قال الأنام وقد رأوهُ .. مع الحداثة قد تصدر
من ذا المجاوزُ قدرهُ .. قلتُ المقدّم بالمؤخر
هذه من المراسلات الحزينة سببا، لكني أحببت أن أكون عينكم في أمرها،
ونحن في العصر الذهبي لأهلها، أحدث ويحدث.. وأرجو ألا يعتبوا لقسوتي، وأشهد الله تعالى أني أرجو لي ولهم اللقاء على كلمة وسط سواء، وأن يتحلى البعيد منا بالشجاعة، ويقترب معانقا في إخاء:
تعلم -رعاك لله- أنه لولا الدعم المادي والإعلامي ما تصدر من تصدر، بعد أن خربت له الدار ليسود
ويصبح مشروبها الرسمي بالإكراه، أو باستغلال الببغائية، أو النفعية في قلوب سود
يرتقي الجاهل الغني اعتباطاً .. ويزجّ الأديب بين الجناة
وطن بات عن بنيه غريباً .. تجتني خيره أكفّ الغزاة
وقومنا لو كانوا فطما ما رضعوا، والجمال في الحداثة ليس ذاتيا.. فليس العتب على الداعم والمدعوم وحدهما.
هذا التحليل النفسي -أو القيمي-للحداثة، والمصابين بها، والمتصفين بنعتها، ليس تأويلا! كما يفعلون حين يفتكون بنص، بل هو قراءة للواقع، ولتطور الحالة، وأيدته مصائب ما بعد الحداثة، وما تلاه ويتلوه، إلى أن تطلع الشمس من مغربها.
والحداثة أصلا طريقة أدب-زعموا- ظاهرا وباطنا، لا ذكر فيها للرب تبارك وتعالى بخير، ولا بعبودية حقيقية، وكأننا خلقنا سدى، والكون ليس فيه سوانا..
وتقوم على الاستخفاف باللفظ، وهذا يهز كل مدلولاته ومعانيه، بما فيها المعاني السامية، ويزيل قداستها بنسبة ما، ومن ثم يكون هناك استخفاف ثم زلل!
وَإِذا القُلوبُ اِستَرسَلَت في غَيِّها .. كانَت بَلِيَّتُها عَلى الأجسام!
ألا ترى الزلل الأممي الجماعي؟ والتواطؤ الدولي.. والمزاج العالمي الذي تقوده راعية الإعلام؟
ألم تر إلى سلوكهم الفردي" أقصد الثنائي.."
ألا ترى أن القلم بات كالسيجارة! والأدب كالتدخين! والملتقيات حفلات؟
ثم الاستخفاف بالأوزان والنغمات
فالحداثة من محاورها إزالة القداسة عن كل لفظ
ونهايتها ونتيجتها إزالة القداسة والتقديس عن كل شيء..
هربت من التنافس في النظام والتناسق والجمال والألق، إلى الهذيان والفوضى الخلاقة!
خادع الجهال في العل .. م فعدوا العلم عارا
ونهوا عنه البرايا .. ورضوا الجهل اختيارا
ثم قلت -عن عثرتك-هي في عيني جميلة، ثم قلت: بل هي أجمل! وطعنت من عجزت أن تصل إليه، ثم جرأك عليه غطيطه، وسيدك المريد!
يُغري جَوارِيَهُ بِها فَيَجِئنَها .. وَيُغيرُهُنَّ بِها فَيَستَعلينا!
ثم إزالة التعظيم والتوقير والتقدير
ومن ثم إزالة الأدب، والطاعة، والمرجعية، والخشية، والسمت، والتوقير، والوقار! والحشمة مع النفس والناس، ومع الرب الجليل تعالى ودينه، ومع لغة الدين وحجمه.. وهذا عندنا وفي حداثة غربهم كذلك..
"وتأمل فقدان هذه الأمور في أمة تجد ما بقي لها هو تخبط بين بين، أو حيوانية بتقنية، أو انظر أسفل قليلا تجدها راكعة لغيرها تعتلف.."
وإلى جانب هذا ففي الحداثة ترك كل الثوابت الشكلية الأخرى، وهذا أمر ثان، فيكتبون بطرق متناثرة مبعثرة، ويقللون من قيمة نمو الفنون الكتابية، والذوق المتطور والجماليات المحسنة، وكأنما بعدما وصلنا للنضج والقمة، بل عانينا من التكلف في الرسم والتصنع، ءان أوان التطرف الأخر، وخلع كل شيء، والكتابة بطريقة المجانين، أو المتخلفين الذين لا يعقلون، ولا يعلمون ولا يتحضرون، ولا فنون لغة عندهم، أو الذين لم يبلغوا الحلم، أو الذين لا يبالون في مزاحهم ومزاجهم، كأهل الهذيان والمخدرات والسكر والعبث..
كأنما صار خلع الثوب وانزال السروال من عند الوسط إبداعا لأنه تغيير- راجع موضة السروال الساقط السالت- وكلها واردات منظومة ثقافية واحدة لا تبعث لنا أسرار الطاقة النظيفة والفضاء، بل عربدتها فقط..
وكأنما بات المشي للخلف بدلا من المشي للأمام حداثة وتنويرا، فترى الناس أقفيتهم ملوية، ويسيرون ظهورهم لغايتهم..ألا تراهم؟
و المشي مترنحا كالسكران تطورا سرديا..وهذا يسري على لي القناعات في الجوائز الأدبية بل والسياسة
والفن المنظور كذلك.. فتطوير الغزل-الصوف الملون المغزول- مثلا لا يكون بلسعه بالسجائر وثقبه،
وتطوير المؤثرات الصوتية لا يكون بوضع صوت القيء والاستفراغ مع صوت خرير الماء،
أو بضرب الأصوات في الخلاط، وآه من طمس الألوان بالمكنسة السريالية، ثم التفنن في استجلاب المعاني من البقع..ويقولون أبونا سلفادور دالي وغيره
وبعد كل هذا فنحن متحجرون؟ لا نفهم المنظومة الجديدة! أو نربطها وهي مفككة؟ فما الذي ألصق الحداثة الأدبية بالحداثة الأخلاقية و.."أنا أسأل من-وما- الذي يوجه الأخلاق؟ ومن منا فصل الكلام عن معناه؟ وما الكلام إن لم يكن معنى يحدث أثرا مباشرا أو غير مباشر؟"
وبعد كل هذا يقولون كلامنا تقليدي.. وليس جميلا، وإن كان جميلا فهو عادي
وعَادَاني عَلَى هَذَا أُناسٌ .. وأَظْلَمُ منْ يُعادِيكَ الْحَسُودُ!
القبح هو الموضة، الجمال موضة قديمة..
"...الحديث"..كلمة مقرفة لكن ما اقترفوه أشد
"مع عدم احترامي لخيانتهم في الوصف الحداثي البراق، ولا للغيرة الكبيرة، والعناد الوعلي، والتشوهات النفسية، أو الجموح الطامح للتقدير، ولا لعدم التواضع، وقلة العلم والإنصاف..آه طويلة جدا، ثم يحكمون على أدبنا وفهمنا لديننا"
وسبب البوح المتجدد هو أني رأيت في بيان بعض من رأيت لمسة حداثية في التعبير، بكل أسف..
وقد هالني هذا جدا، فالحداثيون يخربون الإيمان كالصهاينة وعباد
الجنس لو ترك لهم الكلام عن فقهنا "كفقهاء!"، وتقليدهم -ولو في الشكل الظاهر- كارثة حقيقية
وقلت: لعله غير متعمد، ولعله تسرب لأقلامهم مع رؤية الجيل الوسط الذي يكتب الشعر
والنثر بشكل بين الحداثي وبين الإنساني الفطري السوي "السوي في حبه ولعبه وهزله وخطئه!"،
أو يصوغ الجمال بقلم لا يسير على إيقاع الأوزان، وبتعبيرات القرن الماضي فقط، التي وردت مع عاصفة التغريب الصناعية وصرعات الموضة، وكلها نبتة مغذاة بالهرمونات الضارة فتضخمت بسرعة
يا غضّةَ السن يا صغيرتها ... أمسيتِ إحدى المصائب الكُبرِ!
وقد ينظرون للتقدم المادي والخلقي تنظيرا مليحا، ثم تركسهم سلوكيات الرواد منهم، ومشاهدهم وسيرهم ودعواتهم، وهنا نرى لسانين، واحد يقطر شهدا، والثاني ينطف خمرا "أو كلمة قريبة منها.."
وإذا سلمنا بأننا معا نبحث عن الصواب، وأضاءت ومضته في ذهن أحدنا لوهلة، ثم لم يحافظ على القبس، أو لم يحفظه من دهس من حوله بأفكارهم السوداء الدائرية، وحلت في عينه العاجلة فماذا أقول..
وندائي إليك أيها الحبيب الغالي:
ما هذه اللمسة الحداثية؟..تريد أن تصعد؟ أم تعبت من الصمود؟
..أبعد النضج والاتزان تعود لسني حداثتك ورعونتها!
ليس الشبه فيه تمام التطابق، ولا هو في جل المعنى، لكنه موجود.. وبين! طعما ورائحة، ولونا باهتا شوش على صفاء الماء
لماذا تقلدون هؤلاء؟
أرى أن:
التعبيرات والطريقة
العربية الأصيلة -القابلة للتطور وليس الانتكاس والاهتراء - تختلف عن جموح وشطح الحداثة
وحتى لو شابهته في الشكل فقد خالفته في الأريج
ولو كان -فليكن-الشكل الحداثي مقبولا , فحين يصبح سمة وسمتا، وشارة لطائفة معينة،
أو يكون له تبعات وعواقب ونتائج وخيمة، رأيناها ولا نتوسمها، بل وقعت وأوقعت بكثيرين، ورأينا ما ءال إليه أمرهم أنفسهم، وأمر الثقافة والحقائق على أيديهم،
فهنا يجدر بنا البعد عن هذا الشكل التعبيري والقالب البياني، وعن تراكيبه وتهويماته، صيانة لنا من التشبه، وصيانة للعامة والناس جميعا من تفشي هذا النمط، أو من زوال الحاجز النفسي معه
فمشابهة الظاهر تقرب، وقد تورث مشابهة الباطن"ولعلها علة النهي عن التشبه عموما بغير المهتدين ومخالفتهم في الأمور التي ليست بذاتها جرما"، لذا تسد أبواب الخراب، ولا يكتب عليها ممنوع الدخول.. فالنفس لا تؤمن عليها الفتن
ولا يجرئنها أحد على تمنى لقاء العدو، ومصادقة إبليس مع التحرز!
وَأَعلَمُ أَنَّ الغَدرَ في الناسِ شائِعٌ .. وَأَنَّ خَليلَ الغانِياتِ مُضَيَّعُ!
والفئة التي نحبها، ليست من أهل الحداثة لكن:
تعبيرات وطريقة صف الكلمات ونثرها
ثم لمحات المعاني لديهم
والجمل والتراكيب اللغوية "بالمضاف والمضاف إليه الشاذين، أو الصفة والموصوف المغاير"
التي هي جمل تهز النفس لغرابتها، ويتعبون في توليفها لتكون جديدة وصادمة، بغض النظر عن لياقتها
إيمانيا أو أخلاقيا أو عقليا أو لغويا، وأثرها اللاحق على قيمة المعنى الذي عبث به ليبرز الإبهار الجديد!
والبراعة عندهم هي البحث عن هذا دون مراعاة لأي شيء ..أي شيء..
وأعني ما أقوله ورأيته بعيني..حتى لو بالوا على الصفحات.. ولو كتبوا بالمقلوب، وعن المقلوب..!، وصفقوا لقوم لوط.. -عليه السلام- وهذا هو الهوى، أعيذكم منه إذا جرى..
تَجري العُقولُ بِأَهلِها فَإِذا جَرى .. كَبَتِ العُقولُ وَزَلَّتِ الأَحلامُ!
ومن قلدهم بحسن نية يقع في أمور أقلها المشابهة، وقد يتأثر هو، أو يتأثر من يقرأ له، وتزول عنده أمور هامة من قيمة اللغة والتعبير، هي في ذاتها ليست عقدية إيمانية أصلية، لكن تبعاتها تنعكس على شروخ في أبنية الذائقة والقبول لديه، والاحترام الواجب لقيمنا كلها، بداية من الأدب والثقافة -أو الفهم لها وهو ممن يقرؤون السرد الممزق المسكوب- نهاية بالألفاظ الشرعية، وربما ميوعة المعنى"تأمل وركز"، وتصلب القلب -عافانا الله تعالى- فحيرتهم لفظا تنعكس على تطوح أرواحهم وأحلامهم وأفكارهم وسلوكياتهم
كأَنهما خيطان بالقلب علقا .. فإن صعدا يصعد وإن هبطا ارتمى
..
تعليق