حزب النور المصري.. ثوابت متغيّرة ّ!
د. عادل محمد عايش الأسطل
في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون ثاني 2010، تم الإعلان عن إنشاء حزب النور السلفي، كحزب سياسي (ديني)، يعبّر عن أفكار التيار السلفي المصري، ما يعد خروجاً عن المعتاد في شأن تشكيل الأحزاب السياسية بهذه السرعة والكيفية، التي كانت تخضع لإجراءات قاسية قبل ذلك الوقت بقليل أي إبان عهد نظام حكم "حسني مبارك"، فضلاً عن خروج السلفيين من المساجد إلى معترك الحياة العامة بما فيها من متناقضات. وكان الحزب قد واجه عدة تحديات داخلية برزت بين أعضائه في شأن الرؤى التفصيلية لعددٍ من مشاهد الحياة السياسية، لا سيما بشأن نظرتهم بالنسبة إلى الدين ومدى الدرجة من التديّن التي وصلوا إليها. لكن ومن أجل مراعاة أن الحزب ما زال مبكراً عليه أن يخوض في الخلافات التي لم يبلغها إلى الآن، فقد وجدوا أن من الضرورة في شأن السيطرة على القرار، إحلال العقل والمنطق في مناقشة المواضيع واحترام وجهات النظر الداخلية في أيّ القضايا المطروحة والمستقبلة.
لقد برزت قيادات وشخصيات سلفية هامة داخل الحزب وعلى مستوى محافظات الجمهورية، وهي تحوز على تاريخٍ طويلٍ في المجال الدعوي والخدمي، ومستويات علمية عالية، وقدرات جيدة على الحركة، في شأن التثبت والتغلغل داخل شرائح مختلفة من المجتمع ما يؤهّلها إلى جذب ثقة الجمهور المصري ومن ثم لعب دور سياسي متقدم في الحياة السياسية الجديدة.
وبالرغم من كل ذلك فقد ارتكب الحزب أخطاء واضحة على مستوى الحزب وعلى مستوى قيادات مسؤولة فيه. وهذه الأخطاء ليس من السهل الانتهاء منها أو تصحيحها بسهولة، حيث كانت سبباً في ضعضعة أركان الحزب وجنباته منذ تواجده على الساحة المصرية.
كان من أهم تلك الأخطاء هي الطابع البراغماتي الذي بدأ يأخذ مجراه داخل أفكار قيادات الحزب، واعتماد مأثور القول، على أن الغاية تبرر الوسيلة. ثم بدا واضحاً للدعاة وكذلك للسياسيين الذين يمثلون الجيل الجديد الأكثر انفتاحاً أكبر على المجتمع على حساب الدين من الأجيال السابقة عليه، ما جعلهم يوصفون بالأقرب إلى اللبرلة في الجوهر أكثر من قربهم لأي اتجاهٍ آخر، ما يعني بأن لا ثوابت لديهم تقريباً، والكل خاضع للتحول كما تفرض الضرورة. إلى جانب تلوّن الحزب بشكلٍ عام، وعدم التلفظ بنواياه أمام الأحزاب الأخرى وخاصةً أمام حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
كان من الأمور التي قللت من شأن الحزب لدى العامة من المصريين والمؤيدين بشكلٍ خاص، هو حصول عدّة انحرافات لممثلين كبار في الحزب، كانت سبباً في هبوط رصيده السياسي والديني معاً، إلى درجةٍ كانت جعلته محل هزء وسخرية، وهي كافية لاندثاره على الساحة العامة المصرية السياسية والمجتمعية. لكن مواصلة ارتباك المشهد السياسي المصري القاسي، أدّت إلى التغطية - إلى حدٍ ما- على تلك الانحرافات، والتي كان من أبرزها مسألة أنف النائب عن الحزب الشيخ "أنور البكليمي" الذي قام بإجراء عملية تجميل لأنفه، ثمّ قام بالادّعاء أن أشخاصاً قد قاموا بمهاجمته. وكما تسبب الشيخ "علي ونيس" وهو نائب أيضاً، في إدانة نفسه بعد ثبوت ارتكابه لفعل فاضح في طريقٍ عام.
إلى جانب الخلافات السياسية والدينية جعل بعضاً من القيادات، لا تحتمل بعضها البعض ونتيجة لذلك فقد عصفت بالحزب الانشقاقات من كل جانب، حيث خرجت قيادات مختلفة من عباءته صوب أحزاب أخرى مشابهة، أو ناحية إنشاء جسم سياسي آخر.
لم تنتبه قيادات الحزب بشكلٍ كامل لتدارك الأخطاء، بل ظلت متواصلة وعلى كافة مستوياتها، وبدت بشكلٍ أوضح منذ تدخل الجيش المصري بقيادة الفريق "عبدالفتاح السيسي" ضد الرئاسة المصرية، حيث شارك الحزب من خلال نائب الرئيس "جلال مرّة" في بيان "السيسي" ومباركة تلك الإجراءات بسبب أنها أخف الضررين بدايةً، وللمحافظة على دستور 2012، وحفاظاً على الشريعة، خاصةً المادة ٢١٩، وللإبقاء على مجلس الشورى، وأيضاً – وهذا مهم- لتغيير المشهد السياسي المتأزم نتيجة حكم الإخوان وإدارتهم للدولة. بسبب أن الحزب لا يريد الإخوان المسلمين في السلطة، بحجة رغبتهم – كما يدّعي- في الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب وخاصةً الولايات المتحدة، وهذا عكس ما يريده الخط السلفي المتشدد داخل الحزب. وكان هناك الكثير من المواقف السياسية والمتعلقة بالحياة العامة التي جرى استبدالها، سواء بحكم المصلحة، أو التخلّي عنها بحكم الضرورة، أو تأجيلها بسبب الوقائع والتطورات. وقد نذكر، بأن الحزب أنكر تأييده لإجراءات "السيسي" أو لأحداث 30 يونية، وأنه كان حياديّاً.
لكن كل ما ادعاه الحزب لم يكن صحيحاً تماماً، والذي صحّ من مطالبه لم يتحقق منها شيء قط، فقد تم حل المجلس وتعطيل الدستور وإلغاء المسار الديمقراطي وأُهملت المادة ٢١٩ بالكلية، وأصبحت في النظر عبارة وحسب وليست قرآناً، والمهم أن يحتوي الدستور على مضمونها. وكان قد أكّد القيادي بالحزب "نادر بكار" في وقتٍ لاحق، عدم حياديّة حزبه من خلال انحيازه للشعب وأن الحزب كان في القلب من أحداث 30 يونية.
وبرغم تماهي الحزب مع الحكومة المصرية الجديدة وتأييده البائن لخارطة الطريق السياسة، فإن هناك اتجاه قوي نحو حل الحزب ومصادرة ممتلكاته، بناءً على قانون حظر الأحزاب التي تؤسس على أساس ديني.
خانيونس/فلسطين
4/12/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون ثاني 2010، تم الإعلان عن إنشاء حزب النور السلفي، كحزب سياسي (ديني)، يعبّر عن أفكار التيار السلفي المصري، ما يعد خروجاً عن المعتاد في شأن تشكيل الأحزاب السياسية بهذه السرعة والكيفية، التي كانت تخضع لإجراءات قاسية قبل ذلك الوقت بقليل أي إبان عهد نظام حكم "حسني مبارك"، فضلاً عن خروج السلفيين من المساجد إلى معترك الحياة العامة بما فيها من متناقضات. وكان الحزب قد واجه عدة تحديات داخلية برزت بين أعضائه في شأن الرؤى التفصيلية لعددٍ من مشاهد الحياة السياسية، لا سيما بشأن نظرتهم بالنسبة إلى الدين ومدى الدرجة من التديّن التي وصلوا إليها. لكن ومن أجل مراعاة أن الحزب ما زال مبكراً عليه أن يخوض في الخلافات التي لم يبلغها إلى الآن، فقد وجدوا أن من الضرورة في شأن السيطرة على القرار، إحلال العقل والمنطق في مناقشة المواضيع واحترام وجهات النظر الداخلية في أيّ القضايا المطروحة والمستقبلة.
لقد برزت قيادات وشخصيات سلفية هامة داخل الحزب وعلى مستوى محافظات الجمهورية، وهي تحوز على تاريخٍ طويلٍ في المجال الدعوي والخدمي، ومستويات علمية عالية، وقدرات جيدة على الحركة، في شأن التثبت والتغلغل داخل شرائح مختلفة من المجتمع ما يؤهّلها إلى جذب ثقة الجمهور المصري ومن ثم لعب دور سياسي متقدم في الحياة السياسية الجديدة.
وبالرغم من كل ذلك فقد ارتكب الحزب أخطاء واضحة على مستوى الحزب وعلى مستوى قيادات مسؤولة فيه. وهذه الأخطاء ليس من السهل الانتهاء منها أو تصحيحها بسهولة، حيث كانت سبباً في ضعضعة أركان الحزب وجنباته منذ تواجده على الساحة المصرية.
كان من أهم تلك الأخطاء هي الطابع البراغماتي الذي بدأ يأخذ مجراه داخل أفكار قيادات الحزب، واعتماد مأثور القول، على أن الغاية تبرر الوسيلة. ثم بدا واضحاً للدعاة وكذلك للسياسيين الذين يمثلون الجيل الجديد الأكثر انفتاحاً أكبر على المجتمع على حساب الدين من الأجيال السابقة عليه، ما جعلهم يوصفون بالأقرب إلى اللبرلة في الجوهر أكثر من قربهم لأي اتجاهٍ آخر، ما يعني بأن لا ثوابت لديهم تقريباً، والكل خاضع للتحول كما تفرض الضرورة. إلى جانب تلوّن الحزب بشكلٍ عام، وعدم التلفظ بنواياه أمام الأحزاب الأخرى وخاصةً أمام حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
كان من الأمور التي قللت من شأن الحزب لدى العامة من المصريين والمؤيدين بشكلٍ خاص، هو حصول عدّة انحرافات لممثلين كبار في الحزب، كانت سبباً في هبوط رصيده السياسي والديني معاً، إلى درجةٍ كانت جعلته محل هزء وسخرية، وهي كافية لاندثاره على الساحة العامة المصرية السياسية والمجتمعية. لكن مواصلة ارتباك المشهد السياسي المصري القاسي، أدّت إلى التغطية - إلى حدٍ ما- على تلك الانحرافات، والتي كان من أبرزها مسألة أنف النائب عن الحزب الشيخ "أنور البكليمي" الذي قام بإجراء عملية تجميل لأنفه، ثمّ قام بالادّعاء أن أشخاصاً قد قاموا بمهاجمته. وكما تسبب الشيخ "علي ونيس" وهو نائب أيضاً، في إدانة نفسه بعد ثبوت ارتكابه لفعل فاضح في طريقٍ عام.
إلى جانب الخلافات السياسية والدينية جعل بعضاً من القيادات، لا تحتمل بعضها البعض ونتيجة لذلك فقد عصفت بالحزب الانشقاقات من كل جانب، حيث خرجت قيادات مختلفة من عباءته صوب أحزاب أخرى مشابهة، أو ناحية إنشاء جسم سياسي آخر.
لم تنتبه قيادات الحزب بشكلٍ كامل لتدارك الأخطاء، بل ظلت متواصلة وعلى كافة مستوياتها، وبدت بشكلٍ أوضح منذ تدخل الجيش المصري بقيادة الفريق "عبدالفتاح السيسي" ضد الرئاسة المصرية، حيث شارك الحزب من خلال نائب الرئيس "جلال مرّة" في بيان "السيسي" ومباركة تلك الإجراءات بسبب أنها أخف الضررين بدايةً، وللمحافظة على دستور 2012، وحفاظاً على الشريعة، خاصةً المادة ٢١٩، وللإبقاء على مجلس الشورى، وأيضاً – وهذا مهم- لتغيير المشهد السياسي المتأزم نتيجة حكم الإخوان وإدارتهم للدولة. بسبب أن الحزب لا يريد الإخوان المسلمين في السلطة، بحجة رغبتهم – كما يدّعي- في الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب وخاصةً الولايات المتحدة، وهذا عكس ما يريده الخط السلفي المتشدد داخل الحزب. وكان هناك الكثير من المواقف السياسية والمتعلقة بالحياة العامة التي جرى استبدالها، سواء بحكم المصلحة، أو التخلّي عنها بحكم الضرورة، أو تأجيلها بسبب الوقائع والتطورات. وقد نذكر، بأن الحزب أنكر تأييده لإجراءات "السيسي" أو لأحداث 30 يونية، وأنه كان حياديّاً.
لكن كل ما ادعاه الحزب لم يكن صحيحاً تماماً، والذي صحّ من مطالبه لم يتحقق منها شيء قط، فقد تم حل المجلس وتعطيل الدستور وإلغاء المسار الديمقراطي وأُهملت المادة ٢١٩ بالكلية، وأصبحت في النظر عبارة وحسب وليست قرآناً، والمهم أن يحتوي الدستور على مضمونها. وكان قد أكّد القيادي بالحزب "نادر بكار" في وقتٍ لاحق، عدم حياديّة حزبه من خلال انحيازه للشعب وأن الحزب كان في القلب من أحداث 30 يونية.
وبرغم تماهي الحزب مع الحكومة المصرية الجديدة وتأييده البائن لخارطة الطريق السياسة، فإن هناك اتجاه قوي نحو حل الحزب ومصادرة ممتلكاته، بناءً على قانون حظر الأحزاب التي تؤسس على أساس ديني.
خانيونس/فلسطين
4/12/2013
تعليق