مشاريع خانيونس... أسوأ ما رأيت !
د. عادل محمد عايش الأسطل
ربما يكون العنوان قاسياً، لكن اسمعوا هذه الحكاية.. قبل بضعة عقود من الزمن، كنّا قد أنشأنا بناية – نعتقد حينها بأنها فيلاّ (مُكنكنة وممشوقة)- وبينما نحن ماضون في تجميلها وتزويق أسوارها، عرض أن جاء رجلٌ من جهة الشمال ومن مدينة غزة المجاورة تحديداً، وكان إسكافيّاً، فنظر فيما نفعل فسأل: ما هذا الذي تفعلون؟
فقلنا: نُجمّل بيتنا.
فتساءل فيما إذا ما نفعله خسائر وحسب.
لم تمضِ سنوات قليلات، حتى وجدنا ما قاله ذلك الإسكافي وكأنّه حقيقة دامعة، وقد بلغ قناعتنا أنه لا يصلح لتلك البناية، إلاّ حشوها بالديناميت ومن ثَمّ نثرها في أعالي الجو، بسبب أنها بدت وكأنها كومة من القمامة.
هكذا تبدو مشاريع خانيونس، وسواء كانت الخاصّة بالإنشاءات الإسكانية، أو المتعلّقة بإنشاءات الطرق والشوارع، أو المرتبطة بالأمور الثقافية والترفيهية الأخرى، وهي على أي حال– أغلبيتها- يتم تمويلها من قِبل جهات عربيّة وأجنبية مانحة، خاصةً وأن طُرق مداخيل السلطات المحليّة من رسوم وضرائب ومستحقات أخرى، لا تتطابق مع مسألة تمويل أي مشاريع وإن بدت هامشيّة، وفي ظل الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها القطاع بشكلٍ عام.
وبالمناسبة، فإنه لا يُمكننا الطعن في قدر الجهد الذي تكبّده العاملين في تلك المشاريع، ولا يمكننا إنكار كمّية العرق التي نزفت من أبدانهم– كباراً كانوا أو صغاراً- وحتى في حال لم نقُم بالشكر عليهما في الدنيا سِراً وجهراً، فإن لهم الثواب لدى الله في الآخرة.
وكما لا نقصد فتح نوافذ لإلقاء نواياٍ غير صالحة، إلاّ للبحث واعتماد ما هو جيّد، لنقوم بتمجيده حسب الأصول، فإنه لا يعنينا أيضاً إلقاء اللوم على جهة ما، كالمجلس البلدي المخوّل أو من يقوم بتخويله، باتجاه تنفيذ مشروعات عاجلة ومطلوبة، بسبب خضوعها لجهات أعلى منها، باعتبارها هي من تتحكم بجملة الأمور، والتي تعتمد في توزيع المشروعات وأشكالها- ربما – ترتيباً على خريطة فوارق اقتصادية واجتماعية.
لقد شهِدت المدينة مشروعات مختلفة لأحياء سكنية، والتي وقعت عليها تسميات (عملاقة)، كالحي الأوروبي، والياباني والإماراتي وغير ذلك، لكنها في الواقع، لا تبدو كذلك، خاصة وأنها تتواجد في القرن الجديد، والذي يتطلب بالضرورة أن تنطبق الأسماء على مُسمّياتها، سيما وأنه تم تشييدها بناءً على خطط عشوائية، وسواء من حيث تخسير الثروة الرمليّة، التي تُعد من اقتصادات المدينة الرئيسة، بسبب البناء الأفقي، وفي ضوء المساحة المتهالكة التي يجثم عليها القطاع (360كم/2 مليون نسمة تقريباً)، أو لتصميمات بيوتها الساذجة، ذات الأزقّة الضيقة والقصيرة والملتوية، والتي لا تستقيم بداياتها مع الشوارع القديمة في ذات الوقت.
وإذا انتقلنا إلى مشاريع الطرق والشوارع العامّة، لوجدناها على أخطاءٍ أكبر، بسبب أنها مؤلمة وبلا حدود، وحتى كل خطوة تندرج في هذا المجال، كانت تفشل في إصلاح التشويهات، التي غمرت أعمالاً سابقة، والتي ثبت جُلّها قبل عددٍ من السنين، إذ بدا الإصلاح بعد تمامه، وكأنه أضاف تشويهاً آخر، ومن ثَمّ لا مصل له أو علاج.
وكمثال، فإن طريق (رقم 5)، المخلوق حديثاً، وهو الممتد من شارع صلاح الدين شرقاً، إلى بدايات حيّ الأمل غرباً، بطول 3- 4 كم على أكثر تقدير، يدل صراحة على ما سلف من القول، وسواء من حيث انطلاقه بغيرِ هدىً، أو لاضطرابه الواضح لدى تقاطعه مع شارع جمال عبد الناصر، أو لسوءاته المتمثّلة في اعوجاجاته وانحناءاته المقصودة.
وذلك - كما يبدو- رغبة في الهروب من مسألة تعويض الناس عن أملاكهم، والاكتفاء بسلخ 25% منها، وهي القيمة المشروعة، التي يتم مُصادرتها تبعاً للقانون، تحت بند (مصلحة عامة)، ناهيكم عن أن الشارع المقصود، وآخرين من إخوانه، يفتقرون إلى أي قيم فنيّة أو جمالية، والتي لم تكن بحاجة إلى خبراء ومهندسين لتنفيذها، ما دامت أُخرِجت على هذا النحو.
أمّا بالنسبة للمشروعات الثقافية والترفيهية، فإنه لا يمكننا نكران وجودها، لكن وبنفس القدر– أو أعلى قليلاً- فإنه لا يمكننا القيام بنعتها بالمعنى الحقيقي، مقارنةً بمثيلاتها في مناطق أخرى، فبينما يستمر تكريسها وإعلاء شأنها من حيث النّماءِ والتطوّر في تلك المناطق، فإنه يستمرّ هنا عدم الانشغال بها للحظة واحدة، ولعله مُرتبطاً بأسبابٍ وجيهة، ومنها: أن الحال العام يتطلب عملاً واقتصاد، ولاعتبار أن الوقت كالذّهب، لا يمكن التفريط فيه بسهولة، وإضاعته في أمور تُلهي عن ذكر الله.
يجدُر توضيح، أن لا أهميّة تُذكر لمشروعات المحافظة (ككل أو لمعظمها على الأقل)، وسواء التي تم انتاجها- بسبب عِلمنا بها-، أو التي ستُنتج لاحقاً، - بسبب عناوينها الواضحة –، والتي لا يُمكن بأي حال قبولها في محافظات أخرى، وتحديداً في مدينة غزة، باعتبارها – ببساطة- غير لائقة.
وعلى أي حال، فإن لا أحد يَسرّهُ رؤية مشروعات مريضة أو طائشة، كالتي جرى تنفيذها، وكان يجب الإحجام عن الاشتغال بها، حتى تكون وافية ومستوية، ونحن في هذا الصدد، لا ندري فيما إذا تمّ تمريرها كما هي وبسهولة، بسبب أنه لو قُدِّر لإحدى الجهات المموّلة لها، مُشاهدتها وفحصها، لكانت أوقفت تمويلها، ولسارعت إلى البراءة منها.
خانيونس/فلسطين
الأربعاء, 24 فبراير- 2016
د. عادل محمد عايش الأسطل
ربما يكون العنوان قاسياً، لكن اسمعوا هذه الحكاية.. قبل بضعة عقود من الزمن، كنّا قد أنشأنا بناية – نعتقد حينها بأنها فيلاّ (مُكنكنة وممشوقة)- وبينما نحن ماضون في تجميلها وتزويق أسوارها، عرض أن جاء رجلٌ من جهة الشمال ومن مدينة غزة المجاورة تحديداً، وكان إسكافيّاً، فنظر فيما نفعل فسأل: ما هذا الذي تفعلون؟
فقلنا: نُجمّل بيتنا.
فتساءل فيما إذا ما نفعله خسائر وحسب.
لم تمضِ سنوات قليلات، حتى وجدنا ما قاله ذلك الإسكافي وكأنّه حقيقة دامعة، وقد بلغ قناعتنا أنه لا يصلح لتلك البناية، إلاّ حشوها بالديناميت ومن ثَمّ نثرها في أعالي الجو، بسبب أنها بدت وكأنها كومة من القمامة.
هكذا تبدو مشاريع خانيونس، وسواء كانت الخاصّة بالإنشاءات الإسكانية، أو المتعلّقة بإنشاءات الطرق والشوارع، أو المرتبطة بالأمور الثقافية والترفيهية الأخرى، وهي على أي حال– أغلبيتها- يتم تمويلها من قِبل جهات عربيّة وأجنبية مانحة، خاصةً وأن طُرق مداخيل السلطات المحليّة من رسوم وضرائب ومستحقات أخرى، لا تتطابق مع مسألة تمويل أي مشاريع وإن بدت هامشيّة، وفي ظل الحالة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها القطاع بشكلٍ عام.
وبالمناسبة، فإنه لا يُمكننا الطعن في قدر الجهد الذي تكبّده العاملين في تلك المشاريع، ولا يمكننا إنكار كمّية العرق التي نزفت من أبدانهم– كباراً كانوا أو صغاراً- وحتى في حال لم نقُم بالشكر عليهما في الدنيا سِراً وجهراً، فإن لهم الثواب لدى الله في الآخرة.
وكما لا نقصد فتح نوافذ لإلقاء نواياٍ غير صالحة، إلاّ للبحث واعتماد ما هو جيّد، لنقوم بتمجيده حسب الأصول، فإنه لا يعنينا أيضاً إلقاء اللوم على جهة ما، كالمجلس البلدي المخوّل أو من يقوم بتخويله، باتجاه تنفيذ مشروعات عاجلة ومطلوبة، بسبب خضوعها لجهات أعلى منها، باعتبارها هي من تتحكم بجملة الأمور، والتي تعتمد في توزيع المشروعات وأشكالها- ربما – ترتيباً على خريطة فوارق اقتصادية واجتماعية.
لقد شهِدت المدينة مشروعات مختلفة لأحياء سكنية، والتي وقعت عليها تسميات (عملاقة)، كالحي الأوروبي، والياباني والإماراتي وغير ذلك، لكنها في الواقع، لا تبدو كذلك، خاصة وأنها تتواجد في القرن الجديد، والذي يتطلب بالضرورة أن تنطبق الأسماء على مُسمّياتها، سيما وأنه تم تشييدها بناءً على خطط عشوائية، وسواء من حيث تخسير الثروة الرمليّة، التي تُعد من اقتصادات المدينة الرئيسة، بسبب البناء الأفقي، وفي ضوء المساحة المتهالكة التي يجثم عليها القطاع (360كم/2 مليون نسمة تقريباً)، أو لتصميمات بيوتها الساذجة، ذات الأزقّة الضيقة والقصيرة والملتوية، والتي لا تستقيم بداياتها مع الشوارع القديمة في ذات الوقت.
وإذا انتقلنا إلى مشاريع الطرق والشوارع العامّة، لوجدناها على أخطاءٍ أكبر، بسبب أنها مؤلمة وبلا حدود، وحتى كل خطوة تندرج في هذا المجال، كانت تفشل في إصلاح التشويهات، التي غمرت أعمالاً سابقة، والتي ثبت جُلّها قبل عددٍ من السنين، إذ بدا الإصلاح بعد تمامه، وكأنه أضاف تشويهاً آخر، ومن ثَمّ لا مصل له أو علاج.
وكمثال، فإن طريق (رقم 5)، المخلوق حديثاً، وهو الممتد من شارع صلاح الدين شرقاً، إلى بدايات حيّ الأمل غرباً، بطول 3- 4 كم على أكثر تقدير، يدل صراحة على ما سلف من القول، وسواء من حيث انطلاقه بغيرِ هدىً، أو لاضطرابه الواضح لدى تقاطعه مع شارع جمال عبد الناصر، أو لسوءاته المتمثّلة في اعوجاجاته وانحناءاته المقصودة.
وذلك - كما يبدو- رغبة في الهروب من مسألة تعويض الناس عن أملاكهم، والاكتفاء بسلخ 25% منها، وهي القيمة المشروعة، التي يتم مُصادرتها تبعاً للقانون، تحت بند (مصلحة عامة)، ناهيكم عن أن الشارع المقصود، وآخرين من إخوانه، يفتقرون إلى أي قيم فنيّة أو جمالية، والتي لم تكن بحاجة إلى خبراء ومهندسين لتنفيذها، ما دامت أُخرِجت على هذا النحو.
أمّا بالنسبة للمشروعات الثقافية والترفيهية، فإنه لا يمكننا نكران وجودها، لكن وبنفس القدر– أو أعلى قليلاً- فإنه لا يمكننا القيام بنعتها بالمعنى الحقيقي، مقارنةً بمثيلاتها في مناطق أخرى، فبينما يستمر تكريسها وإعلاء شأنها من حيث النّماءِ والتطوّر في تلك المناطق، فإنه يستمرّ هنا عدم الانشغال بها للحظة واحدة، ولعله مُرتبطاً بأسبابٍ وجيهة، ومنها: أن الحال العام يتطلب عملاً واقتصاد، ولاعتبار أن الوقت كالذّهب، لا يمكن التفريط فيه بسهولة، وإضاعته في أمور تُلهي عن ذكر الله.
يجدُر توضيح، أن لا أهميّة تُذكر لمشروعات المحافظة (ككل أو لمعظمها على الأقل)، وسواء التي تم انتاجها- بسبب عِلمنا بها-، أو التي ستُنتج لاحقاً، - بسبب عناوينها الواضحة –، والتي لا يُمكن بأي حال قبولها في محافظات أخرى، وتحديداً في مدينة غزة، باعتبارها – ببساطة- غير لائقة.
وعلى أي حال، فإن لا أحد يَسرّهُ رؤية مشروعات مريضة أو طائشة، كالتي جرى تنفيذها، وكان يجب الإحجام عن الاشتغال بها، حتى تكون وافية ومستوية، ونحن في هذا الصدد، لا ندري فيما إذا تمّ تمريرها كما هي وبسهولة، بسبب أنه لو قُدِّر لإحدى الجهات المموّلة لها، مُشاهدتها وفحصها، لكانت أوقفت تمويلها، ولسارعت إلى البراءة منها.
خانيونس/فلسطين
الأربعاء, 24 فبراير- 2016