مسرد المصطلحات والمفاهيم التشنيعية
[align=justify]كنت أتجول أمس بين المواقع المختلفة، ثم قرأت مقالة ورد فيها: "الحراني اليهودي (ابن تيمية)" وكذلك "الناصبي ابن تيمية"!
لا أريد أن أتوقف عند مهاجمة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي الله عنه وأرضاه، فالشيخ علم من أعلام الأمة الأسلامية، وواحد من أهم علماء الإسلام على مر الأزمان والدهور، ومهما تطاولوا عليه وحاولوا الإساءة إليه، فإنهم يبقون أهون شأنا من النيل من علم يتدارس المسلمون، من مشارق الأرض إلى مغاربها، كتبه الكثيرة، ويتذاكرون علمه الغزير. إنما أريد أن أتوقف عند ظاهرة تشنيع الألفاظ واستعمالها بصيغتها المشنعة، داعيا في الوقت ذاته المثقفين إلى ضرورة الانتباه إلى ذلك بغرض تلافي استعمالها من جهة، والحد من ظاهرة التشذيذ الناتجة عن ظاهرة التشنيع من جهة أخرى، الناتجتين، بدورهما، عن تفاقم الطائفية المقيتة في دنيانا!
إن إطلاق تسمية "الراوفض" على الشيعة و"النواصب" على السنة فعلة لا ينبغي لمثقف مسلم يغار على دينه ومصير البلاد الإسلامية أن يرتكبها في العصر الراهن. ونحن إذا اتفقنا على ضرورة التصدي للفكر الطائفي وتجنب استعمال مصطلحاته ـ فإنه لا يمكننا في الوقت نفسه أن نسكت عن انتشار هذه الظاهرة واستفحالها في المواقع الكثيرة على الشبكة. وسنكون من عداد السذج إذا بقينا ندعو إلى المحبة والتقارب في وقت تنتشر المصطلحات التشنيعية انتشارا مريبا، وتزداد الممارسات الطائفية على أرض الواقع عنفا وتطرفا.
إن المدخل إلى معالجة المرض، أي مرض، هو تشخيصه. لذلك أقترح هذا المسرد لجرد المصطلحات التشنيعية عليه. و"التشنيع" (dysphemism) ـ وهو عكس "التلطيف" (euphemism) ـ يتمثل في إطلاق تسمية شنيعة على مسمى شريف (مثلا: "التي تحته" بدلا من "زوجته")، بينما يتمثل "التلطيف" في إطلاق تسمية لطيفة على مسمى شنيع (مثلا: "ابن أبيه" بدلا من "لقيط").
لذلك أقترح جرد الألفاظ التشنيعية والتلطيفية التي تتعلق بثوابتنا الدينية أولا ثم القومية ثانيا. من ذلك:
1. الوهابية:
إن مصطلح "وهابي" للدلالة على مذهب الإمام محمد بن عبدالوهاب في العودة إلى أصول الدين مصطلح كان يرادف بالنسبة إلى الكثير من المسلمين السنة مصطلح "حنبلي" خصوصا في الاستعمال الشعبي للكلمة، وذلك للدلالة على "تشدد" مذهب الإمام رحمة الله عليه، وهو التشدد الذي كان له ما يبرره في الجزيرة العربية قبل ظهوره لانتشار الانحراف الديني فيها آنذاك. إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جعلت الصحافة الأمريكية التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية تشنع مصطلح "الوهابية" أيما تشنيع، ليس بهدف الإساءة إلى المذهب بحد ذاته، بل إلى الإسلام بشكل عام، سنة وشيعة! إن الذي يستعمل هذا المصطلح اليوم للدلالة على أهل السنة والجماعة في الجزيرة العربية هو في الحقيقة شريك في محاولة الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، لأنه يردد ما تقدمه إليه الصحافة الصهيونية عبر ممثليها في الفضائيات العربية مثل الببغاء ولا فرق.
2. تكفيرية:
قرأت أمس في موقع لبعض أحفاد القرامطة: "الوهابيين التكفيريين" و"الأصوليات الطائفية السنية" و"النواصب السفيانية الوهابية اليهودية" وغير ذلك مما هو منتشر في المواقع المشبوهة. إن المقصود بهذه التسميات الشنيعة هم أهل السنة والجماعة عموما وليس فريقا منهم بعينه!
3. سني بعثي:
ومن المصطلحات التشنيعية التي بتنا نسمعها كثيرا في العراق والمواقع العراقية مصطلح "سني بعثي"، وكأن "سنيّة" السني لا تكتمل إلا بكونه بعثيا! إن هذا عبث يجب إيقافه، إذ لا يعقل أن ندعو إلى تقارب المذاهب ثم نستعمل مثل هذه التسمية الشنيعة الظالمة، خصوصا وأنه لا يمكن لمسلم سني يعرف دينه حق المعرفة أن يكون بعثيا!
4. المحمديون:
كنت ذكرت أن تسمية "المحمديين" للمسلمين تسمية مقتصرة حصراً على كتابات المستشرقين في الماضي وعلى أتباع الطائفة العلوية النصيرية الذين يسمون المسلمين السنة "بالمحمديين". إن هذه التسمية تسمية تشنيعية ولا علاقة لها بقولنا "أمة محمد"، إذ لا يجوز قطعاً نسبة الفرد إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن النسبة إنما هي نسبة الأمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فليتنبه إلى ذلك جيداً.
ينبغي علينا، سنة وشيعة، التنبه إلى الشحنات الدلالية لهذه الألفاظ، وتجنب استعمالها تصريحا أو تلميحا إذا أردنا أن نكون بمستوى المسؤولية التاريخية! لذلك أوجه الدعوة إلى جميع المخلصين من أبناء هذه الأمة، الذين يريدون أن يقاربوا ولا يباعدوا، ويجمعوا ولا يفرقوا، من أجل المساهمة في هذا المسرد، علنا نأتي على تشخيص للداء الطائفي المستفحل! وأشدد تشديداً على ضرورة الالتزام بالتشخيص فقط وبهدف تنبيه المثقفين وغيرهم إلى خطر هذه الألفاظ التشنيعية في توسيع الهوة بين المذاهب والأديان بدلا من ردمها.
[/align]
تعليق