عبد القادر الغنامي
سويسرا
المشاركات - 192
نُشر في - 07/29/2004 : 07:19:04
--------------------------------------------------------------------------------
الترجمة الاسبانية لعام واحد تساوي الانتاج العربي في الالفيه الثانية
التاريخ: Wednesday, January 14 @ 06:49:52 GMT
الموضوع: مواضيع ثقافيه
أمية وفقر وتشويش يطال الثقافة في العالم العربي مثل غيرها من المكتبات السورية، تكتظ مكتبة نوري في العاصمة دمشق بكتب عربية مترجمة نقلا عن المعارف الغربية، وخاصة كتب الحاسب الألي والطب وكتب اعداد الأطعمة، فيما تصطف في الواجهة كتبا أخرى تتناول سيطرة اليهود على الرأي الأمريكي وبالاضافة الى ذلك فهناك نسخ من كتاب السيرة الذاتية لهيلاري كلينتون وأعمال أخرى تتناول حادثة الحادية عشر من سبتمبر والحرب العراقية.
ومن النادر جدا أن تجد كتابا ومفكرين لمعت نجومهم في تاريخ الحضارة الغربية مثل جاك روسو او رينيه ديكارت يحتلون نفس المواقع التي تتصدر واجهة المكتبات السورية، اذ أن الأرفف الخلفية هي أنسب مكان يخصص فيه القيمون على تلك المكتبات أماكن لها. وهو الأمر الذي يعكس عدم اهتمام الناشر العربي بفلاسفة ومفكرين قادوا الفكر الأوربي. وكم كانت المفاجأة عندما صدر أحد تقارير الأمم المتحدة في الخريف الماضي، حيث لامس التقرير الواقع الثقافي للفكر العربي عندما أشار الى أن الغلة الأسبانية في حقل الترجمة لعام واحد ترقى الى الانتاج العربي في الألف سنة الثانية من تاريخ الحضارة الانسانية. لكن مؤلفا وناشرا مثل عمار عبدالحميد يأمل بتغيير هذا الواقع وهو يحلم أن يطل يوم على الثقافة في سوريا تصبح فيه مقارنات بين ثقافة الشمال ورعاة البقر، ومقاربات الفن الاسلامي حيال الفن الحديث، ناهيك عن حوارات مفكرين عربا مع فلاسفة فرنسيين أحاديث مشتركة في المطاعم والمقاهي الدمشقية. وقال الناشر السوري عبدالحميد أن الحل يكمن في حركة ترجمة كبيرة وشاملة تضع الانسان العربي في حالة اطلاع على ذاكرة التراث الفلسفي ومنجزات الثقافة الغربية. وفي العام الماضي أتيح للناشر السوري عبدالحميد بالتعاون مع خمسة ناشرين آخرين اطلاق موقع في فضاء الاسطورة الرقمية لخدمة هذا الهدف واسموه دار عمار. ويرى المحرر الثقافي في الكريستيان ساينس مونيتور بعد جولات شملت مكتبات سورية ولقاء محررين وكتاب وناشرين أن الثقافة تعاني من ظروف ضاغطة مثل تفشي الأمية والفقر وهاجس السلام، ومع ذلك فلا زال هناك أكاديميون وناشرون يتمتعون باصرار كبير على اضاءة شمعة لدحر الظلام. وقال رئيس تحرير احد المطبوعات السورية أن الموقف الثقافي يعيش لحظة تشويش وبامكان أعمال الترجمة فيما لو ازدهرت ان تلعب دورا ايجابيا في تحرير الموقف الفكري الراهن. وكان تقرير للأمم المتحدة في الخريف الماضي بصيغة دورته السنوية الثانية لتطوير الموارد البشرية، حمل بطيه انتقادات للدول العربية موجهة من مفكرين عرب وحث التقرير الدول العربية على أهمية استعادة دورها الثقافي بنفس الروح التي لعب فيها المترجمون العرب في مراحل تاريخية أدوارا بطولية في قيادة الحركة الفكرية. غير أن حركة الترجمة في الواقع الراهن تسير ببطء تماما، ففي عاصمة مثل بيروت مثلا حيث أنشئت في العام الماضي الجمعية العربية للترجمة بهدف ترجمة كتب اكاديمية بكفاءة متخصصة عالية يذكر مدير الجمعية على هامش تحديد الموارد أن العناصر التي يمكن للجمعية الاعتماد عليها لانجاز الموقف الاكاديمي لا تتجاوز 10 في المائة من مجموع المترجمين.
دور الترجمة في تحديث الفكر العربي العربي أحوج ما يكون إلى تحرير عقله وينبغي للمترجم أن يعمل على هذا التحرير الحسن سرات - المغرب : انتقد الدكتور طه عبد الرحمن التجربة العربية الثانية في الترجمة على أطوار ثلاثة أولها نقد مسلمات هذه التجربة، وثانيها نقد مفهوم التحديث، وثالثها نقد مفهوم الترجمة. وقام المفكر العربي الإسلامي الشهير بهذا الانتقاد الثلاثي في المحاضرة التي نظمها الصالون الثقافي للمركز الثقافي المصري بالعاصمة المغربية الرباط يوم الجمعة 12 دجنبر 2003 بمناسبة مرور 45 عاما على تأسيسه. وهي المناسبة التي عرفت جمعا غفيرا من الحاضرين الذين شهدوا تقديم هدية المركز المصري "الدرع الذهبي" للأستاذ المحاضر احتفاء واحتفالا به.
مسلمات مردودة
أشار المحاضر في بداية عرضه إلى مسلمات تنبني عليها التجربة الثانية للترجمة العربية (تمييزا لها عن الترجمة الأولى في العصر العباسي الأول)، وذكر من هذه المسلمات ثلاثة. أما المسلمة الأولى فهي "المماثلة" التي تعني أن التجربة الحالية تماثل التجربة الأولى، في حين أن ذلك مردود لأن الأولى كانت اختيارية تريد إثبات الذات وصدرت عن العرب وهم في موقع قوة ناقلة معرفة حضارة غابرة، وكانت تتخير النصوص التي ينبغي نقلها. بينما الثانية "انفعال اضطراري صدر عن غريزة الدفاع عن النفس وحماية حدودها التي ضاق نطاقها"، وتصدر عن عرب في موقع ضعف وتخلف ناقلة معارف حضارة قائمة غالبة، وتتهافت على نقل كل النصوص دون مبالاة بما يضر بالقيم الأخلاقية. أما المسلمة الثانية في "الترجمة الواحدة للكتاب الواحد"، وهي أيضا مردودة لأن "الترجمة لا تكافئ الأصل وقد لا نستغني بها عن سواها مهما بلغت درجة الإتقان وتحلى صاحبها بالأمانة". و"الترجمات تتغير بتغير الحاجات والأزمان" وتطور اللغة التي ترجم بها النص. كما أن "المترجمين ليسوا صنفا واحدا بل أصنافا متعددة، يصدرون عن تصورات مختلفة للترجمة ويتبعون فيها طرقا متباينة". أما المسلمة الثالثة وهي الأكثر رسوخا في الأذهان فسماها المحاضر"الترجمة الواحدة للمترجم الواحد". لكنها هي الأخرى معترض عليها بسبب "اختلاف فئات المتلقين"، و"اختلاف مستويات المتلقي الواحد"، ولأن "لكل ترجمة وضعت بالفعل بدائل بالقوة عند واضعها"، ويمكنه أن يستبدل ترجمة بأخرى لأن الأصل واحد بالضرورة والنقل متعدد بالجواز.
نقد مفهوم التحديث
ومضى الدكتور طه عبد الرحمن بعد ذلك إلى "نقد مفهوم التحديث" فأكد أن التحديث يعني التجديد، "والعربي الذي يشتغل بتجديد فكره" لا يفعل ذلك فعلا ذاتيا "ولا بالوجه الذي يريد"، فهو تجديد خارجي يحدث وفق نماذج مقتبسة خارجية، لكنه تعترضه شبه مختلفة تجعله أشبه ما يكون بالتجديد الوهمي. وذكر المحاضر من تلك الشبه "شبهة الخلط بين ما يستحق الاقتباس وما لا يستحقه" مثل قديم يجدر تركه وعرضي يحسن الاستغناء عنه وخاصا لا يتعدى محله وضار يتوجب دفعه. وأردف المحاضر بشبهة "ضعف الاستدلال على الاقتباس" مثل تناسي المقتبس للفروق الثقافية والتاريخية والحضارية بين العرب والغرب داعيا إلى مماثلة ساذجة سخيفة مستنسخا الكليات والجزئيات. وأتبع المحاضر بالشبهة الثالثة وهي "شبهة استبدال التراث المقتبس مكان التراث الأصلي"، ولا يخفى أن في هذا قطعا لحاضر المقتبس عن ماضيه ومحوا لذاكرته، فإما "أن يحشر نفسه في عالم لا يحسن التفكير على وفقه"، أو "أن يقضي على انبعاثه الفكري من حيث يظن أنه يضمنه". ورابع الشبهات هي التي سماها المحاضر "شبهة البقاء على حال الاقتباس" التي تجمد فيها كثير من المثقفين العرب فلا تجديد ولا استفادة. وخامس شبهة ذكرها المحاضر هي "شبهة تمييع الهوية"، والهويات ثلاث في ما صنف الأستاذ طه عبد الرحمن، أولها "الهوية الصلبة التي تنظر إلى بعين الذات وتنظر إلى الغير بعين الذات"، وثانيها "الهوية اللينة" وهي التي "تنظر إلى الذات بعين الغير وإلى الغير بعين الذات"، وثالثها "الهوية المائعة" التي "تنظر إلى الذات بعين الغير وإلى الغير بعين الغير". وطبق المحاضر هذا التصنيف على المقتبسين الحاليين فأيقن أن "الذي يقتبس فكره من سواه ويدوم على هذا الاقتباس لا يملك إلا هذا النوع الثالث من الهوية، جاعلا ذاته تذوب تدريجيا في ذات الآخر".
ورتب المحاضر نتيجة وصفها بالغريبة وهي "أن الاقتباس من خارج الفكر العربي لا يجدي في تجديد هذا الفكر، ولما كانت الترجمة هي النموذج الأمثل للاقتباس الخارجي كانت أولى ألا تجدي في هذا التجديد"، وأضاف المحاضر أن شواهد الواقع تؤكد هذه النتيجة على غرابتها، على رأسها أن الترجمة الحالية استمرت قرنين من الزمان وما تزال مستمرة دون أن تخرج للناس "فكرا عربيا جديدا فيه من العطاء بقدر ما فيه من الأخذ، وفيه من الإبداع بقدر ما فيه من الاتباع، ويجعل الإنسان العربي يحيا عصره ويساهم في دفع تحدياته إلى جانب باقي المفكرين في العالم". واستشهد الدكتور طه عبد الرحمن بأقوال فريقين من المفكرين العرب -القائلين بفشل الترجمة والقائلين بنقصانها وضرورة مضاعفتها- إلا أنه لاحظ أن الفريقين، وإن اتفقا على فشل الترجمة، إلا أنهما لم يدركا أن سبب الفشل يرجع إلى "الطريقة المتبعة فيها"، ويجزم المحاضر بقوة ويقين أنه "فمهما أكثرنا من المترجمات الفكرية أو طولنا زمن الترجمة فلن نحصل القدرة على الإبداع والعطاء، وعلى العكس من ذلك إذا كانت هذه الطريقة صالحة، فالقليل من المترجمات والقصير من زمنها قد يزودنا بهذه القدرة في الإبداع".
خصائص الترجمة المجددة
وتوقف المحاضر أمام سؤال اعتبره مهما جدا وهو القائل "كف يمكن للترجمة -وهي نقل من خارج- أن تحقق تجديد الفكر من الداخل؟ أو قل ما هي الترجمة التي توصلنا إلى تجديد داخلي لهذا الفكر؟ وللإجابة عن هذا السؤال الكبير الخطير دخل المحاضر بالسامعين الحاضرين إلى "نقد مفهوم الترجمة"، فأكد الدكتور طه عبد الرحمن أن ترجمة أي نص لا يصح أن تنجز "من غير أن يوضع لها هدف مخصوص". ولا هدف أسمى وأولى من أن يضاهي المترجم وهو يترجم الهدف المخصوص الذي توخاه المؤلف من تأليفه، "ولا يخفى أن هدف المؤلف هو التأثير -بوجه من الوجوه- في المتلقي الذي يتكلم بلغته ويشاركه في مجاله التداولي، فكذلك ينبغي للمترجم أن يقصد التأثير -بوجه من الوجوه- في المتلقي الناطق بنطقه والمشارك له في مجاله". واعتبر المحاضر أن العربي أحوج ما يكون إلى تحرير عقله، ولذلك ينبغي للمترجم أن يعمل على هذا التحرير، "ولا يتأتى له ذلك إلا إذا أثبت هو نفسه قبل المتلقي أنه قادر على التحرر من قيود النص الأصلي التي يفترض أنه يقع تحتها، وعلامة تحرره أن يأتي بترجمته لا على مقتضى استنساخ الأصل بواسطة لغته، وإنما على مقتضى استكشاف النص". وذهب الدكتور طه إلى أن "استكشاف النص" أو "الترجمة الاستكشافية" هي التي "تتطلع إلى نقل الطرق التي وضع بها المؤلف نصه على الوجه الذي يوصل المتلقي إلى وضع نص يضاهي نص المؤلف"، أي تمكين المتلقي من الإمساك بخيوط القوة الإبداعية التي وضع بها النص والتمكن منها غاية التمكن لإبداع نظير أو نظائر للنص الأصلي، القوة التي تجمع بين الجوانب المنطقية والدلالية والتركيبية على هذا الترتيب، فهي إذن ترجمات ثلاث. وعلى هذا تصبح الترجمة بناء لا هدما، وابتكارا لا محاكاة، وتجديدا لا تقليدا، وبذلك يتمرس المتلقي العربي بآليات الإبداع المتضمنة في الترجمات التي تقع بين يديه، وسهل عليه وضع أصول -من عنده- تضاهي الأصول المنقولة. وفصل طه عبد الرحمن في مضامين الأركان المنطقية والدلالية والتركيبية في الترجمة، وطرق التصرف فيها والإبداع في تقريبها للعربي بلغة تجعله قادرا على استعادة الثقة بنفسه وبإمكانات لغته وطاقاتها التداولية كما يستعيد الشعور بالاقتدار على الإتيان بمثل ما أتى به المؤلف المنقول عنه، "فلا يبدأ الإبداع الفكري الحق إلا مع البدء بتحصيل الأدلة في النصوص المترجمة، ولا تحديث للفكر العربي إلا بوجود هذا الإبداع ودوامه". يذكر أن الدكتور طه عبد الرحمن هو أستاذ المنطق وفلسفة اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط (المغرب) منذ 1970. وهو أيضا أستاذ زائر في جامعة آل البيت بعمان (الأردن)، وأستاذ زائر في جامعة سفاقس بتونس، وأحد مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وممثل الجمعية العالمية للدراسات الحجاجية بالمغرب (مقرها في أمستردام بهولندا)، وممثل جمعية "الفلسفة وتواصل الثقافات" (مقرها في كولونيا بألمانيا)، وعضو المجلس الأعلى لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (مقرها في ليبيا)، ونائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية (مقرها في الأردن)، ورئيس تحرير مجلة "المناظرة" المختصة في تحليل المفاهيم والمناهج، وأستاذ محكم ومستشار في عدة مجلات دولية، وخبير بأكاديمية المملكة المغربية، ورئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين (مقره بالرباط المغرب). كما أنه حاصل على جائزة المغرب الكبرى في العلوم الإنسانية (1988) والجائزة الكبرى في العلوم الإنسانية (1995) عن كتابيه "أصول تجديد علم الكلام" و "تجديد المنهج في تقويم التراث". وشارك في عدة مؤتمرات علمية مغربية وعربية. وله عدة مؤلفات ودراسات في المنطقيات والفلسفيات واللسانيات والإسلاميات باللغات الثلاث العربية والفرنسية والأنجليزية، منها "سؤال الأخلاق" "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" و "العمل الديني وتجديد العقل" "فقه الفلسفة: 1- الفلسفة والترجمة 2- القول الفلسفي" و"اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.
المصدر:
http://alajme.portal.dk3.com/article.php?sid=13
سويسرا
المشاركات - 192
نُشر في - 07/29/2004 : 07:19:04
--------------------------------------------------------------------------------
الترجمة الاسبانية لعام واحد تساوي الانتاج العربي في الالفيه الثانية
التاريخ: Wednesday, January 14 @ 06:49:52 GMT
الموضوع: مواضيع ثقافيه
أمية وفقر وتشويش يطال الثقافة في العالم العربي مثل غيرها من المكتبات السورية، تكتظ مكتبة نوري في العاصمة دمشق بكتب عربية مترجمة نقلا عن المعارف الغربية، وخاصة كتب الحاسب الألي والطب وكتب اعداد الأطعمة، فيما تصطف في الواجهة كتبا أخرى تتناول سيطرة اليهود على الرأي الأمريكي وبالاضافة الى ذلك فهناك نسخ من كتاب السيرة الذاتية لهيلاري كلينتون وأعمال أخرى تتناول حادثة الحادية عشر من سبتمبر والحرب العراقية.
ومن النادر جدا أن تجد كتابا ومفكرين لمعت نجومهم في تاريخ الحضارة الغربية مثل جاك روسو او رينيه ديكارت يحتلون نفس المواقع التي تتصدر واجهة المكتبات السورية، اذ أن الأرفف الخلفية هي أنسب مكان يخصص فيه القيمون على تلك المكتبات أماكن لها. وهو الأمر الذي يعكس عدم اهتمام الناشر العربي بفلاسفة ومفكرين قادوا الفكر الأوربي. وكم كانت المفاجأة عندما صدر أحد تقارير الأمم المتحدة في الخريف الماضي، حيث لامس التقرير الواقع الثقافي للفكر العربي عندما أشار الى أن الغلة الأسبانية في حقل الترجمة لعام واحد ترقى الى الانتاج العربي في الألف سنة الثانية من تاريخ الحضارة الانسانية. لكن مؤلفا وناشرا مثل عمار عبدالحميد يأمل بتغيير هذا الواقع وهو يحلم أن يطل يوم على الثقافة في سوريا تصبح فيه مقارنات بين ثقافة الشمال ورعاة البقر، ومقاربات الفن الاسلامي حيال الفن الحديث، ناهيك عن حوارات مفكرين عربا مع فلاسفة فرنسيين أحاديث مشتركة في المطاعم والمقاهي الدمشقية. وقال الناشر السوري عبدالحميد أن الحل يكمن في حركة ترجمة كبيرة وشاملة تضع الانسان العربي في حالة اطلاع على ذاكرة التراث الفلسفي ومنجزات الثقافة الغربية. وفي العام الماضي أتيح للناشر السوري عبدالحميد بالتعاون مع خمسة ناشرين آخرين اطلاق موقع في فضاء الاسطورة الرقمية لخدمة هذا الهدف واسموه دار عمار. ويرى المحرر الثقافي في الكريستيان ساينس مونيتور بعد جولات شملت مكتبات سورية ولقاء محررين وكتاب وناشرين أن الثقافة تعاني من ظروف ضاغطة مثل تفشي الأمية والفقر وهاجس السلام، ومع ذلك فلا زال هناك أكاديميون وناشرون يتمتعون باصرار كبير على اضاءة شمعة لدحر الظلام. وقال رئيس تحرير احد المطبوعات السورية أن الموقف الثقافي يعيش لحظة تشويش وبامكان أعمال الترجمة فيما لو ازدهرت ان تلعب دورا ايجابيا في تحرير الموقف الفكري الراهن. وكان تقرير للأمم المتحدة في الخريف الماضي بصيغة دورته السنوية الثانية لتطوير الموارد البشرية، حمل بطيه انتقادات للدول العربية موجهة من مفكرين عرب وحث التقرير الدول العربية على أهمية استعادة دورها الثقافي بنفس الروح التي لعب فيها المترجمون العرب في مراحل تاريخية أدوارا بطولية في قيادة الحركة الفكرية. غير أن حركة الترجمة في الواقع الراهن تسير ببطء تماما، ففي عاصمة مثل بيروت مثلا حيث أنشئت في العام الماضي الجمعية العربية للترجمة بهدف ترجمة كتب اكاديمية بكفاءة متخصصة عالية يذكر مدير الجمعية على هامش تحديد الموارد أن العناصر التي يمكن للجمعية الاعتماد عليها لانجاز الموقف الاكاديمي لا تتجاوز 10 في المائة من مجموع المترجمين.
دور الترجمة في تحديث الفكر العربي العربي أحوج ما يكون إلى تحرير عقله وينبغي للمترجم أن يعمل على هذا التحرير الحسن سرات - المغرب : انتقد الدكتور طه عبد الرحمن التجربة العربية الثانية في الترجمة على أطوار ثلاثة أولها نقد مسلمات هذه التجربة، وثانيها نقد مفهوم التحديث، وثالثها نقد مفهوم الترجمة. وقام المفكر العربي الإسلامي الشهير بهذا الانتقاد الثلاثي في المحاضرة التي نظمها الصالون الثقافي للمركز الثقافي المصري بالعاصمة المغربية الرباط يوم الجمعة 12 دجنبر 2003 بمناسبة مرور 45 عاما على تأسيسه. وهي المناسبة التي عرفت جمعا غفيرا من الحاضرين الذين شهدوا تقديم هدية المركز المصري "الدرع الذهبي" للأستاذ المحاضر احتفاء واحتفالا به.
مسلمات مردودة
أشار المحاضر في بداية عرضه إلى مسلمات تنبني عليها التجربة الثانية للترجمة العربية (تمييزا لها عن الترجمة الأولى في العصر العباسي الأول)، وذكر من هذه المسلمات ثلاثة. أما المسلمة الأولى فهي "المماثلة" التي تعني أن التجربة الحالية تماثل التجربة الأولى، في حين أن ذلك مردود لأن الأولى كانت اختيارية تريد إثبات الذات وصدرت عن العرب وهم في موقع قوة ناقلة معرفة حضارة غابرة، وكانت تتخير النصوص التي ينبغي نقلها. بينما الثانية "انفعال اضطراري صدر عن غريزة الدفاع عن النفس وحماية حدودها التي ضاق نطاقها"، وتصدر عن عرب في موقع ضعف وتخلف ناقلة معارف حضارة قائمة غالبة، وتتهافت على نقل كل النصوص دون مبالاة بما يضر بالقيم الأخلاقية. أما المسلمة الثانية في "الترجمة الواحدة للكتاب الواحد"، وهي أيضا مردودة لأن "الترجمة لا تكافئ الأصل وقد لا نستغني بها عن سواها مهما بلغت درجة الإتقان وتحلى صاحبها بالأمانة". و"الترجمات تتغير بتغير الحاجات والأزمان" وتطور اللغة التي ترجم بها النص. كما أن "المترجمين ليسوا صنفا واحدا بل أصنافا متعددة، يصدرون عن تصورات مختلفة للترجمة ويتبعون فيها طرقا متباينة". أما المسلمة الثالثة وهي الأكثر رسوخا في الأذهان فسماها المحاضر"الترجمة الواحدة للمترجم الواحد". لكنها هي الأخرى معترض عليها بسبب "اختلاف فئات المتلقين"، و"اختلاف مستويات المتلقي الواحد"، ولأن "لكل ترجمة وضعت بالفعل بدائل بالقوة عند واضعها"، ويمكنه أن يستبدل ترجمة بأخرى لأن الأصل واحد بالضرورة والنقل متعدد بالجواز.
نقد مفهوم التحديث
ومضى الدكتور طه عبد الرحمن بعد ذلك إلى "نقد مفهوم التحديث" فأكد أن التحديث يعني التجديد، "والعربي الذي يشتغل بتجديد فكره" لا يفعل ذلك فعلا ذاتيا "ولا بالوجه الذي يريد"، فهو تجديد خارجي يحدث وفق نماذج مقتبسة خارجية، لكنه تعترضه شبه مختلفة تجعله أشبه ما يكون بالتجديد الوهمي. وذكر المحاضر من تلك الشبه "شبهة الخلط بين ما يستحق الاقتباس وما لا يستحقه" مثل قديم يجدر تركه وعرضي يحسن الاستغناء عنه وخاصا لا يتعدى محله وضار يتوجب دفعه. وأردف المحاضر بشبهة "ضعف الاستدلال على الاقتباس" مثل تناسي المقتبس للفروق الثقافية والتاريخية والحضارية بين العرب والغرب داعيا إلى مماثلة ساذجة سخيفة مستنسخا الكليات والجزئيات. وأتبع المحاضر بالشبهة الثالثة وهي "شبهة استبدال التراث المقتبس مكان التراث الأصلي"، ولا يخفى أن في هذا قطعا لحاضر المقتبس عن ماضيه ومحوا لذاكرته، فإما "أن يحشر نفسه في عالم لا يحسن التفكير على وفقه"، أو "أن يقضي على انبعاثه الفكري من حيث يظن أنه يضمنه". ورابع الشبهات هي التي سماها المحاضر "شبهة البقاء على حال الاقتباس" التي تجمد فيها كثير من المثقفين العرب فلا تجديد ولا استفادة. وخامس شبهة ذكرها المحاضر هي "شبهة تمييع الهوية"، والهويات ثلاث في ما صنف الأستاذ طه عبد الرحمن، أولها "الهوية الصلبة التي تنظر إلى بعين الذات وتنظر إلى الغير بعين الذات"، وثانيها "الهوية اللينة" وهي التي "تنظر إلى الذات بعين الغير وإلى الغير بعين الذات"، وثالثها "الهوية المائعة" التي "تنظر إلى الذات بعين الغير وإلى الغير بعين الغير". وطبق المحاضر هذا التصنيف على المقتبسين الحاليين فأيقن أن "الذي يقتبس فكره من سواه ويدوم على هذا الاقتباس لا يملك إلا هذا النوع الثالث من الهوية، جاعلا ذاته تذوب تدريجيا في ذات الآخر".
ورتب المحاضر نتيجة وصفها بالغريبة وهي "أن الاقتباس من خارج الفكر العربي لا يجدي في تجديد هذا الفكر، ولما كانت الترجمة هي النموذج الأمثل للاقتباس الخارجي كانت أولى ألا تجدي في هذا التجديد"، وأضاف المحاضر أن شواهد الواقع تؤكد هذه النتيجة على غرابتها، على رأسها أن الترجمة الحالية استمرت قرنين من الزمان وما تزال مستمرة دون أن تخرج للناس "فكرا عربيا جديدا فيه من العطاء بقدر ما فيه من الأخذ، وفيه من الإبداع بقدر ما فيه من الاتباع، ويجعل الإنسان العربي يحيا عصره ويساهم في دفع تحدياته إلى جانب باقي المفكرين في العالم". واستشهد الدكتور طه عبد الرحمن بأقوال فريقين من المفكرين العرب -القائلين بفشل الترجمة والقائلين بنقصانها وضرورة مضاعفتها- إلا أنه لاحظ أن الفريقين، وإن اتفقا على فشل الترجمة، إلا أنهما لم يدركا أن سبب الفشل يرجع إلى "الطريقة المتبعة فيها"، ويجزم المحاضر بقوة ويقين أنه "فمهما أكثرنا من المترجمات الفكرية أو طولنا زمن الترجمة فلن نحصل القدرة على الإبداع والعطاء، وعلى العكس من ذلك إذا كانت هذه الطريقة صالحة، فالقليل من المترجمات والقصير من زمنها قد يزودنا بهذه القدرة في الإبداع".
خصائص الترجمة المجددة
وتوقف المحاضر أمام سؤال اعتبره مهما جدا وهو القائل "كف يمكن للترجمة -وهي نقل من خارج- أن تحقق تجديد الفكر من الداخل؟ أو قل ما هي الترجمة التي توصلنا إلى تجديد داخلي لهذا الفكر؟ وللإجابة عن هذا السؤال الكبير الخطير دخل المحاضر بالسامعين الحاضرين إلى "نقد مفهوم الترجمة"، فأكد الدكتور طه عبد الرحمن أن ترجمة أي نص لا يصح أن تنجز "من غير أن يوضع لها هدف مخصوص". ولا هدف أسمى وأولى من أن يضاهي المترجم وهو يترجم الهدف المخصوص الذي توخاه المؤلف من تأليفه، "ولا يخفى أن هدف المؤلف هو التأثير -بوجه من الوجوه- في المتلقي الذي يتكلم بلغته ويشاركه في مجاله التداولي، فكذلك ينبغي للمترجم أن يقصد التأثير -بوجه من الوجوه- في المتلقي الناطق بنطقه والمشارك له في مجاله". واعتبر المحاضر أن العربي أحوج ما يكون إلى تحرير عقله، ولذلك ينبغي للمترجم أن يعمل على هذا التحرير، "ولا يتأتى له ذلك إلا إذا أثبت هو نفسه قبل المتلقي أنه قادر على التحرر من قيود النص الأصلي التي يفترض أنه يقع تحتها، وعلامة تحرره أن يأتي بترجمته لا على مقتضى استنساخ الأصل بواسطة لغته، وإنما على مقتضى استكشاف النص". وذهب الدكتور طه إلى أن "استكشاف النص" أو "الترجمة الاستكشافية" هي التي "تتطلع إلى نقل الطرق التي وضع بها المؤلف نصه على الوجه الذي يوصل المتلقي إلى وضع نص يضاهي نص المؤلف"، أي تمكين المتلقي من الإمساك بخيوط القوة الإبداعية التي وضع بها النص والتمكن منها غاية التمكن لإبداع نظير أو نظائر للنص الأصلي، القوة التي تجمع بين الجوانب المنطقية والدلالية والتركيبية على هذا الترتيب، فهي إذن ترجمات ثلاث. وعلى هذا تصبح الترجمة بناء لا هدما، وابتكارا لا محاكاة، وتجديدا لا تقليدا، وبذلك يتمرس المتلقي العربي بآليات الإبداع المتضمنة في الترجمات التي تقع بين يديه، وسهل عليه وضع أصول -من عنده- تضاهي الأصول المنقولة. وفصل طه عبد الرحمن في مضامين الأركان المنطقية والدلالية والتركيبية في الترجمة، وطرق التصرف فيها والإبداع في تقريبها للعربي بلغة تجعله قادرا على استعادة الثقة بنفسه وبإمكانات لغته وطاقاتها التداولية كما يستعيد الشعور بالاقتدار على الإتيان بمثل ما أتى به المؤلف المنقول عنه، "فلا يبدأ الإبداع الفكري الحق إلا مع البدء بتحصيل الأدلة في النصوص المترجمة، ولا تحديث للفكر العربي إلا بوجود هذا الإبداع ودوامه". يذكر أن الدكتور طه عبد الرحمن هو أستاذ المنطق وفلسفة اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط (المغرب) منذ 1970. وهو أيضا أستاذ زائر في جامعة آل البيت بعمان (الأردن)، وأستاذ زائر في جامعة سفاقس بتونس، وأحد مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وممثل الجمعية العالمية للدراسات الحجاجية بالمغرب (مقرها في أمستردام بهولندا)، وممثل جمعية "الفلسفة وتواصل الثقافات" (مقرها في كولونيا بألمانيا)، وعضو المجلس الأعلى لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (مقرها في ليبيا)، ونائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية (مقرها في الأردن)، ورئيس تحرير مجلة "المناظرة" المختصة في تحليل المفاهيم والمناهج، وأستاذ محكم ومستشار في عدة مجلات دولية، وخبير بأكاديمية المملكة المغربية، ورئيس منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين (مقره بالرباط المغرب). كما أنه حاصل على جائزة المغرب الكبرى في العلوم الإنسانية (1988) والجائزة الكبرى في العلوم الإنسانية (1995) عن كتابيه "أصول تجديد علم الكلام" و "تجديد المنهج في تقويم التراث". وشارك في عدة مؤتمرات علمية مغربية وعربية. وله عدة مؤلفات ودراسات في المنطقيات والفلسفيات واللسانيات والإسلاميات باللغات الثلاث العربية والفرنسية والأنجليزية، منها "سؤال الأخلاق" "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" و "العمل الديني وتجديد العقل" "فقه الفلسفة: 1- الفلسفة والترجمة 2- القول الفلسفي" و"اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.
المصدر:
http://alajme.portal.dk3.com/article.php?sid=13