إسرائيل.. حصانة أوروبية أخرى!
د. عادل محمد عايش الأسطل
شهِد مارس/آذار العام الماضي، قرار وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات الإسرائيلية مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف(AFP)، والامتناع عن إي تعاون إسرائيلي مع المجلس في المستقبل. وبناءً على القرار، فقد كانت إسرائيل أول دولة ترفض حضور مناقشة دورية تخصّها، حول وضع حقوق الانسان في أواخر يناير/كانون الثاني الفائت، حيث اعتُبرت سابقة في تاريخ هذه الهيئة. لكن وبصورة غير رسمية اضطرت إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى إيفاد سفيرها "أفياتور مانور" أمام المجلس للدفاع عن الأداء الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان. لكن الآن وبعد ما يقارب من عامين على القطيعة- رسميّاً- قرر رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" استئناف العمل مع هذه المؤسسة الدولية.
الآن! لم يأتِ قرار "نتانياهو" بعد تردد أو رتباك، أو كنتيجة ضغوطات مُورست عليه من جانب قيادات دولية صديقة، بل جاء بعد حصول ضمانات أوروبية وأمريكية، بعدم اللجوء إلى الأسباب التي أدّت بإسرائيل الانسحاب من المجلس في أعقاب قرار الأخير، إقامة لجنة تحقيق دولية في مسألة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبعد تعهّد عدة دول أوروبيّة - بريطانيا واستراليا وكندا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة - لتحصين وضع إسرائيل داخل المجلس، للحيلولة دون إدانتها في المستقبل.
وفضلاً عن التحقيق حول جملة ما يتعلق بالشأن الفلسطيني من ممارسات وانتهاكات، فإن إسرائيل تشكو أيضاً، من أنها الدولة الوحيدة التي توضع لها نقطة ثابتة على جدول الأعمال من خلال البند رقم 7، في كل دورة للمجلس الذي ينعقد ثلاث مرات في العام. وتنبع الرغبة الإسرائيلية أيضاً في معاودتها الانضمام إلى هذه المجموعة أساسًا من رغبتها في التأثير على جدول نقاشات المجلس. كما تهدف إلى التقليل من قيمة وأهمية 9 إدانات صادرة منه، على خلفية انتهاكها لحقوق الإنسان، وتفادي أيّة إدانات أخرى إلى جانب الحيلولة دون استغلال العرب ذلك الغياب لصالحهم. ومن ناحية فإن عدم مشاركة إسرائيل في هذه الجلسة- جلسة الاستماع- وهي جزء من عملية المراقبة الدولية الدورية التي يُشرف عليها مجلس حقوق الإنسان، والتي تُعرف باسم UPR - Universal periodic review، باعتبارها ضمن الجلسات التي تخضع لها كل دولة عضو في الأمم المتحدة، حجر الأساس لنظام حقوق الإنسان العالمي، كان سيجعلها الدولة الأولى في تاريخ مجلس حقوق الإنسان التي تقاطع مثل هذه الجلسة. وكان يمكن لمثل هذه الخطوة أن تخلق سابقة من شأنها إتاحة المجال لدول مثل إيران، وكوريا الشمالية وسوريا، التهرّب من حضور تلك الجلسات. كما أن لديها آمال متنامية لدى العديد من الدول العربية والإسلامية في انضمامها إلى مجموعة آسيا- المحيط الهادىء، لاسيما وأنها ليست ممثّلةً في أيّة مجموعة جغرافية في المنطقة. الأمر الذي يؤدي إلى عزلتها، ويجعل من الصعب عليها تجنيد الدعم لمواقفها داخل المجلس.
خلال الأسابيع الأخيرة، جرت مفاوضات بين إسرائيل ومجموعة من الدول الغربية، بهدف التوصل إلى صيغة تسمح بعودة إسرائيل إلى التعاون مع مجلس حقوق الإنسان وحضور جلسة الاستماع. وتولى نائب وزير الخارجية، "زئيف ألكين" متابعة هذه المسألة، وقام بطرح مجموعة من المطالب الإسرائيلية خلال المفاوضات، ونجح في تحقيقها ومنها: موافقة الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة وكندا وأستراليا على (مقاطعة مشاورات مجلس حقوق الإنسان التي تتم تحت البند7) مقابل استئناف التعاون مع مجلس حقوق الإنسان. الذي يوضّح على أن المجلس سيبحث في كل جلسة من الجلسات الثلاث التي يعقدها سنويًا، موضوع حقوق الإنسان في إسرائيل (الضفة الغربية)، وذلك بشكل منفصل عن طريقة التعامل مع الدول الأخرى. حيث كانت طالبت إسرائيل إلغاء هذا البند منذ زمنٍ طويل
وتعلقت الموافقة الثانية، بطلب إسرائيل الانضمام إلى مجموعة الدول الغربية- تضم الولايات المتحدة- في المجلس، والتي تُعرف باسم (WEOG)، التي كانت إسرائيل على خلاف معه منذ سنوات عدة. وتلقّت منذ البداية وعداً بطرح ذلك الطلب للنقاش في حال مشاركتها في جلسة الاستماع، وببذل كل جهد ممكن من أجل ضمّها للمجموعة. وليكون الأمر جادّاً فقد أوضحوا في إسرائيل، أنه في حال لم تتم عملية الضم إلى المجموعة الغربية في مجلس حقوق الإنسان، حتى نهاية العام، فإن إسرائيل ستعود إلى موقفها السابق، وستعود إلى تبني سياسة مقاطعة المجلس المذكور. وبما أن المجموعة الأوروبية قد تفهمت ذلك وبسرعة، فقد أرسلت دول المجموعة دعوة رسمية إلى إسرائيل بشأن عملية الانضمام إلى مجموعتها وبسرعة. حيث وصف مسؤول إسرائيلي تلك الدعوة، بأنها فارقة في تاريخ إسرائيل.
وبينما رأت أوساطاً عربية وفلسطينية، بأن انضمام إسرائيل للمجلس، لن يساعد في فك عزلتها، بسبب أن هناك إدانات سابقة من شأنها أن تجعل من الصعب إحداث تغيرات معاكسة. لا سيما وأن إسرائيل لا زالت ترفض التعامل مع مجلس حقوق الانسان بشأن الوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في داخل إسرائيل. ومن جهةٍ أخرى سيفتح فرصاً أمام العرب والمسلمين إلى توجيه مزيداً من الانتقادات ضد سياستها.
لكن من ناحيتها اعتبرت إسرائيل أنها جنت ثمرة عودتها وحضورها الجلسة، في غياب أيّة أضرار جانبية، برغم وقوعها مباشرةً تحت انتقادات حادة لحوالي 16 عشرة دولة عربية بما فيها فلسطين المشاركة في المجلس، حيث طالبوا بإلزام إسرائيل بالقانون الدولي والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإطلاق سراح كافة الأسرى في سجون الاحتلال، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وغير ذلك.
كل ذلك لدى إسرائيل كان هباءً منثوراً، لا سيما وأنه بعد انضمامها للمجلس على هذا النحو، وفي ضوء استشرافها مستقبل العلاقات الإسرائيلية مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، فقد أكّدت بأن علاقاتها ستصبح طبيعية بشكل أو بآخر، وستبدأ نهاية الاستثناء والتهميش الذي تعاني منه الدولة. واعتبرت أنه سيكون من الصعب الاستفراد بها من الآن فصاعداً، أو تقديم أي قرار لإدانتها، وفي المقابل فإن ذلك سيمكنها من تقديم مبادرة دبلوماسية خاصة بها أمام المجلس، أو اللجوء إلى استخدام (حصانتها)، لنسف وإبطال أيّة شكاوى ضدّها أو تهميشها على الأقل.
خانيونس/فلسطين
3/12/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
شهِد مارس/آذار العام الماضي، قرار وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات الإسرائيلية مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف(AFP)، والامتناع عن إي تعاون إسرائيلي مع المجلس في المستقبل. وبناءً على القرار، فقد كانت إسرائيل أول دولة ترفض حضور مناقشة دورية تخصّها، حول وضع حقوق الانسان في أواخر يناير/كانون الثاني الفائت، حيث اعتُبرت سابقة في تاريخ هذه الهيئة. لكن وبصورة غير رسمية اضطرت إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى إيفاد سفيرها "أفياتور مانور" أمام المجلس للدفاع عن الأداء الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان. لكن الآن وبعد ما يقارب من عامين على القطيعة- رسميّاً- قرر رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" استئناف العمل مع هذه المؤسسة الدولية.
الآن! لم يأتِ قرار "نتانياهو" بعد تردد أو رتباك، أو كنتيجة ضغوطات مُورست عليه من جانب قيادات دولية صديقة، بل جاء بعد حصول ضمانات أوروبية وأمريكية، بعدم اللجوء إلى الأسباب التي أدّت بإسرائيل الانسحاب من المجلس في أعقاب قرار الأخير، إقامة لجنة تحقيق دولية في مسألة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبعد تعهّد عدة دول أوروبيّة - بريطانيا واستراليا وكندا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة - لتحصين وضع إسرائيل داخل المجلس، للحيلولة دون إدانتها في المستقبل.
وفضلاً عن التحقيق حول جملة ما يتعلق بالشأن الفلسطيني من ممارسات وانتهاكات، فإن إسرائيل تشكو أيضاً، من أنها الدولة الوحيدة التي توضع لها نقطة ثابتة على جدول الأعمال من خلال البند رقم 7، في كل دورة للمجلس الذي ينعقد ثلاث مرات في العام. وتنبع الرغبة الإسرائيلية أيضاً في معاودتها الانضمام إلى هذه المجموعة أساسًا من رغبتها في التأثير على جدول نقاشات المجلس. كما تهدف إلى التقليل من قيمة وأهمية 9 إدانات صادرة منه، على خلفية انتهاكها لحقوق الإنسان، وتفادي أيّة إدانات أخرى إلى جانب الحيلولة دون استغلال العرب ذلك الغياب لصالحهم. ومن ناحية فإن عدم مشاركة إسرائيل في هذه الجلسة- جلسة الاستماع- وهي جزء من عملية المراقبة الدولية الدورية التي يُشرف عليها مجلس حقوق الإنسان، والتي تُعرف باسم UPR - Universal periodic review، باعتبارها ضمن الجلسات التي تخضع لها كل دولة عضو في الأمم المتحدة، حجر الأساس لنظام حقوق الإنسان العالمي، كان سيجعلها الدولة الأولى في تاريخ مجلس حقوق الإنسان التي تقاطع مثل هذه الجلسة. وكان يمكن لمثل هذه الخطوة أن تخلق سابقة من شأنها إتاحة المجال لدول مثل إيران، وكوريا الشمالية وسوريا، التهرّب من حضور تلك الجلسات. كما أن لديها آمال متنامية لدى العديد من الدول العربية والإسلامية في انضمامها إلى مجموعة آسيا- المحيط الهادىء، لاسيما وأنها ليست ممثّلةً في أيّة مجموعة جغرافية في المنطقة. الأمر الذي يؤدي إلى عزلتها، ويجعل من الصعب عليها تجنيد الدعم لمواقفها داخل المجلس.
خلال الأسابيع الأخيرة، جرت مفاوضات بين إسرائيل ومجموعة من الدول الغربية، بهدف التوصل إلى صيغة تسمح بعودة إسرائيل إلى التعاون مع مجلس حقوق الإنسان وحضور جلسة الاستماع. وتولى نائب وزير الخارجية، "زئيف ألكين" متابعة هذه المسألة، وقام بطرح مجموعة من المطالب الإسرائيلية خلال المفاوضات، ونجح في تحقيقها ومنها: موافقة الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة وكندا وأستراليا على (مقاطعة مشاورات مجلس حقوق الإنسان التي تتم تحت البند7) مقابل استئناف التعاون مع مجلس حقوق الإنسان. الذي يوضّح على أن المجلس سيبحث في كل جلسة من الجلسات الثلاث التي يعقدها سنويًا، موضوع حقوق الإنسان في إسرائيل (الضفة الغربية)، وذلك بشكل منفصل عن طريقة التعامل مع الدول الأخرى. حيث كانت طالبت إسرائيل إلغاء هذا البند منذ زمنٍ طويل
وتعلقت الموافقة الثانية، بطلب إسرائيل الانضمام إلى مجموعة الدول الغربية- تضم الولايات المتحدة- في المجلس، والتي تُعرف باسم (WEOG)، التي كانت إسرائيل على خلاف معه منذ سنوات عدة. وتلقّت منذ البداية وعداً بطرح ذلك الطلب للنقاش في حال مشاركتها في جلسة الاستماع، وببذل كل جهد ممكن من أجل ضمّها للمجموعة. وليكون الأمر جادّاً فقد أوضحوا في إسرائيل، أنه في حال لم تتم عملية الضم إلى المجموعة الغربية في مجلس حقوق الإنسان، حتى نهاية العام، فإن إسرائيل ستعود إلى موقفها السابق، وستعود إلى تبني سياسة مقاطعة المجلس المذكور. وبما أن المجموعة الأوروبية قد تفهمت ذلك وبسرعة، فقد أرسلت دول المجموعة دعوة رسمية إلى إسرائيل بشأن عملية الانضمام إلى مجموعتها وبسرعة. حيث وصف مسؤول إسرائيلي تلك الدعوة، بأنها فارقة في تاريخ إسرائيل.
وبينما رأت أوساطاً عربية وفلسطينية، بأن انضمام إسرائيل للمجلس، لن يساعد في فك عزلتها، بسبب أن هناك إدانات سابقة من شأنها أن تجعل من الصعب إحداث تغيرات معاكسة. لا سيما وأن إسرائيل لا زالت ترفض التعامل مع مجلس حقوق الانسان بشأن الوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في داخل إسرائيل. ومن جهةٍ أخرى سيفتح فرصاً أمام العرب والمسلمين إلى توجيه مزيداً من الانتقادات ضد سياستها.
لكن من ناحيتها اعتبرت إسرائيل أنها جنت ثمرة عودتها وحضورها الجلسة، في غياب أيّة أضرار جانبية، برغم وقوعها مباشرةً تحت انتقادات حادة لحوالي 16 عشرة دولة عربية بما فيها فلسطين المشاركة في المجلس، حيث طالبوا بإلزام إسرائيل بالقانون الدولي والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإطلاق سراح كافة الأسرى في سجون الاحتلال، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وغير ذلك.
كل ذلك لدى إسرائيل كان هباءً منثوراً، لا سيما وأنه بعد انضمامها للمجلس على هذا النحو، وفي ضوء استشرافها مستقبل العلاقات الإسرائيلية مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، فقد أكّدت بأن علاقاتها ستصبح طبيعية بشكل أو بآخر، وستبدأ نهاية الاستثناء والتهميش الذي تعاني منه الدولة. واعتبرت أنه سيكون من الصعب الاستفراد بها من الآن فصاعداً، أو تقديم أي قرار لإدانتها، وفي المقابل فإن ذلك سيمكنها من تقديم مبادرة دبلوماسية خاصة بها أمام المجلس، أو اللجوء إلى استخدام (حصانتها)، لنسف وإبطال أيّة شكاوى ضدّها أو تهميشها على الأقل.
خانيونس/فلسطين
3/12/2013