جئت من عالم الغيب ...
وإلى عالم الغيب أسير ...
من أين جئت؟
إلى أين أسير؟
ما هو المصير؟
هذه التساؤلات حول الوجود، أليست تساؤلات قديمة قدم الوجود نفسه؟ وهل هي بالفعل أسئلة مزعجة ومقلقة ومحيرة وتقض مضاجع الناس على اختلاف أفهامهم؟ وهل هي بالفعل أسئلة كبيرة وحاسمة وضرورية لإيجاد تفسير شاف لحقيقة خلق الكون والغاية من خلق الإنسان؟ ألم تدع الرسالات السماوية إلى التفكر والتأمل والتساؤل؟ ألم تقدم الأديان التفاسير والحلول والأجوبة حول هذه الأسئلة المتعلقة بخلق الإنسان وخلق الوجود؟
إنها ثلاثة أسئلة، أولها "من أين جئت" وهو سؤال متعلق بزمن مضى، وحادث حدث، أما السؤالان الآخران فيتعلقان بالمستقبل، وزمن قادم، وأمور لم تحدث بعد، لذلك فمحاولة التفكير من أجل العثور على الإجابة عن السؤال الأول المتعلق بالزمن الماضي قد تبدو لفطرة الإنسان المتفكر أكثر يسرا وأكثر سهولة من محاولة العثور على أجوبة السؤالين المتعلقين بالمستقبل، ولهذا السبب أيضا قد يفضل الإنسان المتأمل أن يركز على البحث عن إجابة السؤال الأول فقط وهو واثق من أن الإجابة عليه سوف تقوده بكل تأكيد إلى الإجابة عن السؤالين الآخرين.
إنها حقا أسئلة كبيرة وصعبة ومعقدة، وبالإضافة إلى صعوبتها وتعقيدها فهي ليست سؤالا واحدا، وليست سؤالين اثنين، وإنما ثلاثة أسئلة بالتمام والكمال، وهذا التعدد في الأسئلة الصعبة أساسا يزيد الامتحان صعوبة على صعوبة، ويزيد الأمر تعقيدا فوق تعقيد، ويكاد يجعل أمر الإجابة عليها من المستحيلات.
لذلك دعونا نتواضع ونتنازل ونتراجع ونحاول التركيز والإجابة على السؤال الأول فقط على افتراض أن الإجابة عليه سوف تقودنا بشكل آلي ومنطقي إلى الإجابات المنشودة على السؤالين الصعبين الآخرين. ولكي لا يتوهم بعض الزملاء الأذكياء أننا نطرح عيهم سؤالا في علم الأحياء نغير صيغة السؤال، ونؤكد أن السؤال "من أين جئت" يعني "من أين جاء الإنسان؟" وبالتالي "من أين جاء الكون أو الأكوان؟".
أنا شخصيا لست الآن في صدد البحث عن إجابة جاهزة أقدمها لكم، لكنني أعتقد أنكم سوف تتوصلون معي إلى تلك الإجابة من خلال الشرح الذي سأقدمه لكم فيما يلي عما يحصل مع الإنسان عند توقفه من أجل التفكر والتأمل في السؤال العظيم "من أين جاء الإنسان"
يكتشف الإنسان العالم المحسوس من حوله ويدركه من خلال حواسه، وقد تمكن الإنسان من اكتشاف أدوات ساعدته فيما بعد على اكتشاف وإدراك بعض الأشياء التي كان يعجز عن إدراكها بحواسه الموجودة، وهذا الأمر دفع الإنسان إلى مسألة الاقتناع والاعتقاد والإيمان بوجود أشياء غائبة عنه، وخارجة عن إدراكه، ويعجز هو عن إدراكها بما توفر لديه من حواس.
وحينما يبدأ الإنسان بالتفكر والتأمل أثناء محاولته لإدراك الإجابة "من أين جئت؟"، يكون أول عمل يقوم به هو إجراء فحص ذاتي على مقدرته على الإدراك، فيكتشف أن إدراكه محدود مثل كل شيء، ويدرك بسبب إدراكه لمحدودية تلك القدرة على الإدراك أنه لا مفر من تقبل فكرة وجود أشياء خارجة عن حدود ذلك الإدراك، أشياء لا يستطيع إدراكها، لكنها موجودة، وتوجد دلائل على وجودها، ولا يمكنه إنكارها أو إنكار وجودها.
وقد جاءت الرسالات السماوية في عالم الإدراك والشهادة لكي تذكر الإنسان بمحدودية قدراته على الإدراك، ولكي تخبره بأمر عوالم الغيب الخارجة عن نطاق إدراكه، وترشده إلى الأدلة الواضحة على وجود هذه العوالم، ووجود خالق هذه العوالم، وتقوده إلى الإيمان المطلق، وإلى إدراك ما لا يدرك.
أما المؤمنون فيعلمون المراد الإلهي من الرسالات والآيات، رغم اختلاف الأفهام واختلاف التفسيرات، فالمراد الإلهي واحد رغم كثرة الآيات وتعدد التأويلات، وأما الكافرون والمشركون فهم يكابرون رغم أنهم يشاهدون بأم أعينهم ما يدل بوضوح على وحدانية الله تعالى وقدرته، ويعلمون أن من كان كذلك لا يصح أن تترك عبادته إلى عبادة إنسان أو حجر مما لا يضر ولا ينفع.
قال تعالى:
(أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) 30/ الأنبياء
الفتق من الرتق هو الإخراج من باطن عالم الغيب غير المدرك (وهو العدم مجازا عند بعض الناس) إلى ظاهر عالم الشهادة والواقع المدرك (أي إلى الوجود)، كانتا رتقا (حجابا) أي كانتا مرتوقتين محجوبتين في رتق أي في حجاب محجوب في عالم الملكوت والغيب، ففتقناهما أي رفعنا عنهما الحجاب وأظهرناهما وكشفناهما وأخرجناهما من عالم الغيب إلى عالم الشهادة والوجود فأصبحتا مرئيتين ظاهرتين مشهودتين.
والله أعلم
منذر أبو هواش
وإلى عالم الغيب أسير ...
من أين جئت؟
إلى أين أسير؟
ما هو المصير؟
هذه التساؤلات حول الوجود، أليست تساؤلات قديمة قدم الوجود نفسه؟ وهل هي بالفعل أسئلة مزعجة ومقلقة ومحيرة وتقض مضاجع الناس على اختلاف أفهامهم؟ وهل هي بالفعل أسئلة كبيرة وحاسمة وضرورية لإيجاد تفسير شاف لحقيقة خلق الكون والغاية من خلق الإنسان؟ ألم تدع الرسالات السماوية إلى التفكر والتأمل والتساؤل؟ ألم تقدم الأديان التفاسير والحلول والأجوبة حول هذه الأسئلة المتعلقة بخلق الإنسان وخلق الوجود؟
إنها ثلاثة أسئلة، أولها "من أين جئت" وهو سؤال متعلق بزمن مضى، وحادث حدث، أما السؤالان الآخران فيتعلقان بالمستقبل، وزمن قادم، وأمور لم تحدث بعد، لذلك فمحاولة التفكير من أجل العثور على الإجابة عن السؤال الأول المتعلق بالزمن الماضي قد تبدو لفطرة الإنسان المتفكر أكثر يسرا وأكثر سهولة من محاولة العثور على أجوبة السؤالين المتعلقين بالمستقبل، ولهذا السبب أيضا قد يفضل الإنسان المتأمل أن يركز على البحث عن إجابة السؤال الأول فقط وهو واثق من أن الإجابة عليه سوف تقوده بكل تأكيد إلى الإجابة عن السؤالين الآخرين.
إنها حقا أسئلة كبيرة وصعبة ومعقدة، وبالإضافة إلى صعوبتها وتعقيدها فهي ليست سؤالا واحدا، وليست سؤالين اثنين، وإنما ثلاثة أسئلة بالتمام والكمال، وهذا التعدد في الأسئلة الصعبة أساسا يزيد الامتحان صعوبة على صعوبة، ويزيد الأمر تعقيدا فوق تعقيد، ويكاد يجعل أمر الإجابة عليها من المستحيلات.
لذلك دعونا نتواضع ونتنازل ونتراجع ونحاول التركيز والإجابة على السؤال الأول فقط على افتراض أن الإجابة عليه سوف تقودنا بشكل آلي ومنطقي إلى الإجابات المنشودة على السؤالين الصعبين الآخرين. ولكي لا يتوهم بعض الزملاء الأذكياء أننا نطرح عيهم سؤالا في علم الأحياء نغير صيغة السؤال، ونؤكد أن السؤال "من أين جئت" يعني "من أين جاء الإنسان؟" وبالتالي "من أين جاء الكون أو الأكوان؟".
أنا شخصيا لست الآن في صدد البحث عن إجابة جاهزة أقدمها لكم، لكنني أعتقد أنكم سوف تتوصلون معي إلى تلك الإجابة من خلال الشرح الذي سأقدمه لكم فيما يلي عما يحصل مع الإنسان عند توقفه من أجل التفكر والتأمل في السؤال العظيم "من أين جاء الإنسان"
يكتشف الإنسان العالم المحسوس من حوله ويدركه من خلال حواسه، وقد تمكن الإنسان من اكتشاف أدوات ساعدته فيما بعد على اكتشاف وإدراك بعض الأشياء التي كان يعجز عن إدراكها بحواسه الموجودة، وهذا الأمر دفع الإنسان إلى مسألة الاقتناع والاعتقاد والإيمان بوجود أشياء غائبة عنه، وخارجة عن إدراكه، ويعجز هو عن إدراكها بما توفر لديه من حواس.
وحينما يبدأ الإنسان بالتفكر والتأمل أثناء محاولته لإدراك الإجابة "من أين جئت؟"، يكون أول عمل يقوم به هو إجراء فحص ذاتي على مقدرته على الإدراك، فيكتشف أن إدراكه محدود مثل كل شيء، ويدرك بسبب إدراكه لمحدودية تلك القدرة على الإدراك أنه لا مفر من تقبل فكرة وجود أشياء خارجة عن حدود ذلك الإدراك، أشياء لا يستطيع إدراكها، لكنها موجودة، وتوجد دلائل على وجودها، ولا يمكنه إنكارها أو إنكار وجودها.
وقد جاءت الرسالات السماوية في عالم الإدراك والشهادة لكي تذكر الإنسان بمحدودية قدراته على الإدراك، ولكي تخبره بأمر عوالم الغيب الخارجة عن نطاق إدراكه، وترشده إلى الأدلة الواضحة على وجود هذه العوالم، ووجود خالق هذه العوالم، وتقوده إلى الإيمان المطلق، وإلى إدراك ما لا يدرك.
أما المؤمنون فيعلمون المراد الإلهي من الرسالات والآيات، رغم اختلاف الأفهام واختلاف التفسيرات، فالمراد الإلهي واحد رغم كثرة الآيات وتعدد التأويلات، وأما الكافرون والمشركون فهم يكابرون رغم أنهم يشاهدون بأم أعينهم ما يدل بوضوح على وحدانية الله تعالى وقدرته، ويعلمون أن من كان كذلك لا يصح أن تترك عبادته إلى عبادة إنسان أو حجر مما لا يضر ولا ينفع.
قال تعالى:
(أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) 30/ الأنبياء
الفتق من الرتق هو الإخراج من باطن عالم الغيب غير المدرك (وهو العدم مجازا عند بعض الناس) إلى ظاهر عالم الشهادة والواقع المدرك (أي إلى الوجود)، كانتا رتقا (حجابا) أي كانتا مرتوقتين محجوبتين في رتق أي في حجاب محجوب في عالم الملكوت والغيب، ففتقناهما أي رفعنا عنهما الحجاب وأظهرناهما وكشفناهما وأخرجناهما من عالم الغيب إلى عالم الشهادة والوجود فأصبحتا مرئيتين ظاهرتين مشهودتين.
والله أعلم
منذر أبو هواش
تعليق