إسرائيل- الولايات المتحدة، علاقات متشاكسة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
تشهد العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية حالة توتر وإرهاق، لا عهد للحليفتين بهما من قبل، حيث عافت كل منهما الأخرى إلى حد الضجر، نتيجة لما تراه أيّهما بأنه مخالف لرؤاها ولا يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية ومصالحها العليا، فالولايات المتحدة تسعى لضمان بقائها على رأس العالم كقوة كبرى من خلال إدارتها لسياسات نافعة – في نظرها- لكل زمان ومكان، وضمن هذه السياسات، فإن إسرائيل لا يمكنها التعايش معها لدقائق معدودة، بسبب أنها غير ملائمة بالنسبة لها، وتراها مجحفة أكثر بالمصالح الإسرائيلية وبقضاياها المصيرية.
منذ الأحداث الأوكرانية – مثالاً- كانت الولايات المتحدة تستعد لاستقبال الدعم الإسرائيلي لها سياسياُ ومعنوياً على الأقل، لكنها تفاجأت بمطالبة إسرائيل لها بضبط النفس، وأمام عينيها الحفاظ على علاقاتها الممتازة والمتنامية مع أوكرانيا وعلى الجالية اليهودية المهمة هناك، إلى جانب اكتساب فوائد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط (إيران، مصر، سوريا)، حيث لم تعهد الولايات المتحدة على مثل ذلك الفتور، ولم تعتد على مثل هذه المواقف، لا سيما وأن الولايات المتحدة هي الضامن الوحيد لإسرائيل – حسب نظرها- علاوةً على أن كلمة ضبط النفس من (حليف) كإسرائيل أصبحت مملة لديها وتثير الاشمئزاز في ذات الوقت، حيث لم تجد الولايات المتحدة في الموقف الإسرائيلي، إلاّ بمثابة ضربة في مقابل الموقف الأمريكي من موضوع استيلاء البحرية الإسرائيلية على سفينة الأسلحة الإيرانية المتجهة حسب الزعم الإسرائيلي إلى حركة الجهاد الإسلامي داخل القطاع قبل نحو من شهرين، حيث كانت تأمل إسرائيل بالتكسّب من وراء الحدث بأن تدع الولايات المتحدة مشروع البحث عن حلول مع إيران والتضييق أكثر على الفلسطينيين وبخاصة على حركات المقاومة. وما وزاد الطين بِلة، هو تسلل الشعور بأن حكومة "نتانياهو" باتت تفصّل علاقاتها بالولايات المتحدة (المتهالكة) حسب ما تضعه في سلة حسناتها لصالح الدولة، ونتيجة لتحليل ما تعتبره إسرائيل بالمخاطر المحتملة من الولايات المتحدة، باتت تفضل التعامل مع روسيا القوية الواقفة والصاعدة بصلابة كلما مرّ الوقت.
لذلك، كانت إسرائيل طوال الفترة الماضية، تعلن عن استيائها بدرجة أكبر من السياسة الأمريكية نتيجة مواقفها التي تراها بأنها لا ترق إلى المستوى المطلوب بالنسبة إلى الأفكار الإسرائيلية وخاصةً بالنسبة إلى الملفين الرئيسين، وهما، القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، وحتى بالنسبة إلى قضايا أخرى فردية ومتبادلة وما هي أقل أهميةً، فقد كانت تعمل أيضاً على تغليق الأنفس وضيق الصدور.
كانت إسرائيل تأمل أن تقوم الولايات المتحدة بإعلان الحرب على إيران منذ اليوم الأول لبدء العمل بشأن مشروعها النووي، أو بإطلاق يدها في القيام بذلك، وفيما يختص بالمسألة الفلسطينية، كانت ومن دون عناء، تريد منها أن تزيد من ضغطها على أصدقائها العرب، لتمرير مشروعاتها لتصفية القضية وإنهاء النزاع، وبإملاء رؤيتها وشروطها على الفلسطينيين بشكل خاص، في ظل سلطاتها وأدواتها والمختلفة.
وعلى الرغم من عامة الأجواء التي يشدد فيها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بأنه يعمل لمصلحة إسرائيل وأنه يدافع عنها، وفي أعقاب تراجعه - ليست المرة الأولى- عن تصريحات انزلقت من فمه، منتقدة لإسرائيل وتقديم اعتذارٍ رسميٍ لها بسبب تحذيره من تحولها لدولة (ابرتهايد)، إلاّ أن إسرائيل اعتبرت أنها لم تكسب كثيراً، ولم يدخل في حسابها غير الكلام، حيث لا يدفع ضرراً ولا يأتِ بالشيء المرغوب.
على أن ما أصابها حقيقةً، حين رأت "كيري" يسعى لجمع أشيائه، تمهيداً إلى هدم مخيمه وتفكيك طاقمه التفاوضي الذي كان يعمل معه في موضوع المحادثات الفلسطينية - الإسرائيلية، بحجة أو بأخرى، وعلى وجهه إشارات دالة، بأن الفلسطينيين بُرءاء إلى حد اللحظة، وأن إسرائيل هي التي كانت السبب في إفشال المفاوضات بعدما تعمدت لطمه بين عينيه في كل مرّة، من خلال تعنتها خلال المفاوضات، وعدم تقديمها تنازلات في القضايا المهمة بالنسبة للفلسطينيين وأهمها الخاصة بقضية الاستيطان التي كانت من أهم العقبات التي حالت دون إمكانية التوصل إلى حلول خلال الأشهر التسعة التي اتفق عليها خلافاً لما يدعيه الإسرائيليون من أن الجانب الفلسطيني هو السبب في جلب الفشل.
وساءها أكثر، عندما وصلت إلى مسامعها أنباء، تفيد بأن هناك نوايا أمريكية لإبرام اتفاق نهائي مع إيران بشأن ملفها النووي، وأن مستشارة الأمن القومي الأمريكي "سوزان رايس" ورئيسة الوفد الأمريكي إلى المفاوضات "ويندي شيرمان" ستهبطان في إسرائيل خلال الأيام القريبة المقبلة، بهدف الضغط على صانعي القرار الإسرائيليين، ونزع مسألة قبولهم به.
الحساسية الزائدة لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل التي أنتجتها الموضوعات الرئيسة السابقة لم تكن وحدها التي عكّرت وتعكر صفو العلاقات الثنائية (الفريدة) بينهما، بل هناك مواضيع هامة أيضاً تقوم بذلك، وعلى الرغم من الاستغناء عن الحديث بالتفصيل عنها الآن، والتي تتعلق بقضايا التجسس، وعقبات يتعرض لها الإسرائيليين من دخول الولايات المتحدة، وموقف الأخيرة من تسجيل مواليد القدس الأمريكيين على أنها إسرائيل، لكن من الواضح لجوء كل منهما إلى أن تضع إحداهما الأخرى في لجنة امتحانات دائمة من الآن فصاعداً على الأقل، فأمّا ما تنتظره الولايات المتحدة من إسرائيل، هي مواقف تنسجم تماماً مع ما تقوم به وتراه ملائماً، وسواء كانت تلك متعلقة بمصالحها أو فيما يختص بالسياسة الإسرائيلية تجاه قضاياها المختلفة، لاسيما في ظل التعهدات الأمريكية المتواترة بالدفاع عن إسرائيل وتوفير كافة متطلباتها في الدوام والاستمرارية على طول المدى. وأمّا ما تنتظره إسرائيل، أن تدعها الولايات المتحدة وشأنها، في تحديد سياساتها باتجاه علاقاتها مع الدول الحليفة لها والصديقة، وعدم التدخّل في إدارتها لأزماتها الخارجية وخاصةٍ بشأن القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، وإن الباب مفتوح أمامها للمساعدة فقط.
يؤكّد ما سبق، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تتقاسمان الرؤى في الكثير من القضايا برغم أهميتها وضخامتها، إلاّ أنهما تتقاسمان، المصالح وهي غير قليلة وهي كافية لاستمرار العلاقات الاستراتيجية فيما بينهما، فمنذ قيام الدولة عام 1948، أعربت الإدارات الأمريكية (الجمهورية والديمقراطية) على حد سواء عن الالتزام بالحفاظ على أمن إسرائيل، وعقدت أعقد الاتفاقيات معها، حيث استطاعت الدولة تجاوز كافة أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية حتى الآن، وليس بسبب أنها بحاجة إلى الولايات المتحدة، فلا تزال الأخيرة بحاجة إلى إسرائيل، وسواء في حربها ضد الإرهاب أو باتخاذها قاعدة حيوية ثابتة لتعزيز سيطرتها الكاملة على منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام.
خانيونس/فلسطين
3/5/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
تشهد العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية حالة توتر وإرهاق، لا عهد للحليفتين بهما من قبل، حيث عافت كل منهما الأخرى إلى حد الضجر، نتيجة لما تراه أيّهما بأنه مخالف لرؤاها ولا يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية ومصالحها العليا، فالولايات المتحدة تسعى لضمان بقائها على رأس العالم كقوة كبرى من خلال إدارتها لسياسات نافعة – في نظرها- لكل زمان ومكان، وضمن هذه السياسات، فإن إسرائيل لا يمكنها التعايش معها لدقائق معدودة، بسبب أنها غير ملائمة بالنسبة لها، وتراها مجحفة أكثر بالمصالح الإسرائيلية وبقضاياها المصيرية.
منذ الأحداث الأوكرانية – مثالاً- كانت الولايات المتحدة تستعد لاستقبال الدعم الإسرائيلي لها سياسياُ ومعنوياً على الأقل، لكنها تفاجأت بمطالبة إسرائيل لها بضبط النفس، وأمام عينيها الحفاظ على علاقاتها الممتازة والمتنامية مع أوكرانيا وعلى الجالية اليهودية المهمة هناك، إلى جانب اكتساب فوائد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط (إيران، مصر، سوريا)، حيث لم تعهد الولايات المتحدة على مثل ذلك الفتور، ولم تعتد على مثل هذه المواقف، لا سيما وأن الولايات المتحدة هي الضامن الوحيد لإسرائيل – حسب نظرها- علاوةً على أن كلمة ضبط النفس من (حليف) كإسرائيل أصبحت مملة لديها وتثير الاشمئزاز في ذات الوقت، حيث لم تجد الولايات المتحدة في الموقف الإسرائيلي، إلاّ بمثابة ضربة في مقابل الموقف الأمريكي من موضوع استيلاء البحرية الإسرائيلية على سفينة الأسلحة الإيرانية المتجهة حسب الزعم الإسرائيلي إلى حركة الجهاد الإسلامي داخل القطاع قبل نحو من شهرين، حيث كانت تأمل إسرائيل بالتكسّب من وراء الحدث بأن تدع الولايات المتحدة مشروع البحث عن حلول مع إيران والتضييق أكثر على الفلسطينيين وبخاصة على حركات المقاومة. وما وزاد الطين بِلة، هو تسلل الشعور بأن حكومة "نتانياهو" باتت تفصّل علاقاتها بالولايات المتحدة (المتهالكة) حسب ما تضعه في سلة حسناتها لصالح الدولة، ونتيجة لتحليل ما تعتبره إسرائيل بالمخاطر المحتملة من الولايات المتحدة، باتت تفضل التعامل مع روسيا القوية الواقفة والصاعدة بصلابة كلما مرّ الوقت.
لذلك، كانت إسرائيل طوال الفترة الماضية، تعلن عن استيائها بدرجة أكبر من السياسة الأمريكية نتيجة مواقفها التي تراها بأنها لا ترق إلى المستوى المطلوب بالنسبة إلى الأفكار الإسرائيلية وخاصةً بالنسبة إلى الملفين الرئيسين، وهما، القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، وحتى بالنسبة إلى قضايا أخرى فردية ومتبادلة وما هي أقل أهميةً، فقد كانت تعمل أيضاً على تغليق الأنفس وضيق الصدور.
كانت إسرائيل تأمل أن تقوم الولايات المتحدة بإعلان الحرب على إيران منذ اليوم الأول لبدء العمل بشأن مشروعها النووي، أو بإطلاق يدها في القيام بذلك، وفيما يختص بالمسألة الفلسطينية، كانت ومن دون عناء، تريد منها أن تزيد من ضغطها على أصدقائها العرب، لتمرير مشروعاتها لتصفية القضية وإنهاء النزاع، وبإملاء رؤيتها وشروطها على الفلسطينيين بشكل خاص، في ظل سلطاتها وأدواتها والمختلفة.
وعلى الرغم من عامة الأجواء التي يشدد فيها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بأنه يعمل لمصلحة إسرائيل وأنه يدافع عنها، وفي أعقاب تراجعه - ليست المرة الأولى- عن تصريحات انزلقت من فمه، منتقدة لإسرائيل وتقديم اعتذارٍ رسميٍ لها بسبب تحذيره من تحولها لدولة (ابرتهايد)، إلاّ أن إسرائيل اعتبرت أنها لم تكسب كثيراً، ولم يدخل في حسابها غير الكلام، حيث لا يدفع ضرراً ولا يأتِ بالشيء المرغوب.
على أن ما أصابها حقيقةً، حين رأت "كيري" يسعى لجمع أشيائه، تمهيداً إلى هدم مخيمه وتفكيك طاقمه التفاوضي الذي كان يعمل معه في موضوع المحادثات الفلسطينية - الإسرائيلية، بحجة أو بأخرى، وعلى وجهه إشارات دالة، بأن الفلسطينيين بُرءاء إلى حد اللحظة، وأن إسرائيل هي التي كانت السبب في إفشال المفاوضات بعدما تعمدت لطمه بين عينيه في كل مرّة، من خلال تعنتها خلال المفاوضات، وعدم تقديمها تنازلات في القضايا المهمة بالنسبة للفلسطينيين وأهمها الخاصة بقضية الاستيطان التي كانت من أهم العقبات التي حالت دون إمكانية التوصل إلى حلول خلال الأشهر التسعة التي اتفق عليها خلافاً لما يدعيه الإسرائيليون من أن الجانب الفلسطيني هو السبب في جلب الفشل.
وساءها أكثر، عندما وصلت إلى مسامعها أنباء، تفيد بأن هناك نوايا أمريكية لإبرام اتفاق نهائي مع إيران بشأن ملفها النووي، وأن مستشارة الأمن القومي الأمريكي "سوزان رايس" ورئيسة الوفد الأمريكي إلى المفاوضات "ويندي شيرمان" ستهبطان في إسرائيل خلال الأيام القريبة المقبلة، بهدف الضغط على صانعي القرار الإسرائيليين، ونزع مسألة قبولهم به.
الحساسية الزائدة لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل التي أنتجتها الموضوعات الرئيسة السابقة لم تكن وحدها التي عكّرت وتعكر صفو العلاقات الثنائية (الفريدة) بينهما، بل هناك مواضيع هامة أيضاً تقوم بذلك، وعلى الرغم من الاستغناء عن الحديث بالتفصيل عنها الآن، والتي تتعلق بقضايا التجسس، وعقبات يتعرض لها الإسرائيليين من دخول الولايات المتحدة، وموقف الأخيرة من تسجيل مواليد القدس الأمريكيين على أنها إسرائيل، لكن من الواضح لجوء كل منهما إلى أن تضع إحداهما الأخرى في لجنة امتحانات دائمة من الآن فصاعداً على الأقل، فأمّا ما تنتظره الولايات المتحدة من إسرائيل، هي مواقف تنسجم تماماً مع ما تقوم به وتراه ملائماً، وسواء كانت تلك متعلقة بمصالحها أو فيما يختص بالسياسة الإسرائيلية تجاه قضاياها المختلفة، لاسيما في ظل التعهدات الأمريكية المتواترة بالدفاع عن إسرائيل وتوفير كافة متطلباتها في الدوام والاستمرارية على طول المدى. وأمّا ما تنتظره إسرائيل، أن تدعها الولايات المتحدة وشأنها، في تحديد سياساتها باتجاه علاقاتها مع الدول الحليفة لها والصديقة، وعدم التدخّل في إدارتها لأزماتها الخارجية وخاصةٍ بشأن القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، وإن الباب مفتوح أمامها للمساعدة فقط.
يؤكّد ما سبق، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تتقاسمان الرؤى في الكثير من القضايا برغم أهميتها وضخامتها، إلاّ أنهما تتقاسمان، المصالح وهي غير قليلة وهي كافية لاستمرار العلاقات الاستراتيجية فيما بينهما، فمنذ قيام الدولة عام 1948، أعربت الإدارات الأمريكية (الجمهورية والديمقراطية) على حد سواء عن الالتزام بالحفاظ على أمن إسرائيل، وعقدت أعقد الاتفاقيات معها، حيث استطاعت الدولة تجاوز كافة أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية حتى الآن، وليس بسبب أنها بحاجة إلى الولايات المتحدة، فلا تزال الأخيرة بحاجة إلى إسرائيل، وسواء في حربها ضد الإرهاب أو باتخاذها قاعدة حيوية ثابتة لتعزيز سيطرتها الكاملة على منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام.
خانيونس/فلسطين
3/5/2014