أوهام السلام المتجددة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
على الرغم من إخفاقاته المتكررة السابقة على مدار حياته السياسية في الداخل الأمريكي، اختار أو أُسقِطت عليه المهمّة الأصعب، بشأن العمل على إيجاد الحلول المناسبة للقضية الفلسطينية، ويبدو أن "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي مصراً هذه المرة على تحقيق النجاح، من أجل الوصول الى تسوية سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على اعتبار أنه حان الوقت للطرفين للاعتراف بالواقع، وضرورة إغماض العينين للحظة واحدة، لكسر حاجز الخوف المتبادل ولتقديم تنازلات، هي ممكنة جداً، لاسيما من قِبل طرفين يتوقان إلى السلام.
إصرار "كيري" على مواصلة العمل، جاء ترتيباً على ما يبدو في تحقيقه لجزءٍ هامٍ من هدفه الأكبر، فعلاوةً على أن مساعيه لم تصل إلى الفشل بعد، وأن استمرار الجانبين في انتظار نشر خطّته المشهورة – وثيقة الإطار- هي دليل ذلك من غير ريب، فإن الانجاز الكبير الذي اعتبره انتصاراً واقعاً، هو أنه أجبر السياسيين الإسرائيليين على أن يضعوا على الطاولة نظرتهم الواقعية حيال المسألة الفلسطينية برمّتها، ومن جهةٍ أخرى، أرغم الرئيس الفلسطيني "أبومازن" على أن يحمل إليه في كل يوم مبادرة توضّح بجلاء عن رغبته في التماشي كيفما يكون مع المساعي السياسية الجارية.
وعلى الرغم من أن "كيري" قد استمع إلى الكثير من النقد اللاذع وشاهد بوضوح تحديات المعارضين لمساعيه - بالإجمال- على الرصيف الأخر ومن كلا الجانبين، وهو يعلم جيداً أن الأمور لا تسير بسهولة ويسر. فإنه بات يتمارض بالطرش والعمى في آنٍ معاً، وكأنه لا توجد أمامه أدنى معارضة من أحد، وكأنّ العملية السياسية سائرة في الاتجاه الصحيح.
فعلى الجانب الفلسطيني هناك معارضة فصائلية وشعبية متزايدة تقف حائلاً أمام مقدرة السلطة الفلسطينية في التوقيع على اتفاق، بحجة عدم استطاعتها من تحقيق الثوابت الفلسطينية المشروعة. وأعلنت تلك الفصائل وعلى رأسها حركة حماس أكثر من مرّة، بأن من الضروري عدم الاستمرار في المفاوضات بل والانسحاب منها، بسبب أنها مضيعة للوقت الفلسطيني، وبالمقابل تعطي المزيد من الفرص كي تُجهز إسرائيل على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وسط ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وأعلنت أنها في حلٍ من أيّة اتفاقات يتم التوقيع عليها، وأنها ماضية في التصدي لأيّة اتفاقات من هذا النوع، ومن ناحيةٍ أخرى، أبدت إصرارها على مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل بما فيها العمل المسلح.
وعلى الجانب الإسرائيلي، وبالرغم من تأكيد "كيري" بأنه يقوم بعمله على أساس أن هدفه الأول يرتكز إلى تقديم المساعدة لإسرائيل، بسبب أن أمنها هو في أعلى سلم الأفضليات لدى الإدارة الأمريكية. لاسيما وأنه ما زال يمارس أمام إسرائيل ضغوطاً جبارة على الرئيس "أبومازن" كي يبدي تنازلات مهمّة حول الترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل بدءاُ بمسألة السيطرة على منطقة غور الأردن ومروراً بضرورة تحطيم الرقم القياسي بشأن قضايا التنسيق الأمني، وانتهاءً بالمطاردة الساخنة داخل الدولة الفلسطينية، فإن هناك أيضاً معارضة حزبية وشعبية إسرائيلية، لا تكاد تنقطع على مدار الساعة، وهي متنامية بدرجةٍ أكبر ضد إبرام أي اتفاق أو التوقيع على خطة الإطار على الأقل، بحجة التفريط بأجزاء مهمّة من أرض إسرائيل، وبالتساهل فيما يتعلق بالأمن الإسرائيلي.
"نتانياهو" الغارق حتى أذنيه خاصةً في هذه الآونة في لُجة من العذاب، لا سيما وهو يشعر بأن مقصلتين حادّتين تُهددان حنجرته المحتقنة، فهو من جهة بات ضعيفاً أمام ضغوط "كيري" السياسية، وبين تهديدات آتية من قِبل لوبي يميني تشكل مؤخراً، من أحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي، تهدف إلى تحذيره من مجرد الإقدام على أيّة خطوة غير محسوبة لصالح الفلسطينيين، يمكنها من تهديد الائتلاف الحكومي القائم، وتطالبه باحترام أن تظل إسرائيل متماسكة على الأرض من ناحية، وإظهار أن هناك قوة قوية تقف من وراءه، من أجل عدم الرضوخ للضغوط الأميركية المكثّفة، بشأن المطالبة بالمزيد من التنازلات الإسرائيلية وخاصة التي تتعلق بوقف الاستيطان من ناحيةٍ أخرى.
المشكلة الأصعب، تأتي على الرغم من أن "كيري" دائم اللهاث صحواً ونائماً من أجل تحقيق انجاز يؤخذ في الحسبان، وهي أن هناك من الإسرائيليين يودّون سبقه، إلى فرض تسوية أحادية، تحاكي خطّة "رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أريئيل شارون" في العام 2005، والتي أدّت إلى الانسحاب من مناطق قطاع غزة، الهدف منها- في نظر من يعكفون على صياغتها على الأقل- هو وضع البدائل القومية اليهودية، وإيجاد انفصال إسرائيلي على الأرض، ومن ناحيةٍ أخرى، يُمكّن لإسرائيل من خلالها للإفلات من مشقّة ابتلاع أي بندٍ من بنود خطة "كيري"، ومن تقويض أيّة جدوى من توجه الفلسطينيين للمؤسسات الدولية في حال أقدموا على مثل هذه الخطوة. ومن جهة ثالثة، أن تدفع بالاتحاد الأوروبي إلى طي صفحة مواقفه المنتقدة لإسرائيل وللتخفيف من سياسته المعادية لها.
"كيري" ولا شك في حال درايته بتلك الخطوة، سيتجاهلها للوهلة الأولى، وسيقول بأنه لا يمكنه التنازل عن مساعيه السياسية، وسيظل يحلم بتحقيق السلام، وإن بالاتّكاء أكثر على الطرف الفلسطيني باعتباره الأسهل، من أجل انتزاع بعض التنازلات المهمّة التي تحتاجها إسرائيل، وإن احتاج الأمر لتحقيق تلك التنازلات إلى مساعدة عربية هي في الأصل مهتمّة بالتوصل إلى تسوية ما، للقضية الفلسطينية.
وقبل حدوث ذلك، فإنّه سيكون من الواجب على الفلسطينيين الإصرار أكثر، بأنه إذا لم يفهم "كيري" خريطة الثوابت الفلسطينية والتي لا يُستطاع إلى الحلحلة عنها قيد أُنملة، وإذا لم يتم وضع خطوط عريضة واضحة وقاطعة ولا لُبس فيها في إطار مساعيه السياسية، فإن المنطقة ولا شك، ستشهد انفجارات سياسيّة مُركّبة، قد تدفع باتجاه العودة إلى العنف من جديد، وسيُعتبر السلام فقط، مجرّد أوهام.
خانيونس/فلسطين
21/2/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
على الرغم من إخفاقاته المتكررة السابقة على مدار حياته السياسية في الداخل الأمريكي، اختار أو أُسقِطت عليه المهمّة الأصعب، بشأن العمل على إيجاد الحلول المناسبة للقضية الفلسطينية، ويبدو أن "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي مصراً هذه المرة على تحقيق النجاح، من أجل الوصول الى تسوية سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على اعتبار أنه حان الوقت للطرفين للاعتراف بالواقع، وضرورة إغماض العينين للحظة واحدة، لكسر حاجز الخوف المتبادل ولتقديم تنازلات، هي ممكنة جداً، لاسيما من قِبل طرفين يتوقان إلى السلام.
إصرار "كيري" على مواصلة العمل، جاء ترتيباً على ما يبدو في تحقيقه لجزءٍ هامٍ من هدفه الأكبر، فعلاوةً على أن مساعيه لم تصل إلى الفشل بعد، وأن استمرار الجانبين في انتظار نشر خطّته المشهورة – وثيقة الإطار- هي دليل ذلك من غير ريب، فإن الانجاز الكبير الذي اعتبره انتصاراً واقعاً، هو أنه أجبر السياسيين الإسرائيليين على أن يضعوا على الطاولة نظرتهم الواقعية حيال المسألة الفلسطينية برمّتها، ومن جهةٍ أخرى، أرغم الرئيس الفلسطيني "أبومازن" على أن يحمل إليه في كل يوم مبادرة توضّح بجلاء عن رغبته في التماشي كيفما يكون مع المساعي السياسية الجارية.
وعلى الرغم من أن "كيري" قد استمع إلى الكثير من النقد اللاذع وشاهد بوضوح تحديات المعارضين لمساعيه - بالإجمال- على الرصيف الأخر ومن كلا الجانبين، وهو يعلم جيداً أن الأمور لا تسير بسهولة ويسر. فإنه بات يتمارض بالطرش والعمى في آنٍ معاً، وكأنه لا توجد أمامه أدنى معارضة من أحد، وكأنّ العملية السياسية سائرة في الاتجاه الصحيح.
فعلى الجانب الفلسطيني هناك معارضة فصائلية وشعبية متزايدة تقف حائلاً أمام مقدرة السلطة الفلسطينية في التوقيع على اتفاق، بحجة عدم استطاعتها من تحقيق الثوابت الفلسطينية المشروعة. وأعلنت تلك الفصائل وعلى رأسها حركة حماس أكثر من مرّة، بأن من الضروري عدم الاستمرار في المفاوضات بل والانسحاب منها، بسبب أنها مضيعة للوقت الفلسطيني، وبالمقابل تعطي المزيد من الفرص كي تُجهز إسرائيل على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وسط ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وأعلنت أنها في حلٍ من أيّة اتفاقات يتم التوقيع عليها، وأنها ماضية في التصدي لأيّة اتفاقات من هذا النوع، ومن ناحيةٍ أخرى، أبدت إصرارها على مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل بما فيها العمل المسلح.
وعلى الجانب الإسرائيلي، وبالرغم من تأكيد "كيري" بأنه يقوم بعمله على أساس أن هدفه الأول يرتكز إلى تقديم المساعدة لإسرائيل، بسبب أن أمنها هو في أعلى سلم الأفضليات لدى الإدارة الأمريكية. لاسيما وأنه ما زال يمارس أمام إسرائيل ضغوطاً جبارة على الرئيس "أبومازن" كي يبدي تنازلات مهمّة حول الترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل بدءاُ بمسألة السيطرة على منطقة غور الأردن ومروراً بضرورة تحطيم الرقم القياسي بشأن قضايا التنسيق الأمني، وانتهاءً بالمطاردة الساخنة داخل الدولة الفلسطينية، فإن هناك أيضاً معارضة حزبية وشعبية إسرائيلية، لا تكاد تنقطع على مدار الساعة، وهي متنامية بدرجةٍ أكبر ضد إبرام أي اتفاق أو التوقيع على خطة الإطار على الأقل، بحجة التفريط بأجزاء مهمّة من أرض إسرائيل، وبالتساهل فيما يتعلق بالأمن الإسرائيلي.
"نتانياهو" الغارق حتى أذنيه خاصةً في هذه الآونة في لُجة من العذاب، لا سيما وهو يشعر بأن مقصلتين حادّتين تُهددان حنجرته المحتقنة، فهو من جهة بات ضعيفاً أمام ضغوط "كيري" السياسية، وبين تهديدات آتية من قِبل لوبي يميني تشكل مؤخراً، من أحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي، تهدف إلى تحذيره من مجرد الإقدام على أيّة خطوة غير محسوبة لصالح الفلسطينيين، يمكنها من تهديد الائتلاف الحكومي القائم، وتطالبه باحترام أن تظل إسرائيل متماسكة على الأرض من ناحية، وإظهار أن هناك قوة قوية تقف من وراءه، من أجل عدم الرضوخ للضغوط الأميركية المكثّفة، بشأن المطالبة بالمزيد من التنازلات الإسرائيلية وخاصة التي تتعلق بوقف الاستيطان من ناحيةٍ أخرى.
المشكلة الأصعب، تأتي على الرغم من أن "كيري" دائم اللهاث صحواً ونائماً من أجل تحقيق انجاز يؤخذ في الحسبان، وهي أن هناك من الإسرائيليين يودّون سبقه، إلى فرض تسوية أحادية، تحاكي خطّة "رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أريئيل شارون" في العام 2005، والتي أدّت إلى الانسحاب من مناطق قطاع غزة، الهدف منها- في نظر من يعكفون على صياغتها على الأقل- هو وضع البدائل القومية اليهودية، وإيجاد انفصال إسرائيلي على الأرض، ومن ناحيةٍ أخرى، يُمكّن لإسرائيل من خلالها للإفلات من مشقّة ابتلاع أي بندٍ من بنود خطة "كيري"، ومن تقويض أيّة جدوى من توجه الفلسطينيين للمؤسسات الدولية في حال أقدموا على مثل هذه الخطوة. ومن جهة ثالثة، أن تدفع بالاتحاد الأوروبي إلى طي صفحة مواقفه المنتقدة لإسرائيل وللتخفيف من سياسته المعادية لها.
"كيري" ولا شك في حال درايته بتلك الخطوة، سيتجاهلها للوهلة الأولى، وسيقول بأنه لا يمكنه التنازل عن مساعيه السياسية، وسيظل يحلم بتحقيق السلام، وإن بالاتّكاء أكثر على الطرف الفلسطيني باعتباره الأسهل، من أجل انتزاع بعض التنازلات المهمّة التي تحتاجها إسرائيل، وإن احتاج الأمر لتحقيق تلك التنازلات إلى مساعدة عربية هي في الأصل مهتمّة بالتوصل إلى تسوية ما، للقضية الفلسطينية.
وقبل حدوث ذلك، فإنّه سيكون من الواجب على الفلسطينيين الإصرار أكثر، بأنه إذا لم يفهم "كيري" خريطة الثوابت الفلسطينية والتي لا يُستطاع إلى الحلحلة عنها قيد أُنملة، وإذا لم يتم وضع خطوط عريضة واضحة وقاطعة ولا لُبس فيها في إطار مساعيه السياسية، فإن المنطقة ولا شك، ستشهد انفجارات سياسيّة مُركّبة، قد تدفع باتجاه العودة إلى العنف من جديد، وسيُعتبر السلام فقط، مجرّد أوهام.
خانيونس/فلسطين
21/2/2014