<TABLE border=0 cellSpacing=2 borderColor=#000000 borderColorLight=#ffffff borderColorDark=#000000 cellPadding=2 width="100%" bgColor=#ffffff><TBODY><TR><TD>وجهة نظر أثارت انتباهي عن الكتاب وما يتم التركيز على طباعته، أحببت مشاركتكم بها وأنقلها من جريدة القدس العربي
</TD></TR></TBODY></TABLE><TABLE border=0 cellSpacing=0 borderColor=#000000 borderColorLight=#ffffff borderColorDark=#000000 cellPadding=2 width="100%" bgColor=#ffffff><TBODY><TR><TD>يدُهش الذي يزور معارض الكتب العربيّة، الدوليّة منها أو المحليّة، بكمّ الكتب التي تختصّ بالتصوّف وفلسفته وشعره وأقطابه، سواء أتعلّق الأمر بتحقيق المدوّنات السرديّة والدواوين، أم بالكتابة المعاصرة حولها. لا شكّ في أنّ لكلّ مرحلة من مراحل الحياة مزاجاً عامّاً ينزع فيه الناس باتجاه اهتمام محدّد يدورون في فلكه، وقد شاع بيننا منذ أيّام الطلب الجامعيّ، والذي يعود إلى مطلع تسعينيّات القرن العشرين، الميل إلى موسيقا ناشئة، سمّيت بالموسيقى الصوفيّة الإلكترونيّة (Electronic Sufis)، بالاتساق مع قراءاتنا لشعر المتصوّفين ونثرهم في مساقات تاريخ الفكر الإسلاميّ، وأدب الدول المتتابعة، والأدب المقارن، فدخلنا عوالم الحلاّج، وابن عربيّ، وابن سبعين، والسهرورديّ، وابن الفارض، والشيرازيين، وبودلير، ورامبو، ومالارميه، وبوشكين... وكلّ ما وجدنا أصوله في الرومانتيكية التي خرجت إلى كلّ من الرمزيّة، والاستشراق.
لقد تمّ منذ أواخر ثمانينيّات القرن العشرين إنتاج نصوص روائيّة تستلهم التراث الصوفيّ، وسبق الشعر في ذلك، إذ جعل شعراء الحداثة تجارب المتصوّفة، ورموزهم بنية عضويّة للقصيدة في كثير من الأحيان، مثلهما مثل الأسطورة، فجمعوا بين الوعي والصورة الفنيّة في آن معاً، لكنّ ذلك لم يكن يعني بحال من الأحوال أنّ الوعي الجماليّ السائد في البنية الثقافيّة الاجتماعيّة كان صوفيّ المنشأ، بحيث عكس بنية فنيّة محورها التصوّف سواء أكان تجربة أم صورة. فالصورة الفنيّة ليست رسماً ناتوراليّاً للوعي الجماليّ، كما أنّ الوعي الجماليّ ليس انعكاساً آليّاً للوعي الثقافيّ، وغالباً ما ساقت المبدعين إلى ذلك رغبة إكزوتيكيّة، أو رغبة تأصيليّة بالعودة إلى التراث الإسلاميّ، من أجل إضفاء شرعيّة على الفنون التي وصفت بالتغريبيّة، كالرواية، وشعر التفعيلة، وقصيدة النثر.
لا بدّ من التفريق بين التصوّف علماً من العلوم الشرعيّة الحادثة في الملّة، كما يراه ابن خلدون، وبين استلهام التجربة الصوفيّة فنيّاً، كما يجب التفريق بين التصوّف وبين الفكر الصوفيّ، وبين المتصوّف والمشتغل بالفكر الصوفيّ، إذ اختلط الأمر على المتلقّي العاديّ، فراح يصنّف المبدع الماركسيّ أو القوميّ السوريّ قطباً أو شيخ طريقة.
لا شكّ في أنّ التصوّف، قبل أن يصير مكتسباً ثقافيّاً، حاجة غريزيّة عرفتها الثقافات برمّتها، سواء أكانت ذات أديان سماويّة أم أرضيّة، لكنّها لن تشكّل، بحال، وعياً جماليّاً عامّاً لهذه المرحلة، فالمتصوّفة في التاريخين العربيّ الإسلاميّ والأوروبيّ كانوا ظواهر استثنائيّة، نشأت بوصفها ردود أفعال تجلّت بطفرات فكريّة، وببعض التعبيرات الجماليّة، وأمّا ما ظهر في أمريكا وأوروبا منذ تسعينيّات القرن العشرين ليشكّل ما بعد الحداثة، ممّا يسمّى بالدين الجديد، والذي يحمل في معظمه روحاً صوّفيّة على نحو ما، فقد بدأ منذ سنوات يشيع في الثقافة العربيّة، ونتيجته تلك الكثرة من الكتب التي أتكلّم عليها، بتحقيقات لأسماء معروفة ومجهولة، لكنّ سبب النشوء مختلف، إذ نشأ في الغرب ترفاً، في حين نشأ عندنا يأساً. فقد استهلك الغربيّ منتجات الحداثة واستنفدها، واكتشف أنّ العلم الذي حمل له الرفاه والثراء، لم يحمل له السعادة، فراح يبحث عنها في معتقدات غنوصيّة مستحدثة، في حين وعدت النخب العربيّة إنسانها طويلاً بتحقيق رخائه، إلاّ أنّها كانت مواعيد عرقوب، فاعتراه اليأس من تحقيق حياة أفضل، فالتجأ إلى تلك النزعة الصوفيّة، التي لم تكن إسلاميّة بالضرورة. إذن فالتصوّف قد يكون تعبيراً عن حالة يأس، وعن حالة امتلاء في آن معاً، وهو يلتقي في هذا الوجه مع الإلحاد!
أمّا المتعلّلون بإحياء التراث، فنودّ أن نسألهم عن تقاعسهم في إحياء فكر المعتزلة، ومناظراتهم التي ما تزال مخطوطة في معظمها ، كما نسألهم عن مدوّنات (الأرأيتيّون) التي نحن بأمسّ الحاجة إليها. لعلّ التوجّه (الأرأيتيّ) في ثقافتنا المعاصرة، وفي مناهجنا التعليميّة، باستثناء بعض مساقات الفقه النادرة، غائب تماماً، مع أنّه باب واسع للخيال والمعرفة، لقد سدّته بعض الفرق الفقهيّة بحجّة أنّ الكلام يكون على ما وقع، وليس على ما لم يقع، وفتحته منذ عقود المدارس الأوروبيّة والأمريكية التي تمارسه في إطار قراءة التاريخ، كما في إطار العلوم، كأن يطرح على الطلبة السؤال الآتي: ماذا لو انتصر نابوليون في (واترلو)؟ ماذا لو لم يدخل بوش العراق؟ وتوضع سيناريوهات وتصوّرات، كما كان المفكّرون العرب المسلمون يقولون: (أرأيتِ لو أنّ على أبيك ديناً فقضيته عنه، أكنت قاضية عنه؟) على هذا يقوم العلم، وتقوم السياسة، وعلى هذا يقوم الفنّ بشكل رئيسي، ولا سيّما الرواية، أو ليست الرواية احتمالات غير وقائعيّة للحياة؟
أرجو أن يكون هذا النهم (الطباعيّ) الصوفيّ نوبة، أو حالاً لا مقاماً، على حدّ قول المتصوّفة، وأن نحيي من تراثنا ما أعلى من شأن إعمال الفكر، وتشغيل الإرادة، التي عرف بها العربيّ، متخفّفين من لزوم ما لا يلزم، مترفّقين بالمتلقي الذين ما يزال يرى المبدع الذي يستلهم التراث الصوفيّ متصوفاً، فيصير عنده أيقونة ربانيّة، في حين يكون أكثر الناس غائيّة ودنيويّة.
</TD></TR></TBODY></TABLE>
ظاهرة غير صحيّة: كل هذا التصوف!
بقلم/ شهلا العجيلي
بقلم/ شهلا العجيلي
2010-10-28
</TD></TR></TBODY></TABLE><TABLE border=0 cellSpacing=0 borderColor=#000000 borderColorLight=#ffffff borderColorDark=#000000 cellPadding=2 width="100%" bgColor=#ffffff><TBODY><TR><TD>يدُهش الذي يزور معارض الكتب العربيّة، الدوليّة منها أو المحليّة، بكمّ الكتب التي تختصّ بالتصوّف وفلسفته وشعره وأقطابه، سواء أتعلّق الأمر بتحقيق المدوّنات السرديّة والدواوين، أم بالكتابة المعاصرة حولها. لا شكّ في أنّ لكلّ مرحلة من مراحل الحياة مزاجاً عامّاً ينزع فيه الناس باتجاه اهتمام محدّد يدورون في فلكه، وقد شاع بيننا منذ أيّام الطلب الجامعيّ، والذي يعود إلى مطلع تسعينيّات القرن العشرين، الميل إلى موسيقا ناشئة، سمّيت بالموسيقى الصوفيّة الإلكترونيّة (Electronic Sufis)، بالاتساق مع قراءاتنا لشعر المتصوّفين ونثرهم في مساقات تاريخ الفكر الإسلاميّ، وأدب الدول المتتابعة، والأدب المقارن، فدخلنا عوالم الحلاّج، وابن عربيّ، وابن سبعين، والسهرورديّ، وابن الفارض، والشيرازيين، وبودلير، ورامبو، ومالارميه، وبوشكين... وكلّ ما وجدنا أصوله في الرومانتيكية التي خرجت إلى كلّ من الرمزيّة، والاستشراق.
لقد تمّ منذ أواخر ثمانينيّات القرن العشرين إنتاج نصوص روائيّة تستلهم التراث الصوفيّ، وسبق الشعر في ذلك، إذ جعل شعراء الحداثة تجارب المتصوّفة، ورموزهم بنية عضويّة للقصيدة في كثير من الأحيان، مثلهما مثل الأسطورة، فجمعوا بين الوعي والصورة الفنيّة في آن معاً، لكنّ ذلك لم يكن يعني بحال من الأحوال أنّ الوعي الجماليّ السائد في البنية الثقافيّة الاجتماعيّة كان صوفيّ المنشأ، بحيث عكس بنية فنيّة محورها التصوّف سواء أكان تجربة أم صورة. فالصورة الفنيّة ليست رسماً ناتوراليّاً للوعي الجماليّ، كما أنّ الوعي الجماليّ ليس انعكاساً آليّاً للوعي الثقافيّ، وغالباً ما ساقت المبدعين إلى ذلك رغبة إكزوتيكيّة، أو رغبة تأصيليّة بالعودة إلى التراث الإسلاميّ، من أجل إضفاء شرعيّة على الفنون التي وصفت بالتغريبيّة، كالرواية، وشعر التفعيلة، وقصيدة النثر.
لا بدّ من التفريق بين التصوّف علماً من العلوم الشرعيّة الحادثة في الملّة، كما يراه ابن خلدون، وبين استلهام التجربة الصوفيّة فنيّاً، كما يجب التفريق بين التصوّف وبين الفكر الصوفيّ، وبين المتصوّف والمشتغل بالفكر الصوفيّ، إذ اختلط الأمر على المتلقّي العاديّ، فراح يصنّف المبدع الماركسيّ أو القوميّ السوريّ قطباً أو شيخ طريقة.
لا شكّ في أنّ التصوّف، قبل أن يصير مكتسباً ثقافيّاً، حاجة غريزيّة عرفتها الثقافات برمّتها، سواء أكانت ذات أديان سماويّة أم أرضيّة، لكنّها لن تشكّل، بحال، وعياً جماليّاً عامّاً لهذه المرحلة، فالمتصوّفة في التاريخين العربيّ الإسلاميّ والأوروبيّ كانوا ظواهر استثنائيّة، نشأت بوصفها ردود أفعال تجلّت بطفرات فكريّة، وببعض التعبيرات الجماليّة، وأمّا ما ظهر في أمريكا وأوروبا منذ تسعينيّات القرن العشرين ليشكّل ما بعد الحداثة، ممّا يسمّى بالدين الجديد، والذي يحمل في معظمه روحاً صوّفيّة على نحو ما، فقد بدأ منذ سنوات يشيع في الثقافة العربيّة، ونتيجته تلك الكثرة من الكتب التي أتكلّم عليها، بتحقيقات لأسماء معروفة ومجهولة، لكنّ سبب النشوء مختلف، إذ نشأ في الغرب ترفاً، في حين نشأ عندنا يأساً. فقد استهلك الغربيّ منتجات الحداثة واستنفدها، واكتشف أنّ العلم الذي حمل له الرفاه والثراء، لم يحمل له السعادة، فراح يبحث عنها في معتقدات غنوصيّة مستحدثة، في حين وعدت النخب العربيّة إنسانها طويلاً بتحقيق رخائه، إلاّ أنّها كانت مواعيد عرقوب، فاعتراه اليأس من تحقيق حياة أفضل، فالتجأ إلى تلك النزعة الصوفيّة، التي لم تكن إسلاميّة بالضرورة. إذن فالتصوّف قد يكون تعبيراً عن حالة يأس، وعن حالة امتلاء في آن معاً، وهو يلتقي في هذا الوجه مع الإلحاد!
أمّا المتعلّلون بإحياء التراث، فنودّ أن نسألهم عن تقاعسهم في إحياء فكر المعتزلة، ومناظراتهم التي ما تزال مخطوطة في معظمها ، كما نسألهم عن مدوّنات (الأرأيتيّون) التي نحن بأمسّ الحاجة إليها. لعلّ التوجّه (الأرأيتيّ) في ثقافتنا المعاصرة، وفي مناهجنا التعليميّة، باستثناء بعض مساقات الفقه النادرة، غائب تماماً، مع أنّه باب واسع للخيال والمعرفة، لقد سدّته بعض الفرق الفقهيّة بحجّة أنّ الكلام يكون على ما وقع، وليس على ما لم يقع، وفتحته منذ عقود المدارس الأوروبيّة والأمريكية التي تمارسه في إطار قراءة التاريخ، كما في إطار العلوم، كأن يطرح على الطلبة السؤال الآتي: ماذا لو انتصر نابوليون في (واترلو)؟ ماذا لو لم يدخل بوش العراق؟ وتوضع سيناريوهات وتصوّرات، كما كان المفكّرون العرب المسلمون يقولون: (أرأيتِ لو أنّ على أبيك ديناً فقضيته عنه، أكنت قاضية عنه؟) على هذا يقوم العلم، وتقوم السياسة، وعلى هذا يقوم الفنّ بشكل رئيسي، ولا سيّما الرواية، أو ليست الرواية احتمالات غير وقائعيّة للحياة؟
أرجو أن يكون هذا النهم (الطباعيّ) الصوفيّ نوبة، أو حالاً لا مقاماً، على حدّ قول المتصوّفة، وأن نحيي من تراثنا ما أعلى من شأن إعمال الفكر، وتشغيل الإرادة، التي عرف بها العربيّ، متخفّفين من لزوم ما لا يلزم، مترفّقين بالمتلقي الذين ما يزال يرى المبدع الذي يستلهم التراث الصوفيّ متصوفاً، فيصير عنده أيقونة ربانيّة، في حين يكون أكثر الناس غائيّة ودنيويّة.
</TD></TR></TBODY></TABLE>
تعليق