[align=center]ملخص آراء الفقهاء
حول التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها[/align]
[align=justify] فضيلة الشيخ الطاهر التجكاني،
رئيس المجلس العلمي الأوربي.
قبل أن نعرض عليكم آراء الفقهاء، يجدر بنا تقديم كلمة مختصرة كتمهيد يساعد على تقريب الموضوع وإلقاء الضوء على هذا المستجد الفقهي الطبي الإنساني والاجتماعي في آن واحد.
مما لا شك فيه أن قضية زرع الأعضاء المعمول به طبياً في عصرنا الحاضر، تمثل إحدى النوازل والإشكالات التي لم يعرفها فقهاؤنا من قبل، ولهذا فلا عجب من خلو مراجعنا القديمة من هذا الموضوع، فضلا عن وجود ضوابط وقوانين فقهية تحدد أحكامه وتبين تفاصيله. ويرجع ذلك إلى أن قضية زرع الأعضاء لم تكن موجودة زمن التشريع نظراً لبدائية الطب آنذاك. ومن ثم لم يتعرض لها التشريع ولم يبين أحكامها.
وبما أن الموضوع حديث، فإن العلماء المعاصرين لجأوا إلى استخدام القواعد الشرعية الكلية. فاعتمدوها وراعوا فيها مقاصد التشريع التي تهدف إلى الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته، والعمل على نفعه ودفع الضرر عنه، وفق ما يقتضيه دليل النقل والعقل. لكنهم انقسموا في اجتهادهم إلى فريقين اثنين ولكل حجته ودليله.
الفريق الأول: يرى المنع مطلقا، انطلاقا من مسلمات مشتركة، مفادها: أن الإنسان مكرم وله الحرمة الكاملة، وأنه لا يملك أعضاءه وإنما هي ملك لله تعالى، وبالتالي لا يجوز له التصرف فيها إلا بترخيص شرعي ظاهر.وبناء على هذا حرموا التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها تحريماً مطلقاً. ويمثل هذا الفريق عدد قليل من الفقهاء مؤيدين اجتهادهم بعموم قوله تعالى:
{ ولقد كرمنا بني آدم } الإسراء/ الآية 70. وبقوله صلى الله عليه وسلم ( إن كسر عظم الميت مثل كسره حياً.) رواه البخاري. فتحفظوا في الموضوع وتشبثوا بكرامة الإنسان وعدم ملكيته لأعضائه.
الفريق الثاني: يرى جواز التبرع بالأعضاء وزرعها المسموح به طبياً وفقهياً بشروط مخصوصة. وهم جمهور الفقهاء المعاصرين الذين يرون أن ذلك يصب في مصلحة الإنسان ويزيد من تكريمه. وأن الحفاظ على حياة الإنسان أمر مطلوب ، وهو من الضروريات الخمس المتفق عليها في جميع الشرائع السماوية. وهذا الرأي هو الذي أفتى به الأزهر وقررته المجامع الفقهية المعاصرة، مستندين إلى قواعد شرعية وضوابط فقهية مأخوذة من عمومات الكتاب والسنة من مثل قوله تعالى : { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة / 32 وقوله تعالي { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة / 173 . وكقوله صلى الله عليه وسلم: ( ... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.) رواه مسلم.
وحديث : ( ... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.) رواه البخاري.
وكقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وللضرورة أحكام، إلى غير ذالك من القواعد المتفق عليها بين الفقهاء. وقالوا: إن هذا لا يتنافى مع كرامة الإنسان ولا يتصادم مع القواعد الكلية الكبرى لمبادئ الإسلام ومقاصده، بل ينسجم ويتوافق معها روحا ومضمونا وبينوا في فتاواهم : ( أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه هو عمل جائز، لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية عند المأخوذ منه ، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه، وهو عمل مشروع وحميد. وذكروا أن نقل الأعضاء على ثلاثة أنواع:
1 – نقل عضو من إنسان حي أو ميت لإنسان آخر.
2 – نقل عضو من حيوان لإنسان.
3 – زرع أعضاء اصطناعية في إنسان.
واشترطوا لذلك شروطاً شرعية وطبية وصحية، ويمكن تلخيص هذه الشروط فيما يلي:
1- أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية، لأن القاعدة الشرعية :
- أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وهو محرم شرعا.
2- أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع، دون أي إكراه مادي أو معنوي.
3- أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
4- أن يكون نجاح كلٍ من عمليتي التبرع والزرع محققا في العادة أو غالباً ،
ويكون الجواز بطريق الأولوية في الحالات التالية.
أ – أحذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان حي مضطر إليه، بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً وقد أذن بذلك في حياته.
ب – أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
ج – أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع موضع آخر من جسمه.
د – زراعة الأعضاء الاصطناعية في الإنسان مثل القلب وغيره.
ملاحظات:
يحرم تحريماً باتاً:
1 - زرع عضو مفرد تتوقف عليه الحياة كالقلب، والكبد، من إنسان حي إلى آخر، لأنه يفضي إلى هلاك المتبرع.
أما الأعضاء التي يوجد لها نظير في الجسم كالكليتين، فيجوز نزعها بشرط أن يكون العضو المتبقى سليماً وقادراً على القيام بالوظيفة.
2- زراعة الخصية والمبيض، لأن هذه الأعضاء تحمل الصفات الوراثية ويؤدي زرعها إلى اختلاط الأنساب. وهو ممنوعُ شرعاً.
3- يحرم بيع الأعضاء البشرية، لأن أعضاء الإنسان ليست سلعة تباع وتشترى. فهذا يتنافى مع كرامة الإنسان وحرمته.
والله تعالى أعلم.
[/align]
حول التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها[/align]
[align=justify] فضيلة الشيخ الطاهر التجكاني،
رئيس المجلس العلمي الأوربي.
قبل أن نعرض عليكم آراء الفقهاء، يجدر بنا تقديم كلمة مختصرة كتمهيد يساعد على تقريب الموضوع وإلقاء الضوء على هذا المستجد الفقهي الطبي الإنساني والاجتماعي في آن واحد.
مما لا شك فيه أن قضية زرع الأعضاء المعمول به طبياً في عصرنا الحاضر، تمثل إحدى النوازل والإشكالات التي لم يعرفها فقهاؤنا من قبل، ولهذا فلا عجب من خلو مراجعنا القديمة من هذا الموضوع، فضلا عن وجود ضوابط وقوانين فقهية تحدد أحكامه وتبين تفاصيله. ويرجع ذلك إلى أن قضية زرع الأعضاء لم تكن موجودة زمن التشريع نظراً لبدائية الطب آنذاك. ومن ثم لم يتعرض لها التشريع ولم يبين أحكامها.
وبما أن الموضوع حديث، فإن العلماء المعاصرين لجأوا إلى استخدام القواعد الشرعية الكلية. فاعتمدوها وراعوا فيها مقاصد التشريع التي تهدف إلى الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته، والعمل على نفعه ودفع الضرر عنه، وفق ما يقتضيه دليل النقل والعقل. لكنهم انقسموا في اجتهادهم إلى فريقين اثنين ولكل حجته ودليله.
الفريق الأول: يرى المنع مطلقا، انطلاقا من مسلمات مشتركة، مفادها: أن الإنسان مكرم وله الحرمة الكاملة، وأنه لا يملك أعضاءه وإنما هي ملك لله تعالى، وبالتالي لا يجوز له التصرف فيها إلا بترخيص شرعي ظاهر.وبناء على هذا حرموا التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها تحريماً مطلقاً. ويمثل هذا الفريق عدد قليل من الفقهاء مؤيدين اجتهادهم بعموم قوله تعالى:
{ ولقد كرمنا بني آدم } الإسراء/ الآية 70. وبقوله صلى الله عليه وسلم ( إن كسر عظم الميت مثل كسره حياً.) رواه البخاري. فتحفظوا في الموضوع وتشبثوا بكرامة الإنسان وعدم ملكيته لأعضائه.
الفريق الثاني: يرى جواز التبرع بالأعضاء وزرعها المسموح به طبياً وفقهياً بشروط مخصوصة. وهم جمهور الفقهاء المعاصرين الذين يرون أن ذلك يصب في مصلحة الإنسان ويزيد من تكريمه. وأن الحفاظ على حياة الإنسان أمر مطلوب ، وهو من الضروريات الخمس المتفق عليها في جميع الشرائع السماوية. وهذا الرأي هو الذي أفتى به الأزهر وقررته المجامع الفقهية المعاصرة، مستندين إلى قواعد شرعية وضوابط فقهية مأخوذة من عمومات الكتاب والسنة من مثل قوله تعالى : { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة / 32 وقوله تعالي { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة / 173 . وكقوله صلى الله عليه وسلم: ( ... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.) رواه مسلم.
وحديث : ( ... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.) رواه البخاري.
وكقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وللضرورة أحكام، إلى غير ذالك من القواعد المتفق عليها بين الفقهاء. وقالوا: إن هذا لا يتنافى مع كرامة الإنسان ولا يتصادم مع القواعد الكلية الكبرى لمبادئ الإسلام ومقاصده، بل ينسجم ويتوافق معها روحا ومضمونا وبينوا في فتاواهم : ( أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه هو عمل جائز، لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية عند المأخوذ منه ، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه، وهو عمل مشروع وحميد. وذكروا أن نقل الأعضاء على ثلاثة أنواع:
1 – نقل عضو من إنسان حي أو ميت لإنسان آخر.
2 – نقل عضو من حيوان لإنسان.
3 – زرع أعضاء اصطناعية في إنسان.
واشترطوا لذلك شروطاً شرعية وطبية وصحية، ويمكن تلخيص هذه الشروط فيما يلي:
1- أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية، لأن القاعدة الشرعية :
- أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وهو محرم شرعا.
2- أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع، دون أي إكراه مادي أو معنوي.
3- أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
4- أن يكون نجاح كلٍ من عمليتي التبرع والزرع محققا في العادة أو غالباً ،
ويكون الجواز بطريق الأولوية في الحالات التالية.
أ – أحذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان حي مضطر إليه، بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً وقد أذن بذلك في حياته.
ب – أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
ج – أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع موضع آخر من جسمه.
د – زراعة الأعضاء الاصطناعية في الإنسان مثل القلب وغيره.
ملاحظات:
يحرم تحريماً باتاً:
1 - زرع عضو مفرد تتوقف عليه الحياة كالقلب، والكبد، من إنسان حي إلى آخر، لأنه يفضي إلى هلاك المتبرع.
أما الأعضاء التي يوجد لها نظير في الجسم كالكليتين، فيجوز نزعها بشرط أن يكون العضو المتبقى سليماً وقادراً على القيام بالوظيفة.
2- زراعة الخصية والمبيض، لأن هذه الأعضاء تحمل الصفات الوراثية ويؤدي زرعها إلى اختلاط الأنساب. وهو ممنوعُ شرعاً.
3- يحرم بيع الأعضاء البشرية، لأن أعضاء الإنسان ليست سلعة تباع وتشترى. فهذا يتنافى مع كرامة الإنسان وحرمته.
والله تعالى أعلم.
[/align]