الأستاذ مصطفى ساطع الحصري يعتبر مؤسس التربية والتعليم في الوطن العربي، وله كثير من المؤلفات في التربية باللغة العربية ، وقد شغل كثيرا من المناصب من بينها وزارة المعارف في العراق.
لكن غير المعروف أن الأستاذ مصطفى ساطع الحصري يعتبر أيضا مؤسس التربية الحديثة في تركيا. فقد كان مدير دار المعلمين في استنبول في العهد العثماني. وله العديد من المؤلفات باللغة العثمانية بالإضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات التي ألقاها في مختلف المحافل العثمانية.
ونقدم للزملاء في الجمعية الدولية المترجمي العربية ترجمة لمحاضرة ألقاها الأستاذ مصطفى ساطع الحصري في إحدى قاعات المحاضرات بجامعة استنبول التي كانت تعرف بدار الفنون في تلك الفترة.
المترجم كمال خوجة
الواجبات الوطنية<O
من محاضرة ألقيت في صالة دار الفنون
15 مارت 1329/28 مارس(آذار) 1913
<Oأيها السادة،
<Oعندما علمت بخبر سقوط ادرنه وأنا أقرأ الصحف صباح هذا اليوم شعرت بحزن عميق... وبعد فترة استجمعت قواي، فلما تذكرت محاضرة اليوم صرت أتردد: هل أقدر على إلقاء هذه المحاضرة، وهل علي أن ألقيها؟ وهل سأجد الراحة الذهنية التي أحتاجها لتوضيح أفكاري على النحو المطلوب تحت تأثير هذه المصيبة الكبرى، وهل سيملك من أخاطبهم هدوء الأعصاب اللازمة لمتابعة ما أقول؟ وبعد فترة من التردد قلت مفكرا: يجب ألا تنسينا المصائب والكوارث واجباتنا مهما كانت كبيرة وأليمة.. علينا ألا نخرج عن بالنا مصائبنا في أي وقت من الأوقات، علينا أن نحمل مأتمها في قلوبنا دائما، ولكن علينا أيضا ألا ننسى واجباتنا خلال ذلك المأتم، بل يجب أن تكون المصائب والمآتم مصدر دفع وقوة وتجعلنا أشد تمسكا والتزاما بواجباتنا، وبناء على هذه الملاحظات أيها السادة –بالرغم من تأكدي بأنني لن أجد الراحة الذهنية اللازمة لإيضاح موضوعي بشكل جيد- وعلمي أيضا بحزنكم وتأثركم- فقد قررت عدم تأخير المحاضرة، فجئت إلى هنا للحديث إليكم عن" الواجبات الوطنية".<O></O>
الواجبات التي يجب على الإنسان القيام بها تجاه الوطن يمكن تلخيصها في كلمتين: الحب والخدمة.<O></O>
فالوطن هو أم الإنسان معنويا ؛ لذلك على كل إنسان أن يحب وطنه كما يحب أمه: أن يربط قلبه بشرفه ورفاهيته ماديا ومعنويا، أن يحزن ويتألم لمصائبه ، ويفرح ويسر لانتصاراته... لكن الحب للوطن إذا بقي قلبيا صرفا فلن يكون منه أي نفع، إذ لا يكون وسيلة لإنقاذه من المصائب ولا لتحقيقه مكاسب وانتصارات، لذلك يجب أن يظهر هذا الحب عمليا، يجب أن يكون دافعا للخدمة.<O></O>
ويطلق على حب الوطن والحرص والتحفز لخدمته اسم "الوطنية"، وعلى العكس من ذلك يقال لعدم الاكتراث بالوطن وتحاشي خدمتها "بعدم الحمية". <O></O>
أكثر ما نستخدم هاتين الكلمتين في تصوير أفعال وحركات العساكر المتعلقة بالحرب: فالعساكر والضباط الذين يبرزون شجاعة وتضحية أثناء القتال نسميهم بالوطنيين، أما الذين عرفوا بالجبن والمسكنة فنقول عنهم بأنهم لاحمية لهم <O></O>
وفي واقع الأمر فإن هذا التقدير ليس خطأ من حيث الأساس ، فوقت الحرب هو الوقت الذي يتطلب إظهار أعلى أشكال الوطنية، ويأمر بالقيام بالواجبات الوطنية بسرعة واهتمام كبيرين؛ ولكن من الخطأ الكبير أن نقيس الوطنية – حتى في العسكرية- بالأعمال والتصرفات أثناء الحرب فقط:<O></O>
إذا تأملنا بدقة الأسباب التي تحقق النصر للجيوش رأينا بأن النصر لا يتحقق من خلال الحرب فقط ، بل يكون الإعداد الأصلي له في زمن السلم، كما أن إعداد الجيش في زمن السلم يتطلب تضحية ووطنية مثل ما يتطلبه في زمن الحرب..<O></O>
فالضابط الذي لا يهتم بتعليم وتدريب القطعة العسكرية التي يقودها، ولا يبذل جهدا وإقداما لتزويد أفراده بالمهارات العسكرية والقوة المعنوية يجب أن نعتبره مسئولا عن الهزيمة التي تتعرض لها هذه القطعة أو التسبب في هزيمتها أكثر من الضابط الذي يقود تلك القطعة أثناء القتال؛ وعلى العكس من ذلك فإن الضابط الذي يبدي اهتماما كبيرا تدريب قطعته ، ويسعى جاهدا إلى تزويد أفرادها بالمهارات العسكرية والقوة المعنوية علينا أن نعتبره أكثر فضلا في المكانة والشرف الذي ستحققه تلك القطعة في الحرب من الضابط الذي قاد تلك القطعة أثناء القتال.<O></O>
وفي خلال الحرب قد تظهر البطولات نتيجة استدراج أو فوران طارئ، وقد تنشأ من سبب بسيط أثناء خلخلة أو فوضى في الصفوف ثم تنتشر هنا وهناك؛ أما البطولات في زمن السلم ، فتنشأ طبعا من أسباب أكثر استمرارية من ميول حقيقية، أما الإهمال فيدل على لا مبالاة أكثر عمقا.<O></O>
لذلك يجب ألا نحصر أهمية الواجبات الوطنية في أوقات الحرب: يجب أن نعرف جيدا بأن ما يقوم به ضابط في الجيش العامل في وقته بلعب النرد بالمقاهي بدلا من يدفعه حبه لمسلكه الوظيفي إلى تعليم قطعته وتدريبها، وما يقوم به ضابط الاحتياط الذي يمضي وقته باللهو والدعة بدلا من أن يهتم بالتجهيز والإعداد هو عامل ضعف وسبب انهزام ولا فرق بينه وبين إهمال الواجب أثناء القتال ، فهو بالتالي عدم حب للوطن.<O></O>
ومن الأحوال التي نستخدم فيها أكثر الأحيان كلمتي الحمية وعدم الحمية هي " مسألة التبرع" فلا نفتأ نتحدث عن الحمية الوطنية فيمن يقدمون التبرعات وعن عدم حمية الممتنعين عن ذلك. وفي الحقيقة فإن خدمة الوطن بـ"المال" واجب؛ والاهتمام بهذا الواجب حمية، وإهماله عدم الحمية.. <O></O>
ولكن هناك شكل آخر من أشكال خدمة الوطن بالمال أكثر أهمية وأكثر ضرورة من التبرع ألا وهو الضريبة. فإذا كنا لا نتردد في وصف عدم التبرع – وعدم القيام بخدمة مالية- خارج التكاليف القانونية- بعدم الحمية، ألا يقتضي منا اعتبار عدم إيفاء الخدمة المالية التي هي من ضمن التكاليف القانونية "عدم حمية أشد وأنكى" ؟ ألا يتطلب منا أن نعتبر كتم الضرائب – وكتم بعض المعلومات وإعطاء بيانات كاذبة للتقليل من الضرائب " "عدم حمية مضاعف"؟ أليس من السطحية أن نعتبر من يقدم تبرعا كيفما اتفق صاحب حمية ... في الوقت الذي يلجأ إلى كل الوسائل التي من شأنها تقليل مقدار ضرائبه أو تأخيرها؟ إننا وبكل أسف نفشل دائما في النأي بأنفسنا عن هذه السطحية؛ إننا في مثل هذه الأمور نتهاون ونتساهل كثيرا مع أنفسنا ومع غيرنا ، لقد آن الأوان لوضع حد لهذا التساهل ؛ علينا أن نعرف جيدا بأن من يحب وطنه حقا، ويدرك واجباته تجاه وطنه جيدا يعتبر حصة الضريبة من ماله ووارداته " حق الوطن" و" دين الوطن" ويسارع في أدائها دون كتم أو تأخير...<O></O>
في معرض بيان مدى سطحيتنا في تقدير وإدراك الحمية تحدثت عن اثنين من واجباتنا تجاه الوطن هما العسكرية والضريبة.<O></O>
إن بقاء وسلامة الوطن يتوقف قبل كل شيء على أداء هذين الواجبين على أحسن وجه من قبل كافة أبناء الوطن.<O></O>
وبقاء وسلامة الوطن يستوجب كذلك أن يحترم الجميع ويطيعوا القوانين، ويعملوا على استمرار النظام والأمن. لذلك يتعين اعتبار احترام القانون ومراعاة النظام والأمن من ضمن "الواجبات الوطنية" <O></O>
فقد يعترض المرء على أحد القوانين برأيه وفكره، ويعتبر ذلك القانون سيئا، ولكن عليه ألا ينسى كذلك بأن أضرار عدم القانونية تكون أكبر بكثير من أضرار قانون سيء، لذلك يجب العمل على إلغاء القوانين السيئة أو تعديلها وإصلاحها، ولكن يجب الاستمرار في احترامها طالما بقيت قانونا ولم تلغ أو ترفع. <O></O>
هناك مجموعة من الموظفين مكلفون بحماية الأمن والأمان، ولكي يتمكن هؤلاء الموظفون من أداء واجباتهم على الأهالي مساعدتهم، فإذا بقي الناس مكتوفي اليد تجاه الأعمال المخلة بالنظام العام، ولم يبلغوا الحكومة بالمعلومات التي لديهم عنها- ولم يؤدوا الشهادة التي الواجب أداءها قانونا- فإن الحكومة لن تقدر على إقرار الانضباط والأمان وعلى ترسيخ أمن ونظام المصالح العامة، لذلك فإن عدم السكوت على الأحوال التي تضر بالصالح العام ، واللجوء إلى كافة الوسائل التي من شأنها منعها وإزالتها يشكل واجبا مهما جدا بين الواجبات الوطنية. <O></O>
إننا لا ندرك ولا نقدر هذا الواجب الوطني حق قدره، ونقف مكتوفي الأيدي متفرجين تجاه مثل هذه الأحوال، ومن حيث الواقع لا نبدو (ظاهرا) غير مكترثين، ولا نحجم عن نقد ما نراه من المساوئ ، لكننا نقوم بذلك في صورة قيل وقال دون أي فائدة، كما لا نتهم بتنبيه وتحذير المختصين وأصحاب العلاقة، كما أن المختصين وأصحاب العلاقة لا يهتمون بالتحذير، إلا أنه من واجب الجميع أن يرفعوا صوتهم على إهمال وعدم اهتمام المسئولين، فمن الممكن ألا تلقى التحذيرات اهتماما إذا كانت قليلة ومن هنا وهناك ، أما إذا تكاثرت وتعددت، واعتبر الجميع أن من واجبهم التحذير والإبلاغ عن كل سوء يرونه واجبا عندئذ يستحيل على ذوي الشأن والعلاقة أن يبقوا غير مكترثين. وعندما نقوم بواجبنا هذا، ولا نهمله إذا لم نصل إلى نتيجة إيجابية بل نواصل التحذير والإخبار عن كل سيء نراه ويقول كل واحد منها عندئذ" علي القيام بواجبي، ولا أقل من أن يستريح ضميري" ولنكن متأكدين بأنه إذا تزايد عدد القائمين بهذا الواجب شهدت مصالحنا العامة تطورا وتحولا كبيرين، وذلك يصب في خطوات كبيرة نحو تطور الوطن ورقيه..<O></O>
وبمناسبة هذا الواجب أذكر مثلا جديرا بالملاحظة: خلال رحلة لي قبل عامين مرت السفينة التي كنت فيها بسيسام[K.H1] وعندما توقفت فيها وجدته فرصة للقيام بالتجول في البلدة، ركبت قاربا متوجها إلى المرفأ فلم وقف على الساحل وجدت نفسي أمام مشهد آلمني كثيرا. كان هناك جنديان عثمانيان يقفان إلى جانب رجل شرطة محلي؛ كانت ملابس الجنديين رثة كما وجدت تفتقا وترقعا في قميصيهما وبقعا في بنطالهما، بينما كان الشرطي والواقف إلى جانبهما مزهوا بملابسه الجديدة والنظيفة وببسطاره الجديد اللامع. شعرت بألم وتأثر شديدين عندما رأيت الجنديين العثمانيين على هذه الحالة وهما يمثلان السيادة العثمانية في هذه الإمارة التي تتمتع بالحكم الذاتي، فكرت وقلت في نفسي" ألن يقول الأجانب الذي يرون هذه الحالة: كم هي مسكينة سيسام هذه ، إنها تعيش تحت ظل حكومة فاشلة" ... وما أن نزلت على البر حتى بدأت أمشي نحو دائرة الحكومة كي أتأكد من ملابس العساكر الآخرين، فرأيت بأن كل من صادفته من هؤلاء العساكر يلبس نفس الطارز من الثياب الرثة. وكان بين الركاب ضابط، فلما عدت إلى السفينة ذكرت له ما رأيته وما فكرت فيه؛ فاستمع إلي بكل تأثر ثم اكتفى بالقول" هذه هي الحقيقة، وما العمل..." فعندما قلت له" لو أنك كتبت، وبلغت.." أجاب" ومن يكترث!" . عمدئذ فكرت وقلت : لا أقل من أن أكتب بنفسي" ثم كتبت رسالة موجهة إلى نظارة الحربية؛ فلما قرأ الضابط رسالتي تبسم، وقال" وكأن نظارة الحربية لا تعلم بذلك، لا فائدة منها..." ولعله كان على حق فيما قال، ولعل الرسالة ترسل إلى هناك عبثا، ولكن لن تأخذ وقتا أكثر من خمس دقائق وطابعا أكثر من عشرين باره[K.H2] ، لكن الحقيقة أن الرسالة لم تكن دون نتيجة: فعندما مررت بإزمير قبل شهر من الزمان، عرفت من رجل قابلته هناك بأن الرسالة أرسلت إلى إزمير، وأجري التحقيق بعد ذلك وأرسلت قبل خمسة أو ستة شهور ملابس جديدة، ولكن تبين أن قائد المفرزة لم يسلم جنوده هذه الملابس، وهم لا زالوا على تلك الحالة، وقد تقرر إرسال ملف هذا الضابط إلى المحكمة العسكرية... ولو شاركت ذلك الضابط الذي في السفينة رأيه، فمن يدري كم من الوقت بقي الجنود في سيسام في تلك الحالة المزرية.ولا شك أن كثيرين مروا بسيسام قبلي ، ورأوا ما رأيت وحزنوا لما حزنت ، ولو لم ينس هؤلاء واجب التحذير والتنبيه لكانت ملابس العساكر تحسنت من وقت طويل...<O></O>
ومن أهم الواجبات تجاه الوطن : استعمال حق الانتخاب بطريقة صحيحة، عندما نصوت في انتخابات البلديات وكذلك في انتخابات مجلس المبعوثان[K.H3] يجب ألا يكون هدفنا سوى سلامة البلاد والمصلحة العامة. والتصرف عند التصويت وفق المصالح الشخصية والأغراض النفسية يعني التضحية بمصالح الوطن وأغراض الوطن من أجل المصالح والأغراض الشخصية. فمن يفعل ذلك فلن يبقى مجرد أسير لأهوائه ومصالحه الشخصية فحسب، بل يسعى أيضا إلى إفساد وتزوير ضمائر الآخرين كي يكونوا معه، فيضر بذلك المصالح الوطنية أيما إضرار. وعلى من يحب وطنه بحق ألا يجعل الانتخابات ضحية الصداقة والعداوة والأغراض والأهواء والتزوير والفساد، عليه ألا يجعل صوته خادما لأي مصلحة سوى المصلحة العامة والحرص على سلامة الوطن..<O></O>
ومن الواجبات الوطنية المهمة كذلك: تفضيل المصنوعات الوطنية على المصنوعات الأجنبية في الاستهلاك وتشجيع المبادرات الاقتصادية القومية. فللأوضاع الاقتصادية دور كبير في قوة الأمة ومناعة الوطن، لذلك فإن دعم التطور الاقتصادي يصب أيضا في صالح قوة الوطن ومناعته.<O></O>
كل ما عددته من الواجبات حتى الآن هي التي تتعلق بالوطن مباشرة؛ وأداؤها يعني خدمة مباشرة للوطن. وعدا عما ذكرنا ، هناك مجموعة من الواجبات الأخرى تتعلق بالوطن بصورة غير مباشرة، وأداء تلك الواجبات تخدم الوطن بصورة غير مباشرة:<O></O>
فحماية الصحة ، والقيام بالتمارين البدنية، ليكون ذا جسم قوي وسليم ومقاوم وجريء ونشيط هي من الخدمات التي تخص شخص الإنسان أساسا، وبالتالي فهي من جملة الواجبات الشخصية ، لكنها في الوقت نفسه تصب أيضا في خدمة الوطن ، فهي لذلك بمثابة تتمة للواجبات الوطنية. <O></O>
فحب الإنسان لأطفاله وتربيتهم، واهتمامه بصحة كافة أفراد أسرته، وإقامة مؤسسة أو دار كلها خدمات تهدف الأسرة: فهي بالتالي من جملة الخدمات الأسرية: لكنها في الوقت نفسه وبصورة غير مباشرة خدمة للوطن، وهي بمثابة تتمة للواجبات الوطنية.<O></O>
وعلى الذين يحبون وطنهم مضاعفة الاهتمام بالواجبات الشخصية والأسرية التي لها علاقة بالوطن على هذا النحو.<O></O>
وما عددته من الواجبات الوطنية حتى الآن تشمل كافة أبناء الوطن دون استثناء : فالجميع مكلفون بإيفاء هذه الواجبات مهما تعددت مهنهم وأعمالهم. <O></O>
ولكن هناك مجموعة أخرى من الواجبات الوطنية تختلف باختلاف المهن والحرف، وتقتصر على صنف معين من أبناء الوطن : فالعلماء والشعراء، والكتاب والأطباء والمعلمون والسياسيون والعسكريون والموظفون والتجار والمزارعون هم في مواقع يمكنهم من خلالها خدمة الوطن في صور وأشكال مختلفة ، فهم بذلك مكلفون بواجبات وطنية مختلفة.<O></O>
وكلما زاد شمول وتأثير مسلك أو مهنة في الحياة الاجتماعية، كان ثقل الواجب الوطني على صاحب هذا المسلك أو المهنة أشد وأقوى. حتى أن الذين لهم نفوذ معنوي كبير وشهرة واسعة بين أصحاب المهن أنفسهم تكون واجباتهم الوطنية أكبر وأثقل من غيرهم.<O></O>
ويمكننا التعبير عن الواجبات الوطنية التي تتحول تبعا للمسلك والشخص بجملة قصيرة: استخدام المسلك والنفوذ الشخصي للمنفعة العامة وخير الوطن ، وتحقيق أكبر خدمة بدعم من ذلك النفوذ..<O></O>
ولا أريد هنا توضيح وبيان الواجبات والخدمات الوطنية لكل مسلك ، بل أترك لكم التفكير في ذلك وتحديده. وأكتفي بالحديث عن الواجبات الوطنية للموظفين: فكل موظف قد عهد إليه بخدمة من الخدمات العامة، وبات يملك جزءا من قوة الدولة، وحمل نفسه تعهدا خاصا، فهو بالتالي أصبح مكلفا بأداء هذه الخدمة العامة، واستخدام قوة الدولة هذه استخداما صحيحا، وأداء حق الراتب الذي يتقاضاه وحق المنصب الذي يشغله. والسير الصحيح لوظائف الحكومة عامل مهم بين العوامل التي تخدم تطور ورقي الوطن والأمة، لذلك فإن هناك ارتباطا وثيقا بين الوظائف الرسمية والواجبات الوطنية ، وكما أن كل موظف يسيء استخدام وظيفته ويتقاضى الرشاوى هو عديم الحمية، فكذلك كل من يقوم بعمل بناء على واسطة أو توصية، ولا يكون ارتباطه بوظيفته الرسمية قلبيا وصادقا، ويتعهد بوظيفة ليس هو أهل لها، ويهمل مصالح الناس ، ويعتبر الراتب الذي يتقاضاه مجرد دخل وإيراد ، ويخلط بعمله الغرض والعوض. <O></O>
إننا وكل أسف نتساهل ونتسامح في هذه الناحية كثيرا: لا نحجم عن القيام بعمل من أجل خاطر فلان أو فلان، ونظن أن رعاية الخاطر في الوظائف الرسمية ضرورة؛ وعندما نتحدث عن موظف من الموظفين نقول في أغلب الأحيان" إنه شريف، لكنه جاهل، خلوق لكنه كسول" ولا نفكر أبدا بأنه" يجب على كل خلوق وشريف ألا يتعهد بأعمال لن يقوموا أو لن يقدروا على القيام بها"<O></O>
قبل أن أنهي هذا التوضيح المجمل للواجبات الوطنية أو لفت انتباهكم إلى أساس مهم:<O></O>
فالواجبات الوطنية لا تبقى في وضع أو مستوى معين في كل وقت، بل تزداد أهمية هذه الواجبات وتشتد أضعافا مضاعفة خلال تعرض الوطن للأزمات والمصائب: والتهاون في أداء الواجبات في أوقات الأزمات أو أشد نكرانا للواجب الوطني وعدم حمية من أي وقت آخر، حتى التضحيات التي تعتبر فوق الواجبات العادية تكاد تكون واجبا في أوقات الأزمات . فكل إنسان مكلف بمساعدة أبويه ، لكن هذا التكليف يكون أشد وأقوى عندما يحتاج الأبوان لمساعدة جدية وسريعة ، حتى التضحية تكون من الواجبات في مثل هذه الظروف.<O></O>
<HR class=msocomoff align=left SIZE=1 width="33%">[K.H1]وهي جزيرة من جزر البحر المتوسط تتبع اليونان في الوقت الحاضر(المترجم)<O></O>
[K.H2]وحدة عملة عثمانية(المترجم)
[K.H3]مجلس النواب(المترجم)<O></O>
لكن غير المعروف أن الأستاذ مصطفى ساطع الحصري يعتبر أيضا مؤسس التربية الحديثة في تركيا. فقد كان مدير دار المعلمين في استنبول في العهد العثماني. وله العديد من المؤلفات باللغة العثمانية بالإضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات التي ألقاها في مختلف المحافل العثمانية.
ونقدم للزملاء في الجمعية الدولية المترجمي العربية ترجمة لمحاضرة ألقاها الأستاذ مصطفى ساطع الحصري في إحدى قاعات المحاضرات بجامعة استنبول التي كانت تعرف بدار الفنون في تلك الفترة.
المترجم كمال خوجة
الواجبات الوطنية<O
من محاضرة ألقيت في صالة دار الفنون
15 مارت 1329/28 مارس(آذار) 1913
<Oأيها السادة،
<Oعندما علمت بخبر سقوط ادرنه وأنا أقرأ الصحف صباح هذا اليوم شعرت بحزن عميق... وبعد فترة استجمعت قواي، فلما تذكرت محاضرة اليوم صرت أتردد: هل أقدر على إلقاء هذه المحاضرة، وهل علي أن ألقيها؟ وهل سأجد الراحة الذهنية التي أحتاجها لتوضيح أفكاري على النحو المطلوب تحت تأثير هذه المصيبة الكبرى، وهل سيملك من أخاطبهم هدوء الأعصاب اللازمة لمتابعة ما أقول؟ وبعد فترة من التردد قلت مفكرا: يجب ألا تنسينا المصائب والكوارث واجباتنا مهما كانت كبيرة وأليمة.. علينا ألا نخرج عن بالنا مصائبنا في أي وقت من الأوقات، علينا أن نحمل مأتمها في قلوبنا دائما، ولكن علينا أيضا ألا ننسى واجباتنا خلال ذلك المأتم، بل يجب أن تكون المصائب والمآتم مصدر دفع وقوة وتجعلنا أشد تمسكا والتزاما بواجباتنا، وبناء على هذه الملاحظات أيها السادة –بالرغم من تأكدي بأنني لن أجد الراحة الذهنية اللازمة لإيضاح موضوعي بشكل جيد- وعلمي أيضا بحزنكم وتأثركم- فقد قررت عدم تأخير المحاضرة، فجئت إلى هنا للحديث إليكم عن" الواجبات الوطنية".<O></O>
الواجبات التي يجب على الإنسان القيام بها تجاه الوطن يمكن تلخيصها في كلمتين: الحب والخدمة.<O></O>
فالوطن هو أم الإنسان معنويا ؛ لذلك على كل إنسان أن يحب وطنه كما يحب أمه: أن يربط قلبه بشرفه ورفاهيته ماديا ومعنويا، أن يحزن ويتألم لمصائبه ، ويفرح ويسر لانتصاراته... لكن الحب للوطن إذا بقي قلبيا صرفا فلن يكون منه أي نفع، إذ لا يكون وسيلة لإنقاذه من المصائب ولا لتحقيقه مكاسب وانتصارات، لذلك يجب أن يظهر هذا الحب عمليا، يجب أن يكون دافعا للخدمة.<O></O>
ويطلق على حب الوطن والحرص والتحفز لخدمته اسم "الوطنية"، وعلى العكس من ذلك يقال لعدم الاكتراث بالوطن وتحاشي خدمتها "بعدم الحمية". <O></O>
أكثر ما نستخدم هاتين الكلمتين في تصوير أفعال وحركات العساكر المتعلقة بالحرب: فالعساكر والضباط الذين يبرزون شجاعة وتضحية أثناء القتال نسميهم بالوطنيين، أما الذين عرفوا بالجبن والمسكنة فنقول عنهم بأنهم لاحمية لهم <O></O>
وفي واقع الأمر فإن هذا التقدير ليس خطأ من حيث الأساس ، فوقت الحرب هو الوقت الذي يتطلب إظهار أعلى أشكال الوطنية، ويأمر بالقيام بالواجبات الوطنية بسرعة واهتمام كبيرين؛ ولكن من الخطأ الكبير أن نقيس الوطنية – حتى في العسكرية- بالأعمال والتصرفات أثناء الحرب فقط:<O></O>
إذا تأملنا بدقة الأسباب التي تحقق النصر للجيوش رأينا بأن النصر لا يتحقق من خلال الحرب فقط ، بل يكون الإعداد الأصلي له في زمن السلم، كما أن إعداد الجيش في زمن السلم يتطلب تضحية ووطنية مثل ما يتطلبه في زمن الحرب..<O></O>
فالضابط الذي لا يهتم بتعليم وتدريب القطعة العسكرية التي يقودها، ولا يبذل جهدا وإقداما لتزويد أفراده بالمهارات العسكرية والقوة المعنوية يجب أن نعتبره مسئولا عن الهزيمة التي تتعرض لها هذه القطعة أو التسبب في هزيمتها أكثر من الضابط الذي يقود تلك القطعة أثناء القتال؛ وعلى العكس من ذلك فإن الضابط الذي يبدي اهتماما كبيرا تدريب قطعته ، ويسعى جاهدا إلى تزويد أفرادها بالمهارات العسكرية والقوة المعنوية علينا أن نعتبره أكثر فضلا في المكانة والشرف الذي ستحققه تلك القطعة في الحرب من الضابط الذي قاد تلك القطعة أثناء القتال.<O></O>
وفي خلال الحرب قد تظهر البطولات نتيجة استدراج أو فوران طارئ، وقد تنشأ من سبب بسيط أثناء خلخلة أو فوضى في الصفوف ثم تنتشر هنا وهناك؛ أما البطولات في زمن السلم ، فتنشأ طبعا من أسباب أكثر استمرارية من ميول حقيقية، أما الإهمال فيدل على لا مبالاة أكثر عمقا.<O></O>
لذلك يجب ألا نحصر أهمية الواجبات الوطنية في أوقات الحرب: يجب أن نعرف جيدا بأن ما يقوم به ضابط في الجيش العامل في وقته بلعب النرد بالمقاهي بدلا من يدفعه حبه لمسلكه الوظيفي إلى تعليم قطعته وتدريبها، وما يقوم به ضابط الاحتياط الذي يمضي وقته باللهو والدعة بدلا من أن يهتم بالتجهيز والإعداد هو عامل ضعف وسبب انهزام ولا فرق بينه وبين إهمال الواجب أثناء القتال ، فهو بالتالي عدم حب للوطن.<O></O>
ومن الأحوال التي نستخدم فيها أكثر الأحيان كلمتي الحمية وعدم الحمية هي " مسألة التبرع" فلا نفتأ نتحدث عن الحمية الوطنية فيمن يقدمون التبرعات وعن عدم حمية الممتنعين عن ذلك. وفي الحقيقة فإن خدمة الوطن بـ"المال" واجب؛ والاهتمام بهذا الواجب حمية، وإهماله عدم الحمية.. <O></O>
ولكن هناك شكل آخر من أشكال خدمة الوطن بالمال أكثر أهمية وأكثر ضرورة من التبرع ألا وهو الضريبة. فإذا كنا لا نتردد في وصف عدم التبرع – وعدم القيام بخدمة مالية- خارج التكاليف القانونية- بعدم الحمية، ألا يقتضي منا اعتبار عدم إيفاء الخدمة المالية التي هي من ضمن التكاليف القانونية "عدم حمية أشد وأنكى" ؟ ألا يتطلب منا أن نعتبر كتم الضرائب – وكتم بعض المعلومات وإعطاء بيانات كاذبة للتقليل من الضرائب " "عدم حمية مضاعف"؟ أليس من السطحية أن نعتبر من يقدم تبرعا كيفما اتفق صاحب حمية ... في الوقت الذي يلجأ إلى كل الوسائل التي من شأنها تقليل مقدار ضرائبه أو تأخيرها؟ إننا وبكل أسف نفشل دائما في النأي بأنفسنا عن هذه السطحية؛ إننا في مثل هذه الأمور نتهاون ونتساهل كثيرا مع أنفسنا ومع غيرنا ، لقد آن الأوان لوضع حد لهذا التساهل ؛ علينا أن نعرف جيدا بأن من يحب وطنه حقا، ويدرك واجباته تجاه وطنه جيدا يعتبر حصة الضريبة من ماله ووارداته " حق الوطن" و" دين الوطن" ويسارع في أدائها دون كتم أو تأخير...<O></O>
في معرض بيان مدى سطحيتنا في تقدير وإدراك الحمية تحدثت عن اثنين من واجباتنا تجاه الوطن هما العسكرية والضريبة.<O></O>
إن بقاء وسلامة الوطن يتوقف قبل كل شيء على أداء هذين الواجبين على أحسن وجه من قبل كافة أبناء الوطن.<O></O>
وبقاء وسلامة الوطن يستوجب كذلك أن يحترم الجميع ويطيعوا القوانين، ويعملوا على استمرار النظام والأمن. لذلك يتعين اعتبار احترام القانون ومراعاة النظام والأمن من ضمن "الواجبات الوطنية" <O></O>
فقد يعترض المرء على أحد القوانين برأيه وفكره، ويعتبر ذلك القانون سيئا، ولكن عليه ألا ينسى كذلك بأن أضرار عدم القانونية تكون أكبر بكثير من أضرار قانون سيء، لذلك يجب العمل على إلغاء القوانين السيئة أو تعديلها وإصلاحها، ولكن يجب الاستمرار في احترامها طالما بقيت قانونا ولم تلغ أو ترفع. <O></O>
هناك مجموعة من الموظفين مكلفون بحماية الأمن والأمان، ولكي يتمكن هؤلاء الموظفون من أداء واجباتهم على الأهالي مساعدتهم، فإذا بقي الناس مكتوفي اليد تجاه الأعمال المخلة بالنظام العام، ولم يبلغوا الحكومة بالمعلومات التي لديهم عنها- ولم يؤدوا الشهادة التي الواجب أداءها قانونا- فإن الحكومة لن تقدر على إقرار الانضباط والأمان وعلى ترسيخ أمن ونظام المصالح العامة، لذلك فإن عدم السكوت على الأحوال التي تضر بالصالح العام ، واللجوء إلى كافة الوسائل التي من شأنها منعها وإزالتها يشكل واجبا مهما جدا بين الواجبات الوطنية. <O></O>
إننا لا ندرك ولا نقدر هذا الواجب الوطني حق قدره، ونقف مكتوفي الأيدي متفرجين تجاه مثل هذه الأحوال، ومن حيث الواقع لا نبدو (ظاهرا) غير مكترثين، ولا نحجم عن نقد ما نراه من المساوئ ، لكننا نقوم بذلك في صورة قيل وقال دون أي فائدة، كما لا نتهم بتنبيه وتحذير المختصين وأصحاب العلاقة، كما أن المختصين وأصحاب العلاقة لا يهتمون بالتحذير، إلا أنه من واجب الجميع أن يرفعوا صوتهم على إهمال وعدم اهتمام المسئولين، فمن الممكن ألا تلقى التحذيرات اهتماما إذا كانت قليلة ومن هنا وهناك ، أما إذا تكاثرت وتعددت، واعتبر الجميع أن من واجبهم التحذير والإبلاغ عن كل سوء يرونه واجبا عندئذ يستحيل على ذوي الشأن والعلاقة أن يبقوا غير مكترثين. وعندما نقوم بواجبنا هذا، ولا نهمله إذا لم نصل إلى نتيجة إيجابية بل نواصل التحذير والإخبار عن كل سيء نراه ويقول كل واحد منها عندئذ" علي القيام بواجبي، ولا أقل من أن يستريح ضميري" ولنكن متأكدين بأنه إذا تزايد عدد القائمين بهذا الواجب شهدت مصالحنا العامة تطورا وتحولا كبيرين، وذلك يصب في خطوات كبيرة نحو تطور الوطن ورقيه..<O></O>
وبمناسبة هذا الواجب أذكر مثلا جديرا بالملاحظة: خلال رحلة لي قبل عامين مرت السفينة التي كنت فيها بسيسام[K.H1] وعندما توقفت فيها وجدته فرصة للقيام بالتجول في البلدة، ركبت قاربا متوجها إلى المرفأ فلم وقف على الساحل وجدت نفسي أمام مشهد آلمني كثيرا. كان هناك جنديان عثمانيان يقفان إلى جانب رجل شرطة محلي؛ كانت ملابس الجنديين رثة كما وجدت تفتقا وترقعا في قميصيهما وبقعا في بنطالهما، بينما كان الشرطي والواقف إلى جانبهما مزهوا بملابسه الجديدة والنظيفة وببسطاره الجديد اللامع. شعرت بألم وتأثر شديدين عندما رأيت الجنديين العثمانيين على هذه الحالة وهما يمثلان السيادة العثمانية في هذه الإمارة التي تتمتع بالحكم الذاتي، فكرت وقلت في نفسي" ألن يقول الأجانب الذي يرون هذه الحالة: كم هي مسكينة سيسام هذه ، إنها تعيش تحت ظل حكومة فاشلة" ... وما أن نزلت على البر حتى بدأت أمشي نحو دائرة الحكومة كي أتأكد من ملابس العساكر الآخرين، فرأيت بأن كل من صادفته من هؤلاء العساكر يلبس نفس الطارز من الثياب الرثة. وكان بين الركاب ضابط، فلما عدت إلى السفينة ذكرت له ما رأيته وما فكرت فيه؛ فاستمع إلي بكل تأثر ثم اكتفى بالقول" هذه هي الحقيقة، وما العمل..." فعندما قلت له" لو أنك كتبت، وبلغت.." أجاب" ومن يكترث!" . عمدئذ فكرت وقلت : لا أقل من أن أكتب بنفسي" ثم كتبت رسالة موجهة إلى نظارة الحربية؛ فلما قرأ الضابط رسالتي تبسم، وقال" وكأن نظارة الحربية لا تعلم بذلك، لا فائدة منها..." ولعله كان على حق فيما قال، ولعل الرسالة ترسل إلى هناك عبثا، ولكن لن تأخذ وقتا أكثر من خمس دقائق وطابعا أكثر من عشرين باره[K.H2] ، لكن الحقيقة أن الرسالة لم تكن دون نتيجة: فعندما مررت بإزمير قبل شهر من الزمان، عرفت من رجل قابلته هناك بأن الرسالة أرسلت إلى إزمير، وأجري التحقيق بعد ذلك وأرسلت قبل خمسة أو ستة شهور ملابس جديدة، ولكن تبين أن قائد المفرزة لم يسلم جنوده هذه الملابس، وهم لا زالوا على تلك الحالة، وقد تقرر إرسال ملف هذا الضابط إلى المحكمة العسكرية... ولو شاركت ذلك الضابط الذي في السفينة رأيه، فمن يدري كم من الوقت بقي الجنود في سيسام في تلك الحالة المزرية.ولا شك أن كثيرين مروا بسيسام قبلي ، ورأوا ما رأيت وحزنوا لما حزنت ، ولو لم ينس هؤلاء واجب التحذير والتنبيه لكانت ملابس العساكر تحسنت من وقت طويل...<O></O>
ومن أهم الواجبات تجاه الوطن : استعمال حق الانتخاب بطريقة صحيحة، عندما نصوت في انتخابات البلديات وكذلك في انتخابات مجلس المبعوثان[K.H3] يجب ألا يكون هدفنا سوى سلامة البلاد والمصلحة العامة. والتصرف عند التصويت وفق المصالح الشخصية والأغراض النفسية يعني التضحية بمصالح الوطن وأغراض الوطن من أجل المصالح والأغراض الشخصية. فمن يفعل ذلك فلن يبقى مجرد أسير لأهوائه ومصالحه الشخصية فحسب، بل يسعى أيضا إلى إفساد وتزوير ضمائر الآخرين كي يكونوا معه، فيضر بذلك المصالح الوطنية أيما إضرار. وعلى من يحب وطنه بحق ألا يجعل الانتخابات ضحية الصداقة والعداوة والأغراض والأهواء والتزوير والفساد، عليه ألا يجعل صوته خادما لأي مصلحة سوى المصلحة العامة والحرص على سلامة الوطن..<O></O>
ومن الواجبات الوطنية المهمة كذلك: تفضيل المصنوعات الوطنية على المصنوعات الأجنبية في الاستهلاك وتشجيع المبادرات الاقتصادية القومية. فللأوضاع الاقتصادية دور كبير في قوة الأمة ومناعة الوطن، لذلك فإن دعم التطور الاقتصادي يصب أيضا في صالح قوة الوطن ومناعته.<O></O>
كل ما عددته من الواجبات حتى الآن هي التي تتعلق بالوطن مباشرة؛ وأداؤها يعني خدمة مباشرة للوطن. وعدا عما ذكرنا ، هناك مجموعة من الواجبات الأخرى تتعلق بالوطن بصورة غير مباشرة، وأداء تلك الواجبات تخدم الوطن بصورة غير مباشرة:<O></O>
فحماية الصحة ، والقيام بالتمارين البدنية، ليكون ذا جسم قوي وسليم ومقاوم وجريء ونشيط هي من الخدمات التي تخص شخص الإنسان أساسا، وبالتالي فهي من جملة الواجبات الشخصية ، لكنها في الوقت نفسه تصب أيضا في خدمة الوطن ، فهي لذلك بمثابة تتمة للواجبات الوطنية. <O></O>
فحب الإنسان لأطفاله وتربيتهم، واهتمامه بصحة كافة أفراد أسرته، وإقامة مؤسسة أو دار كلها خدمات تهدف الأسرة: فهي بالتالي من جملة الخدمات الأسرية: لكنها في الوقت نفسه وبصورة غير مباشرة خدمة للوطن، وهي بمثابة تتمة للواجبات الوطنية.<O></O>
وعلى الذين يحبون وطنهم مضاعفة الاهتمام بالواجبات الشخصية والأسرية التي لها علاقة بالوطن على هذا النحو.<O></O>
وما عددته من الواجبات الوطنية حتى الآن تشمل كافة أبناء الوطن دون استثناء : فالجميع مكلفون بإيفاء هذه الواجبات مهما تعددت مهنهم وأعمالهم. <O></O>
ولكن هناك مجموعة أخرى من الواجبات الوطنية تختلف باختلاف المهن والحرف، وتقتصر على صنف معين من أبناء الوطن : فالعلماء والشعراء، والكتاب والأطباء والمعلمون والسياسيون والعسكريون والموظفون والتجار والمزارعون هم في مواقع يمكنهم من خلالها خدمة الوطن في صور وأشكال مختلفة ، فهم بذلك مكلفون بواجبات وطنية مختلفة.<O></O>
وكلما زاد شمول وتأثير مسلك أو مهنة في الحياة الاجتماعية، كان ثقل الواجب الوطني على صاحب هذا المسلك أو المهنة أشد وأقوى. حتى أن الذين لهم نفوذ معنوي كبير وشهرة واسعة بين أصحاب المهن أنفسهم تكون واجباتهم الوطنية أكبر وأثقل من غيرهم.<O></O>
ويمكننا التعبير عن الواجبات الوطنية التي تتحول تبعا للمسلك والشخص بجملة قصيرة: استخدام المسلك والنفوذ الشخصي للمنفعة العامة وخير الوطن ، وتحقيق أكبر خدمة بدعم من ذلك النفوذ..<O></O>
ولا أريد هنا توضيح وبيان الواجبات والخدمات الوطنية لكل مسلك ، بل أترك لكم التفكير في ذلك وتحديده. وأكتفي بالحديث عن الواجبات الوطنية للموظفين: فكل موظف قد عهد إليه بخدمة من الخدمات العامة، وبات يملك جزءا من قوة الدولة، وحمل نفسه تعهدا خاصا، فهو بالتالي أصبح مكلفا بأداء هذه الخدمة العامة، واستخدام قوة الدولة هذه استخداما صحيحا، وأداء حق الراتب الذي يتقاضاه وحق المنصب الذي يشغله. والسير الصحيح لوظائف الحكومة عامل مهم بين العوامل التي تخدم تطور ورقي الوطن والأمة، لذلك فإن هناك ارتباطا وثيقا بين الوظائف الرسمية والواجبات الوطنية ، وكما أن كل موظف يسيء استخدام وظيفته ويتقاضى الرشاوى هو عديم الحمية، فكذلك كل من يقوم بعمل بناء على واسطة أو توصية، ولا يكون ارتباطه بوظيفته الرسمية قلبيا وصادقا، ويتعهد بوظيفة ليس هو أهل لها، ويهمل مصالح الناس ، ويعتبر الراتب الذي يتقاضاه مجرد دخل وإيراد ، ويخلط بعمله الغرض والعوض. <O></O>
إننا وكل أسف نتساهل ونتسامح في هذه الناحية كثيرا: لا نحجم عن القيام بعمل من أجل خاطر فلان أو فلان، ونظن أن رعاية الخاطر في الوظائف الرسمية ضرورة؛ وعندما نتحدث عن موظف من الموظفين نقول في أغلب الأحيان" إنه شريف، لكنه جاهل، خلوق لكنه كسول" ولا نفكر أبدا بأنه" يجب على كل خلوق وشريف ألا يتعهد بأعمال لن يقوموا أو لن يقدروا على القيام بها"<O></O>
قبل أن أنهي هذا التوضيح المجمل للواجبات الوطنية أو لفت انتباهكم إلى أساس مهم:<O></O>
فالواجبات الوطنية لا تبقى في وضع أو مستوى معين في كل وقت، بل تزداد أهمية هذه الواجبات وتشتد أضعافا مضاعفة خلال تعرض الوطن للأزمات والمصائب: والتهاون في أداء الواجبات في أوقات الأزمات أو أشد نكرانا للواجب الوطني وعدم حمية من أي وقت آخر، حتى التضحيات التي تعتبر فوق الواجبات العادية تكاد تكون واجبا في أوقات الأزمات . فكل إنسان مكلف بمساعدة أبويه ، لكن هذا التكليف يكون أشد وأقوى عندما يحتاج الأبوان لمساعدة جدية وسريعة ، حتى التضحية تكون من الواجبات في مثل هذه الظروف.<O></O>
<HR class=msocomoff align=left SIZE=1 width="33%">[K.H1]وهي جزيرة من جزر البحر المتوسط تتبع اليونان في الوقت الحاضر(المترجم)<O></O>
[K.H2]وحدة عملة عثمانية(المترجم)
[K.H3]مجلس النواب(المترجم)<O></O>
تعليق