المحكمة الجنائية: شعاع بلا نهاية !
د. عادل محمد عايش الأسطل
الإصرار الذي أبدته القيادة الفلسطينية باتجاه فرض السلام على إسرائيل، من خلال نشر مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي للتصويت عليه، ويهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كان ضد رغبة الولايات المتحدة، التي لوحت باتخاذ الفيتو لإحباطه، وبدرجةٍ أقوى ضد نوايا إسرائيل، التي هددت باتخاذ إجراءات مقابلة ضد الخطوة الفلسطينيّة، باعتبارها (أحادية) ومنافية لعملية السلام، لكن الذي جاء على رغبتهما معاً، هو إخفاق الخطوة، وبدون الحصول على أيّة أضرار.
فشل المشروع الفلسطيني، كان متوقعاً لدى الجميع داخلياً وخارجياً، تماماً كما كان لدى القيادة الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الإصرار إذاً، وخاصةً في وقت ختام العام، وقبل يومين اثنين فقط، من دخول أعضاء جدد، هم أكثر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وحظوظ تمرير المشروع كانت أكثر مُيسّرة؟
جواب ذلك سهل، وهو على أكثر من صورة، الأولى: تتمثّل في استقرار رأي الرئيس الفلسطيني "أبومازن" على أن مجرّد تنفيذ تهديده باللجوء إلى مجلس الأمن، كان لسعيه في إصلاح ما فسد من الخطوات الفلسطينية باتجاه عملية التسوية، والتي لم تنتج بعد أكثر من عقدين من الزمن، شيئاً ذا معنى، وبإضافة إشارة هامّة، تُعبّر عن أخطاء، إذ كان مضطرّاً خلال مرحلةٍ ما، لتقديم سياسات قاتلة، وهو الآن وقد أصبح على تجربة مميتة باتجاه الإسرائيليين بشكلٍ عام.
وهناك تكهّنات، باعتبارها من صور الجواب، بأن القيادة تعمّدت الإصرار والدخول إلى الفشل، بهدف إظهار مقدرتها أمام الفلسطينيين على الأقل، على مواجهة السياسة الإسرائيلية، وعلى مخالفة الولايات المتحدة وعدم الانصياع مع سياستها، التي لا تتعادل مع التطلعات الفلسطينية، وبما يتناسب مع عدم إحراج واشنطن، وعدم المواجهة معها، وربما قررت من وراء ذلك، تحويل كُرة الثلج الدوليّة إلى الساحة الإسرائيلية، التي تهدف إلى تنمية الضغوط على إسرائيل، للتخلي عن سياستها الاحتلالية، من خلال تفعيل مقاومة أوروبية جادّة، تؤدّي إلى ارغامها في إبراز ليونة، وتقديم تنازلات مستقبلية.
وهناك جوابٌ آخر، يتعلق بضرورة مسارعة القيادة الفلسطينية، إلى تنفيذ تهديداتها الأكثر شدّة، وهي الانتقال إلى المرحلة التالية، والتي تتضمن التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية وفي صميمها، اتفاقية روما، المنشئة لمحكمة الجنايات الدوليّة، باعتبار فشل تمرير المشروع مبرراً، لبلوغ تلك الخطوة، والتي اعتبرتها كل من واشنطن وإسرائيل، منذ قيام "أبومازن" بالتوقيع عليها، بأنها غير صائبة، وهي بمثابة (صافرة حرب)، وقررتا في الوقت ذاته، بالتصدي لها ومواجهتها، وأنذرتا الفلسطينيين بما لا يسُر، حيث أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" بالرد القوي لتلك الخطوة، وكان بدأ بدعوة الجنائية بعدم الاستجابة للطلب الفلسطيني، إضافةً إلى تذكيره بأن الفلسطينيين ذاتهم، لن يكونوا بمنأىً عن المثول أمامها وبأسرع ممّا يتصورون، وللتنبيه فقط، فقد ساهم اليسار الإسرائيلي، الذي يطمع فيه المجتمع الدولي والفلسطينيون بخاصة، أن يميل إلى الحكم، بإبدائه شراسة أعلى في مواجهة المسعى الفلسطيني الجديد، بالإعلان عن إجراءات مُعقّدة ضد الفلسطينيين، في حال تمكنهم من قيادة إسرائيل.
خطوة التوقيع- للوهلة الأولي- والتي كانت موضع ترحيب لدى فصائل وحركات فلسطينية وعلى رأسها حركة حماس - وهذه سابقة، كحالة انسجاميّة أولى(نادرة) - بين متناكفين في المبادئ، ومتناقضين في الطريقة- ستقطع الأنفاس الإسرائيلية تماماً، سيما وأن بنود الاتفاقية في الاعتقاد الفلسطيني، تنطبق بالكامل مع ممارسات إسرائيل السياسية والقمعيّة ضد الفلسطينيين، سيما وأنها توضّح، بأن أيّة نشاطات أو أيّة حركة أو أي زفير إسرائيلي باتجاههم، سوف يكون وخيم العواقب، ربما تمس مصير الدولة بشكلٍ عام، لكن الأمر لا يبدو كذلك، أو بهذه السهولة، بسبب أنه اعتقاد مبالغٌ فيه، فعلاوةً على أن المفاوضات السياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ستكون في عداد المجهول، فإن هناك أوقاتاً طويلة ربما لا نهاية لها، تبدأ بتقديم طلب الشكوى، والتي ستكون أقرب إلى الشعاع المُنطلق، الذي له بداية وليس له نهاية.
وفي ضوء ما تقدّم، فإنه لا توجد أيّة مُشجّعات، أمام الحصول على مكاسب سياسية، ضد واشنطن أو إسرائيل، لا عن طريق الأمم المتحدة، ولا عن طريق المحكمة الجنائية، ما دامت إسرائيل مُطلقة اليدين في ممارساتها ضد الفلسطينيين، وواشنطن في انحيازها الأعمى لها، بإضافة النفاق الأوروبي المُعتاد، مع العلم بأن ذلك كلّه، ليس مهمّاً في البداية، بسبب أن الأهم هو العودة إلى فكرة تنظيم البيت الفلسطيني في مجموعٍ واحد وليس في عدّة مجموعات، إذا ما أُريد مواجهة جملة الأغضاب الأمريكية، والتهديدات الإسرائيلية بكافتها، وبالمناسبة، فإن من الأسباب القاسية، التي حالت دون نجاح المشروع الفلسطيني، هو أن "أبومازن" ذهب إلى مجلس الأمن منفرداً، وعلى غير رغبات فصائلية، وبدون تأييدات شعبية كافية، وحتى بمعزل عن الحكومة التوافقية المتواجدة إلى هذه الساعة، كما أن الساحة الفلسطينية المتهالكة والمنقلبة على نفسها، وسواء بالنسبة لحالة الانشطار المؤلمة بين أكبر حركتين – فتح، حماس- أو بالنسبة للحالة المتردّية لحركة فتح نفسها، والتي تجد صعوبة في ترميم بيتها، لا تدل على حدوث انفراجات قريبة، وخاصة في ضوء أزمتها مع القيادي "محمد دحلان" الذي يوشك أن يتخذ مسالك تصعيدية متقدّمة، ضد السلطة والرئيس "أبومازن" تحديداً.
خانيونس/فلسطين
1/1/2015
د. عادل محمد عايش الأسطل
الإصرار الذي أبدته القيادة الفلسطينية باتجاه فرض السلام على إسرائيل، من خلال نشر مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي للتصويت عليه، ويهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كان ضد رغبة الولايات المتحدة، التي لوحت باتخاذ الفيتو لإحباطه، وبدرجةٍ أقوى ضد نوايا إسرائيل، التي هددت باتخاذ إجراءات مقابلة ضد الخطوة الفلسطينيّة، باعتبارها (أحادية) ومنافية لعملية السلام، لكن الذي جاء على رغبتهما معاً، هو إخفاق الخطوة، وبدون الحصول على أيّة أضرار.
فشل المشروع الفلسطيني، كان متوقعاً لدى الجميع داخلياً وخارجياً، تماماً كما كان لدى القيادة الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الإصرار إذاً، وخاصةً في وقت ختام العام، وقبل يومين اثنين فقط، من دخول أعضاء جدد، هم أكثر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وحظوظ تمرير المشروع كانت أكثر مُيسّرة؟
جواب ذلك سهل، وهو على أكثر من صورة، الأولى: تتمثّل في استقرار رأي الرئيس الفلسطيني "أبومازن" على أن مجرّد تنفيذ تهديده باللجوء إلى مجلس الأمن، كان لسعيه في إصلاح ما فسد من الخطوات الفلسطينية باتجاه عملية التسوية، والتي لم تنتج بعد أكثر من عقدين من الزمن، شيئاً ذا معنى، وبإضافة إشارة هامّة، تُعبّر عن أخطاء، إذ كان مضطرّاً خلال مرحلةٍ ما، لتقديم سياسات قاتلة، وهو الآن وقد أصبح على تجربة مميتة باتجاه الإسرائيليين بشكلٍ عام.
وهناك تكهّنات، باعتبارها من صور الجواب، بأن القيادة تعمّدت الإصرار والدخول إلى الفشل، بهدف إظهار مقدرتها أمام الفلسطينيين على الأقل، على مواجهة السياسة الإسرائيلية، وعلى مخالفة الولايات المتحدة وعدم الانصياع مع سياستها، التي لا تتعادل مع التطلعات الفلسطينية، وبما يتناسب مع عدم إحراج واشنطن، وعدم المواجهة معها، وربما قررت من وراء ذلك، تحويل كُرة الثلج الدوليّة إلى الساحة الإسرائيلية، التي تهدف إلى تنمية الضغوط على إسرائيل، للتخلي عن سياستها الاحتلالية، من خلال تفعيل مقاومة أوروبية جادّة، تؤدّي إلى ارغامها في إبراز ليونة، وتقديم تنازلات مستقبلية.
وهناك جوابٌ آخر، يتعلق بضرورة مسارعة القيادة الفلسطينية، إلى تنفيذ تهديداتها الأكثر شدّة، وهي الانتقال إلى المرحلة التالية، والتي تتضمن التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات الدولية وفي صميمها، اتفاقية روما، المنشئة لمحكمة الجنايات الدوليّة، باعتبار فشل تمرير المشروع مبرراً، لبلوغ تلك الخطوة، والتي اعتبرتها كل من واشنطن وإسرائيل، منذ قيام "أبومازن" بالتوقيع عليها، بأنها غير صائبة، وهي بمثابة (صافرة حرب)، وقررتا في الوقت ذاته، بالتصدي لها ومواجهتها، وأنذرتا الفلسطينيين بما لا يسُر، حيث أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" بالرد القوي لتلك الخطوة، وكان بدأ بدعوة الجنائية بعدم الاستجابة للطلب الفلسطيني، إضافةً إلى تذكيره بأن الفلسطينيين ذاتهم، لن يكونوا بمنأىً عن المثول أمامها وبأسرع ممّا يتصورون، وللتنبيه فقط، فقد ساهم اليسار الإسرائيلي، الذي يطمع فيه المجتمع الدولي والفلسطينيون بخاصة، أن يميل إلى الحكم، بإبدائه شراسة أعلى في مواجهة المسعى الفلسطيني الجديد، بالإعلان عن إجراءات مُعقّدة ضد الفلسطينيين، في حال تمكنهم من قيادة إسرائيل.
خطوة التوقيع- للوهلة الأولي- والتي كانت موضع ترحيب لدى فصائل وحركات فلسطينية وعلى رأسها حركة حماس - وهذه سابقة، كحالة انسجاميّة أولى(نادرة) - بين متناكفين في المبادئ، ومتناقضين في الطريقة- ستقطع الأنفاس الإسرائيلية تماماً، سيما وأن بنود الاتفاقية في الاعتقاد الفلسطيني، تنطبق بالكامل مع ممارسات إسرائيل السياسية والقمعيّة ضد الفلسطينيين، سيما وأنها توضّح، بأن أيّة نشاطات أو أيّة حركة أو أي زفير إسرائيلي باتجاههم، سوف يكون وخيم العواقب، ربما تمس مصير الدولة بشكلٍ عام، لكن الأمر لا يبدو كذلك، أو بهذه السهولة، بسبب أنه اعتقاد مبالغٌ فيه، فعلاوةً على أن المفاوضات السياسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ستكون في عداد المجهول، فإن هناك أوقاتاً طويلة ربما لا نهاية لها، تبدأ بتقديم طلب الشكوى، والتي ستكون أقرب إلى الشعاع المُنطلق، الذي له بداية وليس له نهاية.
وفي ضوء ما تقدّم، فإنه لا توجد أيّة مُشجّعات، أمام الحصول على مكاسب سياسية، ضد واشنطن أو إسرائيل، لا عن طريق الأمم المتحدة، ولا عن طريق المحكمة الجنائية، ما دامت إسرائيل مُطلقة اليدين في ممارساتها ضد الفلسطينيين، وواشنطن في انحيازها الأعمى لها، بإضافة النفاق الأوروبي المُعتاد، مع العلم بأن ذلك كلّه، ليس مهمّاً في البداية، بسبب أن الأهم هو العودة إلى فكرة تنظيم البيت الفلسطيني في مجموعٍ واحد وليس في عدّة مجموعات، إذا ما أُريد مواجهة جملة الأغضاب الأمريكية، والتهديدات الإسرائيلية بكافتها، وبالمناسبة، فإن من الأسباب القاسية، التي حالت دون نجاح المشروع الفلسطيني، هو أن "أبومازن" ذهب إلى مجلس الأمن منفرداً، وعلى غير رغبات فصائلية، وبدون تأييدات شعبية كافية، وحتى بمعزل عن الحكومة التوافقية المتواجدة إلى هذه الساعة، كما أن الساحة الفلسطينية المتهالكة والمنقلبة على نفسها، وسواء بالنسبة لحالة الانشطار المؤلمة بين أكبر حركتين – فتح، حماس- أو بالنسبة للحالة المتردّية لحركة فتح نفسها، والتي تجد صعوبة في ترميم بيتها، لا تدل على حدوث انفراجات قريبة، وخاصة في ضوء أزمتها مع القيادي "محمد دحلان" الذي يوشك أن يتخذ مسالك تصعيدية متقدّمة، ضد السلطة والرئيس "أبومازن" تحديداً.
خانيونس/فلسطين
1/1/2015
تعليق