم جيء بفرحات باشا للقيادة العامة للجيش العثماني، فرسخ أقدام العثمانيين في جرجستان بعد روان، كما تمكن الجيش من الاستيلاء على تبريز بقيادة اوزدمير اوغلى، وباءت محاولات الميرزا حمزة لاستعادة تبريز بالفشل فمال إلى الصلح لكنه قتل خلال هذه الفترة ، أما الخلاف الذي دب بين أمراء القزلباش حول من يعين لولاية العهد فقوى الاتجاه في الرغبة بالصلح، إلا أن جلوس الميرزا عباس ومقتل الأمراء المؤيدين للصلح حال دون تحقيقه. ولما علم الميرزا عباس باستيلاء عبد الله خان حاكم الأوزبك وسيره نحو مشهد في جمادى الثانية 996 (أواسط إبريل 1588) توجه إلى خراسان ليحول دون ذلك، فاستغلت القوات العثمانية هذا الوضع فاستولوا بقيادة فرحات باشا على كنجه، كما استولوا على نهاوند بقيادة أمير أمراء وقائد بغداد سنان باشا جيغالا زاده. أما الدولة الصفوية التي كانت تواجه تهديد القوات الأوزبكية في الشرق وتهديد القوات العثمانية في الغرب أصبحت أيضا بؤرة للإضطرابات الداخلية. حيث يعلن الأمراء تمردهم واستقلالهم هنا وهناك. أراد الشاه عباس حل الخلافات الداخلية في البلاد، فعرض أولا الصلح على الحكومة العثمانية ، في الوقت الذي كان العثمانيون يواجهون بعض المصاعب من استمرار الحرب، فقد أدت الحملات طويلة الأمد إلى بعض المشاكل المالية في الدولة العثمانية، كما أن الاحتفاظ بالأماكن التي سيطرت عليها ولد بعض المشاكل التي تستعصي على الحل. إلا أن الصفويين كانوا أحوج إلى الصلح من العثمانيين، لذلك أرسل الشاه مع وفد السفارة إلى استنبول الميرزا حيدر ابن شقيقه الميرزا حمزة بصفة رهينة ليكون دليلا على صدق رغبة الدولة الصفوية في الصلح. وصل الوفد إلى استنبول يوم الثاني عشر من ربيع الأول 998( 18 يناير 1590) وبعد مفاوضات ومباحثات توصل الجانبان إلى نص معاهدة تحمل توقيع السلطان مراد الثالث يتضمن تعهد إيران بالتخلي عن سب أصحاب وخلفاء رسول الله، والحذر من القيام بأي تصرف يؤدي إلى نفور السنة، وإبقاء الوضع في الأماكن التي يسيطر عليها كل جانب على ما هو عليه حتى نيروز عام 998(22 مارس 1590) والالتزام بالصلح طالما التزم الطرفان بأحكام المعاهدة ، وعدم حماية من يلجأ من المجرمين والمتمردين من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر بعد عقد المعاهدة. وبهذه الصورة بقيت تبريز وقسم من أذربيجان الغربية وأرمنية وشكي وشيروان وجرجستان وقره باغ وقسم من لورستان بيد العثمانيين. وتمكن الشاه عباس من تأمين الاستقرار في البلاد بعد التنكيل بالأمراء الذين تمردوا عليه في غيران، وإبعاد الأوزبك من خراسان. وأخذ الضغوط العثمانية بعين الاعتبار فنقل عاصمته من قزوين إلى إصفهان. وكان الجيش حتى هذه الفترة من عناصر تابعة للأمراء، فشكل وحدات عسكرية جديدة باسم "محبي الشاه"، وقتل قسما من الأمراء، كما حرم قسما آخر منهم من المواقع التي كانوا يحتلونها في إدارة الدولة ، وسعى في الوقت نفسه إلى إقامة علاقات وثيقة مع الدول الأوربية، وإلى تطوير التجارة والفنون اليدوية، وبذلك نجح في رفع شان إيران، كما ساعد اتخاذه إصفهان عاصمة الدولة على نمو هذه المدينة وتطورها. وبعد أن تمتين دعائم بلاده وجيشه وفق الشاه عباس من استعادة الأماكن التي احتلها العثمانيون، كما انتزع الجزر التي احتلها البرتغاليون عند مدخل خليج البصرة. حكم هذا الشاه الذي اشتهر بالظلم إلى جانب مزاياه الأخرى مدة اثنين وأربعين عاما وتوفي يوم الرابع والعشرين من جمادى الأولى 1038( 19 يناير 1629) وولي مكانه حفيده الميرزا سام التي تسمى بالشاه صافي الأول وعرف بالظلم والغطرسة، واضطرت إيران في عهده لمحاربة العثمانيين والأوزبك. وقد أدى اعتداء القوات الصفوية على وان إلى قيام مراد الرابع بحملة روان، كما أن حملته على بغداد انتهت ببقاء بغداد ضمن الممالك العثمانية بصورة نهائية. خلف الشاه صافي الأول (1629-1642) ابنه عباس الثاني وكان عمره أحد عشر عاما، ثم ابنه الشاه ميرزا صافي الذي لقب بالشاه سليمان الأول( 1666-1694). بالرغم من ضعف مزاجه وميله الكبير للنساء فقد نعمت إيران في عهده بالاستقرار بفضل وزرائه المقتدرين. وعلى اثر موت الشاه سليمان عام 1694، جاء السلطان حسين (1694) فترك شئون الدولة كلها بيد رجال الدين، وطارد من ليس على مذهب الشيعة. هذه السياسة التي أحدثت تململا وامتعاضا لدى الناس أدت أيضا إلى تدهور العلاقة مع الأفغان، وأعلن والي قندهار المير ويس استقلاله عام 1709 ، وأخيرا تمكن المير ويس وابنه محمود من الاستيلاء على إصفهان، وإزاحة السلطان حسين عن العرش. ولكن بجهود القائد نادر طرد الأفغان من إيران (1729)، وجاء نادر بالشاه طهماسب الثاني، لكنه ما لبث أن أزاحه مرة أخرى بسبب عدم كفاءته، وجاء بابنه عباس الثالث وهو في الشهر العاشر من عمره. وبعد فترة قصيرة توفي عباس الثالث، وانتهى حكم الأسرة الصفوية بتولي نادر شاه مقاليد الحكم يوم السادس والعشرين من فبراير 1737.
يرجع سبب انحطاط الحكم الصفوي وانقراضه إلى ضعف الوازع الديني وتزايد نفوذ العلماء الشيعة بصورة تدريجية ، ووقوفهم في وجه الحكام ، وعدم كفاءة الذين خلفوا الشاه عباس بالإضافة إلى تدخل نساء القصر في شئون الحكم.
فالصفويون الذين حققوا تشكيل نظام سياسي في إيران عرفوا أيضا بحبهم للفنون، وإذا استثنينا أدب تلك الفترة الذي لم ينل حظه من الدراسة والتحقيق، فإن الفنون البديعة والفنون اليدوية الأخرى مثل الرسم والعمارة وصناعة الخزف والفخار والسجاد والنسيج وغيرها شهدت مزيدا من التطور، وقد بلغت صناعة التجليد وتزيين التجليد وفن الخط شأوا كبيرا، بدليل الآثار التي بقيت حتى يومنا هذا. وإذا استثنينا مجال فقه الشيعة والتفسير والحديث الذي كان موضع الاهتمام المباشر من قبل الحكام في أمر نشر عقيدة الشيعة، فإننا لا نجد تطورا كبيرا في مجال المعرفة، فأكثر الأطفال كانوا يتعلمون قراءة القرآن في المدارس شديدة البساطة ثم ينتقلون إلى تعلم مهنة من المهن.
النظم الإدارية والمؤسسات
لم يكتف الشاه إسماعيل بالاستحواذ على البلاد التي كانت للأق قويون بل أخذ منهم أيضا نظمهم الإدارية ومؤسساتهم. ولما بدأت الاتصالات مع العثمانيين بعد معركة جالديران عرف الصفويون بنقص هذه النظم في كثير من النواحي، وقرروا تطبيق النظم العثمانية وعلى رأسها نظام الجيش. وتشابه الأسماء في نظام القصر وكذلك النظام الإداري يعطينا فكرة كافية حول هذا الموضوع. فبالإضافة إلى كون الشاه بشكل خاص الحاكم المطلق في القرن التاسع الهجري( الخامس عشر الميلادي) فقد كان له مجلس استشاري خاص، وهو يتقيد بتقاليد ومقتضيات المذهب الشيعي. والحكام الذين سبقوا الشاه عباس كانوا مضطرين للأخذ بعين الاعتبار دائما ميول وأفكار رؤساء ووجوه القزلباش الذين كان لهم الفضل في حكمهم. كما أن ولاة العهد يرسلون إلى أماكن بعيدة عن العاصمة على غرار ما كان لدى العثمانيين ليكسبوا الخبرات في إدارة شئون البلاد. ومنذ عهد الشاه عباس صاروا ينشأون في القصر ويتأثرون بمربيهم وبمن حولهم لدى وصولهم إلى سدة الحكم. والمناصب الإدارية المهمة التي كانت بيد القزلباش قبل مجيء الشاه عباس وزعت بعد ذلك للآخرين. وكان قسم من الشئون الإدارية وراثية ، وهكذا كان وضع الولاة أو الأمراء والوزير الأعظم الذين يختارون من ذوي النفوذ من لورستان وجرجستان وغيرها، وكان عدد الولايات أربعة وعلى رأسها خوزستان وجرجستان ، وكان يتبع هؤلاء الولاة الذين كانت لهم صلاحيات واسعة الخانات أو الأمراء الصغار المعروفون بغلام بك. وكان الولاة في زمن الحرب يرسلون عددا معينا من الجنود إلى العصمة أما في المناطق الأصغر حجما ، فقد كان فيها مأمورون إداريون يعرفون بالسلاطين يديرون مناطقهم تحت إشراف الوالي، ويعين هؤلاء من قبل الشاه. وكان يتبع الولاة ثلاثة من الإداريين ومساعد لهم وكاتب للوقائع.
وأهم منصب في الدولة هو منصب وزارت بزورغ ويطلق على الوزير الأعظم اسم اعتماد الدولة ونواب إيران مداري. وفي العهود التي حكم فيها رؤساء القزلباش كانت صلاحيات الوزير الأعظم ضيقة، ومع تقلص نفوذهم زادت أهمية منصبه بحيث لا تعد أحكام الحاكم نافذة إلا بختم الوزير الأعظم، وتكاد كل شئون الدولة مرتبطة به ، ويأتي من بعده قورجي باشى ويطلق عليه اسم أمير الأمراء، ويتبعه ثلاثة عشر قورجيا وهم قورجي العمامة وقورجي السيف وقورجي الخنجر وقورجي القوس وقورجي الرمح وقروجي جعبة السهام وقورجي الترس وقورجي الدرع وقورجي الحذاء وقورجي القدح وقورجي وقورجي اللجام وقورجي التخابر. ويأتي من بعدهم آغا العبيد وآغا العتبة وناظر البيوتات الذي يهتم بالشئون المالية للقصر، وقد بلغ نفوذ هذا الأخير في فترة من الفترات الوزير الأعظم ، وكان أمير الديوان رئيس ديوان العدالة، وكان هناك آغا القوشخانة ويتبع الأمير شيكار باشى(كبير القناصين) ، والسكبان باشى وحوالي الف من القناصين ، وكان هناك كبير المير آخور وهو مسئول عن شئون خيول الشاه، وكان هناك مجلس نويس مهمته الحفاظ على فرمانات الشاه والأوراق الرسمية الأخرى وكتابتها وإيصال الرسائل التي تأتي من الولاة إلى الشاه ، وإمامة المستوفي الذي يقوم بمهمة ناظر المالية.
أثبتت معركة جالديران عدم كفاية نظام الجيش الذي أقيم على أساس النظام السائد في الأق قويون، لكن هذا النقص لم يستكمل إلا بعد تولي الشاه عباس مقاليد الحكم. فقد أزاح الشاه عباس جانبا الجيش الذي تشكل وفقا لرغبات رؤساء القزلباش، وشكل جيشا جديدا بمساعدة المختصين الأوربيين مجهزا بالأسلحة الحديثة. وبذلك أصبحت في هذا العهد قوتان عسكريتان، تضم إحداهما وحدات تابعة للدولة تشكلت وفق النظام القديم من بقايا جيش القزلباش مجهزة بالسهام والقسي والسيوف والخناجر والسواطير والتروسوتعرف بالقورجي ، والأخرى من قوات الفرسان الذين جمعوا من المناطق التي يحكمها الولاة وأصحاب النفوذ وأرسلوا إلى العاصمة لدى الحاجة إليهم، أما جيش الشاه فكانت عبارة عن خمسة أقسام 1- حاملو البنادق وهم مجهزون بالبنادق القصيرة والسيوف والخناجر(تفنكجيان) ، ويختارون من بين الفلاحين وتدفع علوفاتهم من خزينة الشاه. 2- وحدات الفرسان وهم العبيد مجهزون بأسلحة القورجيين، ويختارون من بين شعوب القفقاس أو من بين الذين جاءوا من هناك وأمضوا مرحلة الصبا في إيران ، 3- المدفعية، 4- الصوفيون وهم المنتسبون للأسرة الصفوية وأقسموا اليمين على القتال في سبيلها. 5- حراس القصر وهم مجهزون بالسيوف والخناجر والبنادق ويحيطون بالقصر بصورة دائمة.
الطبقة الحاكمة في العهد الصفوي كانت في الأغلب من القبائل التركية التالية: شاملى اوستاجلى، تركمان، روملى، ذور القدرية ، أوشار ، قاجار تكه لى ، وحمصلى ، وكانت إلى جانب هذه القبائل قبائل إيرانية الأصل مثل طالس وروزاكي وسياه منصور وبازوكي وأردلان. واستمر نفوذ هؤلاء في شئون الدولة حتى عهد الشاه عباس.
أما الطبقة الوسطى فكانت من التجار والحرفيين والعمال والفلاحين ، وكان للدولة الحق في وضع يدها على أملاك هؤلاء في أي وقت تشاء. وقد قسمت الأراضي إلى خصبة وبور، وكانت الأراضي الخصبة تتبع الدولة والحكام وأشخاص مخصوصين والأوقاف، وقد خصصت واردات أراضي الدولة للقادة والعساكر والحاكم المحلي ومساعده، أما أكثر الأراضي التابعة للشاه فكانت في خراسان وفارس وكرمان وأذربيجان، وتكون وارداتها كاملة للشاه والقصر. أما أملاك الوقف فكانت عبارة عن البساتين الشيعة والبيوت والدكاكين والحمامات وخانات القوافل وتخصص لعلماء الشيعة ويمنع غيرهم من التدخل فيها. وأما الأراضي التابعة لأشخاص فهي مخصصة لهم لمدة تسعة وتسعين عاما، وفي نهاية هذه المدة يمكن تجديد حق التصرف فيها بعد أخذ الدولة وارداتها لعام واحد. كما كانت الأراضي البور تحت تصرف الشاه ويمكن للأهالي مراجعة السلطات المحلية واستغلال هذه الأراضي لفترة محدودة.
ليس هناك معلومات قطعية حول واردات الدولة، ولكن يمكن أخذ فكرة عنها من بعض المصادر.