ملك إسرائيل العتيد !
د. عادل محمد عايش الأسطل
لم تكن قوة اليمين في إسرائيل كما المعتاد، هي السبب وراء جلب حزب الليكود برئاسة "بنيامين نتانياهو" إلى سدّة الحكم، خلال انتخابات 2009، وانتخابات 2013 على التوالي، وبغض النظر عن ضعف اليسار بقيادة حزب العمل، الذي كان محل اتهام بالتخلي عن مبادئه، وعن رؤيته الاشتراكية الديمقراطية، فإن سببين رئيسين اثنين كانا وراء ذلك الجلب، الأول: وفيما يخص الانتخابات الأولى في أن "تسيبي لفني" زعيمة حزب كاديما حينها، والفائزة في الانتخابات بـ 28 مقعداً- بزيادة مقعد واحد عن حزب الليكود، لم تستطع تشكيل الحكومة طيلة الفترة الممنوحة لها قانوناً، بسبب أن الكتل والأحزاب التي رغبت في انضمامها لحكومتها قدمت اشتراطات تعجيزية أمامها تتعارض وبرنامج حزبها السياسي ما أفسح المجال واسعاً أمام نتانياهو للتقدم إلى الأمام نجو تخليص الوزارة من قبضتها. والسبب الثاني: هو أن "نتانياهو" كان تميز بمنزلة شيطانية حرص على اكتسابها طيلة أيام سباته السياسي والتي دامت على مدار سنوات حكم العمل وولاية "أريئيل شارون" التي تبعتها، حيث حصل بموجبها لدى فئات يهودية ودينية متشددة على محبة خاصة، تمكن من خلالها، إثبات أنه الأقدر على قيادة الدولة وعلى الصمود باتجاه القضية الفلسطينية، بعد أن شارف اليسار واليمين اليساري إلى التضحية بتنازلات تمس أسس الدولة من جذورها، سيما تلك التي وهبتها حكومة "إيهود باراك" على مدى أعوام رئاسته 1999 - 2001، أو ما جادت به حكومة "إيهود أولمرت" – حزب كاديما- على مدى عامين طويلين 2006- 2008. وخلال الانتخابات الثانية 2013، كانا السببين نفسيهما- بمرافقة تغيرات هامشية- وراء حصوله على كتاب تشكيل الوزارة، على الرغم من صدمته من نتائجها والتي أظهرت تنبؤات عكسية مما كان وشريكه في الائتلاف الحزبي (الليكود بيتنا) وفي الحكم فيما بعد، زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) "أفيغدور ليبرمان" يأملان بها، طمعاً في تشكيل حكومة قادرة بدون التوسل لدى الأحزاب الصغيرة، تجنباً لابتزازها وفرض اشتراطاتها للائتلاف معها، وبرغم حوادث وشبهات وفساد طافت بصخب حول الحزب، و"ليبرمان" تحديداً، إلاّ أن "نتانياهو" استطاع تشكيل الحكومة والتي اعتبرت أكثر يمينية من الحكومات التي سبقتها، ونجح من خلالها أن يشكل اجماعاً وطنياً لافتاً، مسانداً له في إعادة رسم وترسيخ الشعارات الحماسية القديمة، والتي مكّنته من أن يشعر بأنه هو ملك إسرائيل، ويحق له قيادة الدولة بناءً على تلك الشعارات.
لكن الذي غاب عن ذلك الجمهور، هو أنه لم يحسب حساباً للتغيرات التي تطرأ عادةً على الأشخاص بحكم تقدّمهم في السن، الذي يؤثر تلقائياً على الفكر والسلوك معاً، حيث انتقل "نتانياهو" من حماسة الشباب القوية والجامدة، إلى سكون العجائز الضعيفة والمرنة معاً، وذات الجمهور الذي انتخبه قبل ست سنوات، فهو لا يريده الأن ولا لدقيقة واحدة، بسبب ما بدى عليه من ضعف رؤيته، وسوء قيادته، وانحداره إلى مسالك الأولين، بالرغم من حذره بما جرى لمن سبقوه في الحكم وذهبوا إلى الجحيم، ونفيهم من التاريخ الصهيوني على الأقل.
لقد كان مقتنعاً تماماً بموافقته على الاتفاق مع حماس بشأن وقف النار، مستفيداً من حصوله على إذن مسبق من الحكومة التي يقودها - ربما على حين غرة- بإدارة المفاوضات، لكن سرعان ما تبين للحكومة، بعد إقدامه على تلك الخطوة، بأنه بدأ يفقد عقله، وأن إظهاره الشعور بالنصر في شأن فوزه بمواقف إقليمية وعربية باتجاه القضية الفلسطينية وباتجاه حركة حماس بخاصة، هو شعور كاذب، بسبب أن ذلك الفوز جلبته إسرائيل ككل بناءً على تطورات سياسية وتقلبات إقليمية ودولية، ولذلك فقد رأت وهي بالطبع جرى اختزالها في شخص الفتى الحماسي زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" باعتباره – ملك إسرائيل الجديد- الذي كان له أن يصعد رصيده الشعبي في كل دقيقة في مقابل تناقص أرصدة آخرين وبضمنهم "نتانياهو" نفسه، بسبب ملامسته بقوة طموحات اليمين المتشدد في إسرائيل وخارجها أيضاً، أن تلحق نفسها بنفسها، وبدون علمه على مبدأ ( نداً بند ٍ) كما فعل هو في عدم مشاورته لها في شأن اتفاقه مع حماس، وترتيباً على ذلك فقد تغاضت عن أن يبقى "نتانياهو" على كرسي القيادة، لكن على قاعدة أن "بينت" هو الذي على الجانب الأيمن مكان المدرب بحيث يتمكن من ضبط القيادة كما يرى، وليس كما يرى ذلك العجوز، فالحكومة من خلال قوّته وسيطرته الواضحتين، هي من قامت باتخاذ خطوات مضادة لما قام به على غير رغبتها، وليس "نتانياهو"، وهي التي حمّلته مسؤولية فشله بشأن إدارة الحرب وحسمها أمام حماس، وتبعاتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية وغيرها، بعد اعترافه هو بنفسه ووزير دفاعه "موشيه يعالون"، ورئيس أركان الجيش "بيني غانتس"، بأن ليس لديهم أي حل، وأن إسرائيل بكامل قوتها لم تنجح في حسم المعركة مع حماس. وألحقته المسؤولية أيضاً في عدم المحافظة على الدعم الدولي لها الذي استعر بادئ الأمر، وهمد كالرماد دفعةً واحدة نهاية المطاف. والحكومة وليس "نتانياهو" هي من قامت بالنكوص عن إرسال وفد إسرائيل إلى القاهرة، حسب الاتفاق لتكملة المفاوضات المرتبطة بوقف النار، وهي التي أخذت على عاتقها بأن لا إفراج عن الأسرى الفلسطينيين القدامى – ما قبل أوسلو- حسب اتفاق العودة إلى المفاوضات منذ أواخر يوليو/تموز 2013، ولا التراجع عن مسألة اعتقال محرري صفقة وفاء الأحرار، والحكومة نفسها هي من قامت بعرقلة وصول الأموال اللازمة للسلطة الفلسطينية، وهي أيضاً من قامت بإطلاق اليد الاستيطانية وإغداقها بالمال لتمارس نشاطاتها طولاً وعرضاً، وهي من قامت بإصدار قرار مصادرة أراضٍ فلسطينية في منطقة بيت لحم، وهي من قامت برفض أية أفكار خاصة بالعملية السياسية وحتى لو كانت تنطوي على تنازلات غير مسبوقة قصد بها الرئيس الفلسطيني "أبومازن" تحريك المفاوضات، وهي أيضاً التي استقرت على بقائه في رئاسة الحكومة، وذلك للحفاظ على قوة اليمين المتبقية، ولكن ليس كملكٍ لإسرائيل بأي حال.
خانيونس/فلسطين
3/9/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
لم تكن قوة اليمين في إسرائيل كما المعتاد، هي السبب وراء جلب حزب الليكود برئاسة "بنيامين نتانياهو" إلى سدّة الحكم، خلال انتخابات 2009، وانتخابات 2013 على التوالي، وبغض النظر عن ضعف اليسار بقيادة حزب العمل، الذي كان محل اتهام بالتخلي عن مبادئه، وعن رؤيته الاشتراكية الديمقراطية، فإن سببين رئيسين اثنين كانا وراء ذلك الجلب، الأول: وفيما يخص الانتخابات الأولى في أن "تسيبي لفني" زعيمة حزب كاديما حينها، والفائزة في الانتخابات بـ 28 مقعداً- بزيادة مقعد واحد عن حزب الليكود، لم تستطع تشكيل الحكومة طيلة الفترة الممنوحة لها قانوناً، بسبب أن الكتل والأحزاب التي رغبت في انضمامها لحكومتها قدمت اشتراطات تعجيزية أمامها تتعارض وبرنامج حزبها السياسي ما أفسح المجال واسعاً أمام نتانياهو للتقدم إلى الأمام نجو تخليص الوزارة من قبضتها. والسبب الثاني: هو أن "نتانياهو" كان تميز بمنزلة شيطانية حرص على اكتسابها طيلة أيام سباته السياسي والتي دامت على مدار سنوات حكم العمل وولاية "أريئيل شارون" التي تبعتها، حيث حصل بموجبها لدى فئات يهودية ودينية متشددة على محبة خاصة، تمكن من خلالها، إثبات أنه الأقدر على قيادة الدولة وعلى الصمود باتجاه القضية الفلسطينية، بعد أن شارف اليسار واليمين اليساري إلى التضحية بتنازلات تمس أسس الدولة من جذورها، سيما تلك التي وهبتها حكومة "إيهود باراك" على مدى أعوام رئاسته 1999 - 2001، أو ما جادت به حكومة "إيهود أولمرت" – حزب كاديما- على مدى عامين طويلين 2006- 2008. وخلال الانتخابات الثانية 2013، كانا السببين نفسيهما- بمرافقة تغيرات هامشية- وراء حصوله على كتاب تشكيل الوزارة، على الرغم من صدمته من نتائجها والتي أظهرت تنبؤات عكسية مما كان وشريكه في الائتلاف الحزبي (الليكود بيتنا) وفي الحكم فيما بعد، زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) "أفيغدور ليبرمان" يأملان بها، طمعاً في تشكيل حكومة قادرة بدون التوسل لدى الأحزاب الصغيرة، تجنباً لابتزازها وفرض اشتراطاتها للائتلاف معها، وبرغم حوادث وشبهات وفساد طافت بصخب حول الحزب، و"ليبرمان" تحديداً، إلاّ أن "نتانياهو" استطاع تشكيل الحكومة والتي اعتبرت أكثر يمينية من الحكومات التي سبقتها، ونجح من خلالها أن يشكل اجماعاً وطنياً لافتاً، مسانداً له في إعادة رسم وترسيخ الشعارات الحماسية القديمة، والتي مكّنته من أن يشعر بأنه هو ملك إسرائيل، ويحق له قيادة الدولة بناءً على تلك الشعارات.
لكن الذي غاب عن ذلك الجمهور، هو أنه لم يحسب حساباً للتغيرات التي تطرأ عادةً على الأشخاص بحكم تقدّمهم في السن، الذي يؤثر تلقائياً على الفكر والسلوك معاً، حيث انتقل "نتانياهو" من حماسة الشباب القوية والجامدة، إلى سكون العجائز الضعيفة والمرنة معاً، وذات الجمهور الذي انتخبه قبل ست سنوات، فهو لا يريده الأن ولا لدقيقة واحدة، بسبب ما بدى عليه من ضعف رؤيته، وسوء قيادته، وانحداره إلى مسالك الأولين، بالرغم من حذره بما جرى لمن سبقوه في الحكم وذهبوا إلى الجحيم، ونفيهم من التاريخ الصهيوني على الأقل.
لقد كان مقتنعاً تماماً بموافقته على الاتفاق مع حماس بشأن وقف النار، مستفيداً من حصوله على إذن مسبق من الحكومة التي يقودها - ربما على حين غرة- بإدارة المفاوضات، لكن سرعان ما تبين للحكومة، بعد إقدامه على تلك الخطوة، بأنه بدأ يفقد عقله، وأن إظهاره الشعور بالنصر في شأن فوزه بمواقف إقليمية وعربية باتجاه القضية الفلسطينية وباتجاه حركة حماس بخاصة، هو شعور كاذب، بسبب أن ذلك الفوز جلبته إسرائيل ككل بناءً على تطورات سياسية وتقلبات إقليمية ودولية، ولذلك فقد رأت وهي بالطبع جرى اختزالها في شخص الفتى الحماسي زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" باعتباره – ملك إسرائيل الجديد- الذي كان له أن يصعد رصيده الشعبي في كل دقيقة في مقابل تناقص أرصدة آخرين وبضمنهم "نتانياهو" نفسه، بسبب ملامسته بقوة طموحات اليمين المتشدد في إسرائيل وخارجها أيضاً، أن تلحق نفسها بنفسها، وبدون علمه على مبدأ ( نداً بند ٍ) كما فعل هو في عدم مشاورته لها في شأن اتفاقه مع حماس، وترتيباً على ذلك فقد تغاضت عن أن يبقى "نتانياهو" على كرسي القيادة، لكن على قاعدة أن "بينت" هو الذي على الجانب الأيمن مكان المدرب بحيث يتمكن من ضبط القيادة كما يرى، وليس كما يرى ذلك العجوز، فالحكومة من خلال قوّته وسيطرته الواضحتين، هي من قامت باتخاذ خطوات مضادة لما قام به على غير رغبتها، وليس "نتانياهو"، وهي التي حمّلته مسؤولية فشله بشأن إدارة الحرب وحسمها أمام حماس، وتبعاتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية وغيرها، بعد اعترافه هو بنفسه ووزير دفاعه "موشيه يعالون"، ورئيس أركان الجيش "بيني غانتس"، بأن ليس لديهم أي حل، وأن إسرائيل بكامل قوتها لم تنجح في حسم المعركة مع حماس. وألحقته المسؤولية أيضاً في عدم المحافظة على الدعم الدولي لها الذي استعر بادئ الأمر، وهمد كالرماد دفعةً واحدة نهاية المطاف. والحكومة وليس "نتانياهو" هي من قامت بالنكوص عن إرسال وفد إسرائيل إلى القاهرة، حسب الاتفاق لتكملة المفاوضات المرتبطة بوقف النار، وهي التي أخذت على عاتقها بأن لا إفراج عن الأسرى الفلسطينيين القدامى – ما قبل أوسلو- حسب اتفاق العودة إلى المفاوضات منذ أواخر يوليو/تموز 2013، ولا التراجع عن مسألة اعتقال محرري صفقة وفاء الأحرار، والحكومة نفسها هي من قامت بعرقلة وصول الأموال اللازمة للسلطة الفلسطينية، وهي أيضاً من قامت بإطلاق اليد الاستيطانية وإغداقها بالمال لتمارس نشاطاتها طولاً وعرضاً، وهي من قامت بإصدار قرار مصادرة أراضٍ فلسطينية في منطقة بيت لحم، وهي من قامت برفض أية أفكار خاصة بالعملية السياسية وحتى لو كانت تنطوي على تنازلات غير مسبوقة قصد بها الرئيس الفلسطيني "أبومازن" تحريك المفاوضات، وهي أيضاً التي استقرت على بقائه في رئاسة الحكومة، وذلك للحفاظ على قوة اليمين المتبقية، ولكن ليس كملكٍ لإسرائيل بأي حال.
خانيونس/فلسطين
3/9/2014