دعوة احتلالية مرتعشة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ بدء استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في يوليو/تموز من العام الفائت، بجهود زعيم الدبلوماسية وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، رأى قادة إسرائيل بأنها ليست في صالحهم، وأن الوقت يعمل ضدهم، ويعمل - كما يدّعون - لأولئك الذين يستغلونها، (أي الفلسطينيين)، بسبب الاعتقاد السائد لديهم، بأن الجهود الأمريكية (ليست نزيهة) بالقدر الكافي والتي لا تضمن ببساطة جميع الاشتراطات الإسرائيلية التي تشجع على مواصلة المفاوضات، ومن ناحيةٍ أخرى، فهي تعمل على عرقلة تنفيذ مخططاتهم نحو تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، والتي تقتضي الفراغ من مسألة تهويد القدس والإجهاز على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، حيث دعت قوى يمينية إسرائيلية داخل الحكومة وخارجها، إلى اغتنام أيّة فرصة وبالذات القضايا الأمنيّة، لتفجير المفاوضات والهروب منها بسلام، ولو تطلب ذلك إلى احتلال الأراضي الفلسطينية من جديد.
منذ توليه زعامة حزب البيت اليهودي، رد بعنف "نفتالي بينت" على السياسة الإسرائيلية واعتبرها متراجعة أمام الفلسطينيين، واعتبر أن تنازلات غير مسبوقة ذهبت مجاناً لهم، بل ودفعت إسرائيل ثمناً زائداً عن الحد بموازاتها، ما أفقدها الكثير من عناصر القوة التي كانت دائماً تتميز بها طوال العقود الماضية، وكان "بينت" قد أسف كثيراً للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وأصرّ على عدم مسامحته لرئيس الوزراء الميّت "أريئيل شارون" لدأبه في تطبيق خطّته التي قضت بالانسحاب الأحادي من القطاع، رغم حالة الغضب والحنق الشديدين التي سادت المستويات السياسية والمجتمعية والدينية الحاخامية، وكان يدعو في كل مناسبة إلى إعادة احتلاله مرةً أخرى، لإذهاب الغضب ولتصويب الخطأ على حد اعتقاده.
وكان ساهم اليمين الإسرائيلي بقوة، للدفع في هذا الاتجاه، لا سيما خلال الآونة الأخيرة التي شهدت إطلاق المقاومة الفلسطينية عدداً من صواريخها باتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، من خلال عملية (كسر الصمت)، التي قادتها حركة (الجهاد الإسلامي)، رداً على استشهاد عدد من الفلسطينيين منهم ثلاثة أعضاء في سرايا القدس الجناح العسكري للحركة، والتي دعت إسرائيل إلى الوقوف على رجلٍ واحدة، باعتبارها العملية الصاروخية الأعنف ضدها منذ عامين على الأقل.
تلك العملية أجبرت أن يُطل برأسه كما اعتاد وزير الخارجية الإسرائيلي " أفيغدور ليبرمان" ليقول بلسانه، بأن لا مفر من احتلال قطاع غزة مجدداً، مشيراً إلى أن حربي الرصاص المصبوب وعامود السحاب، التي قادتهما إسرائيل ضد حركات المقاومة داخل القطاع، لم تجديا نفعاً لإسكات الصواريخ والأعمال العدائية (الإرهابية)، وشدد على أن إسرائيل لا يجب أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تهديد مقاتلي حماس والجهاد لمواطنيها، وأشار بأن على إسرائيل أن تضع حداً لهذا الأمر. جاءت تفوّهاته تلك، على الرغم من نصائح المحللين والخبراء العسكريين له، بأن عليه عدم تكرارها.
وعلى الرغم أيضاً، من أن وزير الدفاع الإسرائيلي "موشيه يعالون" نفسه رفض دعوة "ليبرمان" وأصر على رفضها لعدة ساعات، واستبعد وجود حل سريع لقضية التعامل، بسبب أنه يجب بحث ملف القطاع بدقة وجديّة، ثم اتخاذ القرارات اللازمة وليس منها إعادة احتلال القطاع، عاد ليقود الترويج للفكرة نفسها، وحذر من ناحيةٍ أخرى، من مغبة خروج إسرائيل من مناطق الضفة الغربية، بسبب ليس الخشية من سيطرة حركة حماس بدلاً من سلطة (أبو مازن)، بل من أنه سيكون هناك السلفيين والجهاديين الإسلاميين أيضاً- مثل القطاع تماماً كما هو الحال الآن.
كان "يعالون" منذ السابق وإلى حد الآن، يُعتبر من أشد المشككين في إمكانية إحلال السلام، بسبب تحفظه على رئيس السلطة الفلسطينية "أبومازن" كشريك مناسب لقيادة العملية السياسية، لعدم ثقته به، واتهامه بمحاولة تكرار خدعة (اتفاق أوسلو) من خلال اللجوء للحيل القديمة، وبمواصلته الألاعيب المعتادة، للتهرب من استحقاقات السلام وفي مقدمتها الاعتراف بيهودية إسرائيل، على الرغم من أن (أوسلو) لا ينص على يهودية الدولة. وأكّد أكثر من مرّة، بأن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، لن تأتِ بجديد، وأن الهدوء لن يستمر، على الرغم من اعتقاد البعض بأن الفترة الفائتة كانت هادئة ومستقرة، في إشارة إلى أقوال رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" في أول تعقيب إسرائيلي رسمي على إطلاق صواريخ المقاومة، وأوضح بأن من يعمل خلف الكواليس هو الذي يعرف أنه لم يكن كذلك على المستوى الأمني، وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة الإسرائيلية والكابنيت - المجلس الوزاري المصغر- بمناقشة وبحث كل الخيارات بما فيها اقتراح "ليبرمان" بشأن إعادة احتلال القطاع. وألمح في الوقت ذاته، إلى أن إسرائيل قد تسعى إلى إعادة احتلال القطاع، في ظل عدم وجود حل سريع ونهائي لعمليات إطلاق الصواريخ التي تتم تباعاً بين الحين والآخر.
"نتانياهو" أيضاً، لا يستبعد حدوث مثل ذلك الطرح، ولكن نظراً لحساسية موقفه التفاوضي الآن، فهو يحافظ على إخفائه النيّة، وتصريحاته الغامضة التي توضح بأنه لن يكتفِ بقصف القطاع وسيعمل على مواصلة كل ما من شأنه ضمان أمن إسرائيل.
على أيّة حال، وبالرغم من التهديدات الإسرائيلية الصارخة التي لن تكون على ذات صدى، في ضوء أن إسرائيل بجملتها تعيش أقسى حالاتها من الارتباك وعدم السيطرة، وتشعر دائماً بأنها مرتعشة حتى في تهديداتها كلما تقدم الوقت، فإن الهجمات الفلسطينية ضد ممارساتها الاحتلالية والتهويدية لن تتوقف، والمبادئ الفلسطينية هي أيضاً لن تتآكل، ولن يطرأ عليها أيّة تعديلات جوهرية، وربما نود في بعض الأحايين، أن تقوم إسرائيل بتنفيذ تهديداتها ذات ساعة، بسبب أنها قد تكون سبباً في هزيمتها مرّةً أخرى، إن لم تكن القاتلة، ومن ناحيةٍ أخرى، أنها ستكشف لنا المزيد من الحقائق العربية باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، لا سيما بعد الأحداث والتقلبات السياسية والأمنية الحاصلة الآن، والتي غطّت سائر دول المنطقة، بما فيها الدول الخليجية.
خانيونس/فلسطين
16/3/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ بدء استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في يوليو/تموز من العام الفائت، بجهود زعيم الدبلوماسية وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، رأى قادة إسرائيل بأنها ليست في صالحهم، وأن الوقت يعمل ضدهم، ويعمل - كما يدّعون - لأولئك الذين يستغلونها، (أي الفلسطينيين)، بسبب الاعتقاد السائد لديهم، بأن الجهود الأمريكية (ليست نزيهة) بالقدر الكافي والتي لا تضمن ببساطة جميع الاشتراطات الإسرائيلية التي تشجع على مواصلة المفاوضات، ومن ناحيةٍ أخرى، فهي تعمل على عرقلة تنفيذ مخططاتهم نحو تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، والتي تقتضي الفراغ من مسألة تهويد القدس والإجهاز على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، حيث دعت قوى يمينية إسرائيلية داخل الحكومة وخارجها، إلى اغتنام أيّة فرصة وبالذات القضايا الأمنيّة، لتفجير المفاوضات والهروب منها بسلام، ولو تطلب ذلك إلى احتلال الأراضي الفلسطينية من جديد.
منذ توليه زعامة حزب البيت اليهودي، رد بعنف "نفتالي بينت" على السياسة الإسرائيلية واعتبرها متراجعة أمام الفلسطينيين، واعتبر أن تنازلات غير مسبوقة ذهبت مجاناً لهم، بل ودفعت إسرائيل ثمناً زائداً عن الحد بموازاتها، ما أفقدها الكثير من عناصر القوة التي كانت دائماً تتميز بها طوال العقود الماضية، وكان "بينت" قد أسف كثيراً للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وأصرّ على عدم مسامحته لرئيس الوزراء الميّت "أريئيل شارون" لدأبه في تطبيق خطّته التي قضت بالانسحاب الأحادي من القطاع، رغم حالة الغضب والحنق الشديدين التي سادت المستويات السياسية والمجتمعية والدينية الحاخامية، وكان يدعو في كل مناسبة إلى إعادة احتلاله مرةً أخرى، لإذهاب الغضب ولتصويب الخطأ على حد اعتقاده.
وكان ساهم اليمين الإسرائيلي بقوة، للدفع في هذا الاتجاه، لا سيما خلال الآونة الأخيرة التي شهدت إطلاق المقاومة الفلسطينية عدداً من صواريخها باتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، من خلال عملية (كسر الصمت)، التي قادتها حركة (الجهاد الإسلامي)، رداً على استشهاد عدد من الفلسطينيين منهم ثلاثة أعضاء في سرايا القدس الجناح العسكري للحركة، والتي دعت إسرائيل إلى الوقوف على رجلٍ واحدة، باعتبارها العملية الصاروخية الأعنف ضدها منذ عامين على الأقل.
تلك العملية أجبرت أن يُطل برأسه كما اعتاد وزير الخارجية الإسرائيلي " أفيغدور ليبرمان" ليقول بلسانه، بأن لا مفر من احتلال قطاع غزة مجدداً، مشيراً إلى أن حربي الرصاص المصبوب وعامود السحاب، التي قادتهما إسرائيل ضد حركات المقاومة داخل القطاع، لم تجديا نفعاً لإسكات الصواريخ والأعمال العدائية (الإرهابية)، وشدد على أن إسرائيل لا يجب أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تهديد مقاتلي حماس والجهاد لمواطنيها، وأشار بأن على إسرائيل أن تضع حداً لهذا الأمر. جاءت تفوّهاته تلك، على الرغم من نصائح المحللين والخبراء العسكريين له، بأن عليه عدم تكرارها.
وعلى الرغم أيضاً، من أن وزير الدفاع الإسرائيلي "موشيه يعالون" نفسه رفض دعوة "ليبرمان" وأصر على رفضها لعدة ساعات، واستبعد وجود حل سريع لقضية التعامل، بسبب أنه يجب بحث ملف القطاع بدقة وجديّة، ثم اتخاذ القرارات اللازمة وليس منها إعادة احتلال القطاع، عاد ليقود الترويج للفكرة نفسها، وحذر من ناحيةٍ أخرى، من مغبة خروج إسرائيل من مناطق الضفة الغربية، بسبب ليس الخشية من سيطرة حركة حماس بدلاً من سلطة (أبو مازن)، بل من أنه سيكون هناك السلفيين والجهاديين الإسلاميين أيضاً- مثل القطاع تماماً كما هو الحال الآن.
كان "يعالون" منذ السابق وإلى حد الآن، يُعتبر من أشد المشككين في إمكانية إحلال السلام، بسبب تحفظه على رئيس السلطة الفلسطينية "أبومازن" كشريك مناسب لقيادة العملية السياسية، لعدم ثقته به، واتهامه بمحاولة تكرار خدعة (اتفاق أوسلو) من خلال اللجوء للحيل القديمة، وبمواصلته الألاعيب المعتادة، للتهرب من استحقاقات السلام وفي مقدمتها الاعتراف بيهودية إسرائيل، على الرغم من أن (أوسلو) لا ينص على يهودية الدولة. وأكّد أكثر من مرّة، بأن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، لن تأتِ بجديد، وأن الهدوء لن يستمر، على الرغم من اعتقاد البعض بأن الفترة الفائتة كانت هادئة ومستقرة، في إشارة إلى أقوال رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" في أول تعقيب إسرائيلي رسمي على إطلاق صواريخ المقاومة، وأوضح بأن من يعمل خلف الكواليس هو الذي يعرف أنه لم يكن كذلك على المستوى الأمني، وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة الإسرائيلية والكابنيت - المجلس الوزاري المصغر- بمناقشة وبحث كل الخيارات بما فيها اقتراح "ليبرمان" بشأن إعادة احتلال القطاع. وألمح في الوقت ذاته، إلى أن إسرائيل قد تسعى إلى إعادة احتلال القطاع، في ظل عدم وجود حل سريع ونهائي لعمليات إطلاق الصواريخ التي تتم تباعاً بين الحين والآخر.
"نتانياهو" أيضاً، لا يستبعد حدوث مثل ذلك الطرح، ولكن نظراً لحساسية موقفه التفاوضي الآن، فهو يحافظ على إخفائه النيّة، وتصريحاته الغامضة التي توضح بأنه لن يكتفِ بقصف القطاع وسيعمل على مواصلة كل ما من شأنه ضمان أمن إسرائيل.
على أيّة حال، وبالرغم من التهديدات الإسرائيلية الصارخة التي لن تكون على ذات صدى، في ضوء أن إسرائيل بجملتها تعيش أقسى حالاتها من الارتباك وعدم السيطرة، وتشعر دائماً بأنها مرتعشة حتى في تهديداتها كلما تقدم الوقت، فإن الهجمات الفلسطينية ضد ممارساتها الاحتلالية والتهويدية لن تتوقف، والمبادئ الفلسطينية هي أيضاً لن تتآكل، ولن يطرأ عليها أيّة تعديلات جوهرية، وربما نود في بعض الأحايين، أن تقوم إسرائيل بتنفيذ تهديداتها ذات ساعة، بسبب أنها قد تكون سبباً في هزيمتها مرّةً أخرى، إن لم تكن القاتلة، ومن ناحيةٍ أخرى، أنها ستكشف لنا المزيد من الحقائق العربية باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، لا سيما بعد الأحداث والتقلبات السياسية والأمنية الحاصلة الآن، والتي غطّت سائر دول المنطقة، بما فيها الدول الخليجية.
خانيونس/فلسطين
16/3/2014