تحولات عربيّة مشروعة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
ليس مفاجئاً، أن تجد إسرائيل نفسها مضطرة، إلى إبراز فخرها وإثبات عزة مكانها وسط المنطقة والعالم، بعد أن حازت بقوّة جادّة، على تعاطفٍ وتأييدٍ عربيين، سواء بشأن استمرار كيانها بما لا يتوافق مع مصلحة المنطقة، أو بشأن ممارساتها ضد العرب والفلسطينيين تحديداً، فمنذ الجنوح باتجاه السلمية بدلاً من الكفاح، قبل أكثر من عقدين من الزمن، كان من أسوأ آثاره، هو خلق بيئة عربيّة وفلسطينية متعاطفة معها، مكّنتها للعمل على تعظيمها وتعزيزها، بما لديها من وسائل ذاتية وخارجية أخرى، أيضاً فإن أحداث الربيع العربي، والتي جالت دولاً عربيّة مهمّة، يسّرت إلى ابتداع مواقف، تجاوزت مروراً مع الوقت، إلى التأييد العلني لإسرائيل وبلا تردد، حتى في ضوء افترائها على الأرض والشعب والمقدسات الفلسطينية.
بغض النظر عما بدر من جهات وأطراف محليّة وعربيّة، داعمة للعدوان الإسرائيلي (الجرف الصامد) في يوليو/تموز الماضي، ومُحمّلةً المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالذات مسؤولية العدوان، بسبب اعتقادهم بأن مواقفهم مشروعة، تبعاً للمتغيرات الدولية، ورأفةً بالقضية الفلسطينية، بشكلٍ عزز الموقف الإسرائيلي نحو مواصلة مساعيه للفتك بالمقاومة وعتادها، والاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، لكن الذي أجبرنا على إدامة النظر، عندما برزت تحولات أخرى، بدت وكأنها تمثّل خطراً أكبر بالنسبة للوضع الفلسطيني، بسبب أنها لن تتوقف عند حدٍ ما، والتي توضحت في توجهات عربيّة وعلى مستويات مختلفة، إلى إدانة واستنكار العمليات الفلسطينية المتواضعة التي يقوم بها فلسطينيين ضد (مستوطنين) يهود، والتي لم تنتج عنهم جزافاً أو بطراً، وإنما لضيق الحيلة، واحتجاجاً على المواقف العربية المتراجعة، أكثر من أي شيءٍ آخر، وكنا قد شاهدنا هنا وهناك، أطيافاً منها، تقوم بتلاوة أنواعاً من المدد والإسناد، وبما يوازيها من أشكال التعزية والمواساة، في شأن مستوطنين قُتلوا، بعنوان المقاومةً ودفاعاً للحقوق الفلسطينية.
يحق للإسرائيليين عموماً، هنا وفي أيّ مكان، الزهو والافتخار، حين يشاهدون أولئك الذين تنطلق ألسنتهم إلى خارج الأفواه، ومن خلال السلطة الرابعة التي يمتلكونها، أو يحوزون على مقاعد مهمّةً فيها، وهي تلهج بالإشادة (عياناً بياناً) بالممارسات الإسرائيليّة، وإيجاد المبررات اللازمة لها، ومن ثمّ لا يألون جهداً للقدح في المقاومة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكان قد نقل مؤخّراً، رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" الكثير من الجميل العربي، نتيجة وقوفه إلى جانبه في سياساته العدائية للمقاومة وللشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، إلى جانب تفاخر الكثيرين من القادة السياسيين والعسكريين والإعلاميين الإسرائيليين أيضاً، الذين تمسّحوا بأولئك المؤيدين لهم، وتعبّدوا بأسمائهم، وأبرزوا أقوالهم ومواقفهم، التي تحابيهم وتجد العذر لسياساتهم، باعتبارهم الصوت المنير، الذي يمنح شرعية قويّة لمجاميع السياسات الإسرائيلية، وحتى في ضوء علمهم بأنها لا تنطوي إلاّ على إدارة الصراع فقط، وشرعية أخرى أيضاً، لجملة الممارسات الاستيطانيّة والعنصرية، وانتهاك الحرمات والمقدسات، والتي نشأت خداعاً، أو بأوامر عسكرية، إضافةً إلى تلك التي تخالف الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.
"شاؤول منشيه" وهو من الصحفيين الإسرائيليين البارزين، كان واحداً من أولئك الذين تفاخروا وطرِبوا بشدّة، لما شاهدوه وما سمعوه من إشادة وتأييد طوال الفترة الماضية، وأبان عن تفاخره وطربه، حين تناول مقالاً، نشرته مؤخّراً صحيفة السياسة الكويتية، والذي حمل عنوان (هل قتل المصلين بطولة ؟)، في إشارةً إلى عملية القدس الاستشهادية، والتي تم أثناءها، قتل أربعة من المستوطنين داخل الكنيس في حي (هار نوف) الصهيوني خلال الشهر الفائت، وهو المقال الذي يظهر بأن كاتبه ليس بعربي ولا إسلامي، بسبب أنه لم يذكر شيئاً عن الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم وحرماتهم على مدار تواجدهم في المكان، حين وصف العملية، بأنها تمثّل الوقاحة والصلافة والجلافة لدى حاملي رايات التحرير والمقاومة والممانعة، وكما وصفها، إلى حد إسقاط صفات البطولة على أعمال القتل والتفجير، التي تطاول حتى أماكن العبادة، وقتل مصلين ورجال دين فيها، واعتبار ذلك عملاً بطولياً ومقاوماً واستشهادياً، ولم يسكت عند هذا الحد، بل واصل قوله: وأعلنت بعض الأصوات النشاز في لبنان وقطاع غزة، وبعض الدول العربية، عن تمجيدها لتلك العمليات.
كيف لنا ونحن تحت وطأة الاحتلال بلا كيان ولا عنوان، أن نصف هؤلاء من القادة والحكام، والكتاب والإعلاميين وأمثالهم، وهم تائهون بعيداً عن العروبة وأصولها، وعن الوطنية وأمجادها، وجملة موروثاتنا الأدبية والأخلاقية، وهم يعلمون بأنهم يسردون بشكلٍ مُعاكس تماماً للحقائق الدامغة، ولا يرومون من وراء سردهم هذا، سوى إسرائيل والتمرغ في ظلالها.
خانيونس/فلسطين
6/12/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
ليس مفاجئاً، أن تجد إسرائيل نفسها مضطرة، إلى إبراز فخرها وإثبات عزة مكانها وسط المنطقة والعالم، بعد أن حازت بقوّة جادّة، على تعاطفٍ وتأييدٍ عربيين، سواء بشأن استمرار كيانها بما لا يتوافق مع مصلحة المنطقة، أو بشأن ممارساتها ضد العرب والفلسطينيين تحديداً، فمنذ الجنوح باتجاه السلمية بدلاً من الكفاح، قبل أكثر من عقدين من الزمن، كان من أسوأ آثاره، هو خلق بيئة عربيّة وفلسطينية متعاطفة معها، مكّنتها للعمل على تعظيمها وتعزيزها، بما لديها من وسائل ذاتية وخارجية أخرى، أيضاً فإن أحداث الربيع العربي، والتي جالت دولاً عربيّة مهمّة، يسّرت إلى ابتداع مواقف، تجاوزت مروراً مع الوقت، إلى التأييد العلني لإسرائيل وبلا تردد، حتى في ضوء افترائها على الأرض والشعب والمقدسات الفلسطينية.
بغض النظر عما بدر من جهات وأطراف محليّة وعربيّة، داعمة للعدوان الإسرائيلي (الجرف الصامد) في يوليو/تموز الماضي، ومُحمّلةً المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالذات مسؤولية العدوان، بسبب اعتقادهم بأن مواقفهم مشروعة، تبعاً للمتغيرات الدولية، ورأفةً بالقضية الفلسطينية، بشكلٍ عزز الموقف الإسرائيلي نحو مواصلة مساعيه للفتك بالمقاومة وعتادها، والاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، لكن الذي أجبرنا على إدامة النظر، عندما برزت تحولات أخرى، بدت وكأنها تمثّل خطراً أكبر بالنسبة للوضع الفلسطيني، بسبب أنها لن تتوقف عند حدٍ ما، والتي توضحت في توجهات عربيّة وعلى مستويات مختلفة، إلى إدانة واستنكار العمليات الفلسطينية المتواضعة التي يقوم بها فلسطينيين ضد (مستوطنين) يهود، والتي لم تنتج عنهم جزافاً أو بطراً، وإنما لضيق الحيلة، واحتجاجاً على المواقف العربية المتراجعة، أكثر من أي شيءٍ آخر، وكنا قد شاهدنا هنا وهناك، أطيافاً منها، تقوم بتلاوة أنواعاً من المدد والإسناد، وبما يوازيها من أشكال التعزية والمواساة، في شأن مستوطنين قُتلوا، بعنوان المقاومةً ودفاعاً للحقوق الفلسطينية.
يحق للإسرائيليين عموماً، هنا وفي أيّ مكان، الزهو والافتخار، حين يشاهدون أولئك الذين تنطلق ألسنتهم إلى خارج الأفواه، ومن خلال السلطة الرابعة التي يمتلكونها، أو يحوزون على مقاعد مهمّةً فيها، وهي تلهج بالإشادة (عياناً بياناً) بالممارسات الإسرائيليّة، وإيجاد المبررات اللازمة لها، ومن ثمّ لا يألون جهداً للقدح في المقاومة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكان قد نقل مؤخّراً، رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" الكثير من الجميل العربي، نتيجة وقوفه إلى جانبه في سياساته العدائية للمقاومة وللشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، إلى جانب تفاخر الكثيرين من القادة السياسيين والعسكريين والإعلاميين الإسرائيليين أيضاً، الذين تمسّحوا بأولئك المؤيدين لهم، وتعبّدوا بأسمائهم، وأبرزوا أقوالهم ومواقفهم، التي تحابيهم وتجد العذر لسياساتهم، باعتبارهم الصوت المنير، الذي يمنح شرعية قويّة لمجاميع السياسات الإسرائيلية، وحتى في ضوء علمهم بأنها لا تنطوي إلاّ على إدارة الصراع فقط، وشرعية أخرى أيضاً، لجملة الممارسات الاستيطانيّة والعنصرية، وانتهاك الحرمات والمقدسات، والتي نشأت خداعاً، أو بأوامر عسكرية، إضافةً إلى تلك التي تخالف الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.
"شاؤول منشيه" وهو من الصحفيين الإسرائيليين البارزين، كان واحداً من أولئك الذين تفاخروا وطرِبوا بشدّة، لما شاهدوه وما سمعوه من إشادة وتأييد طوال الفترة الماضية، وأبان عن تفاخره وطربه، حين تناول مقالاً، نشرته مؤخّراً صحيفة السياسة الكويتية، والذي حمل عنوان (هل قتل المصلين بطولة ؟)، في إشارةً إلى عملية القدس الاستشهادية، والتي تم أثناءها، قتل أربعة من المستوطنين داخل الكنيس في حي (هار نوف) الصهيوني خلال الشهر الفائت، وهو المقال الذي يظهر بأن كاتبه ليس بعربي ولا إسلامي، بسبب أنه لم يذكر شيئاً عن الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم وحرماتهم على مدار تواجدهم في المكان، حين وصف العملية، بأنها تمثّل الوقاحة والصلافة والجلافة لدى حاملي رايات التحرير والمقاومة والممانعة، وكما وصفها، إلى حد إسقاط صفات البطولة على أعمال القتل والتفجير، التي تطاول حتى أماكن العبادة، وقتل مصلين ورجال دين فيها، واعتبار ذلك عملاً بطولياً ومقاوماً واستشهادياً، ولم يسكت عند هذا الحد، بل واصل قوله: وأعلنت بعض الأصوات النشاز في لبنان وقطاع غزة، وبعض الدول العربية، عن تمجيدها لتلك العمليات.
كيف لنا ونحن تحت وطأة الاحتلال بلا كيان ولا عنوان، أن نصف هؤلاء من القادة والحكام، والكتاب والإعلاميين وأمثالهم، وهم تائهون بعيداً عن العروبة وأصولها، وعن الوطنية وأمجادها، وجملة موروثاتنا الأدبية والأخلاقية، وهم يعلمون بأنهم يسردون بشكلٍ مُعاكس تماماً للحقائق الدامغة، ولا يرومون من وراء سردهم هذا، سوى إسرائيل والتمرغ في ظلالها.
خانيونس/فلسطين
6/12/2014