الترجمة داخل اللغة الواحدة Intralingual Translation- حسام الدين مصطفى

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    الترجمة داخل اللغة الواحدة Intralingual Translation- حسام الدين مصطفى

    عندما نتحدث عن الترجمة فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا نقل النص من لغة معينة إلى لغة أخرى، ونستحضر في عقولنا مصطلحي لغة المصدر source language "SL" ولغة الهدف target language "TL" إشارة إلى لغة النص الأصلي، ولغة النص المترجم. لذا فإن الحديث عن الترجمة داخل اللغة الواحدة قد يدفعنا إلى التعجب!!
    لكن هناك جملة النظريات التي طرحت حول الترجمة حتى بدايات القرن العشرين تدور في ذات الدائرة الجدلية المفرغة والتي تطرح التساؤل حول ما إذا كان من الواجب أن تكون الترجمة حرفية (كلمة بكلمة Word for Word) أي تقوم على الاستبدال اللفظي، أم أن تكون حرة ( معنى مقابل معنى Sense for Sense) ويكون الاهتمام هنا بمضمون الكلام لا بألفاظه، وغالبية هذه النظريات نبعت من الاهتمام بترجمة النصوص المقدسة خاصة ترجمة الإنجيل... فالتنظير للترجمة ليس وليد العصر الحديث
    وفي منتصف القرن العشرين ظهرت نظريات تتناول الترجمة من منظور علوم اللسانيات وكان أشهرها ما تتناول المعنى و التكافؤ Meaning & Equivalence متبوعة بنظريات التكافؤ الشكلي والتكافؤ الديناميكي... ثم ظهرت النظريات اللغوية التي طرحت مفهوم التغير shifts بين الأزواج اللغوية من خلال تطبيق مفاهيم اللغويات المقارنة Contrastive Linguistics، وبعدها ظهرت نظريات تناولت الدور الوظيفي للترجمة وعلى أثر هذه النظريات – الأخيرة- تحولت النظرة القديمة والتي ظلت سائدة حتى الثمانينيات من القرن العشرين والتي تعاملت مع الترجمة بوصفها ظاهرة لغوية جامدة غير متطورة، فحولت نظريات الدور الوظيفي للترجمة هذه المفاهيم إلى اعتبار الترجمة أحد أنشطة التواصل البنيوي الاجتماعي الثقافي، وتطور الأمر بظهور نظرية الهدف Skopos theory التي ركزت على وظيفة النص الهدف في الثقافة الهدف، وتم اعتبارها جزء من نموذج الفعل الترجمي translational action وهذا النموذج ينظر للترجمة على أنها مثل عملية إبرام الصفقة التجارية حيث يتواصل فيها المنتج، مع المسوق، مع المشتري، مع المستخدم، وأصبح تقييم الترجمة ليس طبقاً لمطابقة النص المترجم للنص الأصلي بل باتت الترجمة الجيدة –وفق هذا النموذج- هي التي تعمل على توصيل هدف معين للفئة المستهدفة.
    ثم أتبع ذلك نظريات تحليل الخطاب و التنوع اعتماداً على مفاهيم اللسانيات الوظيفية النظمية Systemic functional linguistics، ونظريات النظم المختلطة أو المتعددة، ثم النظريات التي رأت أن الترجمة تمثل نموذجاً للتحول الثقافي وأنها إعادة تأليف أو صياغة، وكذلك نظريات ترجمة ما بعد الاستعمار Post-colonialism وصولاً إلى نظريات الترجمة الفلسفية
    ثم أطل جدل قد يبدو في ظاهره حديثاً إلا أنه قديم جداً، ومرجع هذا الجدل يعود إلى النظرية التي طرحها رومان أوسيبوفيتش ياكبسون Roman Osipovich Jakobson مقسما الترجمة إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:
    1) الترجمة داخل اللغة الواحدة Intralingual Translation.
    2) الترجمة بين لغتين Interlingual Translation.
    3) الترجمة بين نظامين مختلفين للإشارة Intersemiotic Translation.
    يرى ياكبسون أن الترجمة داخل اللغة الواحدة تقوم على استخدام المرادفات لتوصيل الرسالة التي يتضمنها النص الأصلي، موضحاً أنه لا يوجد تطابق تام بين المكافئ اللفظي المستخدم ووفقاً لنظريته فإن الرسالة التي يتضمنها النص تكون على مستويين متكافئين يمكن التعبير عنهما برموز لغوية متكافئة.. وفي بعض الأحيان قد تقف عملية الترجمة معقودة اليدين حين يصعب إيجاد المكافئ اللفظي وهذا ما يقودنا إلى استخدام طريقة الاقتراض اللفظي.
    وقد أدت تلك النظرية إلى ظهور مصطلح آخر يصف عملية الترجمة داخل اللغة بوصفها "شبه ترجمة Pseudotranslation" أو " quasi metatext " وهذا المصطلح من المصطلحات التي عرفها عالم الأدب حديثاً ولا يزيد عمره عن بضع عقود... ولنلحظ هنا أنه لا يوجد نص أصلي تمت الترجمة عنه بل هي عملية تخيلية يدعيها المؤلف، فحينما ينشر عمله بوصفه ترجمة فهو لم يتعامل مع نص قد تم تأليفه مسبقاً وقد قام هو بترجمته، بل يرى أنه قد قام بترجمة أفكاره الذهنية إلى كلمات وتعبيرات لغوية... وقد يبدو هذا الأمر معقداً بعض الشيء..
    وتعتبر الترجمة داخل اللغة الواحدة ضرباً من ضروب الترجمة التفسيرية، التي تقوم على إعادة الصياغة، فعلى سبيل المثال عند القيام بإعادة صياغة الشعر الجاهلي الذي كان أصحابه يستخدمون لغة ما عادت مستخدمة في عصرنا الحديث


    فحين نعرض إلى ترجمة أبيات مثل هذه الأبيات
    إن تَــــرى رَأسِــــيَ فــيــهِ قَـــــزَعٌ *******وَشَـــواتـــي خَـــلَّـــةً فــيــهــا دُوارُ
    أَصبَـحَـت مِــن بَـعــدِ لَـــونٍ واحـــدٍ *******وَهــيَ لَـونـانِ وَفـــي ذاكَ اِعـتِـبـارُ
    وـصُــروفُ الـدَهــرِ فـــي أَطـبـاقِــهِ *******خِـلـفـةٌ فـيـهـا اِرتِـفــاعٌ وَاِنــحِــدارُ
    بَيـنَـمـا الــنــاسُ عــلــى عَلـيـائِـهـا *******إِذ هَـوَوا فـي هُــوَّةٍ مِنـهـا فَـغـاروا
    إِنَّـــمـــا نِــعــمَــةُ قَــــــومٍ مُــتــعَــةٌ *******وَحَـيــاةُ الـمَــرءِ ثَـــوبٌ مُـسـتَـعـارُ
    وهي أبيات لأبي ربيعة الأفوه .. أقدم شعراء العرب..
    هنا نجد أنه لابد للمترجم أن يفسرها بالعربية بينه وبين ذاته قبل يترجمها إلى لغة غير عربية، وتكون عملية التفسير هذه بمثابة ترجمة من العربية إلى العربية
    ومثال آخر بيت الشعر هذا
    فما يسمى كفنا خسر مسم... ولا يكنى كفنا خسر كاني !
    وهو أعقد بيت شعر قالته العرب ينسب إلى المتنبي وقد قاله في مدح ملك فارس (فنا خسرو)

    وحينما نعمد إلى شرح أو تفسير هذا البيت باللغة العربية فنحن أمام ترجمة داخل لغة واحدة هي اللغة العربية سواء كانت الترجمة على هيئة نص نثري شارح أو بيت شعر منظوم ومقفى
    والأمر لا يقتصر على الشعر وحده بل هناك نصوصاً نثرية
    فهذا جزء من خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي يقول فيه:
    "وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله."

    ولاشك أن هذا النص يحتاج –لدى البعض- إلى تبسيط صياغته بكلمات عربية شارحة مفسرة قبل أن تتم ترجمته إلى اللغة الأجنبية... وحتى في العصر الحديث هناك نصوص يأتي نصها إما مفرط في التعقيد أو مسقط في الركاكة وحين يعرض المترجم إلى التعامل معها عليه أن يعيد صياغتها
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    #2
    [align=justify]ويضعنا مفهوم شبه الترجمة أمام إشكالية كبيرة تعصف بما تعارفنا عليه من فوارق تعريفية واضحة بين النص المترجم والنص الأصلي، وقد يتضح ذلك إذا ما راجعنا المحتوى الأدبي في العصور الوسطى فنجد أننا أمام نصوص لا يمكننا أن نحدد هل هي نصوص أصلية أم تمت ترجمتها من صياغات العصور الوسطى إلى صياغات العصر الحديث
    ففي الشعر الإنجليزي على سبيل المثال ولنأخذ على سبيل المثال شعر (ويليام شيكسبير ) ففي قصيدته
    Sonnet 20: A Woman's Face With Nature's Own Hand Painted
    A woman's face with nature's own hand painted,
    Hast thou, the master mistress of my passion;
    A woman's gentle heart, but not acquainted
    With shifting change, as is false women's fashion:
    An eye more bright than theirs, less false in rolling,
    Gilding the object whereupon it gazeth;
    A man in hue all hues in his controlling,
    Which steals men's eyes and women's souls amazeth.
    And for a woman wert thou first created;
    Till Nature, as she wrought thee, fell a-doting,
    And by addition me of thee defeated,
    By adding one thing to my purpose nothing.
    But since she prick'd thee out for women's pleasure,
    Mine be thy love and thy love's use their treasure
    ولننظر إلى ترجمة القصيدة باللغة المعاصرة
    Translation to modern English
    Your face is more beautiful than a woman's because it's been painted by nature and not artificially. You are both master and mistress of my passion. You have the gentle heart of a woman but without the fickleness characteristic of women. Your eyes, that light up the very object that they look on, are brighter than theirs but without their shallow flirtatiousness. You have all the best qualities a man could have. All other men look to you as a model: you catch the eye of men and you amaze women. Nature first intended you as a woman, but as she was making you, she fell madly in love with you and, by adding something, deprived me of you; by adding one thing she made you unattainable to me. But since she equipped you for the pleasure of women, let me have your love and them your body.

    ******************
    ولنأخذ مثالاً آخر بعيداً عن الشعر مثل عبارة
    “Until recently, criminologists could not afford to analyze DNA evidence for all homicide cases.”
    والتي يمكن صياغتها كالتالي
    “Crime labs now can use DNA for all murder cases.”
    أو هذا المثال:
    The Republican Convention of 1860, which adopted planks calling for a tariff, internal improvements, a Pacific railroad and a homestead law, is sometimes seen as a symbol of Whig triumph within the party. A closer look, however, indicates that the Whig’s triumph within the party was of a very tentative nature.”
    وهذه العبارة يمكن صياغتها كالتالي:
    Contrary to many historians, Eric Foner argues that the Republican platform of 1860 should not be understood as an indication of Whig dominance of the party


    إن هذه الأمثلة توضح لنا ما نطلق عليه الترجمة داخل اللغة الواحدة Intra-lingual Translation
    ويرى البعض أن القيام بالعملية العكسية (شرح العبارات القصيرة باستخدام جمل عديدة) هو أيضاً نوع من الترجمة داخل اللغة الواحدة ..
    ولنلحظ هنا أن عملية الترجمة الداخلية أو إعادة الصياغة تقوم على استبدال جملة ما بكلمة واحدة أو أن يتم شرح الكلمة الواحدة باستخدام جملة كاملة، وفي الغالب نلجأ إلى الإختصار ونعمد إلى استخدام كلمات أقل من عدد الكلمات الأصلية... كذلك فقد نحتاج إلى إعادة ترتيب بنية الجملة كأن نبدأ الجملة من نهايتها مثلاً وقد نقوم بإعادة ترتيب الجمل التي تتكون من الفقرة.. هذا فضلاً عن اعتمادنا على استخدام المرادفات مع مراعاة أن تكون المرادفات المستخدمة تحمل نفس المعنى ولها نفس قوة ودلالة اللفظ الأصلي.
    إن عملية الصياغة المكافئة تقوم على أحد هذه العمليات منفردة أو مجتمعة: الإضافة- الحذف- إعادة الترتيب- الإقتراض اللغوي- إعادة ترقيم الفقرات والجمل.. ويكون هدف المترجم في هذه الحالة هو إعادة صياغة الرسالة التي يتضمنها النص الأصلي باستخدام ألفاظ وعبارات أوضح وأسلس
    ومن بين الصعوبات التي قد تواجهنا عند اللجوء إلى استخدام المكافئ اللفظي ما يتعلق بالبعد الثقافي للمترجم والمفاهيم المرتبطة بوجهات النظر، أو أن يكون هناك قصور في المحتوى التعبيري، أو أن يكون المستوى اللغوي قاصراً عن إيجاد مكافئات لغوية لها نفس القوة، أو يغيب المصطلح المماثل خاصة عند التعامل في نطاق اللغة الواحدة
    لذا فإن دور المترجم يتمثل في إحداث تأثير مماثل ومطابق للتأثير الذي يتضمنه النص الأصلي، وعليه حينئذ أن يتخطى صعوبات الإختلاف الثقافي وهذه الفوارق الثقافية قد توجد بين أبناء اللغة الواحدة لكنها تظهر جلية بين اللغات المختلفة.
    والسؤال الذي يطرح نفسه هاهنا ... هل هناك فعلاً تكافئ لفظي خاصة عند القيام بعملية الترجمة؟!
    إن أهمية التكافؤ اللفظي تكمن في أن هناك العديد من نظريات الترجمة التي تنظر للتكافؤ اللفظي بوصفه أساس وعماد عملية الترجمة وجزء أساسي من تعريفها طوال ما يقرب من ستة عقود متتالية.. أطلت علينا في اجتهادات داربلنت، ونيدا، وياكبسون، وبيكر فنظرياتهم تلك قد اهتمت بتحليل الترتيب الزمني اللغوي وجملة النظريات التي تناولت هذا الموضوع يمكن تقسيمها إلى مجموعتين: مجموعة اهتمت بالتناول اللغوي للترجمة، وعلى نقيضهم فريق آخر لا يتعامل أو يعترف بأن الترجمة نسق يرتبط بعلوم اللغة
    وفي استعراض مقتضب لكيفية تناول هذه النظريات للمكافئ اللفظي:
    يرى فينيه و داربلنت Vinay and Darbelnet أن الترجمة هي عملية استخدام للمكافئ اللفظي وتتم من خلال استخدام كلمات مختلفة تماماً لكنها تعبر عن محتوى رسالة النص الأصلي، ويرى كلاهما أن طريقة استخدام المكافئ اللفظي هي أفضل الطرق خاصة عند التعامل مع الأقوال المأثورة، والعبارات الاصطلاحية، والعبارات الموجزة، والتسميات الصوتية للأشياء.
    أما رومان ياكبسون فقد طور هذه النظرية طارحاً مفهوم الترجمة داخل اللغة الواحدة مشيراً إلى أن الترجمة هي عبارة عن إعادة صياغة أو إعادة ترتيب للكلمات مشيراً إلى أن ما يقوم به المترجم أثناء الترجمة داخل اللغة الواحدة هو استخدام المرادفات synonyms لتوصيل الرسالة التي يحتويها النص الأصلي...
    أما نيدا وتابر Nida and Taber فقد قسما المكافئ اللفظي إلى قسمين: المكافئ الشكلي formal equivalence و المكافئ الديناميكي dynamic equivalence موضحين أن القسم الأول يركز على الرسالة التي يتضمنها النص الأصلي والاختلاف بينها وبين القسم الثاني المكافئ الديناميكي أن الأخير يهتم بتأثير المكافئ اللفظي، وقد أوضحا أن أنه قد يصعب في بعض الأحيان إيجاد المكافئ اللفظي بين الأزواج اللغوية، وقد تكتنف عملية استخدام هذا القسم –المكافئ المنهجي- مخاطر كثيرة عند إخراج النص الهدف، وأقرا بأن أوضح هذه المخاطر يتعلق بتغيير النسق النحوي والأسلوبي. أما المكافئ الديناميكي فيركز على المعنى الذي يتضمنه النص الأصلي.
    وفي منهجه يرى "كاتفورد Catford" أن المكافئ اللفظي يختلف كلية عن ما جاء به نيدا وتابر Nida and Taber، وأقام منهجه على التناول اللغوي للنص وتحدث عن ما أسماه التحول الترجمي translation shift ...
    ومن هنا فإن الحديث عن الترجمة داخل اللغة الواحدة لا يمكن استيعابه إلا من خلال نظرة شمولية تتضمن علوم اللغة والفلسفة والمنطق

    ويمكننا القول أن الترجمة داخل اللغة الواحدة هي أول مراحل عملية الترجمة من لغة إلى لغة أخرى ، فعندما نحاول ترجمة نص ما من لغة إلى أخرى فإن أول ما يتعين علينا القيام به هو أن نركز على النص الأصلي ونبدأ في تحليله وتفسير محتواه وربما إعادة صياغته وفق المعنى الذي يتناوله بغرض التبسيط أو إزالة اللبس والغموض عنه، وهذه العملية قد لا تتم بصورة ملموسة (تحريرية مثلا) بل يمكن أن تتخذ طابع العمليات الذهنية وتتم داخل العقل البشري دون أن تخرج إلى الحيز المرئي (التحريري) أو المسموع ( الشفهي)
    عندما يقرأ أي شخص نصاً ما فإنه يقوم بصورة عفوية لا إرادية بتأويله وتفسيره داخل عقله ليدرك الغاية والقصد من كلماته، ويقف على معنى الأفكار ومضمونها، وقد لا يقوم هذا الشخص بإجهاد عقله ويكتفي بمطالعة النص مكتفياً بما قد وصله من معنى… أما عند المترجم فإن عملية التأويل هذه تتم عن قصد وعمد إذ أن غاية المترجم هي الوصول إلى مقصد الكاتب وهذا يستوجب إدراك الدلالات المختلفة للألفاظ التي استخدمها هذا الكاتب
    وهنا يحضرني ما قاله الشاعر الفرنسي باول فاليري -Pauls Valéry: "لا يوجد شيء اسمه المعنى الحقيقي للنص.. وليست هناك سلطة للكاتب فقد انتهى دوره بكتابة ما كتب، وما أن ينتشر النص فلكل متلق الحق في استخدام هذا النص كأداة وفق ما يحلو له وتبعاً لإمكانياته" ... لكن ذلك لا يمنع أن أمانة الترجمة تقتضي من المترجم أن يبذل كل الجهد لتوصيل نفس الرسالة التي سعى المؤلف الأصلي إلى توصيلها...
    إن عملية الترجمة ترتبط بالإنسان منذ بدايات تعلمه للكلام، فحينما يبدأ الطفل الصغير في إدراك الموجودات من حوله ويتعلم الكلمات والمصطلحات فإننا نقوم بتبسيط هذه الكلمات الجديدة والمصطلحات غير المعروفة لديه إلى كلمات بسيطة يمكنه ترديدها واستيعابها وأحياناً نقرنها بأفعال وحركات معينة حتى يمكنه استيعاب معنى هذه الكلمات ويعرف دلالاتها.... وهذا من أبسط النماذج التي يمكننا أن ندلل بها على ما نسميه الترجمة داخل اللغة الواحدة.
    جدير بالذكر أن النظريات التي تناولت عملية الترجمة داخل اللغة الواحدة قد غلب عليها التعامل مع الطبيعة الأدبية للترجمة، فجاءت أفكارهم قائمة على فكرة أن الترجمة نشاط أدبي، وحصروها في أنها وظيفة لغوية فحسب مثلها كمثل باقي صنوف الأدب وقد حاولوا أن يميزوها عن باقي صنوف الأدب بأن أشاروا إلى أن وظيفتها أدبية تخصصية.

    [/align]
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]

    تعليق

    • عبدالرحمن السليمان
      عضو مؤسس، أستاذ جامعي
      • May 2006
      • 5732

      #3
      [align=justify]أهلا وسهلا ومرحبا بالأستاذ الفاضل والأخ الحبيب الأستاذ حسام الدين مصطفى، رئيس الجمعية المصرية للمترجمين واللغويين، في الجمعية.

      وشكرا جزيلا لحضرته على هذه المقالات الجيدة في الترجمة.

      حللت أهلا ونزلت سهلا أستاذنا الكريم.

      وهلا وغلا![/align]

      تعليق

      • عبدالرحمن السليمان
        عضو مؤسس، أستاذ جامعي
        • May 2006
        • 5732

        #4
        [align=justify]ومما يدخل في باب الترجمة داخل اللغة الواحدة: (الشرح في المتن). وهذا نص من مقالة لنا في الترجمة القانونية توقفنا فيها عند هذه الظاهرة بإيجاز:

        الشرح في المتن:

        التقنية الثالثة التي نلجأ إليها عند انعدام إمكانية استعمال تقنيتي التكافؤ الوظيفي أو التكافؤ اللفظي، هي تقنية الشرح في متن الترجمة. وغالبًا ما يكون الشرح في المتن ضروريًا كي يتم التواصل المطلوب، ذلك أن بعض المصطلحات والمفردات ذات الشحنة الثقافية الطاغية أو الارتباط الثقافي القوي بثقافة ما أو نظام قانوني ما متشبع بثقافة مغايرة، لا تفهم بذاتها، ولا بد من شرح مناسب أو توصيف لها كي تفهم وبالتالي كي يتم التواصل المنشود. إن تقنية الشرح في المتن تقنية مهمة جدًا وتعتبر حلاً وسطيًا لأنها تختزل المسافة البعيدة بين الثقافات المختلفة.

        وفي الحقيقة كلما بعدت المسافة بين لغتين طبيعيتين ما وثقافتين ما، كلما تُوُقع أن تبعد المسافة بين اللغتين القانونيتين أيضًا، مما يجعل الحاجة إلى هذه التقنية أكبر لانعدام إمكانية استعمال تقنيتي التكافؤ الوظيفي أو التكافؤ اللفظي عند ترجمة بعض المصطلحات الرئيسة. وهذا ينطبق على ترجمة وثائق من نصوص قضاء الأسرة المغربي المؤسس على الشريعة الإسلامية إلى اللغات الأوربية بهدف استعمالها لدى إدارات الدول ذات الصلة. ونمثل على ذلك بكلمة "حلول" التي ترد أحيانا في عقود الزواج المغربية:

        على صداق مبارك قدره ونهايته عشرون ألف درهم قبضت منه الزوجة باعترافها عشرة آلاف درهم والباقي وقدره عشرة آلاف درهم ما زال بذمة الزوج حلولاً.

        فكلمة "حلول" هنا لا يمكن ترجمتها بمكافئ وظيفي ولا لفظي، فالمكافئ الوظيفي غير موجود في اللغات القانونية الأوربية، والمكافئ اللفظي لا يؤدي المعنى المطلوب للكلمة. وعلينا أولاً فهمها في العربية وترجمة الجملة الأخيرة "والباقي وقدره عشرة آلاف درهم ما زال بذمة الزوج حلولاً" من العربية إليها كالتالي: "والباقي، وقدره عشرة آلاف درهم، ينبغي على الزوج أن يؤديه إلى الزوجة قبل البناء بها"، ثم ترجمته، على هذا الأساسا، إلى اللغة الهدف. (الإنكليزية:The rest, being ten thousands DHS. must be given by the husbands before the consummation of the marriage ).

        ويمكن أيضًا إيضاح ذلك في حاشية لكن تقنية الشرح في المتن تبقى أفضل من الشرح في حواش لأن الحواشي تثقل على القارئ كثيرًا، بينما تبدو عملية الشرح في المتن طبيعية لأن القارئ لا يتوقف عندها ربما لأنه لا يشعر بها أصلاً.

        ومن الأمثلة على استحالة التكافؤ اللفظي والمعجمي فضلا عن الوظيفي: مصطلح "رفع الشكل" في النظام القانوني المغربي. وهذا المصطلح عنوان وثيقة عدلية يحررها العُدُول المغاربة. والمقصود بـ "الشكل" (خاتم العدل المحرر أو خاتم قاضي التوثيق المخاطب على الوثيقة. ومن هذا "الشكل" ما نجده في آخر الوثائق العدلية المغربية: "قاضي التوثيق الفلاني بشكله ودعائه"، وكذا "العدل الفلاني بشكله ودعائه". إذن يتعلق الأمر هنا بخاتم العدل/قاضي التوثيق الشخصي، وهو خاتم يشبه الطغرى ويودع لدى كتابة المحكمة. ويبدو من الوثيقة التي تحمل عنوان "رفع الشكل" أنها نسخة حديثة من عقد زواج قديم، توفي العدل المحرر أو العدلان المحرران له، وأن صاحب العقد احتاج إلى نسخة منه، فتقدم بطلب إلى قاضي التوثيق الذي عين بدوره عدلين وطلب منهما "رفع الشكل" أي شكل العدلين المتوفيين كي يتم التحقق من الشكل ومن ثم تحرير نسخة من عقد الزواج. إذن: "رفع الشكل" هو قيام عدلين يمارسان العدالة بتحرير نسخة من عقد عدلي حرره عدلان غيرهما تقاعدا أو توفيا وذلك بأمر من قاضي التوثيق. ومما جاء في العقد المقصود: "حضر الزوج المذكور وطلب التعريف بشكل العدلين في رسم الزواج .."، وكذلك "بأن الشكلين الأول والثاني في الوثيقة المذكورة للعدلين المتوفيين .."، وأن العدلين اللذين عينهما القاضي لرفع الشكل يرفعانه "بصفتهما عارفين بشكل العدلين المتوفيين ..". ومن الملاحظ أن خطاب قاضي التوثيق على أداء العدلين المحررين للنسخة مختلف أيضا ويتضمن ذكر رفع الشكل بدلاً من التحرير إذ جاء فيه: "الحمد لله. أدى الرافعان الشكل بالرسم أعلاه فقبلا وأعلم بأدائها ومراقبتها بتاريخ ..". وقد ترجمناها بعد الاجتهاد والاستئناس بآراء بعض الزملاء بما يلي: Identification of the seals of deceased notaries.

        المصدر: http://www.atinternational.org/forum...ead.php?t=9030

        مع التحية والشكر للأستاذ حسام الدين مصطفى.
        [/align]

        تعليق

        • ضيف

          #5
          سلام حار
          أليس هذا عين فعل الزمخشري في كتاب الله أو ابن حجر في صحيح البخاري أو العكبري في ديوان أبي الطيب؟
          أليس هو مجرد تفسير وشرح للفظ غير شائع أو معنى فيه تفصيل؟
          ترجمة القرآن إلى الإنجليزية مثلا ما هي إلا ترجمة لمعاني القرآن

          تعليق

          يعمل...