أفاتار والاستعمار الجديد

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    أفاتار والاستعمار الجديد

    أفاتار والاستعمار الجديد.. د. أحمد أبوزيد


    لم يلق فيلم سينمائي من أفلام الخيال العلمي التي ظهرت في السنوات الأخيرة مايلقاه فيلم أفاتار الذي ظهر في عام 2009 من اهتمام الباحثين والكتاب والمفكرين, سواء في مجال الفن السينمائي الحديث أم في مجالات الفكر السياسي والاجتماعي وغيرهما, نظرا لتشعب وتعدد القراءات لأحداث الفيلم الخيالية وارتباطها في الوقت ذاته بواقع الحياة الحديثة، وتنوع الرسائل التي يحملها من وجهة نظر المشاهدين والكتّاب والمفكرين والنقاد.

    بالرغم من الإطراء الشديد للفيلم من حيث تقنيات الإخراج الباهر فإن دلالة موضوعه تواجه كثيرا من النقد الذي وصل إلى حد التنديد به بل والرفض من أوساط كثيرة في المجتمع الأمريكي بالذات، نظرا لأنه يذكّرهم بجانب مظلم من تاريخ وفلسفة أمريكا ونظرتها لنفسها وللعالم والشعوب الأخرى، وما تحملها من رؤى تتجافى مع الضمير الإنساني، الذي يرتكز على قواعد ومبادئ أخلاقية يتشدق بها الأمريكيون دون أن يطبقوها في علاقاتهم الدولية بالشعوب والمجتمعات والثقافات الأخرى، بما في ذلك قبائل الهنود (الحمر) سكان أمريكا الأصليين الذين يعيشون في معازل خاصة بهم.

    ومن دون الدخول في تفاصيل الفيلم فإنه يدور حول رغبة إحدى شركات التعدين على كوكب الأرض في الحصول على معدن ثمين ونادر الوجود، كما يبدو من اسمه في الفيلم وهو Unobtanium أي صعب المنال ولكنه متوافر على كوكب آخر صغير اسمه باندورا أي الأمل في الأساطير اليونانية، فترسل بعثة من بعض العلماء وقدامى المحاربين بأسلحتهم الحديثة للتفاهم أولا مع سكان ذلك الكوكب، وهم شعب طبيعي، من أشباه البشرالزرق، على استغلال ثرواتهم الطبيعية مع الالتجاء إلى العنف والحرب والتدمير والإبادة إذا لزم الأمر. ولكن بعدعمليات بيولوجية وذهنية معقدة يتقمص المبعوث بمقتضاها شخصية شاب من ذلك الشعب الأزرق الذي يطلق عليه اسم نا - في Na vi ، ويندمج ذلك المبعوث فى حياة ذلك الشعب ويقع في غرام أميرتهم ويتزوجها ويتبنى وجهة نظرهم في الدفاع عن أراضيهم ضد الغزاة الآدميين الوافدين من كوكب الأرض. وتفلح قبائل الزرق البدائية من أشباه البشر في صد العدوان بأسلحتهم البسيطة المؤلفة من القسي والسهام. وواضح أن اسم أفاتار المستمد من الديانة الهندوكية ويعني التقمص، يرمز إلى أحداث الفيلم وفلسفته بوجه عام.

    وبصرف النظر عن الأحداث الخيالية والأجواء الأسطورية التي تحيط بالفيلم وتجعل منه قصة رائعة من قصص الخيال العلمى فإن الفيلم يعكس حقائق الاستعمار الذي يقوم على دوافع استغلال الشعوب المتخلفة واستنزاف مواردها البشرية والطبيعية، وإشاعة روح الهزيمة والاستسلام أمام التقدم التكنولوجي بحيث تتنازل في آخر الأمر- طوعا أو كرها - عن كل ماتملك من ثروات مادية وأخلاقية وروحية، مع الاعتراف بسيادة وريادة الجنس الأبيض على غيره من سلالات بشرية سوداء (إفريقيا) أو صفراء (الشعوب الآسيوية) أو حمراء كما كان يطلق على سكان أمريكا الأصليين حين يوصفون بأنهم الهنود (الحمر)، ثم الرغبة الآن في فرض السيادة على سكان كوكب باندورا من قبائل النا - في (الزرق). فالسلالات (البيضاء) هي السلالات الأكثر رقيا كما أن (البياض) هو رمز النقاء الذي لاتشوبه شائبة.

    رسائل سياسية واجتماعية

    بيد أن للفيلم أبعادا أخرى مستقبلية. فقراءة أحداثه يجب ألا تتوقف عند محاولة تفسيرها بوقائع التاريخ الاستعماري المعروف ولا حتى بالأحداث الجارية المتمثلة في الحروب التي تشنها الدول الغربية (البيضاء) على الدول اللاغربية وشعوبها (الملونة) تحت شعارات ومزاعم عدة مثل محاربة الإرهاب أو نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب من النظم الشمولية والحكم الاستبدادي، ثم ينتهي الأمر بالسيطرة السياسية والاقتصاديةعلى تلك الشعوب واستغلال مواردها وقواها البشرية واستنزاف ثرواتها وترسيخ فكرة سيادة وسمو الجنس الأبيض في الأذهان. فأحداث الفيلم تقع في عام 2154 وعلى أرض كوكب فضائى آخر، وليس على كوكب الأرض ويسكنه أقوام من أشباه البشر وليس من الآدميين المعاصرين الذين يعمرون الأرض ويمثلون - في رأى التطوريين «الإنسان العاقل Homo Sapiens» وليس مجرد مرحلة معينة في تاريخ الجنس البشرى بوجه عام. فهذا الجنس الأبيض الذي يعتبر نفسه أرقى السلالات البشرية، يرنو بفضل إنجازاته العلمية وابتكاراته التكنولوجية وآلته العسكرية الرهيبة إلى غزو الكواكب الأخرى، واستعباد شعوبها ونشر سلطته وسلطانه واستنزاف ثرواتها الطبيعية وتأكيد السيادة البيضاء، وتحقيق وتوسيع سياسة الاستعمار بعد أن أخضع كوكب الأرض لمتطلبات تلك السياسة.

    وواضح أن الفيلم له رسالة سياسية واجتماعية يمكن حل رموزها عن طريق القراءة المتأنية لتسلسل أحداثه. وتحمل هذه الرسالة عددا من الأمور التي يجب الانتباه إليها، إذ ليس من السهل أن تؤخذ تلك الأحداث المتشابكة المعقدة على أنها تهدف فقط للترفيه أو إشاعة البهجة والسرور في نفوس المشاهدين أو تبث في نفوسهم الراحة وتدعمهم إلى الاسترخاء بعد النهاية السعيدة التي انتهى إليها الفيلم باندحار الغزاة المعتدين وانتصار الحب على المصاعب والشكوك التي أحاطت به في فترة من الفترات بعد انكشاف العنصر الآدمي في تكوين البطل الذي تقمّص شخصية أحد أعضاء شعب النا - في وأوقع الأميرة في حبائل حبه وزواجه منها.

    الأمر الأول - هو إبراز التفاوت الهائل بين مرحلتي الحضارة اللتين تمثلهما جماعات النا في وجماعة العلماء والمحاربين الغزاة بكل مايحمله ذلك التفاوت الرهيب بين شعوب وقبائل تعيش على الفطرة في اتحاد كامل مع قوى الطبيعة الحية التي يبدو كما لو كانت تدخل في حوار وتفاهم مع السكان من أشباه البشر وهو ماسبق أن أشار إليه علماء الأنثروبولوجيا الأوائل باسم الأنيمزم أي تغلغل الروح (العقل) في كل الكائنات والموجودات، حتى تلك التي تبدو جمادا خاليا من كل مظاهر الحياة، وبين المحاربين الغزاة الذين تتوحد حياتهم مع المنجزات التكنولوجية الباردة الصماء، مما يعني انفصال الإنسان الحديث عن الطبيعة التي كان هو جزءا منها في مرحلة من المراحل. فالأفاتار أو التقمص هو الصفة الغالبة على المجتمعين مع فارق هائل: تقمص قوى الطبيعة من ناحية وتقمص التكنولوجيا التي أبدعها الإنسان نفسه من الناحية الأخرى واتحاده بها اتحادا تاما بحيث أصبحت تعبر عن أهدافه وتتكلم نيابة عنه. وبينما تهدف أفاتار، شعوب النا - في إلى المحافظه على الطبيعة واستمرار الحياة القائمة على الطمأنينة والحرية والشعور بالأمن والسلام تحمل أفاتار الحضارة الحديثة في ثناياها الدمار والخراب والحرب وإبادة الحياة .

    الأمر الثاني هو أن أحداث الفيلم تبين كيف استطاعت ثقافة النا في البدائية أن تجذب إليها ببساطتها وبراءتها وميلها للسلام بطل القصة بحيث ينصرف عن إتمام مهمته في تمهيد أرض المسرح لعمليات الغزو إذا فشلت محاولات إقناع الأهالي بالسماح للحملة بتنفيذ مخططاتها حول الحصول على ذلك المعدن النفيس النادر المتوافر في أرض كوكب باندورا الذي يعيشون عليه. وتوحّد الإنسان الغريب الذي ينتمي إلى ثقافة متقدمة مع الأهالي البدائيين، موضوع مطروق ليس فقط في عدد من الأفلام السينمائية وإنما هو أيضا قصة مألوفة ومتكررة في التراث الأنثروبولوجي الواقعي. فكثيرا مايحدث أن الباحث الميداني الذي يمضي فترات طويلة جدا قد تصل إلى عامين أو أكثر مع شعب بدائي لدراستهم دراسة مكثفة متعمقة ينتهى به الأمر إلى التوحد مع أنماطهم السلوكية ونظرتهم إلى الحياة فيتولى التعبير والدفاع عن ذلك الشعب وتراثه وثقافته ضد أطماع المجتمع الذي ينتمي إليه والذى كلفه بالدراسة.

    غزو ثقافي

    وليس من شك في أن الدراسة المتعمقة التي تهدف إلى سبر أغوار ثقافة الغير وفهم مفاتيحها وأسرارها وتعريتها تماما هى شكل من أشكال الغزو الثقافي حتى وإن كانت أهدافها علمية وموضوعية ومحايدة . فكأن هذا التوحّد مع الأهالي يعكس هو نفسه نظرة استعلاء الإنسان الأبيض على غيره. فالإنسان الأبيض المستعمر المستغل والمعتدي على ممتلكات الآخرين هو الذي يساعد الشعب البدائي في الفيلم - على طرد هؤلاء الغزاة ومن دونه لم يكن يتاح لهم التغلب عليه وطرده بأسلحتهم البدائية من القسىّ والسهام. فهنا أيضا تجد أن عقل الإنسان الأبيض وتفكيره المنطقي وقدرته العملية على التخطيط والقيادة هي التي انتصرت، ولم يكن الأهالي الزرق البدائيون سوى أداة لتنفيذ إرادته وتوجيهاته. فالإنسان الأبيض هو صانع الحرب والسلام وليس أمام الشعوب الأخرى إلا أن تنقاد لتفكيره وتتبنى وجهة نظره. وإذا كان الحب ربط في الفيلم بين البطل والأميرة وتزوجها، فإن ذلك الزواج هو نفسه رمز على علو المكانة. فقد تزوج الأميرة وأصبح هو حتى بعد انكشاف سلالته البيضاء وعدم انتمائه إلى الزرق ملكا وسيدا عليهم. وقد كان الجنس دائما رمزا على القوة، وكان الحصول على المرأة هو أعلى رموز السلطة والسيطرة والاستعلاء لدى الجيوش المنتصرة التي كانت تستبيح دائما نساء الشعوب المقهورة إمعانا في الإذلال. وبالرغم من أن البطل في الفيلم انحاز لشعب النا في وتخلى عن انتمائه الطبيعى للجنس الأبيض فإن حصوله على الأميرة الزرقاء وحكم شعبها الأزرق في نهاية المطاف يمثل قمة انتصاره هو شخصيا - وبالتالي انتصار الجنس الأبيض عموما بالرغم من هزيمة المغيرين.

    الأمر الثالث - هو أن قصة الفيلم هي في بعض أبعادها قصة الصراع بين الحضارة التكنولوجية الصناعية الراسمالية الحديثة والشعوب الفقيرة المتخلفة التي تعيش بالرغم من فقرها أو بفضل فقرها في وئام مع الطبيعة الفتية الثرية بثرواتها الطبيعية المتنوعة، ولكنها لاتعرف كيف تستغل هذه الثروات بما يعود عليها بالخير وذاك بسبب تخلفها العلمي والتكنولوجي، ولذا تترك للرجل الأبيض المجال واسعا للبحث والتنقيب عن تلك الثروات واستخراجها وتطويعها لمصلحته في المحل الأول والاكتفاء بإلقاء بعض الفتات لهم. وقد يكون هذا هو الوضع القائم بالفعل والذي ميّز عصر الاستعمار التقليدي الذي كان يقوم على الغزو والقهر والتملك والاضطهاد والاستعباد ووضع العراقيل أمام فرص التغيير والتقدم ولكن الفيلم يقدم لنا الصورة الجديدة للاستعمار الجديد الذي يتخذ شكل التقرب والمداهنة والتظاهر بالصداقة والرغبة في العون والمساعدة من خلال مشروعات الاستثمار في الدول الفقيرة، حتى يتمكن من ترسيخ أقدامه والحصول على ثروات تلك الشعوب، ولكن هناك دائما احتمال اللجوء إلى العنف لتحقيق أهدافه. فلا تزال المجتمعات الغربية الصناعية تسيطر على تلك الثروات ولكن تحت ستار الصداقة والاستثمار والتعاون والمشاركة، وهو أمر واضح في كثير من أنحاء العالم الثالث. ومحاولات إقناع شعب النا في بالسماح للمغيرين من كوكب الأرض بالتعدين قبل الكشف عن نواياهم الحقيقية التي تقوم على التملك، والقضاء على أصحاب الأرض ترجمة صادقة للنظرة الاحتكارية الجشعة للرأسمالية الغربية التي تميز علاقة المجتمعات الصناعية في الغرب بمجتمعات العالم الثالث المستباحة، على كل المستويات. ولكن من ناحية أخرى يكشف الفيلم عن الرؤية الغربية حول وجود اختلاف جذري بين نوعين من العقلية والتفكير والقيم والنظرة إلى الحياة. فالجنس الأبيض يؤلف شعوبا عقلانية ذات توجهات تكنولوجية متطورة بينما الضحايا الملونون بمختلف ألوانهم شعوب فطرية وخيالية، وتعتمد على القوى العضلية والمجهود الجسماني الذي لايحقق الكثير، وليس أمام تلك الشعوب إذا أرادت تغيير نمط حياتها السلبي، سوى الالتجاء إلى نموذج حياة المستعمر الذي تعجب به وتستجيب له صراحة أو ضمنا.

    اكتشاف الفضاء أم غزوه؟

    الأمر الرابع الذي تكشف عنه أحداث الفيلم هو أن كوكب الأرض أصبح، يضيق بأهله الذين يتكاثرون بطريقة غير محسوبة، أو ربما كانوا هم الذين أصبحوا يضيقون به بعد أن استنزفوا جانبا كبيرا من ثرواته الطبيعية وتولوا عمدا أو عن غير قصد تلويث مصادر الحياة فيه، بحيث لم يعد قادرا على إشباع كل مطامعهم الاحتكارية فبدأوا يبحثون عن عوالم أو كواكب أخرى يمكنهم استيطانها واستنزاف مواردها وخيراتها، وبذلك قامت سياسة ومشروعات استكشاف أو غزو الفضاء، وليست إغارة سكان الأرض من الآدميين على كوكب باندورا الصغير إلا امتدادا لتلك المطامع التي لاتشبع. فقصة الفيلم تعبر إذاً عن بعض حقائق التقدم العلمى في مجال بحوث الفضاء وتحاول الإجابة عن التساؤل عن وجود أشكال أخرى من الحياة على الكواكب الأخرى وأساليب التعامل معها في حالة وجودها. وليس هناك مايمنع أو يؤكد وجود مخلوقات أخرى على بعض الكواكب، بل وأن يكون لدى تلك المخلوقات تطلعات لاستعمار واستيطان كواكب أخرى غير تلك التي نشأت وعاشت فيها وقد يدخل كوكب الأرض ضمن مخططاتها (الاستعمارية).

    وفى خبر أذاعته C.N.N. في السابع والعشرين من إبريل (عام 2010) عن قناة ديسك فري العلمية، أن عالم الفيزياء البريطاني المشهور «ستيفن هوكنج» أعرب عن اقتناعه بوجود أشكال حية أخرى في الفضاء الخارجي، ولكنه حذّر البشر من مغبة محاولة الاتصال بها نظرا لما قد تحمله من أخطار يصعب التنبؤ بها، وأن تلك المخلوقات تتنقل حاليا في الكون ليس بغرض الاستكشاف، ولكن من أجل الاستيطان في كواكب أخرى بعد أن استهلكت جميع موارد الكواكب التي أتت منها. وهذه صورة مماثلة لما يحدث على كوكب الأرض وبعض أهداف بحوث الفضاء. ويقول هوكنج في ذلك: «بالنسبة لعقلي الرياضي فإن الأعداد وحدها تجعل التفكير في وجود مخلوقات فضائية تفكيرا عقلاتيا تماما. والتحدي الحقيقي هو التوصل إلى ماقد تبدو عليه هذه المخلوقات في الواقع». وقد حل الفيلم هذه المشكلة بتقديم شعب النا في من أشباه البشر الزرق الذين ترتفع قاماتهم إلى عشرة أمتار ويتفاعلون مع الطبيعة ولهم أساليبهم ووسائلهم الخاصة في التواصل والتفاهم. ويواصل هوكنج حديثه الذي أدلى به في برنامج «هوكنج والكون» فيقول: إنه من المؤكد تقريبا أنه توجد حياة في الفضاء الخارجي، مشيرا إلى أن «في الكون مائة مليار مجرّة كل مجرّة منها تحوي مئات الملايين من النجوم، وأنه في مثل هذا الفضاء الهائل يكون من المستبعد أن يكون كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد الذي نشأت فيه الحياة».

    ولعل هذا كله يكون دافعا للنظر في فيلم أفاتار وقراءته برؤية أو رؤى تأخذ في الاعتبار المتغيرات التي يمر بها العالم مع الاسترشاد في الوقت ذاته بأحداث وحقائق التاريخ والعلاقات بين الشعوب والأعراق وفهم الطبيعة الإنسانية التي قد تغير من أنماطها السلوكية الظاهرية ولكنها تحتفظ دائما بمقوماتها الذاتية الدفينة التي يؤلف العدوان، وحب الاستيلاء على ما في أيدى الغير والرغبة في السيطرة والتسلط، بعض عناصرها ومكوناتها. ولكن ذلك يجب أن يدفعنا إلى التساؤل عن ماذا سيكون عليه الحال إذا نزل من في الفضاء إلى الأرض بكل مايحملون من أخطار كما يتنبأ هوكنج؟!.


    أحمد أبوزيد
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    #2
    الحقيقة وهم ودماغنا هو المُذنِب

    الحقيقة وهم ودماغنا هو المُذنِب
    آخر تحديث:السبت ,17/07/2010







    سعد محيو

    التعبير جميل بما فيه الكفاية: ثورة الاتصالات الثالثة حوّلت العالم إلى قرية واحدة . لكن، ماذا لو كان الكون كله، أو الوجود كله، قرية واحدة أو حتى ذرة وخلية واحدة؟ ألن تكون الصورة أجمل بما لا يقاس؟



    هذه الفكرة انبثقت حين تسنت لنا إعادة قراءة أعمال العالم الفيزيائي ديفيد بوهم، الذي قد يكون واحداً من قلة في التاريخ توصلت إلى الحقيقة بأنه لا حقيقة موضوعية في العالم المادي الذي فيه نعيش، بل نحن غاطسون في وهم داخل وهم .



    التشبيه الذي قدّمه بوهم لتوضيح نظريته كان التالي:



    “تخيّل أن هناك حوض سمك (أكواريوم) فيه سمكة واحدة فقط . وتخيّل أيضاً أنك لا تستطيع أن ترى الأكواريوم مباشرة، بل فقط عبر كاميرتين تلفزيونيتين، الأولى مثبّتة قبالة الأكواريوم، والثانية إلى جانبه . حين تحدق بشاشتي الكاميرتين ستعتقد أن هناك سمكتين قادرتين على التواصل في ما بينهما لأنهما تتحركان بشكل مماثل تقريباً . فحين تستدير إحداهما تقوم الأخرى باستدارة مماثلة وإن مختلفة قليلاً (بسبب اختلاف زاويتي الكاميرتين) . وإذا لم تُدرك الصورة الكاملة لما يجري في الأكواريوم، فقد تستنتج أن ثمة سمكة تتصل بشكل فوري وآني بسمكة أخرى . لكن هذه ليست الحقيقة بالطبع .



    بعد هذا المثل البسيط، يصدح بوهم بالرأي المُعقّد والخطير: الحقيقة الموضوعية لا وجود لها . وعلى الرغم مما نراه من كونٍ يبدو صلداً، إلا أنه في الحقيقة وهم كبير . إنه ليس إلا “هولوغرام” واحد يتضمن كل شيء وكل الاحتمالات .



    الهولوغرام، كما هو معروف، صورة ثلاثية الأبعاد يتم صنعها بواسطة الليزر، وعجائبيتها لا تكمن في هذا البعد الثلاثي وحده، بل في أن كل قسم منها مهما صغُر حجمه يتضمن الصورة الكاملة . فإذا ما كانت الصورة لوردة، مثلاً، فإن قيامنا بقطع الصورة إلى نصفين لن يعطينا نصف وردة كما في الصور العادية بل وردة كاملة . وهذا الوضع سيستمر حتى لو قطعنا الصورة إلى فتات صغيرة بحجم الميللمتر، إذ سيتضمن كل جزء منها صورة الوردة كلها .



    بوهم يُشبّه الكون بصورة الهولوغرام هذه . فهو يُطلق على الكون وصف “الكون الهولوغرامي”، حيث إن كل جزء فيه يتضمن الكل، وحيث حتى الماضي والحاضر والمستقبل، كما المكان، موجودون كلهم في “إناء واحد” كالأكواريوم، ويتصلون ببعضهم بعضاً اتصالاً لا فكاك فيه .



    ما نراه من أنا وأنت وهُم مجرد وهم . وكل الأجزاء في الكون ما هي إلا وهم يخلقه تفسير خلايا دماغنا البشري المولع بتقسيم الأشياء وتجزئتها . فالكل موجود في الجزء، والجزء موجود في الكل .



    نظرية بوهم هذه حظيت بدعم ثمين من فيزيائي آخر هو ألان اسبينكت، الذي أجرى ما يمكن وصفه بأنه أهم اكتشاف في أواخر القرن العشرين، كفيل بتغيير وجه العلم برمته . فقد اكتشف هو وفريقه أنه في ظروف مُعيّنة تكون الجزيئات ما قبل الذرية قادرة على التواصل الفوري مع بعضها بعضاً، بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينها . فلا يهم ما إذا كانت الجزيئات على بعد 10 أمتار أو 10 مليارات الأمتار، إذ إن كل جزيء فيها يبدو دوماً أنه يعرف ماذا تفعل الأجزاء الأخرى .



    هذه التجربة أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية، لكن محصلاتها صبّت في النهاية في مصلحة كون بوهم الهولوغرامي . كيف؟

    تعليق

    • محمد زعل السلوم
      عضو منتسب
      • Oct 2009
      • 746

      #3
      الكون بمجراته "قرية واحدة"

      الكون بمجراته "قرية واحدة" آخر تحديث:الأحد ,18/07/2010




      سعد محيو
      أشرنا بالأمس إلى أن تجربة عالم الفيزياء آلان اسبينكت الذي اكتشف هو وفريقه أنه في ظروف مُعيّنة تكون الجزيئيات ماقبل الذرية قادرة على التواصل الفوري بعضها مع بعض، بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينها، سواء أكانت على بعد 10 أمتار أو 10 بلايين متر، أثارت ضجة كبرى في الأوساط العلمية .

      وهذا كان أمراً متوقعاً . إذ إن هذه التجربة خرقت مبدأ أينشتاين الذي ينص على أنه لا اتصالات يمكن أن تجري بأسرع من سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية) . ولذلك عجز العلماء عن تفسير هذه الظاهرة .

      وحده ديفيد بوهم كان جريئاً بما فيه الكفاية ليُعلن أن سلوك الجزيئيات يشبه تماماً تجربة السمكة في الأكواريوم . فما نراه ليس جزيئيات عديدة لاحصر لها، بل جزءٌ واحد أو كل واحد، في إطار هولوغرام واحد يحتوي على كل شيء وعلى كل المعلومات في الكون . الكل موجود في كل جزء .

      بالطبع، هذه النظرية تتناقض تناقضاً بيّناً مع مبادئ العلم الغربي الحديث، الذي يرى أن أفضل وسيلة لفهم الظواهر المادية هي تقطيع أوصالها إلى أجزاء ودراستها كوحدات منفصلة . بيد أن تقطيع الهولوغرام لايؤدي سوى إلى أجزاء تتضمن الكل، مهما صغر حجم هذه الأجزاء .

      ويعتقد بوهم أن الجزيئيات ماقبل الذرية تستطيع البقاء على اتصال وتواصل بعضها مع بعض، لا لأنها تُرسل إشارات أسرع من الضوء، بل لأن الانفصال في ما بينها مجرد وهم . ففي مستوى أعمق من الحقيقة، هذه الجزيئيات ليست كيانات فردية منفصلة بل هي في الحقيقة امتدادات للشيء الأساسي نفسه .

      قال بوهم: إننا نرى الأشياء، على غرار الجزيئيات مادون الذرية منفصلة، لأننا لانرى سوى جزء من حقيقتها . فهذه الجزيئيات ليست “أطرافاً” منفصلة بل أوجه من وحدة كامنة هولوغرامية أعمق لاتنقسم كما الوردة” .

      وبما أن كل شيء في الحقيقة المادية يتكوّن من أطياف وأشباح (أي وهم) فإن الكون نفسه ليس أجزاء منفصلة بل كل واحد . قرية واحدة، بكلمات أوضح، على رغم بلايين المجرات فيه . كما أن هذا الكون يتضمن سمات مذهلة أخرى: فالإلكترونات في ذرة الكربون الموجودة في دماغنا البشري، ترتبط بالجزيئيات دون الذرية الموجودة في كل سمكة تسبح وفي كل قلب ينبض وفي كل نجم يلمع . كل شيء يخترق كل شيء . الكل شبكة واحدة متصلة .

      وفي هذا الكون الهولوغرامي، حتى الزمان والمكان والماضي والحاضر والمستقبل كلها توجد في وقت واحد . وبالتالي، إمكانية رؤية الماضي والمستقبل ستكون ممكنة حين يُطوّر الإنسان التكنولوجيات المتطورة اللازمة لذلك .

      عالم الأعصاب كارل بريبرام أثبت هو الآخر هذه الفكرة، حين قطع دماغ الجرذ إلى أجزاء، فاكتشف أنه في كل جزء منها بقيت الذكريات موجودة في نبضات عصبية تنتقل عبر كل الدماغ، كما اللايزر في صورة الوردة .

      هذه الاكتشافات كان يفترض أن تقود إلى ثورة في العلوم الإنسانية، شبيهة بتلك التي أطلقتها نظرية داروين في التطور التي أفرزت كماً واسعاً من العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسايكولوجية، مثل “الداروينية الاجتماعية”، والليبرالية الاقتصادية المستندة إلى فرضية “الجينة الأنانية” الرأسمالية الموجودة لدى كل إنسان .

      لكن، لماذا لم يحدث الأمر نفسه مع اكتشافات بوهم وزملائه؟

      saad-mehio@hotmail .com

      تعليق

      • محمد زعل السلوم
        عضو منتسب
        • Oct 2009
        • 746

        #4
        عالم بلا أوهامٍ "فردية وانفصالية"

        عالم بلا أوهامٍ "فردية وانفصالية" آخر تحديث:الاثنين ,19/07/2010




        سعد محيو
        لماذا، إذاً، لم تحظ اكتشافات الفيزيائي بوهم بثورة في العلوم الإنسانية، شبيهة بتلك التي أطلقتها نظرية داروين في التطور التي أفرزت كماً واسعاً من العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية، مثل “الداروينية الاجتماعية”، والليبرالية الاقتصادية المستندة إلى فرضية “الجينة الأنانية”؟

        لسبب واضح: نظرية بوهم تصيب من الرأسمالية مقتلاً . فهي بنفيها الوجود الفردي والانفصال بين البشر، بل بين كل الموجودات، كانت تدعو عملياً إلى إلغاء النظام الرأسمالي التنافسي (حرب الجميع على الجميع) وإحلال نظام تعاوني ديموقراطي لا مادي مكانه؟

        ولم يكن غريباً بعد ذلك على أي حال، أن تشن السلطات الأمريكية على بوهم حملات عنيفة تتهمه بالانتماء إلى الشيوعية، ما اضطره في نهاية المطاف إلى الهجرة إلى بريطانيا والاستقرار فيها .

        كتب بوهم: “اعتقاد البشر أنهم مخلوقات فردية منفصلة ومستقلة هو مجرد وهم كبير لا يمكن أن يؤدي سوى إلى صراعات ونزاعات لا نهاية لها . وفي الواقع، محاولة العيش وفقاً للفكرة بأن الأجزاء هي حقائق منفصلة هو ما خلق هذه الأيام السلسلة المتنامية من الأزمات الاجتماعية والبيئية والوجودية الكبرى، وهو ما أفرز كوارث التلوث وسخونة المناخ ودمار توازنات الطبيعة” .

        العالم اللافردي الذي يدعو إليه صاحبنا الفيزيائي الذي كان مساعداً لألبرت أينشتاين وفارق الحياة العام ،1992 يستند إلى الأفكار الرئيسة الآتية:

        وحدة الوجود “PANTHEISM” التي تؤمن بها العديد من المدارس “التجاوزية” في كل الأديان، والتي تعتبر أن الوجود برمته وحدة متكاملة يتصل بها الجزء بالكل، والكل بالجزء، مادة وروحاً، مهما كان نوعهم أو شكلهم، وسواء أكانوا إنساناً أونباتاً أوحيواناً أوحتى جماداً .

        علم فيزياء الكم “QUANTUM PHYSICS” الذي أكد نظرية وحدة الوجود، حين أثبت أن أجزاء الكون، من أصغر كوارتس إلى أكبر مجرّة، مترابطة مع بعضها بعضاً في شبكة واحدة لاتتجزأ .

        الفلسفة الصوفية التي تعتبر أن التواصل مع العناية الإلهية ممكن فقط عبر التواصل الروحي والحدس، لا عبر العقل الذي لا يستطيع سوى إدراك العالم المادي الظاهر .

        الفلسفة البيئية التي ترفض اعتبار الطبيعة عنصراً ميتاً أو جامداً يجب استغلاله وإخضاعه بكل القوة والعنف الممكنين، وتطل عليها بوصفها كياناً حيّاً وأمّاً رؤوماً . وهذا ما عبّرت عنه أشعار الهنود الحمر الجميلة الذين رفضوا حرث الأرض قائلين: كيف تريدون مني أن أبقر بطن أمي؟

        فيلم أفاتار الشهير تأثّر إلى حد كبير بأفكار بوهم . فجنس النافي في الفيلم يُجسّدون كل هذه المبادئ مجتمعة . فهم مُتوحدون ومتحدون كلياً مع الطبيعة، خاصة مع الأشجار التي يُقدّسونها لأنه لا حياة بشرية أو غير بشرية من دونها . ثم إن كل شيء في قمر باندورا الذي يقطنونه متصل ببعضه بعضاً في وحدة روحية رائعة، تتجسّد في الغابات البكر التي تشع أنوارها وتتفجر ألوانها بكل الجمالات، والتي يعيش فيها وعليها النافي من دون حاجة إلى ناطحات السحاب وغابات الإسمنت .

        ماذا إذاً؟

        هل سنواصل اعتبار الكون (ومعه الوجود) أشبه بحجر صلد يجب تدميره أو إخضاعه بالقوة، أم أننا سنطل عليه بحب وحنو على أنه هولوغرام واحد رائع؟

        الخيار هنا هو بين الوهم والحقيقة، فلنقم بهذا الخيار، والآن .



        saad-mehio@hotmail .com

        تعليق

        يعمل...