.prk. Um 5/88
1
إلى سعادة بسيم بك من قرناء حضرة مولانا السلطان
سعادة سيدي؛
في بداية مأمورية سعادة أحمد فاضل باشا لمحافظة المدينة المنورة التي لا يمكن أن تقاس أهمية موقعها بأي مكان آخر نظرا للقبائل التي تحيط بها وخاصة العربان الحربية، لم يكن مصيبا في الطريقة التي سلكها وفق مقتضيات هذا الموقع، ففقدت الحكومة نفوذها في تصريف الأمور وإدارتها، كما فقدت القوة العسكرية الموجودة تأثيرها المعنوي تجاه العربان، فابتليت البلدة الطاهرة بالاضطرابات الدائمة، كما اتخذت قبائل العربان خارجها خوف الحكومة منها وسيلة لجعل ما حولها حتى أسوارها مسرحا لهم. بينما لم ينجح المحافظ المشار إليه في اتخاذ أي تدبير مؤثر، وبقي مرتكبو ومحرضو الجرائم والأحداث في منأى من المساءلة على مر الزمن. هذه الحالة أدت بالمدينة المنورة إلى ما نراه اليوم من فقدان الأمن والراحة. وفي واقع الأمر فإن ما يعرفون بالعربان تدفعهم الحاجة وطبعهم الخشن لم يتوقفوا يوما عن التحرك، وصارت أكثر ثوراتهم وتحركاتهم تهدد البلدة الطاهرة وتضيق عليها. لكن الذين عينوا لمحافظة المدينة المنورة لم ينسوا أبدا أن عليهم التصرف وفق تحركات هؤلاء. حتى رئيس القوات غير النظامية حسين يازجي الذي اشتهر بحسن الإدارة والاقتدار وفق بما معه من خمسمائة فارس في تهدئة وتأديب العربان لسنوات طويلة. فلو التزم المحافظ المشار إليه بأصول قيام الحكومة بواجبها عقب كل حادثة، كما زالت وانمحت فكرة احترام الحكومة من أذهان العربان والأهالي إلى هذا الحد الذي نراه الآن، ولما وصلت الأحوال إلى مثل هذا السوء نتيجة عدم التصرف وفق مقتضى الظروف والأحوال. فالمشار إليه كان لينا أكثر من اللازم، وقد بدا وجود الحكومة المحلية وعدمها متساويا حتى في نظر الأهالي الكرام. ومما يؤسف له فإن السلطات العسكرية والمدينة لم يكن لها أي تأثير في المدينة المنورة حتى عندما بلغت القوة العسكرية ثلاثة طوابير. كما نشعر بالاستغراب الشديد من الشكاوى الكثيرة التي رفعها الأهالي الكرام أخيرا على شكل معروض عمومي إلى مقام الصدارة السامي ضد المشار إليه. ومما زاد في استغرابنا التصرفات الساذجة التي صدرت من المشار إليه في جلب وإيصال خمسمائة من أفراد العساكر الجديدة التي وردت أخيرا من ينبع إلى المدينة المنورة، فقد أدت هذه التصرفات إلى العديد من المشاكل وإلى المس بمكانة الحكومة السنية نفسها. فعقب إخبار قيادة الجيش برقيا بورود هذه العساكر، خصص مبلغ ألف مجيدي لمصاريف نقلهم وأرسل على عجل. كما جرى التنبيه والتوصية بإرسال العدد الكافي من العساكر والضبطية لإيصال هؤلاء إلى المدينة المنورة بطريق بواط الذي يعتبر أقصر الطرق. لكن المشار إليه بات أسير أوهامه عندما أرسل إلى مشايخ العربان رجالا يستجديهم بأن يسمحوا للعساكر بالمرور من الطريق السلطاني، وقد أدى هذا التصرف إلى نتيجة بشعة إذا فسره العربان على أنه عجز للحكومة، فرفضوا مرور العساكر من هذا الطريق، مما اضطر العساكر إلى أن ينتظروا أياما في مكان مثل ينبع يفتقر إلى مأوى يلجأ إليه العساكر. وعلى اثر ذلك دفعه اضطرابه إلى أن يلجأ إلى الإمارة والولاية، زاعما بأن العربان قاموا بثورة شاملة واستولوا على ما حوله، فنصب المدافع على الأبراج ووزع الذخائر على العساكر، وجعل قلعة المدينة المنورة في حالة دفاع ظنا منه بأن العربان سيقومون بغارة مفاجئة عليها. وبينما بقي الباشا المحافظ أسير خوفه وأوهامه، قمت أنا وسيادة الشريف بكتابة رسائل إلى عدد من المشايخ الذين يوليهم المحافظ المشار إليه أهمية بالغة، وأمكن بعد ذلك وبأيدي هؤلاء المشايخ إيصال أفراد العساكر في أمن وسلام. أما فكرة الهجوم المباغت أو الغارة فلم تكن إلا في ذهن المحافظ المشار إليه. فأي تساهل أو لين من قبل الحكومة يحملها العربان بطبائعهم الخشنة على العجز، وأي طلب مساعدة منهم يؤدي بهم إلى الشطط، ويفسح المجال لأن يطلبوا مرتبات عدد من السنين دفعة واحدة، ولا يؤدي إلا إلى الشكوى والتململ. فمثل هذه التصرفات الساذجة من المشار إليه يؤدي إلى شطط العربان وإلى مشاكل لا داعي لها بالإضافة إلى خشية وخوف الأهالي والتجار من ضائقة قد تحدث، فيتوقف النشاط التجاري ، وتتعرض المدينة المنورة بعد ذلك إلى الغلاء وارتفاع الأسعار. وحتى لو انتهت هذه المسألة بحل مقبول ، فإنها بلا شك ستؤدي إلى زوال حكم وتأثر المشار إليه. وكما يظهر من العريضة العمومية التي قدمها الأهالي فإن بقاءه لم يعد مقبولا لديهم. ومن الضروري والحالة هذه نقل المشار إليه إلى إحدى الدوائر العسكرية، وإلى العهدة بمحافظة المدينة المنورة إلى شخصية يعامل الأهالي بدرجة متساوية، بالإضافة إلى التعامل المؤثر مع العربان وفق مقتضى الحال، بمعنى أنه يملك القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها حسب الوضع في داخل المدينة وخارجها. ولما كان الأمير آلاي قائد اللواء الثالث والخمسين للجيش الهمايوني الرابع الموجود بمكة المكرمة من أعرف اتصافهم بمثل هذه الأوصاف العسكرية والمدينة، فإنني أقترح تعيينه محافظا بزيادة راتبه إلى الضعف فقط أو تعيين شخصية أخرى مجربة يملك القدرة والبسالة مجرب الأطوار وممن مارسوا المهام المدينة والعسكرية، وبذلك يمكن إزالة كافة المحاذير المحتملة . وقد كتبت بذلك أيضا إلى مقام الصدارة الجليلة وقيادة الجيش، والأمر لحضرة من له الأمر.
21 جمادى الثانية سنة 1300 و18 مارت سنة 1299 (30 مارس 1883)
من مكة المكرمة والي وقائد الحجاز
1
إلى سعادة بسيم بك من قرناء حضرة مولانا السلطان
سعادة سيدي؛
في بداية مأمورية سعادة أحمد فاضل باشا لمحافظة المدينة المنورة التي لا يمكن أن تقاس أهمية موقعها بأي مكان آخر نظرا للقبائل التي تحيط بها وخاصة العربان الحربية، لم يكن مصيبا في الطريقة التي سلكها وفق مقتضيات هذا الموقع، ففقدت الحكومة نفوذها في تصريف الأمور وإدارتها، كما فقدت القوة العسكرية الموجودة تأثيرها المعنوي تجاه العربان، فابتليت البلدة الطاهرة بالاضطرابات الدائمة، كما اتخذت قبائل العربان خارجها خوف الحكومة منها وسيلة لجعل ما حولها حتى أسوارها مسرحا لهم. بينما لم ينجح المحافظ المشار إليه في اتخاذ أي تدبير مؤثر، وبقي مرتكبو ومحرضو الجرائم والأحداث في منأى من المساءلة على مر الزمن. هذه الحالة أدت بالمدينة المنورة إلى ما نراه اليوم من فقدان الأمن والراحة. وفي واقع الأمر فإن ما يعرفون بالعربان تدفعهم الحاجة وطبعهم الخشن لم يتوقفوا يوما عن التحرك، وصارت أكثر ثوراتهم وتحركاتهم تهدد البلدة الطاهرة وتضيق عليها. لكن الذين عينوا لمحافظة المدينة المنورة لم ينسوا أبدا أن عليهم التصرف وفق تحركات هؤلاء. حتى رئيس القوات غير النظامية حسين يازجي الذي اشتهر بحسن الإدارة والاقتدار وفق بما معه من خمسمائة فارس في تهدئة وتأديب العربان لسنوات طويلة. فلو التزم المحافظ المشار إليه بأصول قيام الحكومة بواجبها عقب كل حادثة، كما زالت وانمحت فكرة احترام الحكومة من أذهان العربان والأهالي إلى هذا الحد الذي نراه الآن، ولما وصلت الأحوال إلى مثل هذا السوء نتيجة عدم التصرف وفق مقتضى الظروف والأحوال. فالمشار إليه كان لينا أكثر من اللازم، وقد بدا وجود الحكومة المحلية وعدمها متساويا حتى في نظر الأهالي الكرام. ومما يؤسف له فإن السلطات العسكرية والمدينة لم يكن لها أي تأثير في المدينة المنورة حتى عندما بلغت القوة العسكرية ثلاثة طوابير. كما نشعر بالاستغراب الشديد من الشكاوى الكثيرة التي رفعها الأهالي الكرام أخيرا على شكل معروض عمومي إلى مقام الصدارة السامي ضد المشار إليه. ومما زاد في استغرابنا التصرفات الساذجة التي صدرت من المشار إليه في جلب وإيصال خمسمائة من أفراد العساكر الجديدة التي وردت أخيرا من ينبع إلى المدينة المنورة، فقد أدت هذه التصرفات إلى العديد من المشاكل وإلى المس بمكانة الحكومة السنية نفسها. فعقب إخبار قيادة الجيش برقيا بورود هذه العساكر، خصص مبلغ ألف مجيدي لمصاريف نقلهم وأرسل على عجل. كما جرى التنبيه والتوصية بإرسال العدد الكافي من العساكر والضبطية لإيصال هؤلاء إلى المدينة المنورة بطريق بواط الذي يعتبر أقصر الطرق. لكن المشار إليه بات أسير أوهامه عندما أرسل إلى مشايخ العربان رجالا يستجديهم بأن يسمحوا للعساكر بالمرور من الطريق السلطاني، وقد أدى هذا التصرف إلى نتيجة بشعة إذا فسره العربان على أنه عجز للحكومة، فرفضوا مرور العساكر من هذا الطريق، مما اضطر العساكر إلى أن ينتظروا أياما في مكان مثل ينبع يفتقر إلى مأوى يلجأ إليه العساكر. وعلى اثر ذلك دفعه اضطرابه إلى أن يلجأ إلى الإمارة والولاية، زاعما بأن العربان قاموا بثورة شاملة واستولوا على ما حوله، فنصب المدافع على الأبراج ووزع الذخائر على العساكر، وجعل قلعة المدينة المنورة في حالة دفاع ظنا منه بأن العربان سيقومون بغارة مفاجئة عليها. وبينما بقي الباشا المحافظ أسير خوفه وأوهامه، قمت أنا وسيادة الشريف بكتابة رسائل إلى عدد من المشايخ الذين يوليهم المحافظ المشار إليه أهمية بالغة، وأمكن بعد ذلك وبأيدي هؤلاء المشايخ إيصال أفراد العساكر في أمن وسلام. أما فكرة الهجوم المباغت أو الغارة فلم تكن إلا في ذهن المحافظ المشار إليه. فأي تساهل أو لين من قبل الحكومة يحملها العربان بطبائعهم الخشنة على العجز، وأي طلب مساعدة منهم يؤدي بهم إلى الشطط، ويفسح المجال لأن يطلبوا مرتبات عدد من السنين دفعة واحدة، ولا يؤدي إلا إلى الشكوى والتململ. فمثل هذه التصرفات الساذجة من المشار إليه يؤدي إلى شطط العربان وإلى مشاكل لا داعي لها بالإضافة إلى خشية وخوف الأهالي والتجار من ضائقة قد تحدث، فيتوقف النشاط التجاري ، وتتعرض المدينة المنورة بعد ذلك إلى الغلاء وارتفاع الأسعار. وحتى لو انتهت هذه المسألة بحل مقبول ، فإنها بلا شك ستؤدي إلى زوال حكم وتأثر المشار إليه. وكما يظهر من العريضة العمومية التي قدمها الأهالي فإن بقاءه لم يعد مقبولا لديهم. ومن الضروري والحالة هذه نقل المشار إليه إلى إحدى الدوائر العسكرية، وإلى العهدة بمحافظة المدينة المنورة إلى شخصية يعامل الأهالي بدرجة متساوية، بالإضافة إلى التعامل المؤثر مع العربان وفق مقتضى الحال، بمعنى أنه يملك القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها حسب الوضع في داخل المدينة وخارجها. ولما كان الأمير آلاي قائد اللواء الثالث والخمسين للجيش الهمايوني الرابع الموجود بمكة المكرمة من أعرف اتصافهم بمثل هذه الأوصاف العسكرية والمدينة، فإنني أقترح تعيينه محافظا بزيادة راتبه إلى الضعف فقط أو تعيين شخصية أخرى مجربة يملك القدرة والبسالة مجرب الأطوار وممن مارسوا المهام المدينة والعسكرية، وبذلك يمكن إزالة كافة المحاذير المحتملة . وقد كتبت بذلك أيضا إلى مقام الصدارة الجليلة وقيادة الجيش، والأمر لحضرة من له الأمر.
21 جمادى الثانية سنة 1300 و18 مارت سنة 1299 (30 مارس 1883)
من مكة المكرمة والي وقائد الحجاز