حركة فتح، الانشقاق الآتي !
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ أوائل التسعينات، تعرض مواطن أمريكي يُدعى "كلارك كلاوسن" إلى مشكلة صحيّة، اضطرته لأن يخضع لفحوصات ومتابعات طبية، وتلقي العلاج اللازم، وبدلاً من أن يتماثل للشفاء، تفاقمت لديه المشكلة لأن تصبح عدة مشكلات قاتلة، الأمر الذي أوجب تشكيل طاقم طبيٍّ متخصص لمتابعته بشكلٍ آني، في كبرى مشافي الولايات المتحدة، وكانت أوضاعه الصحية المتدهورة، قد أوجبت إجراء المزيد من العمليات الجراحية، كانت تارة بالاستئصال، وتارة أخرى بالإضافة، حتى أصبح "كلارك" لا يعيش ولا حياة له، إلاّ بفضل العديد من الأجهزة الطبية المتوفرة، فكان هناك جهازاً للتنفس وثانياً للقلب وآخر للكبد وعدد من الأجهزة الأخرى، حتى بدا وكأنه- إن لم يكن حقيقة- يخضع لعمليات تجارب طبيّة أكثر منها إلى العلاج.
شغِلت الحادثة اهتمام العالم، واحتلت أخبار "كلارك" اليومية، مساحات مهمة لدى الصحف ووكالات الأنباء، فمرة تُبرز نبأ تحسّن حالته، وأخرى تدهورها، ومرة يتنفس بمحض إرادته، وأخرى لا يستطيع التنفس بالمطلق، وساعة يستطيع الوقوف على رجليه، وأخرى، ليس باستطاعته تحريك أيّهما، وهكذا وإلى مدة طويلة، إلى أن طالعتنا الإذاعة ذات صباح، بأن "كلارك" قد مات.
ولقد عانت (حركة فتح) إلى جانب نضالاتها الوطنية على مدار تاريخها العميق، العديد من الصراعات الذّاتيّة الداخلية، وعلى الرغم من أنها كانت تحت السيطرة، إلاّ أن هناك صراعات بدت شاذّة، وصل مداها داخل صفوف الحركة، إلى مستويات خطرة، تحولت فتح خلالها، الى بؤرة صراع داخلي مرير، وأصبح الشرخ النفسي بين قياداتها وأعضائها هو السمة المميزة لواقعها والعلاقات الداخلية فيها، واعتُبرت في فترة من الفترات بأن قيادتها غير مؤهلة على أي نحو أو على أي صعيد. وكانت دعت العديد من الفصائل و(حركة حماس) بضمنها، (حركة فتح)، إلى حل خلافاتها الداخلية بطريقة تفاهميّة وعقلانية.
منذ ظهور البوادر الأولى للصراع الأوسع، وهو الدائر بين القيادة الفلسطينية والمتمثلة في الرئيس الفلسطيني "أبومازن" والقيادي في الحركة والنائب بالمجلس التشريعي "محمد دحلان"، حتى شرع الطرفان بدق طبول الحرب واستنفار الجيوش والأشياع، واتخاذ الإجراءات الصارمة المتبادلة فيما بينهما، بدءاً بالتلاسنات الجافّة، ومروراً بالاتهامات المتبادلة، وانتهاءً بالتقدم إلى رفع قضايا أمام المحاكم المحلية والدولية.
وكان الرئيس "أبومازن" قد قاد عملية فصل "دحلان" من الحركة وشطبه عن الخارطة الفتحاوية والوطنية، وتجريده من الحصانة النيابية، واتباع إجراءات أخرى، وبالمقابل، ما فتئ الأخير يشنّ هجومات لاذعة ومميزة ضد الرئيس، غرّد بها أكثر من مرة وفي أكثر من محفل، وسواء فيما يتعلق بالمشكلات القائمة ذات البين، أو فيما يتعلق بطريقة التفاوض مع الإسرائيليين.
وعلى الرغم من ذلك، فقد اضطر الرجلين إلى الإنصات بعضاً من الوقت، والانحدار نحو تسوية الأمور بينهما من خلال وسطاء عرب وأجانب،ـ واتُّخِذت من أجل تسهيل الأمور والتوصل إلى حلول مناسبة، العديد من الوسائل والآليات لتحقيق الهدف المنشود.
ومن غير ريب فقد حازت المشكلة على مساحة واسعة لدى الفلسطينيين على الأقل، والتزموا بمتابعتها، على أن الفراغ منها، إنما يصُب في المصلحة الفلسطينية، والفتحاوية بشكلٍ خاص، حيث أنهم في وقتٍ هم أحوج فيه إلى التعاضد والتكاتف من أي وقتٍ آخر، بغض النظر عن فكر وأسلوب كل من الطرفين.
وفي خضم الجهود المبذولة في هذا الشأن، كانت الأنباء تتوارد عن حدوث انفراجة ما، باتجاه المصالحة ووأد الخصومة، ثم يُفاجأ الجميع بحدوث انتكاسة حارقة بشأن تلك الجهود، وكانت تتكرر مثل تلك الأنباء على مدى أيام السنوات الثلاث الفائتة.
في هذه الأثناء، وعلى غير المتوقع، ألقى الرئيس "أبومازن" خلال خطابه أمام (مجلس ثوري فتح) بعض ما لديه من الاتهامات الصارخة ضد "دحلان" وسرد أحداثاً ومواقف اعتُبرت بمثابة وضع النهاية لخط المصالحة معه، والتي اشتملت اتهامات بالفساد والقتل والتخابر لصالح الكيان الصهيوني.
وبالمقابل سارع الأخير بتغميق ذلك الخط، ما يعني الموت المحقق لها. وأعلن حربًا مفتوحة وعلنيّة ضد الرئيس "أبومازن"، وصف فيها خطابه، بأنه "نموذج متكامل من الكذب والتضليل، والغباء والجهل بالواقع والأحداث الفلسطينية، ومتعهداً في ذات الوقت، بأنه سيكشف ملابسات اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل "أبوعمار" عاجلاً، في إشارة منه إلى ضلوع الرئيس في هذا الأمر.
وعلى الرغم من وصول الأمور إلى درجة متقدمة من الصعوبة، واستحالة إرجاع ما انطلق من الكلام إلى الجوف، فإنه لا يجدر بنا إلاّ القول بأنه لا بديل عن رأب الصدع، ولا شيء يُعادل وحدة الصف وصولاً إلى الوحدة الوطنية من أجل تحقيق النصر وعودة الكرامة، وإلاّ فلا يلومنّ الفلسطيني عموماً، والفتحاوي على نحوٍ خاص، إلاّ نفسه، بسبب أنه سيكون مجبراً وبدرجة قاسية أمام خيارين مؤلمين، وهما، فتح 1 وفتح2.
خانيونس/فلسطين
13/3/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ أوائل التسعينات، تعرض مواطن أمريكي يُدعى "كلارك كلاوسن" إلى مشكلة صحيّة، اضطرته لأن يخضع لفحوصات ومتابعات طبية، وتلقي العلاج اللازم، وبدلاً من أن يتماثل للشفاء، تفاقمت لديه المشكلة لأن تصبح عدة مشكلات قاتلة، الأمر الذي أوجب تشكيل طاقم طبيٍّ متخصص لمتابعته بشكلٍ آني، في كبرى مشافي الولايات المتحدة، وكانت أوضاعه الصحية المتدهورة، قد أوجبت إجراء المزيد من العمليات الجراحية، كانت تارة بالاستئصال، وتارة أخرى بالإضافة، حتى أصبح "كلارك" لا يعيش ولا حياة له، إلاّ بفضل العديد من الأجهزة الطبية المتوفرة، فكان هناك جهازاً للتنفس وثانياً للقلب وآخر للكبد وعدد من الأجهزة الأخرى، حتى بدا وكأنه- إن لم يكن حقيقة- يخضع لعمليات تجارب طبيّة أكثر منها إلى العلاج.
شغِلت الحادثة اهتمام العالم، واحتلت أخبار "كلارك" اليومية، مساحات مهمة لدى الصحف ووكالات الأنباء، فمرة تُبرز نبأ تحسّن حالته، وأخرى تدهورها، ومرة يتنفس بمحض إرادته، وأخرى لا يستطيع التنفس بالمطلق، وساعة يستطيع الوقوف على رجليه، وأخرى، ليس باستطاعته تحريك أيّهما، وهكذا وإلى مدة طويلة، إلى أن طالعتنا الإذاعة ذات صباح، بأن "كلارك" قد مات.
ولقد عانت (حركة فتح) إلى جانب نضالاتها الوطنية على مدار تاريخها العميق، العديد من الصراعات الذّاتيّة الداخلية، وعلى الرغم من أنها كانت تحت السيطرة، إلاّ أن هناك صراعات بدت شاذّة، وصل مداها داخل صفوف الحركة، إلى مستويات خطرة، تحولت فتح خلالها، الى بؤرة صراع داخلي مرير، وأصبح الشرخ النفسي بين قياداتها وأعضائها هو السمة المميزة لواقعها والعلاقات الداخلية فيها، واعتُبرت في فترة من الفترات بأن قيادتها غير مؤهلة على أي نحو أو على أي صعيد. وكانت دعت العديد من الفصائل و(حركة حماس) بضمنها، (حركة فتح)، إلى حل خلافاتها الداخلية بطريقة تفاهميّة وعقلانية.
منذ ظهور البوادر الأولى للصراع الأوسع، وهو الدائر بين القيادة الفلسطينية والمتمثلة في الرئيس الفلسطيني "أبومازن" والقيادي في الحركة والنائب بالمجلس التشريعي "محمد دحلان"، حتى شرع الطرفان بدق طبول الحرب واستنفار الجيوش والأشياع، واتخاذ الإجراءات الصارمة المتبادلة فيما بينهما، بدءاً بالتلاسنات الجافّة، ومروراً بالاتهامات المتبادلة، وانتهاءً بالتقدم إلى رفع قضايا أمام المحاكم المحلية والدولية.
وكان الرئيس "أبومازن" قد قاد عملية فصل "دحلان" من الحركة وشطبه عن الخارطة الفتحاوية والوطنية، وتجريده من الحصانة النيابية، واتباع إجراءات أخرى، وبالمقابل، ما فتئ الأخير يشنّ هجومات لاذعة ومميزة ضد الرئيس، غرّد بها أكثر من مرة وفي أكثر من محفل، وسواء فيما يتعلق بالمشكلات القائمة ذات البين، أو فيما يتعلق بطريقة التفاوض مع الإسرائيليين.
وعلى الرغم من ذلك، فقد اضطر الرجلين إلى الإنصات بعضاً من الوقت، والانحدار نحو تسوية الأمور بينهما من خلال وسطاء عرب وأجانب،ـ واتُّخِذت من أجل تسهيل الأمور والتوصل إلى حلول مناسبة، العديد من الوسائل والآليات لتحقيق الهدف المنشود.
ومن غير ريب فقد حازت المشكلة على مساحة واسعة لدى الفلسطينيين على الأقل، والتزموا بمتابعتها، على أن الفراغ منها، إنما يصُب في المصلحة الفلسطينية، والفتحاوية بشكلٍ خاص، حيث أنهم في وقتٍ هم أحوج فيه إلى التعاضد والتكاتف من أي وقتٍ آخر، بغض النظر عن فكر وأسلوب كل من الطرفين.
وفي خضم الجهود المبذولة في هذا الشأن، كانت الأنباء تتوارد عن حدوث انفراجة ما، باتجاه المصالحة ووأد الخصومة، ثم يُفاجأ الجميع بحدوث انتكاسة حارقة بشأن تلك الجهود، وكانت تتكرر مثل تلك الأنباء على مدى أيام السنوات الثلاث الفائتة.
في هذه الأثناء، وعلى غير المتوقع، ألقى الرئيس "أبومازن" خلال خطابه أمام (مجلس ثوري فتح) بعض ما لديه من الاتهامات الصارخة ضد "دحلان" وسرد أحداثاً ومواقف اعتُبرت بمثابة وضع النهاية لخط المصالحة معه، والتي اشتملت اتهامات بالفساد والقتل والتخابر لصالح الكيان الصهيوني.
وبالمقابل سارع الأخير بتغميق ذلك الخط، ما يعني الموت المحقق لها. وأعلن حربًا مفتوحة وعلنيّة ضد الرئيس "أبومازن"، وصف فيها خطابه، بأنه "نموذج متكامل من الكذب والتضليل، والغباء والجهل بالواقع والأحداث الفلسطينية، ومتعهداً في ذات الوقت، بأنه سيكشف ملابسات اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل "أبوعمار" عاجلاً، في إشارة منه إلى ضلوع الرئيس في هذا الأمر.
وعلى الرغم من وصول الأمور إلى درجة متقدمة من الصعوبة، واستحالة إرجاع ما انطلق من الكلام إلى الجوف، فإنه لا يجدر بنا إلاّ القول بأنه لا بديل عن رأب الصدع، ولا شيء يُعادل وحدة الصف وصولاً إلى الوحدة الوطنية من أجل تحقيق النصر وعودة الكرامة، وإلاّ فلا يلومنّ الفلسطيني عموماً، والفتحاوي على نحوٍ خاص، إلاّ نفسه، بسبب أنه سيكون مجبراً وبدرجة قاسية أمام خيارين مؤلمين، وهما، فتح 1 وفتح2.
خانيونس/فلسطين
13/3/2014