<table cellspacing="0" cellpadding="2" width="470" align="center" border="0"><tr valign="top"><td><p align="justify"><font face="Arial, Helvetica, sans-serif" color="#ff6b5f" size="5"><b>أدبـيـة الكتابـة في رسائل أبي علي الحسن اليوسي</b></font><br /><font size="3"><strong><font color="#0000ff">د. أحـمـد زنـيـبـر</font></strong></font></p></td></tr><tr valign="top"><td><font face="Tahoma, Tahoma (Arabic)"><p class="spip" align="justify"><font face="MS Serif, New York, serif" size="5">تعددت الأبحاث والدراسات التي اهتمت بشخصية وأدب العلامة أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي (1040-1102هـ)، نظرا لما أنجزه من مصنفات متنوعة، طالت مختلف ضروب المعرفة والعلوم والآداب، جعلت منه مفخرة من مفاخر المرحلة، فكرا وإبداعا.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="MS Serif, New York, serif"><font size="5">ولعل ما يؤكد هذا الحضور، الفعلي والرمزي، لليوسي كتابات العديد من المؤرخين المغاربة والمشارقة، معاصرين له أو مترجمين، حيث الإشادة بشخصه وأعماله؛ وهو الأمر الذي يدفع بالباحث في الأدب المغربي، بالعودة إلى نصوص المحتفى به، ترجمة ودراسة، وتأمل جديده وإضافاته، وفق آليات البحث العلمي قصد إثبات أو نفي ما نبهت إليه الدراسات السابقة.</font></font></p></font></td></tr><tr valign="top"><td><font face="Tahoma, Tahoma (Arabic)"><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">لقد تعددت إنتاجات اليوسي وتنوعت، بتنوع ثقافته الدينية واللغوية والأدبية والصوفية، كما امتزجت هذه الإسهامات المتعددة بطقوسه الذاتية وظروفه البيئية المختلفة. فقد نظم اليوسي الشعر وألقى المحاضرة وألف الكتاب وحرر الرسالة، بحسب القصد والغاية من كل تجربة كتابية. ولما كانت المراسلة إحدى الاهتمامات، التي أولاها اليوسي عنايته، باعتبار الرسالة لونا من الألوان التعبيرية في الأدب عامة، لها سماتها ومقاييسها الخاصة؛ فإن مسعى هذه الدراسة:</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">(1 )لفت الانتباه إلى بعض الطرائق الفنية، التي نسج بها اليوسي رسائله، من حيث البناء والأسلوب، من ناحية، كما تهدف إلى رصد بعض ملامح الأدبية التي ارتضاها كاتب الرسالة إطارا لتقديم آرائه وأفكاره، من ناحية ثانية.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">يبلغ عدد الرسائل، التي حررها اليوسي، على فترات متباينة من حياته، اثنتين وستين رسالة(2)، تعددت مواضيعها وتباينت أغراضها بين السياسة والفقه والتوحيد والتصوف والنحو والبلاغة والأدب.. وغيرها، مما يشي بتنوع اهتمامات المؤلف ومشاركاته. وهي موضوعات تباعدت حينا، وتقاربت حينا آخر؛ بالنظر إلى سياق المرحلة واستعدادات الذات الكاتبة.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">ولعل أول ما يلاحظ بخصوص المتن اليوسي المحقق تفاوت رسائله حجما، فثمة رسائل طويلة جدا، في مقدمتها الرسالة المسماة باسم الرسالة الكبرى، وهناك رسائل متوسطة الحجم كرسالة نازلة العرائش مثلا، ثم رسائل قصيرة أغلبها في الفقه. وهذا التفاوت الكمي، انعكس نوعيا على مستوى البناء وعلى مستوى المضمون معا.</font></p><p class="spip" align="justify"><b class="spip"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">1 / بنية الرسالة : </font></b></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">الواضح أن اليوسي، خلال تحرير عدد من رسائله، كان وفيا لبناء الرسالة المتعارف عليه في الأدبيات النقدية لهذا اللون من الكتابة، حيث يستهل الرسالة باسم المرسل والإشارة إلى المرسل إليه، فردا كان أو جماعة، كما في قوله: "من الحسن بن مسعود اليوسي إلى أخينا في الله الفاضل، النبيه، الوجيه، النزيه، الدين، الخير، سيدي محمد الصالح بن المعطي أصلح الله سعيه وأدام رعيه، سلام على سيادتكم ورحمة الله وبركاته.." (رسائل 438). وبعد الاستهلال، يعمد إلى تصدير رسالته بالبسملة والحمدلة أو هما معا، وهو تصدير تم الالتزام به في سائر الرسائل المثبتة في المتن المحقق؛ غير أن اليوسي أحيانا، يتوجه رأسا، بعد عبارة الافتتاح، إلى بسط التحية ورد السلام إلى المرسل إليه، مباشرة. ثم ينتقل اليوسي بعد التقديم، (استهلالا وتصديرا) إلى غرض الرسالة، وهو أهم قسم فيها، حيث تراه يناقش ويحلل ويدافع عن موقف ما تارة، أو تجده يقدم فكرة ويدعم رأيا ويسدي نصيحة، تارة أخرى. ومن ثمة، كان لا بد، في سياق نص/غرض الرسالة أن يعرض اليوسي للهدف العام الذي استدعى تحرير هذه الرسالة أو تلك قبل أن يشرع في تفصيل الموضوع، وبسط جوانبه المختلفة.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">يقول مثلا، من رسالته الشهيرة ببراءة اليوسي: "فكتبنا هذه البطاقة وهي في الوقت منتهى الطاقة. وكنا كثيرا ما نرى من سيدنا التشوف إلى الموعظة والنصح، والرغبة في استفتاح أبواب الربح والنجح، فأردنا أن نرسم لسيدنا بعض ما إن وفق للنهوض إليه، رجونا له ربح الدنيا والآخرة، والارتقاء إلى الدرجات الفاخرة. ورجونا وإن لم نكن أهلا لأن نعظ، أن يكون سيدنا أهلا لأن يتعظ، وأن يحتمي من جميع المذام ويحتفظ" (رسائل 237). ففي هذا الشاهد/النموذج يبدو هدف الرسالة جليا، حيث تبرز رغبة المرسل في تقويم أحوال المجتمع وتصحيح بعض اختلالاته، وذلك عبر تقديم مجموعة من النصائح والإرشادات التي تسهم في استفتاح أبواب الربح والنجح، وهو نفس المسعى الذي تشوف إليه المرسل إليه غير ما مرة.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">أما القسم الثالث والأخير من الهيكل العام للرسالة، فيتمثل في عنصر الخاتمة، إذ يحرص اليوسي غالبا، على توقيع الرسالة باسمه، نحو قوله: "وكتب عبد الله الحسن بن مسعود كان الله له" (رسائل 609) كما قد يشير أحيانا إلى زمان ومكان تحرير الرسالة، كما في نماذج بعينها. وبين هذا التوقيع وتلك الإشارة، تستوقفنا أشكال وألوان من عبارات الختم والدعاء والتحية، مع ما فيها أحيانا من إشارات من الكاتب بتوخي الاختصار تجنبا للإطالة والاستطراد، نحو ما نجد في مثل قوله: "وهذا ما كتبنا على حسب رأينا في السؤال على غاية الاستعجال، لاستعجال الحامل لنا، بلا مراجعة المذهب ولا كبير تأمل. فإن بقي شيء من الأحوال التي يتعرض له فنحن نستدركه بعد إن شاء الله. وكتب غبار نعالكم أهل البيت الطاهرين الحسن بن مسعود كان الله له آمين" (رسائل 531)</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">ولم يأل اليوسي، جهدا في تنويع خواتمه بحسب موضوع الرسالة من جهة، وفي تمديد عباراته أو تقليصها، تبعا للأسلوب المعتمد من جهة ثانية. غير أن اليوسي لم يتقيد كل التقيد بالهيكل الثلاثي المذكور أعلاه، فقد يستغني مثلا عن ذكر اسم الباعث أو يهمل تحديد تاريخ الكتابة، تلميحا منه إلى أن مثل هذا التصرف لا يؤثر سلبا على الشكل العام للرسالة.</font></p><p class="spip" align="justify"><b class="spip"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">2 / أدبـيـة الـرسـالـة : </font></b></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">لاشك أن الباحث وهو يبحث في أسلوب الكتابة الفنية عند أبي علي الحسن اليوسي، تستوقفه تلك القدرة الفائقة لصاحبها على تنويع تعبيراته وتراكيبه، غير ما مرة، وتشكيل فضاء رسائله بحسب طبيعة الموضوع المعالج وكذا بحسب أهمية المتلقي ومكانته. ومن ثمة، لم يكن غريبا أن نعثر، في مراسلات اليوسي المذكورة على تلوينات أسلوبية مختلفة تتفاوت لفظا وتركيبا ودلالة. ومن خصائص هذا الأسلوب ما يلي:</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">1 - في طبيعة اللغة: لقد تبنى اليوسي، لغة تجمع بين البساطة والتركيب من جهة، وبين التفسير والتحليل من جهة أخرى؛ وهو الأمر الذي انعكس إيجابا على نوعية الأسلوب، الذي اعتمده في عرض موضوعاته. وتبعا لذلك، نعثر على مصطلحات تنهل من مختلف المجالات المعرفية من علوم وآداب وفنون وفقه ومنطق وسياسة.. وغيرها، مما ينم عن ملكة لغوية ومعجمية. فاستمع إليه حين يعرض لمصطلح "البادية" حيث يقول: "أما البادية فسميت بذلك لبدو ما فيها أي ظهوره للعين إذ لا جدار فيها ولا باب ولا سقف. والقرية بخلاف ذلك وفيها جل ما في الحاضرة من المصالح، وفازت بخفة المؤونة وقلة الشغب" (رسائل182).</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">كما نلمس براعة اليوسي في التفسير والتحليل لبعض المفردات والتراكيب، خاصة تلك التي تندرج ضمن الرسائل التربوية، سواء في مجالي السلوك أو المعاملات، إذ يقدم تعريفات مختصرة مفيدة تارة، ويقدم، تارة أخرى، تفسيرات مستفيضة من خلال اعتماد الدليل والحجة والإقناع. وبالرغم مما ظهر على اليوسي، في رسائله التربوية المختلفة، من جهد لغوي في تفسير ما غمض من مفاهيم لكل سائل أو مستفسر؛ فإنه سرعان ما يعلن تواضعا ملحوظا كأن يقول مثلا، في رسالة: "أما بعد، فإني لست بشيخ تربية، ولا صاحب همة ولا حال، وإنما أصاحب الناس على التعاون على البر والتناصح والتعليم. فمن كان جاهلا وسبق له من الله الهدى، وأتاني فعلمته ما أمر الله ورسوله به فرجوت لنفسي وله الخير إذا امتثل أمر الله باسترشادي، وامتثلت أمر الله بإرشادي...وكما أني لست بشيخ، فكذا ما رأيت بعيني مريدا على التحقيق، ولو صادفت مريدا لكنت أنا أصحبه، لا هو يصحبني، لأنتفع به لا لينتفع بي." (رسائل441).</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">2 - في نوعية الشواهد: لما كان عرض الأفكار وطرح المعاني مرتبطا باللغة، التي يتم عبرها توصيل محتوى الرسالة؛ فإن جهد اليوسي بدا واضحا في طريقة توظيفه للشواهد والإحالات المختارة، بغية التواصل والإقناع. وهكذا تمت الاستعانة بالقرآن والأحاديث والأمثال والأخبار والأشعار وما إليها.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">* القرآن والحديث : استعان اليوسي، في التأثير على متلقيه، بما في الشاهد القرآني، وكذا ما روي عن الرسول (ص) من أحاديث نبوية شريفة، من قوة مرجعية ودلالية. لذلك، لا نعدم نماذج من رسائل اليوسي المختلفة حين يضمن، هذه الرسالة أو تلك، بعض آي القرآن الكريم، تدعيما لموقف أو تأكيدا لقناعة(3). وكذلك الشأن بالنسبة للحديث النبوي الذي جاء، في الغالب، مصاحبا للاقتباس القرآني بنفس الغاية، وهي تقوية الأسلوب والمعنى في ذات الآن.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">* الروايات والأمثال : تكشف رسائل اليوسي عن ثقافة موسوعية شاملة تضرب في شتى المعارف والعلوم. فاستشهاداته المتنوعة واقتباساته المتكررة تؤكد إلمامه الواسع بتراثه الفكري والحضاري. وما الروايات والأمثال التي أوردها رسائله سوى جانب من جوانب هذا التراث الزاخر. فمن الأمثال التي أوردها اليوسي، حسب سياقها في الرسالة، نذكر: (ما يوم حليمة بسر)- (ليس بعشك فادرجي)- (لو ترك القطا ليلا لنام)- (من كثر كلامه كثر سقطه)- (لعل لنا عذرا وأنت تلوم) وغيرها كثير. أما إشاراته وإحالاته التاريخية، فتجمع بين الإحالة الدينية والتاريخية والأدبية. وكلها إحالات قوية تأتي من أجل مناصرة المعنى المطروح، من جهة، وتدعيم آراء الكاتب وقناعاته من جهة أخرى، كما هو الحال في إحدى رسائله، عند محاولته تبرير استثقاله للحاضرة بسبب الطبْع(4)، حيث ينوع شواهده، في الدفاع عن نفسه، من جهة، ويدعم حججه، بين معقول ومنقول قصد إقناع مخاطبه أو متلقيه، من جهة أخرى.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">* الأشعار : على الرغم من أن اليوسي تبنى، في مراسلاته المتنوعة، كتابة نثرية بالأساس، فإن بعض هذه الرسائل لم تسلم من مداعبة أبيات شعرية، من هنا وهناك، حيث يتم استحضار أسماء شعراء من المشرق والأندلس، أمثال امرئ القيس والنابغة وطرفة وبشار وجرير والمتنبي وابن وهبون والمعتمد وغيرهم. غير أن اليوسي كان يغفل أحيانا ذكر القائل فلا ينسب البيت أو القطعة الشعرية لأحد. وهكذا عند استقرائنا لتلك الاختيارات الشعرية، التي تخللت رسائل اليوسي نتبين، مدى تنوع ثقافة الكاتب الأدبية، ورهافة حسه وذوقه. ولا غرابة في ذلك فهو "نفسه شاعر مجيد مكثر، الشعر عنده أسهل من النفس، بل كان يقول: لو شئت أن لا أتكلم إلا بالشعر لفعلت"(5). وهكذا، تراه يجمع، في مراسلاته، بين الشعر والنثر. ولعل رسالته إلى أبي العباس أحمد بن مسعود البوعمري، التي جاءت مناصفة بين الشعر والنثر(6 )لتؤكد هذا المنحى الفني عنده، حيث يستهل الرسالة بأربعة وعشرين بيتا شعريا ويواصل تحريرها نثرا. ناهيك عما في رسائله من إشارة إلى بعض الأعلام العربية المرموقة كالإمام علي والإمام مالك وعمر بن عبد العزيز وزيد بن ثابت وغيرهم من الشخصيات الوازنة، التي تركت أثرا في التاريخ يذكر، ويشهد لها بالإفادة والريادة.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">3 / في جمالية التركيب: اجتهد اليوسي في تنويع كتابته النثرية، حيث تصرف عبر وسيط اللغة بما تقتضيه فكرة الرسالة. فجاءت لغته وتراكيبه مباشرة وخالية من التعقيد والغموض تارة، وتارة أخرى احتفلت، نسبيا، بجمالية الصنعة حيث تنميق الأسلوب والتأنق فيه. ومن معالم هذه الصنعة، التي شكلت جانبا من أدبية الرسالة عند اليوسي، نذكر:</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">=/ المحسنات اللفظية : لقد كان اليوسي شاعرا بما للكلمة وجرسها من وقع في أذن السامع/المتلقي، ولما لها كذلك من تأثير في المقصد العام للنص الرسالة. فاختيار الألفاظ وانتقاء الكلمات يعكس، بصورة أو بأخرى، حس الكاتب اللغوي من جهة ومدى تمرسه بالتعبير والكتابة من جهة ثانية. ومن ثمة، كان اهتمام اليوسي بتشكيل مقاطعه وفواصله والعناية بالسجع والتجنيس وضروب البديع المختلفة، أمرا مبررا عنده، سواء في مقدمات رسائله حيث الإشادة بالمرسل إليه، أو حين يعرض لفكرة ما أو يستخلص عبرة مثل قوله: " هذا ما احتيج إليه من الكلام، على مقتضى الكلام، ولو ترك القطا لنام" (رسائل 232).</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">والملاحظ، أن أبا علي الحسن اليوسي لم يكن متكلفا في سجعه وتجنيساته إلا ما جاء عفو الخاطر أو قصد به دفع الملل عن القارئ المتلقي. وهو بهذا المعنى أو ذاك، ينزع إلى مطابقة الكلام لمقتضى الحال كما تقول به البلاغة العربية. لذلك تراه لا يكثر من طلب السجع إلا بقدر الحاجة إلى تعميق الفكرة ، كما في قوله: "فلم يمكني إلا الرحيل، ولقد ارتحلت في ذروة البرد، ولم أقدر على التراخي ولا الأعذار، لئلا يظن بي التعاصي، ثم جئت الزاوية ولم أجد فيها دارا ولا جدارا، فكنت فيها بين الشيح والريح إلى الآن، حتى أنه لو تأملني من هو جاهل بحال السلطان، لظن أنه كلفني بها امتحانا لي وتعذيبا، وحاشاه أن يريد امتحان طلبة العلم بعدما عرف منه من محبة العلم وأهله، والشفقة على المسلمين" (رسائل 161).</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">=/ المحسنات المعنوية: شكلت الانزياحات الدلالية والمحسنات البلاغية، المبثوثة في ثنايا الرسائل، مقوما جماليا آخر من مقومات أدبية الكتابة لدى اليوسي. فثمة عبارات ومقاطع أسلوبية غاية في التنسيق من حيث التصوير وحسن التشبيه وركوب المجاز وما إليه. كما في قوله خاتما: "نسأل الله تعالى أن يجعل العزة والمجد وسائر الرغائب والخيرات منثالة على مولانا انثيال الغيث على الروض، والخشية والإيمان والطهارة منسجمة على قلبه انسجام الفيض السلسال على الحوض. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما" (رسائل 270).</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">4 / في الحس النقدي : يضاف إلى ما سبق، أن اليوسي في بناء نماذجه التراسلية يزاوج أحيانا بين اللمحة الفنية المنتقاة والإضافة الذكية في تسييج معاني مراسلاته. ولعل تنوع الموضوعات، كان وراء العديد من الإحالات المرجعية، التي انصهرت تعبيريا مع مختلف المواقف الفكرية والسياسية التي عبر عنها بكامل الوثوقية. كما أن حسه النقدي في طرح القضايا والأمور الدينية والدنيوية، كان وراء الإفصاح عن عميق تجربته ومراسه في شؤون الحياة المختلفة.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">لقد تناول اليوسي في رسائله قضايا كبرى وشائكة عرض لها بمنتهى الشجاعة والحزم حيث انتقاده أخلاق الناس وفساد المعاملات وكذا انتقاده سياسة البلاد ؛ دون أن يبخس حقه في الدفاع عن نفسه كلما ووجه بتهمة باطلة. وتبعا لذلك تجده يرتب رسالته مقطعا مقطعا ويفصل الموضوع فكرة فكرة مع طرح البدائل والحجج واستشراف أسلوب الحوار والمجادلة، بما يضمن في النهاية سلامة الفهم والإفهام. لعل الرجوع إلى بعض نماذجها كفيل بانتقاء الشاهد المناسب، ولنكتفي بهذا المقطع مثالا: "أما الأمر الثالث: فقد اختل أيضا لأن المنتصبين للانتصاف هم العمال في البلدان وخدامهم، وهم المشتغلون بظلم الناس فكيف يزيل الظلم من يفعله، ومن ذهب يشتكي سبقوه إلى الباب فزادوا عليه فلا يقدر أحد أن يشتكي. فليتق الله سيدنا وليتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب. وليجتهد في العدل فإنه قوام الملك وصلاح الدين والدنيا" (رسائل 241).</font></p><p class="spip" align="justify"><b class="spip"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">خـــلاصــة: </font></b></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="5">واضح إذن، أن مهمة اليوسي، كعالم متبصر خبير بخفايا عصره، انحصرت في جانبي التعليم والتثقيف، معتمدا في ذلك فن الرسالة أسلوبا للتعبير عن الرأي ونشر المبادئ والأفكار وفي رد الخصوم والأعداء، وبالتالي كان جهده ظاهرا كذلك في اختيار ألفاظه ومعانيه وفي تنسيق عباراته وترتيب أفكاره، كمقومات أساسية لصياغة أسلوب رسالي نثري ممتع وشائق. ومن ثمة، يمكن اعتبار رسائله وثائق هامة لما تضمنته من تسجيل العديد من الإشارات التاريخية والجغرافية وكذا العديد من الإحالات الدينية والأدبية، التي تعكس ثقافته الموسوعية من جهة، كما تعطي صورة تقريبية، إن لم تكن شاملة عن ظروف العصر واختلاف أحواله، من جهة ثانية.</font></p><p class="spip" align="justify"><font size="5"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif">لقد استطاع العلامة الحسن بن مسعود اليوسي، في هذا اللون من الكتابة النثرية، أن يثبت، بشتى الطرق الأدبية، ما توافر لديه من إمكانات فنية عالية وقدرات تعبيرية متنوعة، من خلال التأثير في متلقيه عبر إثارة فكره ووجدانه، لغة وأسلوبا وتصويرا، وبما يبعث في هذا المتلقي النشاط ويدفعه لمواصلة القراءة والإنصات أو طلب المحاورة</font>.</font></p><p class="spip" align="justify"><b class="spip"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">الإحـالات: </font></b></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">1 - مختصر من الدراسة،التي شاركنا بها في ندوة أبي علي الحسن اليوسي أديبا ومفكرا، كانت من تنظيم شعبة اللغة العربية وآدابها، يومي 20-21 دجنبر 2005 برحاب كلية الآداب عين الشق. الدار البيضاء.</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">2 - رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي. جمع وتحقيق ودراسة. فاطمة خليل القبلي. دار الثقافة. البيضاء. 1981</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">3 - أنظر رسالته ص 134 التي تضمنت عددا كبيرا من الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">4 - أنظر الرسائل ص 162</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">5 - النبوغ المغربي في الأدب العربي. عبد الله كنون. 1/286</font></p><p class="spip" align="justify"><font face="Verdana, Geneva, Arial, Helvetica, sans-serif" size="3">6 - انظر الرسائل ص 464-466</font></p></font></td></tr></table>
أدبـيـة الكتابـة في رسائل أبي علي الحسن اليوسي
تقليص
إحصائيات Arabic Translators International _ الجمعية الدولية لمترجمي العربية
تقليص
المواضيع: 10,513
المشاركات: 54,231
الأعضاء: 6,146
الأعضاء النشطين: 2
نرحب بالعضو الجديد, Turquie santé.