فضائل العلوم والعلماء
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت بتركيا
nizamettin955@hotmail.com
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
تعريف العلم
التّعريف الفلسفي للعلم:
هو كلّ علم أثبت صحّته فهو علم. لذا لايُمكن إعتبار النّظريات أو العلوم التي أُثبت عدم صحتها علمٌ. وعموماً كانت أكثر العلوم عبارة عن نظريّات وتأويلات إلى أن أثبتت صحّة أكثرها بواسطة المختبرات والإكتشافات أو بعلم الله تعالى عند طريق الوحي فأصبحت علماً .
وقال الجويني: "العلم: معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع "وقال ابن القيم: "هو نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس" وقال الجرجاني: "هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع".
التّعريف الشرعي للعلم:
علم ما أنزل الله على رسوله من البينات والهدي " فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحى، علم ما أنزلهُ الله فقط ، بواسطة الوحي على الأنبياء.
تعريف العلوم بصورة عامة:
هي معرفة الأشياء أو العلوم الموجودة على سطح الأرض بما فيها من الكائنات الحية وغير الحية وفي باطن الأرض من المواد الأوّلية والثّروات الطّبيعية وغيرها، وأخيراً معرفة الموجودات في السّموات من الكائنات والمخفيّات، على شرط أن يوضع لها شروط وأصول وقواعد علميّة ثابتة. والعلوم أيضاً ما يمكن الحصول عليها عن طريق الأنبياء والمرسلين أو بالإيحاء الإلهي أو عن طريق الكشوفات والإختراعات من قبل العلماء. ويمكن القول أيضاً : أنّ العلوم حضارة وتجارب الإنسان.
ويُمكن أن نحصر أنواع المعرفة إلى ثلاثة أقسام: 1ـ أعرفُ ما يعرفهُ بعضُ النّاس. 2ـ أعرف ما يعرفهُ كُلّ النّاس. 3ـ أعرف ما لا يعرفهُ النّاس.
العلوم التي لايُمكن أن تمرّ بتأويلات
هناك ثلاثة أنواع من العلوم لم تمر بتأويلات لأنّها أُثبتت صّحتهم عقلاًً وعلماً ووحياً مُنذ القِدم دون أن تتغّيير: أوّلهم علم الرّياضيّات وهو العلم الملموس له حقائق علميّة ومبنيّة على قواعد علميّة ثابتة (بما فيه الحساب والجبر والهندسة والمُعادلات الرّياضيّة في الكيمياء والفيزياء). والثّاني علم المنطق يدخل في ذلك المنطق الكلاسيكي والمنطق الحديث ـ المنطق الضّبابي أو منطق الغموض لا يدخل في ضمن الموضوع ـ وهذا العلم مثل علم الرّياضيّات له قواعد علميّة ثابتة أيضاً. والثّالث علم العقائد وهو العلم الحسّي له حقائق إلهيّة مبنيّة على إستقراء وبرهان وإستدلال، والقرآن الكريم أكبر دليل على صّحته والتي وصل إلينا عن طريق التّواتر، وكذلك أقوال الأنبياء وقول نبيّنا محمد (ص)، والإستلالات العلميّة الكثيرة كذلك تثبت على صحته وعدم إحتياجه إلى التّأويل، وكلّ عقيدة وشريعة وعبادة لاينصّ عليها القرآن والسّنة ولم يفعله الصّحابة فهي ردٌ وبدعةٌ باطلةٌ، فعلماء العلوم يجب الإيمان بحقيقة علم العقيدة الغير الملموسة وإلاّ يكونوا في تناقض علمهم، ومن مواضيعها (الإيمان بالله تعالى وبصفاته ورؤيته وعرشه وكرسيه، وبيده الهداية والإضلال والرّزق والأجل، والإيمان بالملائكة الكرام وبالكرام الكاتبين وملك الموت، والأيمان بالكتب السّماويّة الأربعة والإيمان بالرّسل وأنّ محمد (ص) خاتم النبياء ونحو ذلك).
تعريف العالِم
عند المسلمين وهو أن يٌلمّ قسطاً كبيراً من العلوم الإسلامية بالإضافة إلى العلوم الدّنيوية الأخرى. والعالِم عند الغرب هو صاحب المعرفة العلمية الذي يضيف إلى ما هو معروف في العلم بالبحث ووضع الاكتشافات أو تدريس العلم في المؤسسات العليا للتربية.
صفات العالم أو المرشد
1ـ أنْ يكُونَ حليماً وشفوقاً. 2ـ أنْ يكونَ عالماً لإختصاصهِ. 3ـ أنْ يكُونَ مُعلّماً بالعُلومِ الإسلاميَّةِ. 4ـ أنْ يُعرضَ عن حبِّ الدّنيا وحبِّ الجَاهِ. 5ـ تابعَ لشخصٍ بَصيرٍ تَسلسَل متابَعتُهُ إلى الرَّسولِ مُحمَّدٍ (ص). 6ـ قِلّة الأكلِ والقَولِ والنَّومِ. 7ـ كثرتهُ للصَلواتِ والصّومِ. 8ـ كثرتهُ للصدقةِ وعدم البّخل.
وللعلماء مسؤوليات أخلاقية كبيرة وهي تربية النّاس وتعليمهم والمساعدة في تزكية أنفسهم في إطار عبادة الله - العبادة التي تشمل كافة مجالات الحياة الدنيا والآخرة، ولا يمكن أن يكون مسؤولياتهم منافع شخصية بحتة وجمع المال والركون الى أصحابهِ، وأن يمسك بيده مصباح الهداية، ويجلس في النور، وبالتالي فهو الذي يجب أن يوجه إليه الخطاب ليوقظ الغافلين والجهال والنائمين، والكلام في هذه المواضيع كثيرة ونحن إخترنا ما يهم أكثر المسلمين، وإن شاء الله يعم الفائدة لكل طالب علم يدرك ماله وما عليه.
كيفية تعليم العلوم من الكتب
والعلوم يمكن تعلمها بطريقتين :
1ـ أمّا الطّريقة الأولى طريق التّدرج من الأعلى:
مصدرهُ إثبات بالأدلة النّقلية والعلميّة من القرآن الكريم والأحاديث النّبويّة، ومصادر كافة العلوم، كلّها إلهيّة بصورة مباشرة وأزلية منزّلة من قبل ربُّ العالمين بدأ من الله تعالى، ثمّ أودعه للإنسان عن طريق الفطرة والعقل ، ولأجل التعلّم والفهم الكثير عليه أن يُفكّر ويتعلّم لهذه العلوم بأي شكلٍ من الأشكال، قال الله تعالى (وعلّم آدم الأسماءَ كلّها) . (الذي علّم بالقلم) . (علّم الأنسان مالم يعلم) . (علّمهُ البيان) . (وإنه لفي زُبرِ الأوّلين) . (علّمه شديدُ القوى) . وقد فُسّرت هذه الأيات من قبل عُلماء المسلمين بمايلي، منهم من قال أنه : علّمَ الإنسان العلوم الضّرورية كلّها كما علّمها للحيوانات، ثُم عليه توسيعها بالكسب والإجتهاد. والقسم الأخر قالوا أنه : علّمَ الله أدم والبشريّة كُلّ العلوم وهذه العلوم مُبرمجة في مُخهِ كما في الحاسبة الألكترونية وعند تشغيلها أو الإجتهاد عليها يمكن الحصول على المعلومات المحفوظة أو إسترجاعها تدريجيّاً .
2ـ الطّريقة الثانية طريق التّدرج من الأدنى:
يكون التّحقيق حسب المنهج العلمي المتّبع من قبل الفلسفة الماديّة، ويريدون إثبات الغيبيات بأبصار غير مدركة، وهذا رأي عُلماء الفلك والطّب والفلسفة والكلام والمنطق والإجتماع والنّفس ونحوهم عموماً، ويقولون أنّ مصدر هذه العلوم هو من ثمار العقل البشري، وحتى أنّ أكثرهم لا يصفون أنّ هذهِ العلوم لله تعالى، فيقولون أنّ خلق الطبيعة والكون والإنسان تصادفي أو أنهُ هناك قوّة خفيّة خلقهم وقسم قليل ينسب خلقهم إلى الله تعالى، ويقولون أنّ قابليّة إكتساب الأشخاص العلوم بعقله وبعلمه وبالبرهان الظّاهري يستطيع أن يصل إلى معرفة وكشف كافة الحقائق وحتى حقائق ما وراء الطّبيعة دون أن يحتاجوا إلى علوم الله تعالى، والأشياء التي لايدخل عندهم في الإستدلال والبرهان لايأخذونه بنظر الإعتبار، علماً أنّ هذه الطّريقة أي القسم الثّاني غير مرغوب عند أكثر علماء المسلمين لأنّهم يتبعون نهج فلاسفة اليونان في تعلّم العلوم، والعلم الحديث ثبت أنّ قسم كبير من إثباتاتهم كانت خاطئة وغير صحيحة.
إذن لقد عرفنا طرق التّعلم وبما أن طريق الوصول الى العلوم واضحة كما بيّنا أعلاه ولم يبق لنا الاّ أن نتعلّم كما أمرنا الله تعالى حتى نكسب رضاه وأخيراً نجد لذة وفرح وسعادة عملنا ووصولنا إلى الحقائق. فالأراء والمذاهب والأديان لا يشكلون أضداداً فكرية ولا إختلافاً أبداً عند أكثر العلماء الّذين لهم فراسة وتفكّر عميق، على عكس ذلك بل يشكّلون وِفاقاً وتلاحماً وغِناً للأفكار. فالإختلاف تتم عندما تتفاوت درجات العلم والعقُول والتّفكّر السّطحي الغير البعيد عند الإنسان، والمثل يقول كما ذكرنا (الإنسان عدوّ ما يجهل) أي عندما يزول الجهل يزول الإختلاف.
أهم شروط النّجاح في التّعلم
1ـ النيّة والرّغبة والحب في طلب العلم. 2ـ العزم والإرادة. 3ـ الصّبر على الإجتهاد. 4 ـ تكرار المواضيع. 5ـ الفطرة السليمة وأن يكون العلم خالصة لله تعالى: أي عدم إدخال الأهواء النّفسية والمصالح الشّخصيّة أو الجماعية كأن يكون لأجل تعصب لقائد أو لجماعة معينة أو من أجل شهرةٍ ومقامٍ ومالٍ. 6ـ كون الطّالب والأستاذ جيّدان ومؤدّبان بالإضافة إلى كون أوقات وبرامج الدّروس جيّدة ونحو ذلك.
حُكم التّعلم في الإسلام
فرضٌ على كلّ مسلم ومسلمة، والتّعلم نورٌ يهتدي به الإنسان إلى حقيقة الله ونعمه وما أوجبه الله عليه، والعلوم ميراث الأنبياء للنّاس كافّة، ولقد علّموا النّاس وبلّغوا به رسالة الله لأمّتهم وأقوامهم من أجل الإيمان به ووحدة ربوبيّته، وفي القرآن والسنة النبوية آيات وأحاديث كثيرة على طلب العلم لأن الجهل آفة كبيرة على النّفس وعلى المجتمع، ويجب أن نلفت النّظر إلى النّساء لأنّهنّ أحوج إلى ذلك، لبعدهن عن العلم وغلبة الهوى عليهن أوتحريمهن عن التّعلم والخروج من البيت بسبب العادات الإجتماعية القاسية في القبائل أو القرى أو المدن أو من قبل المجموعات الإسلامية المتطرفة ، إمّا عن جهل الأفراد أو الجماعات أو عن سوء نيّة ورياء، وعلى الجميع أنْ يأخذ قول الرّسول (ص) (الحكمةُ ضالةُ المؤمن أينما يجدها فهو بها) رواه التّرمذي وإبن ماجة، علينا أن نأخذ كلّ مفيد وجيد من أية جهة جاءت لأنّ العلم مُلكٌ للجميع وليس مخصوصٌ لدِين أو لمذهب أو لجماعة دون غيرهم، ومهما نخبأه فسوف يلهم الله تعالى غيرنا فيظهره، ويُشترط عند أخذها أن نضعها في قوالب ومناهج ربّانية وقرآنية. لذا يمكن لأيّ فرد أن يكون عالماً بالمعلومات العامة لكافة العلوم. والعالِم هنا أي الذي يعلمُ ويلمُّ من العلوم والمعارف الكثيرة، وعند توفّر النيّة والعزم على التّعلم والقراءة نحصلُ ونصلُ إلى ما نُريده مادُمنا أصّحاء عقلاً وبدناً، وعند الأخذ بالعلوم وخاصّة الإسلاميّة نكون عند مقام الله تعالى في أعلى درجات، كما وعدنا بقوله (قل هل يستوي الذّين يعلمون والذين لايعلمون) . (ونُفصّل الأيات لقومٍ يعلمون) ، وعلينا أن نأخذ هذه العلوم من المصادر والكتب والموسوعات الموثوقة ويمكن طلب المساعدةِ من الأساتذة والأبوين والمُربيّن والشّيوخ والمحاضرين وجهاً لوجه في تسهيل تعلّمنا، ويمكن أيضاً الإستفادة من طرق وسائل وأجهزة الأعلام والتّكنولوجيا الحديثة وغيرها. وليس شرط أن نكون مجتهدين أو فقهاء، لأنّه ليس بفرض ولا واجب على عامة النّاس، لأنهما يحتاجان الى ذكاء وقابلية وأخلاق خاصة مُدوّنة في كُتب أصول الفقه.
أسباب تعلم العلوم
الغاية الإساسيّة للتعلم عقائدية بالدّرجة الأولى توحيد الله تعالى والإيمان به وتعظيمه وطاعة أوامره، لأنّ المتعلّم لايخطئُ كثيراً، ونستطيع مشاهدة ذلك واضحاً عند المتفقهين، وأمّا عند المتصوّفين نستطيع مشاهدة الأخطاء والبدع الكثيرة عندهم. ويُمكن كذلك الحصول على مكافئات ونِعم الله تعالى، والتّخلص من جزائهِ في الدّنيا والأخرة والحصول على الجنّة.
والفائدة الأخرى الدّنيويّة الكسبيّة من رفع درجات المسلمين العلميّة والحصول على المال والشّهرة والمقام والرّاحة والسّعادة والصّحة والإنسان وكذلك للحصول على رضاء الملائكة وحتى الحصول على دعاء الحيتان ونحو ذلك كلّ ذلك مذكورة في القرآن والأحاديث. ولا يُحاسب الإنسان على عدم أخذه بكافة العلوم وإنّما يُحاسب على علم واحدٍ فقط وهو علم العقيدة والتي يتعلّق بالإيمان والعمل، علماً أنّ كسب العلوم سببٌ رئيسي وعاملٌ كبيرٌ في الوصول إلى هذه الغايات الجليلة التي ذكرناها، ويجب على كلّ إنسان أن يكون هدفه في كسب العلوم معرفة الله تعالى والوصول إليهِ، وهناك القلّة القليلة والمستثنى من النّاس لا يحتاجون إلى معرفة الله تعالى بالتّعلم، بل بسبب حذاقة عقولهم ونقاء فطرتهم يعرفون الله بالتّفكر والتّعقل وبنور قلوبهم وما يُسمى بالكشف الباطني أو الإلهام فيطعيون الله ولا يعصونه أبداً وهؤلاء هم من الأنبياء والأولياء الصّالحين، وهذه القلّة المميّزة لا يُشكّلون قاعدة لعدم أخذ العلوم، فعامة النّاس يُريدون أن ينظروا ويُشاهدوا أدلّة وجود الله تعالى بعينيهم حتّى ليطمئنّ قلوبهم وهذه سنّة الله وبمعرفة علوم الكون والإنسان يُشاهد ذلك بعينيه.
الفوائد المهمة لتعليم العلوم من النّاحية العقائدية
1ـ إثبات توحيد أُلوهية الله تعالى عِلماً ونقلاً:
وهذا يعني الإيمان المطلق لله تعالى، قال تعالى (قُل هو الله أحد الله الصّمد) . (وهو الذي في السّماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) . ونعرف يقيناً أنّ الله الواحد الأحد الذي لاشريك له لا في الأرض ولا في السّماء. ونعرف كيفية الوصول إليه، ويكون بالتّعقل والتّفكّر وبسماع كلام الله وطاعته دون ترددٍ أو خوفٍ من النّاس وعاقبة الأمور لأنّ كلّ شيء خُلق من أجل طاعته فقط لا لطاعة غيره. وبعد ذلك العمل لإيجاد رابطة حسنة بين الله وبيننا وعلى ضوء الإسلام، وأن نعبده ونحبّه ونخشاه أكثر من مُعلّمنا وشيخنا ورئيسنا وأبائنا وأولادنا وأحِبّائنا (إنّما يخشى اللهَ من عباده العّلماء) ، والعُلماء سواءاً كان إختصاصهم ديني أو دُنيوي أو ما وراء الطّبيعة كلّهم يرون آيات الله في مجال عملهم. (وقالوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربّنا وإليك المصير) . (وأطيعوا الله والرّسول لعلّكم تُرحمون) . قال (ص) (رأس الحكمة مخافة الله) رواه البيهقي والعسكري والدّيلمي.
2ـ إثبات القرآن الكريم بأنّه كلام الله وغير مُحرّف علماً ونقلاً:
والعمل بهِ فرضٌ سواء في مواضيع العبادات والمعاملات والأوامر والنّهي والحلال والحرام علماً ومنطقاً، وإنّنا بذلك نحصل على سعادة الدّنيا والأخرة وكذلك نأخذ لذة ومتاعاً في العمل بها ثم نصل إلى حياة رغدة منظمة فيزداد أفقنا ومهاراتنا لأنّ القرآن يشوّقنا على التّفكير والعلم وعلى السّعي والإجتهاد فنعمل وننتج ونصنع ونكشف ونخترع وبذلك نكون عضواً نافعاً في إصلاح مجتمعنا الإسلامي .
3ـ إثبات المواضيع الإيمانيّة أو العقائد الأخرى علماً ونقلاً:
ومن ضمنها الإيمان بالملائكة وبالرّسل والكُتب السّماويّة وبالمعجزات والغيبيّات وكشف حقيقة العلوم التي ذُكر فيها أي في القرآن ونحو ذلك، ثمّ السّعي إلى تحسين وتقوية العقل والتّفكير للتوصل إلى الحقيقة الكُبرى، ثم نستطيع أن نكون إنساناً كاملاً ونعرف حقائق أحكام الأيات القيمة ونطبقها على وجه الأصح، من تفريق بين الإيمان والكُفر والخير والشّر، وبين الصالح والطّالح وبين العدو والصّديق وبين النّور والضّلام والحلال والحرام والمُضرّ والمفيد، وهكذا لا يُمكن أنْ يخدعنا شياطين الجن والإنس فنتعب ونرهق ونشقى من ورائهما ثمّ نخسر عرض الحياة الدّنيا والأخرة .
4ـ أن نرثَ أسرة سعيدة مسلمة متعلّمة ومثقّفة:
الأسرة التي تفرّق بين الصّالح من الطّالح وتكون صاحب فضلٍ وعلمٍ وشُهرةٍ لتنفع المجتمع، وكل هذا تكون بتربية أولادنا على الإسلام وعلى الخير والصّلاح فيُشاركون في تكوين الدّولة الإسلامية الحُرّة العادلة السّعيدة، ويكونوا خُلفاء الله في الأرض (والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قُرة أعين) .(وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) .(إنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون) .
5ـ أن نعرف ونتعلّم حقوق وواجبات الأفراد تجاه الأشخاص والعائلة والمجتمع والدّولة والأمم:
وإذا عرفنا وتعلّمنا نستطيع أن نُراعي واجباتنا نحو الأشخاص والعائلة والمجتمع والدّولة، ونستطيع أن نفهم طبائع ودرجات عقول النّاس ونفسيّتهم وأسلوبهم الخطابي كما علّمنا الدّين الإسلامي، وبذلك نستطيع التّفاهم معهم بسهولة ولا نتخاصم ولا نتجادل ولا نتقاتل معهم لإسباب تافهة، ونتعلّم أداب الليّن والتّسامح والصّبر وهي من أهم عناصر التّفاهم وقال تعالى للرسول (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لأنفضّوا من حولك) . وقول (ص) (أنزلوا النّاس منازلهم) رواه مسلم وأبو داود (كلّموا النّاس على قدر عقولهم) رواه البخاري.
6ـ أن نكون من الذين يعملون الصّالحات ويتّبعون أحسنه وندخل الجنّة بغير حساب:
لذا يُمكن أن نصل إلى الشّخصية الموجهة توجيهاً حسناً، ونكون القدوة الحسنة في المجتمع واذا اصبحنا العالم العامل الفاضل، فبذلك يسهل علينا نشر الإسلام والسّلام والسّعادة والعدالة بين النّاس لقوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . (لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه) . (وما يعلم تأويله إلاّ اللهُ والرّاسخون في العلم) . (فسئل به خبيراً) .
فضائل العلوم والعلماء في الدّين الإسلامي
هناك آيات وأحاديث كثيرة على فضل العلم والعّلماء، علماً أنّ فضل العُلماء مهمّة في إثبات وجود الله لأنّهم يرون آيات الله تعالى بأعينهم، فيؤمنون به قبل غيرهم ولايفرق ما بين فروع العُلماء سوءاً كان عالم قرآن الكريم أو عالم الفضائيّات أو الفيزياء أو الإحياء أو غير ذلك كُلّهم يرون أياتهِ من خلال علمهِ.
آيات في فضائل العلم والعلماء في القرآن ومجموعها (64)
منها (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) .(إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماء) .(يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) .(فأسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) .(يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتيك فأتبعني أهدك صراطاً سويّاً) .(ليتفقهوا في الدّين) .(شهد الله إنّه لا اله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط) .(وما أُتيتم من العلم إلاّ قليلاً) .(لكن الرّاسخونَ في العلمِ منهم والمؤمنونَ يؤمنون بما أنزلَ إليكَ) .(وقل ربّي زدني علماً) .
الأحاديث في فضائل العِلم والعُلماء ومجموعها كثيرة
منها (طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ) رواه إبن ماجة وإبن عبدالبر .(صنفان من النّاس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء) رواه أبونعيم في الحلية. (العُلماء ورثة ألأنبياء) رواه الأربعة وأخرون. (أفة الدّين ثلاثة: فقيهٌ فاجرٌ وإمامٌ جائرٌ ومجتهدٌ جاهلٌ) في الجامع الكبير رواه الدّيلمي عن إبن عبّاس. (سيكون أمراء فسقة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه ولن يردعلى الحوض) رواه احمد والنسائي والترمذي والبزاز.( سألت ربي فيما إختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إليّ : يامحمد إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء: بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشئ مما هم عليه من إختلافهم فهو عندي على هدى) رواه سعيد بن السيب عن عمر بن الخطاب (رض). (يقوم المجد الحقُّ على ثلاثِ دعائمَ: العلمُ والعملُ والخلقُ النّبيلُ). (منهومان لايشبعان طالب علمٍ وطالب دُنيا) رواه الطّبراني والبيهقي وغيرهم (أنا مدينة العلم وعليّ بابها) رواه الحاكم في المستدرك والطّبراني في الكبير (اللّهم فقهه في الدّين وعلّمه التأويل) قاله (ص) لإبن عبّاس، رواه أحمد والبخاري والتّرمذي والطّبراني. (أشدّ النّاس عذاباً عالم لم ينفعه علمه) رواه إبن ماجة والطّبراني وإبن عُدي . (نعم الأمراء على أبواب العلماء وبئس العلماء على أبواب الأمراء) .و قال (ص) (من أوتي علماً فحبسه عن الناس ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة). وقال أيضاً (إن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى النملة).(من سلكَ طريقاً يلتمسُ فيهِ عِلماً سهّل الله بهِ طريقاً إلى الجنّة) رواه مسلم في فضل الإجتماع وتلاوة القرآن.
وأخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين.
22.02.2007
نظام الدين إبراهيم أوغلو
محاضر في جامعة هيتيت بتركيا
nizamettin955@hotmail.com
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
تعريف العلم
التّعريف الفلسفي للعلم:
هو كلّ علم أثبت صحّته فهو علم. لذا لايُمكن إعتبار النّظريات أو العلوم التي أُثبت عدم صحتها علمٌ. وعموماً كانت أكثر العلوم عبارة عن نظريّات وتأويلات إلى أن أثبتت صحّة أكثرها بواسطة المختبرات والإكتشافات أو بعلم الله تعالى عند طريق الوحي فأصبحت علماً .
وقال الجويني: "العلم: معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع "وقال ابن القيم: "هو نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس" وقال الجرجاني: "هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع".
التّعريف الشرعي للعلم:
علم ما أنزل الله على رسوله من البينات والهدي " فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحى، علم ما أنزلهُ الله فقط ، بواسطة الوحي على الأنبياء.
تعريف العلوم بصورة عامة:
هي معرفة الأشياء أو العلوم الموجودة على سطح الأرض بما فيها من الكائنات الحية وغير الحية وفي باطن الأرض من المواد الأوّلية والثّروات الطّبيعية وغيرها، وأخيراً معرفة الموجودات في السّموات من الكائنات والمخفيّات، على شرط أن يوضع لها شروط وأصول وقواعد علميّة ثابتة. والعلوم أيضاً ما يمكن الحصول عليها عن طريق الأنبياء والمرسلين أو بالإيحاء الإلهي أو عن طريق الكشوفات والإختراعات من قبل العلماء. ويمكن القول أيضاً : أنّ العلوم حضارة وتجارب الإنسان.
ويُمكن أن نحصر أنواع المعرفة إلى ثلاثة أقسام: 1ـ أعرفُ ما يعرفهُ بعضُ النّاس. 2ـ أعرف ما يعرفهُ كُلّ النّاس. 3ـ أعرف ما لا يعرفهُ النّاس.
العلوم التي لايُمكن أن تمرّ بتأويلات
هناك ثلاثة أنواع من العلوم لم تمر بتأويلات لأنّها أُثبتت صّحتهم عقلاًً وعلماً ووحياً مُنذ القِدم دون أن تتغّيير: أوّلهم علم الرّياضيّات وهو العلم الملموس له حقائق علميّة ومبنيّة على قواعد علميّة ثابتة (بما فيه الحساب والجبر والهندسة والمُعادلات الرّياضيّة في الكيمياء والفيزياء). والثّاني علم المنطق يدخل في ذلك المنطق الكلاسيكي والمنطق الحديث ـ المنطق الضّبابي أو منطق الغموض لا يدخل في ضمن الموضوع ـ وهذا العلم مثل علم الرّياضيّات له قواعد علميّة ثابتة أيضاً. والثّالث علم العقائد وهو العلم الحسّي له حقائق إلهيّة مبنيّة على إستقراء وبرهان وإستدلال، والقرآن الكريم أكبر دليل على صّحته والتي وصل إلينا عن طريق التّواتر، وكذلك أقوال الأنبياء وقول نبيّنا محمد (ص)، والإستلالات العلميّة الكثيرة كذلك تثبت على صحته وعدم إحتياجه إلى التّأويل، وكلّ عقيدة وشريعة وعبادة لاينصّ عليها القرآن والسّنة ولم يفعله الصّحابة فهي ردٌ وبدعةٌ باطلةٌ، فعلماء العلوم يجب الإيمان بحقيقة علم العقيدة الغير الملموسة وإلاّ يكونوا في تناقض علمهم، ومن مواضيعها (الإيمان بالله تعالى وبصفاته ورؤيته وعرشه وكرسيه، وبيده الهداية والإضلال والرّزق والأجل، والإيمان بالملائكة الكرام وبالكرام الكاتبين وملك الموت، والأيمان بالكتب السّماويّة الأربعة والإيمان بالرّسل وأنّ محمد (ص) خاتم النبياء ونحو ذلك).
تعريف العالِم
عند المسلمين وهو أن يٌلمّ قسطاً كبيراً من العلوم الإسلامية بالإضافة إلى العلوم الدّنيوية الأخرى. والعالِم عند الغرب هو صاحب المعرفة العلمية الذي يضيف إلى ما هو معروف في العلم بالبحث ووضع الاكتشافات أو تدريس العلم في المؤسسات العليا للتربية.
صفات العالم أو المرشد
1ـ أنْ يكُونَ حليماً وشفوقاً. 2ـ أنْ يكونَ عالماً لإختصاصهِ. 3ـ أنْ يكُونَ مُعلّماً بالعُلومِ الإسلاميَّةِ. 4ـ أنْ يُعرضَ عن حبِّ الدّنيا وحبِّ الجَاهِ. 5ـ تابعَ لشخصٍ بَصيرٍ تَسلسَل متابَعتُهُ إلى الرَّسولِ مُحمَّدٍ (ص). 6ـ قِلّة الأكلِ والقَولِ والنَّومِ. 7ـ كثرتهُ للصَلواتِ والصّومِ. 8ـ كثرتهُ للصدقةِ وعدم البّخل.
وللعلماء مسؤوليات أخلاقية كبيرة وهي تربية النّاس وتعليمهم والمساعدة في تزكية أنفسهم في إطار عبادة الله - العبادة التي تشمل كافة مجالات الحياة الدنيا والآخرة، ولا يمكن أن يكون مسؤولياتهم منافع شخصية بحتة وجمع المال والركون الى أصحابهِ، وأن يمسك بيده مصباح الهداية، ويجلس في النور، وبالتالي فهو الذي يجب أن يوجه إليه الخطاب ليوقظ الغافلين والجهال والنائمين، والكلام في هذه المواضيع كثيرة ونحن إخترنا ما يهم أكثر المسلمين، وإن شاء الله يعم الفائدة لكل طالب علم يدرك ماله وما عليه.
كيفية تعليم العلوم من الكتب
والعلوم يمكن تعلمها بطريقتين :
1ـ أمّا الطّريقة الأولى طريق التّدرج من الأعلى:
مصدرهُ إثبات بالأدلة النّقلية والعلميّة من القرآن الكريم والأحاديث النّبويّة، ومصادر كافة العلوم، كلّها إلهيّة بصورة مباشرة وأزلية منزّلة من قبل ربُّ العالمين بدأ من الله تعالى، ثمّ أودعه للإنسان عن طريق الفطرة والعقل ، ولأجل التعلّم والفهم الكثير عليه أن يُفكّر ويتعلّم لهذه العلوم بأي شكلٍ من الأشكال، قال الله تعالى (وعلّم آدم الأسماءَ كلّها) . (الذي علّم بالقلم) . (علّم الأنسان مالم يعلم) . (علّمهُ البيان) . (وإنه لفي زُبرِ الأوّلين) . (علّمه شديدُ القوى) . وقد فُسّرت هذه الأيات من قبل عُلماء المسلمين بمايلي، منهم من قال أنه : علّمَ الإنسان العلوم الضّرورية كلّها كما علّمها للحيوانات، ثُم عليه توسيعها بالكسب والإجتهاد. والقسم الأخر قالوا أنه : علّمَ الله أدم والبشريّة كُلّ العلوم وهذه العلوم مُبرمجة في مُخهِ كما في الحاسبة الألكترونية وعند تشغيلها أو الإجتهاد عليها يمكن الحصول على المعلومات المحفوظة أو إسترجاعها تدريجيّاً .
2ـ الطّريقة الثانية طريق التّدرج من الأدنى:
يكون التّحقيق حسب المنهج العلمي المتّبع من قبل الفلسفة الماديّة، ويريدون إثبات الغيبيات بأبصار غير مدركة، وهذا رأي عُلماء الفلك والطّب والفلسفة والكلام والمنطق والإجتماع والنّفس ونحوهم عموماً، ويقولون أنّ مصدر هذه العلوم هو من ثمار العقل البشري، وحتى أنّ أكثرهم لا يصفون أنّ هذهِ العلوم لله تعالى، فيقولون أنّ خلق الطبيعة والكون والإنسان تصادفي أو أنهُ هناك قوّة خفيّة خلقهم وقسم قليل ينسب خلقهم إلى الله تعالى، ويقولون أنّ قابليّة إكتساب الأشخاص العلوم بعقله وبعلمه وبالبرهان الظّاهري يستطيع أن يصل إلى معرفة وكشف كافة الحقائق وحتى حقائق ما وراء الطّبيعة دون أن يحتاجوا إلى علوم الله تعالى، والأشياء التي لايدخل عندهم في الإستدلال والبرهان لايأخذونه بنظر الإعتبار، علماً أنّ هذه الطّريقة أي القسم الثّاني غير مرغوب عند أكثر علماء المسلمين لأنّهم يتبعون نهج فلاسفة اليونان في تعلّم العلوم، والعلم الحديث ثبت أنّ قسم كبير من إثباتاتهم كانت خاطئة وغير صحيحة.
إذن لقد عرفنا طرق التّعلم وبما أن طريق الوصول الى العلوم واضحة كما بيّنا أعلاه ولم يبق لنا الاّ أن نتعلّم كما أمرنا الله تعالى حتى نكسب رضاه وأخيراً نجد لذة وفرح وسعادة عملنا ووصولنا إلى الحقائق. فالأراء والمذاهب والأديان لا يشكلون أضداداً فكرية ولا إختلافاً أبداً عند أكثر العلماء الّذين لهم فراسة وتفكّر عميق، على عكس ذلك بل يشكّلون وِفاقاً وتلاحماً وغِناً للأفكار. فالإختلاف تتم عندما تتفاوت درجات العلم والعقُول والتّفكّر السّطحي الغير البعيد عند الإنسان، والمثل يقول كما ذكرنا (الإنسان عدوّ ما يجهل) أي عندما يزول الجهل يزول الإختلاف.
أهم شروط النّجاح في التّعلم
1ـ النيّة والرّغبة والحب في طلب العلم. 2ـ العزم والإرادة. 3ـ الصّبر على الإجتهاد. 4 ـ تكرار المواضيع. 5ـ الفطرة السليمة وأن يكون العلم خالصة لله تعالى: أي عدم إدخال الأهواء النّفسية والمصالح الشّخصيّة أو الجماعية كأن يكون لأجل تعصب لقائد أو لجماعة معينة أو من أجل شهرةٍ ومقامٍ ومالٍ. 6ـ كون الطّالب والأستاذ جيّدان ومؤدّبان بالإضافة إلى كون أوقات وبرامج الدّروس جيّدة ونحو ذلك.
حُكم التّعلم في الإسلام
فرضٌ على كلّ مسلم ومسلمة، والتّعلم نورٌ يهتدي به الإنسان إلى حقيقة الله ونعمه وما أوجبه الله عليه، والعلوم ميراث الأنبياء للنّاس كافّة، ولقد علّموا النّاس وبلّغوا به رسالة الله لأمّتهم وأقوامهم من أجل الإيمان به ووحدة ربوبيّته، وفي القرآن والسنة النبوية آيات وأحاديث كثيرة على طلب العلم لأن الجهل آفة كبيرة على النّفس وعلى المجتمع، ويجب أن نلفت النّظر إلى النّساء لأنّهنّ أحوج إلى ذلك، لبعدهن عن العلم وغلبة الهوى عليهن أوتحريمهن عن التّعلم والخروج من البيت بسبب العادات الإجتماعية القاسية في القبائل أو القرى أو المدن أو من قبل المجموعات الإسلامية المتطرفة ، إمّا عن جهل الأفراد أو الجماعات أو عن سوء نيّة ورياء، وعلى الجميع أنْ يأخذ قول الرّسول (ص) (الحكمةُ ضالةُ المؤمن أينما يجدها فهو بها) رواه التّرمذي وإبن ماجة، علينا أن نأخذ كلّ مفيد وجيد من أية جهة جاءت لأنّ العلم مُلكٌ للجميع وليس مخصوصٌ لدِين أو لمذهب أو لجماعة دون غيرهم، ومهما نخبأه فسوف يلهم الله تعالى غيرنا فيظهره، ويُشترط عند أخذها أن نضعها في قوالب ومناهج ربّانية وقرآنية. لذا يمكن لأيّ فرد أن يكون عالماً بالمعلومات العامة لكافة العلوم. والعالِم هنا أي الذي يعلمُ ويلمُّ من العلوم والمعارف الكثيرة، وعند توفّر النيّة والعزم على التّعلم والقراءة نحصلُ ونصلُ إلى ما نُريده مادُمنا أصّحاء عقلاً وبدناً، وعند الأخذ بالعلوم وخاصّة الإسلاميّة نكون عند مقام الله تعالى في أعلى درجات، كما وعدنا بقوله (قل هل يستوي الذّين يعلمون والذين لايعلمون) . (ونُفصّل الأيات لقومٍ يعلمون) ، وعلينا أن نأخذ هذه العلوم من المصادر والكتب والموسوعات الموثوقة ويمكن طلب المساعدةِ من الأساتذة والأبوين والمُربيّن والشّيوخ والمحاضرين وجهاً لوجه في تسهيل تعلّمنا، ويمكن أيضاً الإستفادة من طرق وسائل وأجهزة الأعلام والتّكنولوجيا الحديثة وغيرها. وليس شرط أن نكون مجتهدين أو فقهاء، لأنّه ليس بفرض ولا واجب على عامة النّاس، لأنهما يحتاجان الى ذكاء وقابلية وأخلاق خاصة مُدوّنة في كُتب أصول الفقه.
أسباب تعلم العلوم
الغاية الإساسيّة للتعلم عقائدية بالدّرجة الأولى توحيد الله تعالى والإيمان به وتعظيمه وطاعة أوامره، لأنّ المتعلّم لايخطئُ كثيراً، ونستطيع مشاهدة ذلك واضحاً عند المتفقهين، وأمّا عند المتصوّفين نستطيع مشاهدة الأخطاء والبدع الكثيرة عندهم. ويُمكن كذلك الحصول على مكافئات ونِعم الله تعالى، والتّخلص من جزائهِ في الدّنيا والأخرة والحصول على الجنّة.
والفائدة الأخرى الدّنيويّة الكسبيّة من رفع درجات المسلمين العلميّة والحصول على المال والشّهرة والمقام والرّاحة والسّعادة والصّحة والإنسان وكذلك للحصول على رضاء الملائكة وحتى الحصول على دعاء الحيتان ونحو ذلك كلّ ذلك مذكورة في القرآن والأحاديث. ولا يُحاسب الإنسان على عدم أخذه بكافة العلوم وإنّما يُحاسب على علم واحدٍ فقط وهو علم العقيدة والتي يتعلّق بالإيمان والعمل، علماً أنّ كسب العلوم سببٌ رئيسي وعاملٌ كبيرٌ في الوصول إلى هذه الغايات الجليلة التي ذكرناها، ويجب على كلّ إنسان أن يكون هدفه في كسب العلوم معرفة الله تعالى والوصول إليهِ، وهناك القلّة القليلة والمستثنى من النّاس لا يحتاجون إلى معرفة الله تعالى بالتّعلم، بل بسبب حذاقة عقولهم ونقاء فطرتهم يعرفون الله بالتّفكر والتّعقل وبنور قلوبهم وما يُسمى بالكشف الباطني أو الإلهام فيطعيون الله ولا يعصونه أبداً وهؤلاء هم من الأنبياء والأولياء الصّالحين، وهذه القلّة المميّزة لا يُشكّلون قاعدة لعدم أخذ العلوم، فعامة النّاس يُريدون أن ينظروا ويُشاهدوا أدلّة وجود الله تعالى بعينيهم حتّى ليطمئنّ قلوبهم وهذه سنّة الله وبمعرفة علوم الكون والإنسان يُشاهد ذلك بعينيه.
الفوائد المهمة لتعليم العلوم من النّاحية العقائدية
1ـ إثبات توحيد أُلوهية الله تعالى عِلماً ونقلاً:
وهذا يعني الإيمان المطلق لله تعالى، قال تعالى (قُل هو الله أحد الله الصّمد) . (وهو الذي في السّماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) . ونعرف يقيناً أنّ الله الواحد الأحد الذي لاشريك له لا في الأرض ولا في السّماء. ونعرف كيفية الوصول إليه، ويكون بالتّعقل والتّفكّر وبسماع كلام الله وطاعته دون ترددٍ أو خوفٍ من النّاس وعاقبة الأمور لأنّ كلّ شيء خُلق من أجل طاعته فقط لا لطاعة غيره. وبعد ذلك العمل لإيجاد رابطة حسنة بين الله وبيننا وعلى ضوء الإسلام، وأن نعبده ونحبّه ونخشاه أكثر من مُعلّمنا وشيخنا ورئيسنا وأبائنا وأولادنا وأحِبّائنا (إنّما يخشى اللهَ من عباده العّلماء) ، والعُلماء سواءاً كان إختصاصهم ديني أو دُنيوي أو ما وراء الطّبيعة كلّهم يرون آيات الله في مجال عملهم. (وقالوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربّنا وإليك المصير) . (وأطيعوا الله والرّسول لعلّكم تُرحمون) . قال (ص) (رأس الحكمة مخافة الله) رواه البيهقي والعسكري والدّيلمي.
2ـ إثبات القرآن الكريم بأنّه كلام الله وغير مُحرّف علماً ونقلاً:
والعمل بهِ فرضٌ سواء في مواضيع العبادات والمعاملات والأوامر والنّهي والحلال والحرام علماً ومنطقاً، وإنّنا بذلك نحصل على سعادة الدّنيا والأخرة وكذلك نأخذ لذة ومتاعاً في العمل بها ثم نصل إلى حياة رغدة منظمة فيزداد أفقنا ومهاراتنا لأنّ القرآن يشوّقنا على التّفكير والعلم وعلى السّعي والإجتهاد فنعمل وننتج ونصنع ونكشف ونخترع وبذلك نكون عضواً نافعاً في إصلاح مجتمعنا الإسلامي .
3ـ إثبات المواضيع الإيمانيّة أو العقائد الأخرى علماً ونقلاً:
ومن ضمنها الإيمان بالملائكة وبالرّسل والكُتب السّماويّة وبالمعجزات والغيبيّات وكشف حقيقة العلوم التي ذُكر فيها أي في القرآن ونحو ذلك، ثمّ السّعي إلى تحسين وتقوية العقل والتّفكير للتوصل إلى الحقيقة الكُبرى، ثم نستطيع أن نكون إنساناً كاملاً ونعرف حقائق أحكام الأيات القيمة ونطبقها على وجه الأصح، من تفريق بين الإيمان والكُفر والخير والشّر، وبين الصالح والطّالح وبين العدو والصّديق وبين النّور والضّلام والحلال والحرام والمُضرّ والمفيد، وهكذا لا يُمكن أنْ يخدعنا شياطين الجن والإنس فنتعب ونرهق ونشقى من ورائهما ثمّ نخسر عرض الحياة الدّنيا والأخرة .
4ـ أن نرثَ أسرة سعيدة مسلمة متعلّمة ومثقّفة:
الأسرة التي تفرّق بين الصّالح من الطّالح وتكون صاحب فضلٍ وعلمٍ وشُهرةٍ لتنفع المجتمع، وكل هذا تكون بتربية أولادنا على الإسلام وعلى الخير والصّلاح فيُشاركون في تكوين الدّولة الإسلامية الحُرّة العادلة السّعيدة، ويكونوا خُلفاء الله في الأرض (والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قُرة أعين) .(وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) .(إنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون) .
5ـ أن نعرف ونتعلّم حقوق وواجبات الأفراد تجاه الأشخاص والعائلة والمجتمع والدّولة والأمم:
وإذا عرفنا وتعلّمنا نستطيع أن نُراعي واجباتنا نحو الأشخاص والعائلة والمجتمع والدّولة، ونستطيع أن نفهم طبائع ودرجات عقول النّاس ونفسيّتهم وأسلوبهم الخطابي كما علّمنا الدّين الإسلامي، وبذلك نستطيع التّفاهم معهم بسهولة ولا نتخاصم ولا نتجادل ولا نتقاتل معهم لإسباب تافهة، ونتعلّم أداب الليّن والتّسامح والصّبر وهي من أهم عناصر التّفاهم وقال تعالى للرسول (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لأنفضّوا من حولك) . وقول (ص) (أنزلوا النّاس منازلهم) رواه مسلم وأبو داود (كلّموا النّاس على قدر عقولهم) رواه البخاري.
6ـ أن نكون من الذين يعملون الصّالحات ويتّبعون أحسنه وندخل الجنّة بغير حساب:
لذا يُمكن أن نصل إلى الشّخصية الموجهة توجيهاً حسناً، ونكون القدوة الحسنة في المجتمع واذا اصبحنا العالم العامل الفاضل، فبذلك يسهل علينا نشر الإسلام والسّلام والسّعادة والعدالة بين النّاس لقوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . (لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه) . (وما يعلم تأويله إلاّ اللهُ والرّاسخون في العلم) . (فسئل به خبيراً) .
فضائل العلوم والعلماء في الدّين الإسلامي
هناك آيات وأحاديث كثيرة على فضل العلم والعّلماء، علماً أنّ فضل العُلماء مهمّة في إثبات وجود الله لأنّهم يرون آيات الله تعالى بأعينهم، فيؤمنون به قبل غيرهم ولايفرق ما بين فروع العُلماء سوءاً كان عالم قرآن الكريم أو عالم الفضائيّات أو الفيزياء أو الإحياء أو غير ذلك كُلّهم يرون أياتهِ من خلال علمهِ.
آيات في فضائل العلم والعلماء في القرآن ومجموعها (64)
منها (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) .(إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماء) .(يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) .(فأسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) .(يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتيك فأتبعني أهدك صراطاً سويّاً) .(ليتفقهوا في الدّين) .(شهد الله إنّه لا اله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط) .(وما أُتيتم من العلم إلاّ قليلاً) .(لكن الرّاسخونَ في العلمِ منهم والمؤمنونَ يؤمنون بما أنزلَ إليكَ) .(وقل ربّي زدني علماً) .
الأحاديث في فضائل العِلم والعُلماء ومجموعها كثيرة
منها (طلب العلم فريضة على كلّ مسلمٍ) رواه إبن ماجة وإبن عبدالبر .(صنفان من النّاس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء) رواه أبونعيم في الحلية. (العُلماء ورثة ألأنبياء) رواه الأربعة وأخرون. (أفة الدّين ثلاثة: فقيهٌ فاجرٌ وإمامٌ جائرٌ ومجتهدٌ جاهلٌ) في الجامع الكبير رواه الدّيلمي عن إبن عبّاس. (سيكون أمراء فسقة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولستُ منه ولن يردعلى الحوض) رواه احمد والنسائي والترمذي والبزاز.( سألت ربي فيما إختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إليّ : يامحمد إنّ أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء: بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشئ مما هم عليه من إختلافهم فهو عندي على هدى) رواه سعيد بن السيب عن عمر بن الخطاب (رض). (يقوم المجد الحقُّ على ثلاثِ دعائمَ: العلمُ والعملُ والخلقُ النّبيلُ). (منهومان لايشبعان طالب علمٍ وطالب دُنيا) رواه الطّبراني والبيهقي وغيرهم (أنا مدينة العلم وعليّ بابها) رواه الحاكم في المستدرك والطّبراني في الكبير (اللّهم فقهه في الدّين وعلّمه التأويل) قاله (ص) لإبن عبّاس، رواه أحمد والبخاري والتّرمذي والطّبراني. (أشدّ النّاس عذاباً عالم لم ينفعه علمه) رواه إبن ماجة والطّبراني وإبن عُدي . (نعم الأمراء على أبواب العلماء وبئس العلماء على أبواب الأمراء) .و قال (ص) (من أوتي علماً فحبسه عن الناس ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة). وقال أيضاً (إن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى النملة).(من سلكَ طريقاً يلتمسُ فيهِ عِلماً سهّل الله بهِ طريقاً إلى الجنّة) رواه مسلم في فضل الإجتماع وتلاوة القرآن.
وأخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين.
22.02.2007