الأمن القومي العربي . . عود على بدء آخر تحديث:الأربعاء ,01/09/2010
سعد محيو
الدول العربية على تنوّع أنظمتها الاجتماعية وتراكيبها السكانية، ستكون مضطرة عما قريب إلى إعادة موضعة نفسها في النظام العالمي الجديد الذي يشهد تمخضات الولادة حالياً .
فالدول الصغيرة ذات الكثافة السكانية الضئيلة، ستجد أن “بوليصة التأمين” التي تتمثل بالمظلة العسكرية الأمريكية، لم تعد كافية لتوفير أمنها القومي . وهذا لثلاثة أسباب:
الأول، فشل الولايات المتحدة في إقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، يحل مكان النظام الإقليمي الفرنسي البريطاني القديم الذي دمّرته حروب العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين . وهذا خلف فراغاً، على الأقل من الناحية النظامية (SYSTEM)، يُسفر عما يسفر عنه الآن من حالة الفوضى والاضطراب العامة في المنطقة .
الثاني، أن الأزمة الاقتصادية العاتية التي تمر بها الولايات المتحدة هذه الأيام، والتي تكاد تجعل البلاد في “مصاف دول العالم الثالث”، من حيث تعثّر تقديم الخدمات العامة، وفق تعبير مؤسسة أبحاث أمريكية، يشي بأنها دخلت مرحلة التمدد الاستراتيجي الزائد التي نظّر لها بول كيندي، والتي تنص على أن الامبراطوريات تبدأ بالانحدار حين يعجز اقتصادها عن تمويل أدوارها العسكرية في العالم .
والثالث، أن عجز الولايات المتحدة عن استيعاب القوتين الرئيستين إيران وتركيا في إطار منظومة إقليمية جديدة، أوحتى في المنظومة القديمة، فاقم من حالة الفوضى والاضطراب العامة في الشرق الأوسط، هذا في حين أنه كان يمكن لعملية الاستيعاب هذه أن تُعزز استقرار “الباكس أمريكانا” في الشرق الأوسط .
هذه العوامل مجتمعة ستدفع الدول العربية الصغيرة عاجلاً أم آجلاً إلى البحث عن “بوالص تأمين” جديدة، أو على الأقل إضافة تنويعات على بوليصة التأمين الأمريكية، خاصة إذا مابدأت معالم النظام الدولي التعددي الجديد تلوح في الأفق .
وما ينطبق على الدول الصغيرة، يسحب نفسه على الدول العربية الكبيرة الحليفة أو الصديقة لأمريكا . فهذه الأخيرة بدأت أصلاً الآن تشعر بفقدان الأمان والاستقرار، بسبب اهتزاز النظام الإقليمي وعجز الولايات المتحدة عن تقديم بدائل عن مشاريعها المُتعثرة (الشرق الأوسط الكبير، أو المتوسّع، أو الجديد) .
وهذا القلق سيوفّر عما قريب بيئة مناسبة لبدء إعادة النظر في التموضع الاستراتيجي لهذه الدول، في داخل الشرق الأوسط وفي النظام الدولي كله .
وحين تتقاطع هواجس الدول الصغيرة مع مخاوف الدول الكبيرة، لن يطول الوقت قبل أن يبدأ الجميع بالعمل لانتشال مفهوم الأمن القومي العربي من تحت الركام، خاصة إذا ما أسفر الصراع الراهن في المنطقة بين القوى الإقليمية الإيرانية والتركية و”الإسرائيلية” عن شيء من توازن القوى التي يسمح لها بشيء آخر من تقاسم المنطقة العربية كمناطق نفوذ خاصة بها .
هذا لن يعني أن الدول العربية ستتخلى عن الحُماة او الرُعاة الدوليين . لكن، وبسبب الفوضى الإقليمية والدولية، ستكون ثمة حاجة ماسة إلى إعادة اكتشاف العمق العربي لدى كل الدول، إذا ما أرادت ألا تتحوّل إلى عشب تدوسه الفيلة الخارجية المتصارعة .
وإذا ماتحقق هذا التطور، والأرجح أنه سيتحقق، ستكون الأبواب مُشرعة على مصاريعها أمام تبلور مفهوم نهضة عربية جديدة يستند هذه المرة إلى أرجل من فولاذ (المصالح، الواقعية السياسية، الأمن والاعتراف المتبادلان)، لا إلى أرجل من طين، كما كان الأمر طيلة حقبة النظام الإقليمي السابق .
saad-mehio@hotmail.com
سعد محيو
الدول العربية على تنوّع أنظمتها الاجتماعية وتراكيبها السكانية، ستكون مضطرة عما قريب إلى إعادة موضعة نفسها في النظام العالمي الجديد الذي يشهد تمخضات الولادة حالياً .
فالدول الصغيرة ذات الكثافة السكانية الضئيلة، ستجد أن “بوليصة التأمين” التي تتمثل بالمظلة العسكرية الأمريكية، لم تعد كافية لتوفير أمنها القومي . وهذا لثلاثة أسباب:
الأول، فشل الولايات المتحدة في إقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، يحل مكان النظام الإقليمي الفرنسي البريطاني القديم الذي دمّرته حروب العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين . وهذا خلف فراغاً، على الأقل من الناحية النظامية (SYSTEM)، يُسفر عما يسفر عنه الآن من حالة الفوضى والاضطراب العامة في المنطقة .
الثاني، أن الأزمة الاقتصادية العاتية التي تمر بها الولايات المتحدة هذه الأيام، والتي تكاد تجعل البلاد في “مصاف دول العالم الثالث”، من حيث تعثّر تقديم الخدمات العامة، وفق تعبير مؤسسة أبحاث أمريكية، يشي بأنها دخلت مرحلة التمدد الاستراتيجي الزائد التي نظّر لها بول كيندي، والتي تنص على أن الامبراطوريات تبدأ بالانحدار حين يعجز اقتصادها عن تمويل أدوارها العسكرية في العالم .
والثالث، أن عجز الولايات المتحدة عن استيعاب القوتين الرئيستين إيران وتركيا في إطار منظومة إقليمية جديدة، أوحتى في المنظومة القديمة، فاقم من حالة الفوضى والاضطراب العامة في الشرق الأوسط، هذا في حين أنه كان يمكن لعملية الاستيعاب هذه أن تُعزز استقرار “الباكس أمريكانا” في الشرق الأوسط .
هذه العوامل مجتمعة ستدفع الدول العربية الصغيرة عاجلاً أم آجلاً إلى البحث عن “بوالص تأمين” جديدة، أو على الأقل إضافة تنويعات على بوليصة التأمين الأمريكية، خاصة إذا مابدأت معالم النظام الدولي التعددي الجديد تلوح في الأفق .
وما ينطبق على الدول الصغيرة، يسحب نفسه على الدول العربية الكبيرة الحليفة أو الصديقة لأمريكا . فهذه الأخيرة بدأت أصلاً الآن تشعر بفقدان الأمان والاستقرار، بسبب اهتزاز النظام الإقليمي وعجز الولايات المتحدة عن تقديم بدائل عن مشاريعها المُتعثرة (الشرق الأوسط الكبير، أو المتوسّع، أو الجديد) .
وهذا القلق سيوفّر عما قريب بيئة مناسبة لبدء إعادة النظر في التموضع الاستراتيجي لهذه الدول، في داخل الشرق الأوسط وفي النظام الدولي كله .
وحين تتقاطع هواجس الدول الصغيرة مع مخاوف الدول الكبيرة، لن يطول الوقت قبل أن يبدأ الجميع بالعمل لانتشال مفهوم الأمن القومي العربي من تحت الركام، خاصة إذا ما أسفر الصراع الراهن في المنطقة بين القوى الإقليمية الإيرانية والتركية و”الإسرائيلية” عن شيء من توازن القوى التي يسمح لها بشيء آخر من تقاسم المنطقة العربية كمناطق نفوذ خاصة بها .
هذا لن يعني أن الدول العربية ستتخلى عن الحُماة او الرُعاة الدوليين . لكن، وبسبب الفوضى الإقليمية والدولية، ستكون ثمة حاجة ماسة إلى إعادة اكتشاف العمق العربي لدى كل الدول، إذا ما أرادت ألا تتحوّل إلى عشب تدوسه الفيلة الخارجية المتصارعة .
وإذا ماتحقق هذا التطور، والأرجح أنه سيتحقق، ستكون الأبواب مُشرعة على مصاريعها أمام تبلور مفهوم نهضة عربية جديدة يستند هذه المرة إلى أرجل من فولاذ (المصالح، الواقعية السياسية، الأمن والاعتراف المتبادلان)، لا إلى أرجل من طين، كما كان الأمر طيلة حقبة النظام الإقليمي السابق .
saad-mehio@hotmail.com
تعليق