مرسي عندما يصبح إيرانيا ... أو الترجمة الخائنة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إدارة الجمعية
    الإدارة
    • May 2009
    • 214

    مرسي عندما يصبح إيرانيا ... أو الترجمة الخائنة

    [align=center]مرسي عندما يصبح إيرانيا ... أو الترجمة الخائنة



    د.فؤاد بوعلي[/align]


    [align=justify]يروي أبو بكر يوسف، ناقل تراث تشيخوف، واحد من أهم كتّاب القصّة القصيرة عبر التاريخ، حادثة طريفة لا تخلو من دلالة. فعندما أخذ عليه الكاتب السوري سعيد حورانيّة أن ترجمته قد غيرت معالم نص تشيخوف بالقول: "لقد جعلتَ تشيكوف مصرياً للغاية"! ، أجابه الأخير: "لو أنك أنت الذي ترجمته، لجعلت منه سورياً".. فهذه إشارة إلى روح المترجم التي تتلبّس النصّ المُترجَم، الأمر الذي يجعل من بعض خياناته مسألة مشروعة، مادام الغرض تقديم النص الأصلي وتبيئته في فضاء معرفي مغاير. لكن ما فعله المترجم الإيراني مع خطاب الرئيس المصري يقدم لنا صورة أخرى عن مفهوم الخيانة في الترجمة أو الترجمة الخائنة حين يراد جعل النص ناطقا برغبات المترجم وليس بمدلولاته القريبة والبعيدة، أي جعل الدكتور مرسي يغدو إيرانيا يتحدث برؤية سادة طهران.

    لم يول المراقبون المتابعون لمؤتمر عدم الانحياز اهتماما كبيرا لبيان القمة الختامي ولا للقاءاتها ولا لمعاناة الصحفيين من شح أخبارها بقدر اهتمامهم بالحدث الذي شكله خطاب مرسي وأزمة ترجمته حتى أمكننا وسم القمة بقمة "الترجمة الخائنة".

    الترجمة خيانة.. عبارة تداولها المترجمون منذ الجاحظ وغدت عنوان البحث عن الأمانة في نقل النص، لكنها اتخذت في تعامل الإيرانيين مع نص الرئيس المصري محمد مرسي صورة أكثر حدة في قلب الحقائق ونقل النص كما يحلو للمترجم نقله وليس كما هو في أصله. وهنا يطرح السؤال القديم/ الجديد: هل يستطيع الناقل التخلص من انتمائه القريب لنقل النص كما هو؟ والأدهى متى كانت الترجمة محايدة وموضوعية لتكون في خطاب طهران؟ فآليات التحكم في عملية الترجمة عديدة ومتنوعة منها ما هو اقتصادي وإيديولوجي وسياسي تدفع لنقل نص دون آخر وللعب بالكلمات حين النقل ولفرض نص خاص في التسويق... فقد اعتاد المترجمون النظر إلى الفعل الترجمي باعتباره تأويلا يقدم المضمون بأشكال متعددة مادام أن "كلّ ما نكتبه هو ترجمة" كما يقول جداك دريدا. لكن في الحالة التي نتحدث عنها بدا أن الأمر لا يتعلق بلعب برئ أو مقصود بالكلمات بل هو تحريف للوقائع والأحداث يعيدنا إلى فهم سابق للترجمة إلى حد استباحة حرمة النص واقتحامه بغية لعب دور المؤلف. فقراءة ترجمة "غالان" لألف ليلة وليلة بالفرنسيّة، تجعلك تدرك تأثر المترجم بالنصّ إلى درجة أضاف فيه قصصاً وحكايات لا وجود لها في النسخة الأصلية، ومنها على سبيل المثال حكايات السندباد البحري.

    غير أن خيانة غالان كانت تصرفا إبداعيا، لكن في حالة قمة إيران يحمل التصرف دلالات أعمق من مجرد خطأ محصور في الزمان والمكان. وإن كان هذا ممكنا في النوع التحريري فإن الأمر يستحيل في الشكل الفوري حيث المترجم مطالب بنقل المعنى كما هو، خاصة أنه في حفل مباشر يتابعه العالم، وأن المقصود من عمله هو المعنى لا غير ،كما تذهب إلى ذلك مدرسة دانيكا سيليسكوفيتش.

    لعل استيقاظ الشعوب العربية في أحداث الربيع العربي قد كشف الغطاء عن جملة من المفاهيم والتيارات التي تسيدت الحالة الجماهيرية والإعلامية عنوة إبان الفراغ الثوري وأسقطت الأقانيم المزيفة التي ألهت في زمن الوهن الشعبي. فبعد شعارات القومية والعروبة والانتماء الوطني وجبهة الصمود والمقاومة التي تحكمت في المخيال الجماهيري لعقود عديدة والتي تهاوت مع ثورات الساحات، بدا للعيان أن الخاسر الأكبر في الحالة السورية هو التيار الشيعي بشعاراته المذهبية التي تلبست بلبوس مختلفة. فبالرغم من العناوين الكبرى التي ترفع وتصدر بها الثورة الإيرانية إلى العالم، وبالرغم من الحضور الإعلامي والتبشيري القوي لدولة آيات الله الذي تبلور أحيانا في تمويل سخي لتيارات ومؤسسات تحمل نزوعا قوميا، يبدو أن المختبئ وراء أكمة التوجه الشيعي عنصران/مبدآن يتحكمان في مسيرة المدافعة السياسية والباقي ملحق بهما: العنصر القومي الفارسي والعنصر المذهبي الشيعي.

    فعند نجاح الثورة الإيرانية في نهاية عقد السبعينات تنادت الحركات الثورية والأقلام الصحفية لمساندتها باعتبارها نموذجا تغييريا فريدا في عالم ثابت. فمن حسنين هيكل إلى فهمي هويدي وأدونيس والقائمة تطول ممن قدم ثورة الملالي على أنها انتصار شعبي حقيقي على نظام ديكتاتوري عز نظيرها في دول العالم الثالث. لكن سرعان ما انكفأت هذه الثورة على ذاتها وفق مرجعيتها المذهبية الخاصة التي حاولت تصديرها للعالم. وفي كل مرة كان الناس يتساءلون لم يتآمر العالم على إيران؟ ولم تسارع الدول العربية حين الفرصة إلى قطع علاقاتها معها؟ أليست إيران هي عمقنا الحضاري والاستراتيجي ومساندتها ضرورية ضد الاستبداد العالمي؟

    الجواب على هذه الأسئلة المثارة هنا وهناك وبعيدا عن لغة المصالح الضيقة والاستراتجية يفترض عناصر مبدئية في الفهم:

    1 ــ في أحداث العراق وبعد أن تسلمت إيران قيادته وتسييره من "حزب الشيطان" كما تردده الجماهير الشيعية في كل مناسبة بكائية، انطلقت سياسة التغيير الطائفي لخريطة البلد وترسيخ السيطرة العنصرية للمذهب الشيعي. ولعل الثابت في سياسة طهران على الدوام ومن يدور في فلكها أن الولاء المذهبي قبل الولاء العقدي ولنا المثل الأوضح في حالة السنة والعرب في إيران. لذا يصرون دوما وفي كل مناسبة على ممارسة طقوسهم المذهبية دون مواربة أو اعتبار لآخر. وحتى الأحزاب التابعة لطهران تعمل على الحفاظ على طابعها المغلق في وجه كل المنتسبين غير الشيعة حفاظا على نقائهم المذهبي.

    2 ـــ ربيع من؟ أتعب الربيع العربي العديد من الطائفيين والإثنيين والقبليين الذين لم يستطيعوا فهم منطق العروبة في ثورات غدت عدوى لا تمس غير بلدان العرب، حيث عجزت فلسفة سيكولوجية الشعوب في فهم الوعي المشترك. لذا لم يتردد المترجم الفارسي في نحت مقابل آخر للربيع هو "الصحوة الإسلامية" كما نحت آخرون"الربيع الديمقراطي" اعتقادا منهم أن تغيير المسمى سيغير الجوهر. لكن هيهات.

    3 ــ أحد أهم التحريفات التي قام بها المترجم وحفاظا على الولاء المذهبي الذي تمارسه إيران الملالي للدفاع عن النظام السوري وتعويض نقد الدكتور مرسي له بالحديث عن أحداث البحرين التي يعرف القاصي والداني مدى استغلال المذهب الشيعي لها بغية تحقيق حلم إيران القديم في الخليج العربي. لذا يساند نظام قمعي بعثي ليس لمقاومته بل لكونه طائفي وحسب خوفا ‘لى آل البيت كما قال أحد مراجعهم.

    هنا لا يمكننا الحديث عن خيانة الترجمة باعتبارها تأويلا، وإنما عن ترجمة خائنة لنص القائل . ويبدو حادثة الترجمة قد أخرجت ما اختبأ في الإعلام الشيعي الذي عمل منذ مدة على نشر أفكاره مباشرة أو عبر قنوات ممولة وإن نطقت بالعربية والتي لم تشر من قريب أو بعيد للحادثة، وغدا الوضوح سيد الموقف. ومن عناصر الوضوح نهاية كذبة التشيع في العالم العربي الذي تبين له أن دفاع إيران وحزب الله وباقي المنتمين للجوقة يكون مذهبيا وليس ثوريا.

    المصدر: http://hespress.com/writers/61863.html

    [/align]
يعمل...