بحثتُ في “مختار الصحاح” عن معنى كلمة “البلطجة”، فلم أجد لها أثراً، وكذلك فعلتُ مع الموسوعة العربية الإسلامية، فلم تكن هناك، فاحترتُ كيف ألا تكون هذه الكلمة موجودة في قواميسنا، رغم أنها دارجة الاستخدام في حياتنا العربية، ويا للأسف الشديد في حياتنا السياسية، وللسياسة ثقافة، أو هكذا يجب أن يكون، على كل حال .
اقترحتْ علي ابنتي أن “أُغَوْغِل” الكلمة، وهو، على ما يبدو مصطلح شبابي دارج، أي أن أبحث عنها على موقع “غوغل”، وهكذا كان، فوجدتُ هناك ما قد يشبع بعض الفضول حول هذا المصطلح الذي دفعت به انتفاضة الشبان المصريين إلى واجهة التداول .
حسب أحد المواقع فإن معنى “البلطجة” في الاستخدام الشائع: فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم . وهي لفظ دارج في العامية وليس له أصل في العربية، ويعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: “بلطة” و”جي”، أي حامل البلطة، و”البلطة” هي أداة للقطع والذبح .
ويقول التعريف أيضاً إن البلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة، وهي نابعة من احتياج صاحب القوة، فرداً أو مجتمعاً أو دولة، لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية .
هذا التعريف يعني أننا إزاء مفهوم جامع، شامل، هو عبارة عن سلوك مشين، ورغم أنني وجدت بعض العزاء في أن أصل الكلمة ليس عربياً، فلعل في ذلك ما قد يُوهمنا بأن هذا الأمر غريب على “عاداتنا وتقاليدنا”، وأنه “دخيل” علينا، كما يطيب لنا القول، مع أن هذا العزاء سرعان ما يتبدد أمام مرارة ما شهدناه من تطورات فاجعة في ميدان التحرير بالقاهرة ومحيطه .
ثم إنني لمتُ نفسي، وأنا أتساءل: ما الضرورة إلى التفتيش عن معنى البلطجة والبلطجيين في القواميس أو سواها، بل إن التقارير التي سمعناها وقرأناها خلال الأيام الأخيرة عن الموضوع تبدو عاجزة عن الإحاطة بالتجسيد العربي للبلطجة منذ أن اندفعت الخيول والجمال إلى ميدان التحرير تدهس وتروع وتُدمي الشبان الأبرياء، الذين يحملون في قلوبهم ضمير مصر والعرب جميعاً وتوقهم للكرامة .
لا تنشأ “البلطجة” من تلقاء نفسها، وهي ليست وليدة حدث هنا أو هناك، حتى لو كان بضخامة ما يجري في مصر اليوم . إنها، وياللمرارة، نهج أصيل في حماية مصالح آثمة نهبت حقوق الناس وأهدرت كرامتهم .
المقال للدكتور حسن مدن والصورة عن موقع ياهو الفرنسي
ويمكن التأكد من موقع ياهو عبر خصائص الصورة
تعليق