د.محمد شبل الكومي:
علاقة الأدب العربي والغرب.. لم تعد من طرف واحد
الكتابات السيريالية مأخوذة من أدبنا الصوفي
نعيش عصر التأويل والرؤي المختلفة
حركة الترجمة.. لابد أن تسبق النهضة
للسينما دور كبير في تقديم إبداعاتنا إلي العالم
كتب د.محمد عناني عن الأستاذ الجامعي والناقد والمترجم د.محمد شبل الكومي بأنه قد أصبح بفضل كتبه المتوالية والحافلة بالنظرات العلمية والفلسفية الثاقبة علماً من أعلام الفكر الأدبي. ومن كتب الكومي: النظريات الأدبية: دراسة في الأدب المصري المعاصر.. مبادئ النقد الأدبي والفني.. النظرية الدرامية عند سنج.. الاغتراب والهوية.. وغيرها.
* قلنا: العلاقة بين الأدب العربي والآداب الأوروبية تبدأ منذ أن ترجم الطهطاوي "وقائع تليماك".. هل تري أن هذه العلاقة مازالت كما كانت أم أن الأدب العربي تواصل مع آداب أخري؟
قال: في الحقيقة أن علاقة الأدب العربي بالآداب الأوروبية كانت من طرف واحد. بمعني أننا حرصنا علي أن نترجم من الآداب الغربية. وعلينا ألا ننسي أن الغرب اهتم بتراثنا الشرقي. فترجم شعر عمر الخيام. وقبل ذلك ألف ليلة وليلة. وقد أثر الخيام في الشعر الغربي. والإنجليزي بخاصة. ويبدو تأثر إليوت بالخيام في قصيدته "الأرض اليباب".
وأذكر أن هناك من كانوا يطلبون منا في ستينيات القرن الماضي ترجمة بعض النماذج الغربية بمكافآت. وكنت واحداً من هؤلاء. كانوا يقصدون الطلبة ولا يلجأون إلي المترجمين المحترفين. ليتمكنوا من الإضافة للترجمة بما يعني لهم. والواقع أهم في الغرب اطلعوا علي تراثنا. حتي الصوفي منه. وهناك من أثبت أن السيريالية مأخوذة من الأدب الصوفي. وقد ترجموا ابن الفارض في القرن السابع عشر. وفي المقابل. فقد أفاد أدباؤنا من إبداعات الغرب وثقافته.
* قلنا: الملاحظ أن الترجمة تتجه الآن إلي النقد والدراسات علي تنوعها. ويأتي الأدب في ذيل القائمة؟
قال: أعتقد أن الغرب الآن وإبداعه بخاصة في حالة كمون. وهو مهتم حالياً بمفهوم الحقيقة. وهي احتمالية. وهذا يفتح باب التأويل علي مصراعيه. وثمة من ذهب من الفلاسفة المعاصرين إلي أننا نحيا في عصر التأويل والرؤي المختلفة. التأويل يعني بمعرفة الشيء وليس فلسفته. نحن نحاول المعرفة. وأداة المعرفة تحتاج إلي أدوات للتفسير. من هنا كان التنوع في الدراسات التي تحلل. أو تقدم تفسيرات للأشياء. فنحن نعيش حالة من القلق والشك. نتلمس الأدوات المعرفية كي نفهم الظواهر التي تجري حولنا.
* قلنا: كما نعرف. فقد زرت العديد من بلدان الغرب.. هل يعنون بإبداعاتنا؟
قال: نعم. إنهم في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا يهتمون كثيراً بأدبنا العربي. وهناك أساتذة في الآداب الأوروبية أجادوا دراسة الأدب العربي مثل الراحل عبدالعزيز حمودة. وهناك أساتذة في الغرب يعنون بالاطلاع علي إبداعنا ودراسته.
* قلنا: ما تقييمك لما قدمه المركز القومي للترجمة. وعمليات الترجمة في بلادنا بعامة؟
قال: ما قدمه مشروع الترجمة مهم جداً. ونحن في حاجة إليه. وعندما أقرأ كتاباً جيد الترجمة أستغني عن أصل الكتاب وأعتمد علي قراءة الترجمة. توفيراً للجهد والوقت. ولن ننهض إلا بالترجمة. النهضة تسبقها دائماً حركة نشطة للترجمة. ولنتذكر ما حدث حين ترجم العرب آثار الإغريق. ولما دخلت أوروبا عصر النهضة قامت بالترجمة من العربية واليونانية واللاتينية. علينا أن نعني بهذا المشروع ونوفر له كل الإمكانيات. ونذلل العقبات.
* قلنا: ألا تري أنه يجب أن تتحقق الترجمة العكسية. أي من العربية إلي اللغات الأخري؟
قال: لا.. من يجد عملاً يستحق الترجمة. فليأخذه. ويترجمه. ويقدمه إلي العالم. وهنا أشير إلي أن للسينما دوراً كبيراً في تقديم أدبنا للعالم. السينما الجادة تعتمد علي روايات لها مردودها في التعريف بأدبنا. وكذلك الاهتمام بالكتابة عن هذه الأعمال. وتقديمها. والتعريف بها. قد يشجع المترجم الأجنبي علي ترجمتها. والمثل رواية نجيب محفوظ "الطريق" ذات الأبعاد الفلسفية والاجتماعية. وهي إحدي الروايات التي قدمت محفوظ إلي الغرب.
* قلنا: في رأيك. هل للنقد دور حقيقي في تقديم الإبداعات الجديدة؟
قال: أنا متابع جيد لأحدث الحركات النقدية في العالم. وما ألاحظه في حركتنا الأدبية أن الكثير من الروايات تصدر دون أن تكتب عنها كلمة واحدة. والمفروض أن تقدم تقارير وافية عن أحدث الإصدارات. وأعرف أن دور النشر في الغرب تدفع للنقاد الذين يكتبون التقارير النقدية. لأنهم يسهمون بذلك في عملية توزيع الكتاب وبالطبع. فإن النوع الآخر هو الأكاديمي. الذي قد يظل حبيس مكتبات الجامعة. ولا ينشر منه إلا القليل.
* قلنا: هل اخترت العزلة عن الحياة الأدبية. أم العكس؟
قال: أنا عضو جماعة الأتيلييه. وهي أول معرفتي بالجو الأدبي. حين قدمت إلي القاهرة من طنطا للالتحاق بكلية الآداب. كتبت مقالاً قرأه أستاذي عبدالله خورشيد. فدعاني إلي ندوة الأمناء. وقدمت فيها مداخلة عن قصيدة لصلاح عبدالصبور. وشجعني الناقد الكبير الراحل مصطفي عبداللطيف السحرتي. وسألني صديقي القاص والناقد شمس الدين موسي: لماذا لا تنشر ما تكتبه؟ وكتبت بالفعل مقالات لم أنشرها. ثم نشر لي د.إبراهيم حمادة بعض كتاباتي في مجلة "القاهرة". وعموماً فقد كان للأصدقاء والأساتذة في جماعة الأمناء دور مهم جداً في دخولي الحياة الثقافية.
* قلنا: حدثنا عن أساتذتك؟
قال: أساتذتي متنوعون. كل واحد منهم أستاذ في جانب ما. فهناك الجانب الأخلاقي. والجانب الأكاديمي إلخ. نعيم مشرفة. عوني عبدالرءوف. عبدالله خورشيد. كل واحد له بصمة. وساعدني في جانب ما.
* قلنا: ماذا تكتب الآن؟
قال: أكتب عن الإنسان والوجود والحقيقة. وبصراحة.. لقد وجدت أن المشهد يتكرر. ما قاله أرسطو يقوله الآن فوكو ودريدا. المشهد هو هو. لكن الممثلين مختلفون. ولا شيء آخر. الفكر يتداخل. ويولد أفكاراً. هناك تأثير لابن عربي علي فلاسفة أوروبا. وما قال به هيجل. يرجعه الكثيرون إلي رؤية الحسن بن الهيثم. ووراء هيجل هيراقليطس. وهكذا.
* قلنا: هل تري أن الجامعات المصرية قادرة علي تخريج مترجمين جيدين. أم أن الحقيقة تضع ذلك في إطار الأمنية؟
قال: للأسف. هذا لا يحدث. ومرد ذلك ضعف الطلبة في اللغة العربية. إذا أجاد شخص لغته العربية فسيكون مترجماً جيداً. ما حدث في الماضي أن كل من عمل بالترجمة كان يجيد اللغة العربية. ويعرف أسرارها وجمالياتها. اللغة هي سر الوجود. العقاد وطه حسين وعبدالصبور وغيرهم كانوا يجيدون الكتابة بالعربية. لذلك كانوا يمتلكون القدرة علي ترجمة الأفكار. والتعبير بشكل جيد وسليم. المعيار هو إجادة العربية والإنجليزية. وهو ما فطن إليه د.محمد عناني الذي وضع شروطاً للالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة. لهذا نحن نجد مجموعة كبيرة من المترجمين الجيدين في جامعة القاهرة. وقلة في عين شمس. والسبب هو عدم الأخذ بشرط التفوق في اللغة العربية. وعلينا أن نلحظ أن التخصص مهم جداً. الترجمة المتخصصة تحتاج إلي مترجمين متخصصين في المجال نفسه.
منقول عن جريدة المساء القاهرية
علاقة الأدب العربي والغرب.. لم تعد من طرف واحد
الكتابات السيريالية مأخوذة من أدبنا الصوفي
نعيش عصر التأويل والرؤي المختلفة
حركة الترجمة.. لابد أن تسبق النهضة
للسينما دور كبير في تقديم إبداعاتنا إلي العالم
كتب د.محمد عناني عن الأستاذ الجامعي والناقد والمترجم د.محمد شبل الكومي بأنه قد أصبح بفضل كتبه المتوالية والحافلة بالنظرات العلمية والفلسفية الثاقبة علماً من أعلام الفكر الأدبي. ومن كتب الكومي: النظريات الأدبية: دراسة في الأدب المصري المعاصر.. مبادئ النقد الأدبي والفني.. النظرية الدرامية عند سنج.. الاغتراب والهوية.. وغيرها.
* قلنا: العلاقة بين الأدب العربي والآداب الأوروبية تبدأ منذ أن ترجم الطهطاوي "وقائع تليماك".. هل تري أن هذه العلاقة مازالت كما كانت أم أن الأدب العربي تواصل مع آداب أخري؟
قال: في الحقيقة أن علاقة الأدب العربي بالآداب الأوروبية كانت من طرف واحد. بمعني أننا حرصنا علي أن نترجم من الآداب الغربية. وعلينا ألا ننسي أن الغرب اهتم بتراثنا الشرقي. فترجم شعر عمر الخيام. وقبل ذلك ألف ليلة وليلة. وقد أثر الخيام في الشعر الغربي. والإنجليزي بخاصة. ويبدو تأثر إليوت بالخيام في قصيدته "الأرض اليباب".
وأذكر أن هناك من كانوا يطلبون منا في ستينيات القرن الماضي ترجمة بعض النماذج الغربية بمكافآت. وكنت واحداً من هؤلاء. كانوا يقصدون الطلبة ولا يلجأون إلي المترجمين المحترفين. ليتمكنوا من الإضافة للترجمة بما يعني لهم. والواقع أهم في الغرب اطلعوا علي تراثنا. حتي الصوفي منه. وهناك من أثبت أن السيريالية مأخوذة من الأدب الصوفي. وقد ترجموا ابن الفارض في القرن السابع عشر. وفي المقابل. فقد أفاد أدباؤنا من إبداعات الغرب وثقافته.
* قلنا: الملاحظ أن الترجمة تتجه الآن إلي النقد والدراسات علي تنوعها. ويأتي الأدب في ذيل القائمة؟
قال: أعتقد أن الغرب الآن وإبداعه بخاصة في حالة كمون. وهو مهتم حالياً بمفهوم الحقيقة. وهي احتمالية. وهذا يفتح باب التأويل علي مصراعيه. وثمة من ذهب من الفلاسفة المعاصرين إلي أننا نحيا في عصر التأويل والرؤي المختلفة. التأويل يعني بمعرفة الشيء وليس فلسفته. نحن نحاول المعرفة. وأداة المعرفة تحتاج إلي أدوات للتفسير. من هنا كان التنوع في الدراسات التي تحلل. أو تقدم تفسيرات للأشياء. فنحن نعيش حالة من القلق والشك. نتلمس الأدوات المعرفية كي نفهم الظواهر التي تجري حولنا.
* قلنا: كما نعرف. فقد زرت العديد من بلدان الغرب.. هل يعنون بإبداعاتنا؟
قال: نعم. إنهم في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا يهتمون كثيراً بأدبنا العربي. وهناك أساتذة في الآداب الأوروبية أجادوا دراسة الأدب العربي مثل الراحل عبدالعزيز حمودة. وهناك أساتذة في الغرب يعنون بالاطلاع علي إبداعنا ودراسته.
* قلنا: ما تقييمك لما قدمه المركز القومي للترجمة. وعمليات الترجمة في بلادنا بعامة؟
قال: ما قدمه مشروع الترجمة مهم جداً. ونحن في حاجة إليه. وعندما أقرأ كتاباً جيد الترجمة أستغني عن أصل الكتاب وأعتمد علي قراءة الترجمة. توفيراً للجهد والوقت. ولن ننهض إلا بالترجمة. النهضة تسبقها دائماً حركة نشطة للترجمة. ولنتذكر ما حدث حين ترجم العرب آثار الإغريق. ولما دخلت أوروبا عصر النهضة قامت بالترجمة من العربية واليونانية واللاتينية. علينا أن نعني بهذا المشروع ونوفر له كل الإمكانيات. ونذلل العقبات.
* قلنا: ألا تري أنه يجب أن تتحقق الترجمة العكسية. أي من العربية إلي اللغات الأخري؟
قال: لا.. من يجد عملاً يستحق الترجمة. فليأخذه. ويترجمه. ويقدمه إلي العالم. وهنا أشير إلي أن للسينما دوراً كبيراً في تقديم أدبنا للعالم. السينما الجادة تعتمد علي روايات لها مردودها في التعريف بأدبنا. وكذلك الاهتمام بالكتابة عن هذه الأعمال. وتقديمها. والتعريف بها. قد يشجع المترجم الأجنبي علي ترجمتها. والمثل رواية نجيب محفوظ "الطريق" ذات الأبعاد الفلسفية والاجتماعية. وهي إحدي الروايات التي قدمت محفوظ إلي الغرب.
* قلنا: في رأيك. هل للنقد دور حقيقي في تقديم الإبداعات الجديدة؟
قال: أنا متابع جيد لأحدث الحركات النقدية في العالم. وما ألاحظه في حركتنا الأدبية أن الكثير من الروايات تصدر دون أن تكتب عنها كلمة واحدة. والمفروض أن تقدم تقارير وافية عن أحدث الإصدارات. وأعرف أن دور النشر في الغرب تدفع للنقاد الذين يكتبون التقارير النقدية. لأنهم يسهمون بذلك في عملية توزيع الكتاب وبالطبع. فإن النوع الآخر هو الأكاديمي. الذي قد يظل حبيس مكتبات الجامعة. ولا ينشر منه إلا القليل.
* قلنا: هل اخترت العزلة عن الحياة الأدبية. أم العكس؟
قال: أنا عضو جماعة الأتيلييه. وهي أول معرفتي بالجو الأدبي. حين قدمت إلي القاهرة من طنطا للالتحاق بكلية الآداب. كتبت مقالاً قرأه أستاذي عبدالله خورشيد. فدعاني إلي ندوة الأمناء. وقدمت فيها مداخلة عن قصيدة لصلاح عبدالصبور. وشجعني الناقد الكبير الراحل مصطفي عبداللطيف السحرتي. وسألني صديقي القاص والناقد شمس الدين موسي: لماذا لا تنشر ما تكتبه؟ وكتبت بالفعل مقالات لم أنشرها. ثم نشر لي د.إبراهيم حمادة بعض كتاباتي في مجلة "القاهرة". وعموماً فقد كان للأصدقاء والأساتذة في جماعة الأمناء دور مهم جداً في دخولي الحياة الثقافية.
* قلنا: حدثنا عن أساتذتك؟
قال: أساتذتي متنوعون. كل واحد منهم أستاذ في جانب ما. فهناك الجانب الأخلاقي. والجانب الأكاديمي إلخ. نعيم مشرفة. عوني عبدالرءوف. عبدالله خورشيد. كل واحد له بصمة. وساعدني في جانب ما.
* قلنا: ماذا تكتب الآن؟
قال: أكتب عن الإنسان والوجود والحقيقة. وبصراحة.. لقد وجدت أن المشهد يتكرر. ما قاله أرسطو يقوله الآن فوكو ودريدا. المشهد هو هو. لكن الممثلين مختلفون. ولا شيء آخر. الفكر يتداخل. ويولد أفكاراً. هناك تأثير لابن عربي علي فلاسفة أوروبا. وما قال به هيجل. يرجعه الكثيرون إلي رؤية الحسن بن الهيثم. ووراء هيجل هيراقليطس. وهكذا.
* قلنا: هل تري أن الجامعات المصرية قادرة علي تخريج مترجمين جيدين. أم أن الحقيقة تضع ذلك في إطار الأمنية؟
قال: للأسف. هذا لا يحدث. ومرد ذلك ضعف الطلبة في اللغة العربية. إذا أجاد شخص لغته العربية فسيكون مترجماً جيداً. ما حدث في الماضي أن كل من عمل بالترجمة كان يجيد اللغة العربية. ويعرف أسرارها وجمالياتها. اللغة هي سر الوجود. العقاد وطه حسين وعبدالصبور وغيرهم كانوا يجيدون الكتابة بالعربية. لذلك كانوا يمتلكون القدرة علي ترجمة الأفكار. والتعبير بشكل جيد وسليم. المعيار هو إجادة العربية والإنجليزية. وهو ما فطن إليه د.محمد عناني الذي وضع شروطاً للالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة. لهذا نحن نجد مجموعة كبيرة من المترجمين الجيدين في جامعة القاهرة. وقلة في عين شمس. والسبب هو عدم الأخذ بشرط التفوق في اللغة العربية. وعلينا أن نلحظ أن التخصص مهم جداً. الترجمة المتخصصة تحتاج إلي مترجمين متخصصين في المجال نفسه.
منقول عن جريدة المساء القاهرية
تعليق