حكايةُ الهِمْيَان

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    حكايةُ الهِمْيَان

    حديثُ الهِمْيَان
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 4026

    #2
    حديثُ الهِمْيَان

    حديثُ الهِمْيَان

    عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر ولعلي رضي الله عنهما:
    إِذَا أَتَاكُمَا اللَّهُ بِهَدِيَّةٍ بِلا مَسْأَلَةٍ ، وَلا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ ، فَاقْبَلاهَا ، وَلا تَرُدَّاهَا ، فَتَرُدَّاهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَهِيَ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى والهدية لمن حضر " .

    *****
    قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطْبَرِيُّ:
    كُنْتُ بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمَائَتَيْنِ، فَرَأَيْتُ خُرَاسَانِيًّا يُِنَادِي: مَعْاشَرَ الْحُجَّاجِ، مَنْ وَجَدَ هِمْيَانًا فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ يَرُدُّهُ عَلَيَّ، أَضْعَفَ اللَّهُ لَهُ الثَّوَابَ.

    فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَبِيرٌ مِنْ مَوَالِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: يَا خُرَاسَانِيُّ، بَلَدُنَا فَقِيرٌ أَهْلُهُ، شَدِيدٌ حَالُهُ، أَيَّامُهُ مَعْدُودَةٌ، وَمَوَاسِمُهُ مُنْتَظَرَةٌ، لَعَلَّهُ يَقَعُ بِيَدِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ يَرْغَبُ فِيمَا تَبْذُلُهُ لَهُ حَلالاً يَأْخُذُهَا، وَيَرُدُّهُ عَلَيْكَ.

    قَالَ الْخُرَاسَانِيُّ: يَابَا، وَكَمْ يُرِيدُ ؟ قَالَ: الْعُشْرَ، مِائَةَ دِينَارٍ.

    قَالَ: يَابَا، لانَفْعَلُ، وَلَكِنْ نُحِيلُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    قَالَ: وَافْتَرَقَا.

    قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطْبَرِيُّ: فَوَقَعَ لِي أَنَّ الشَّيْخَ صَاحِبَ الْقَرِيحَةِ الْوَاجِدُ لِلْهِمْيَانِ، فَاتَّبَعْتُهُ، وَكَانَ كَمَا ظَنَنْتُ، فَنَزَلَ إِلَى دَارٍ مُسْتَفِلَةٍ خَلِقَةِ الْبَابِ وَالْمَدْخَلِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا لُبَابَةُ.

    قَالَتْ: لَبَّيْكَ أَبَا غِيَاثٍ.

    قَالَ: وَجَدْتُ صَاحِبَ الْهِمْيَانِ يُنَادِي عَلَيْهِ مُطْلِقًا، فَقُلْتُ لَهُ: قَيِّدْهُ بِأَنْ تَجْعَلَ لِوَاجِدِهِ شَيْئًا، فَقَال: كَمْ ؟ قُلْتُ: عُشْرُهُ، فَقَالَ: لا، وَلَكِنْ نُحِيلُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَيَّ شَيْءٍ نَعْمَلُ، وَلَابُدَّ لِي مِنْ رَدِّهِ ؟ قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ لُبَابَةُ: نُقَاسِي الْفَقْرَ مَعَكَ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً ! وَلَكَ أَرْبَعُ بَنَاتٍ، وَأُخْتَانِ، وَأَنَا وَأُمِّي، وَأَنْتَ تَاسِعُ الْقَوْمِ ! فَأَشْبِعْنَا وَاكْسُنَا، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُغْنِيكَ فَتُعْطِيَهُ، أَوْ يُكَافِئَهُ عَنْكَ وَيَقْضِيَهُ.

    فَقَالَ لَهَا: لَسْتُ أَفْعَلُ، وَلاأَحْرِقُ حُشَاشَتِي بَعْدَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً.

    ثُمَّ سَكَتَ الْقَوْمُ، وَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ عَلَى سَاعَاتٍ مِنْ نَهَارٍ، سَمِعْتُ الْخُرَاسَانِيَّ، يَقُولُ: مَعَاشِرَ الْحُجَّاجِ، وَوَفْدَ اللَّهِ مِنَ الْحَاضِرِينَ وَالْبَادِينَ، مَنْ وَجَدَ هِمْيَانًا فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَرَدَّهُ، أَضْعَفَ اللَّهُ لَهُ الثَّوَابَ.

    قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ، فَقَالَ لَهُ: يَا خُرَاسَانِيُّ، قَدْ قُلْتُ لَكَ بِالأَمْسِ وَنَصَحْتُكَ، وَبَلَدُنَا وَاللَّهِ بَلَدٌ فَقِيرٌ، قَلِيلُ الزَّرْعِ وَالضّرْعِ، وَقَدْ قُلْتُ لَكَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى وَاجِدِهِ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَقَعَ بِيَدِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَامْتَنَعْتَ ! فَقُلْ: لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْهَا، فَيَرُدُّهُ عَلَيْكَ، وَيَكُونُ لَهُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانَيرَ سِتْرٌ وَصِيَانَةٌ.

    قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ: لانَفْعَلُ، وَلَكِنْ نُحِيلُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    قَالَ: ثُمَّ افْتَرَقَا.

    قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَمَا تَبِعْتُ الشَّيْخَ وَلاالْخُرَاسَانِيَّ، وَجَلَسْتُ أَكْتُبُ كِتَابَ النَّسَبِ لِلزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ.

    فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، سَمِعْتُ الْخُرَاسَانِيَّ يُنَادِي ذَلِكَ النِّدَاءَ بِعَيْنِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ، فَقَالَ لَهُ: يَا خُرَاسَانِيُّ، قُلْتُ لَكَ أَوَّلَ أَمْسِ: الْعُشْرُ مِنْهُ، وَقُلْتُ لِلأَمْسِ: عُشْرُ الْعُشْرِ، عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، أَعْطِهِ دِينَارًا: عُشْرَ عُشْرِ الْعُشْرِ، دِينَارًا وَاحِدًا مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ أَلْفٍ! يَشْتَرِي بِنِصْفِ دِينَارٍ قُرَيْبَةً يَسْقِي عَلَيْهَا الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ بِالأَجْرِ سَائِرَ نَهَارِهِ، وَبِنِصْفِ دِينَارٍ شَاةً يَحْلِبُهَا، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ لِعِيَالِهِ غَدَاءً.

    قَالَ: يَابَا لانَفْعَلُ، وَلَكِنْ نُحِيلُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    قَالَ: فَجَذَبَهُ الشَّيْخُ، وَقَالَ: تَعَالَ خُذْ هِمْيَانَكَ، وَدَعْنِي أَنَامُ اللَّيْلَ، وَأَرِحْنِي مِنْ مُحَاسَبَتِكَ وَطَلَبِكَ ! قَالَ: فَقَالَ لَهُ: امْشِ بَيْنَ يَدَيَّ.

    قَالَ: فَمَشَى الشَّيْخُ، وَتَبِعَهُ الْخُرَاسَانِيُّ، وَتَبِعْتُهُمَا.

    قَالَ: فَدَخَلَ الشَّيْخُ، فَمَا لَبِثَ أَنْ خَرَجَ، وَقَالَ: ادْخُلْ يَا خُرَاسَانِيُّ.

    قَالَ: فَدَخَلَ، وَدَخَلْتُ.

    قَالَ: فَنَبَشَ تَحْتَ دَرَجَةٍ لَهْ مُزْبِلَةٍ، فَأْخَرَجَ مِنْهَا الْهِمْيَانَ أَسْوَدَ مِنْ خِرَقٍ بُخَارِيَّةٍ غِلاظٍ، قَالَ: هَذَا هِمْيَانُكَ ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا هِمْيَانِي! ثُمَّ حَلَّ رَأْسَهُ مِنْ شَدٍّ وَثِيقٍ، ثُمَّ صَبَّ الْمَالَ فِي حِجْرِ نَفْسِهِ وَقَلَّبَهَا مِرَارًا، وَقَالَ: هَذِهِ دَنَانِيرُنَا! وَأَمْسَكَ فَمَ الْهِمْيَانِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ، وَرَدَّ الْمَالَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، حَتَّى اسْتَوْفَى، ثُمَّ شَدَّهُ شَدًّا سَهْلاً، وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَقَلَّبَ خِلْقَانَهُ فَوْقَهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ.

    فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الدَّارِ تَأَمَّلَ الْخُرَاسَانِيُّ أَمْرَ الشَّيْخِ، فَرَجَعَ، وَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ، مَاتَ أَبِي إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرَكَ لِي مِنْ هَذِهِ ثَلاثَةَ آلافِ دِينَارٍ، فَقَالَ: أَخْرِجْ ثُلُثَهَا، فَفَرِّقْهُ فِي أَحَقِّ النَّاسِ عِنْدَكَ لَهُ، وَبِعْ رَحْلِي، وَاجْعَلْهُ نَفَقَةً لِحَجِّكَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، وَأَخْرَجْتُ ثُلُثَهَا: أَلْفَ دِينَارٍ، وَشَدَدْتُهَا فِي هَذَا الْهِمْيَانِ، وَمَا رَأَيْتُ مُنْذُ خَرَجْتُ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى هَهُنَا رَجُلاً أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ، خُذْهُ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ.

    قَالَ: ثُمَّ وَلَّى وَتَرَكَهُ.

    قَالَ: فَوَلَّيْتُ خَلْفَ الْخُرَاسَانِيِّ.

    قَالَ: فَغَدَا أَبُو غِيَاثٍ، فَلَحِقَنِي، وَرَدَّنِي بِجَذْبَةٍ، وَكَانَ شَيْخًا مَشْدُودَ الْوَسَطِ بِشَرِيطٍ، مُعْصَبَ الْحَاجِبَيْنِ، ذَكَرَ أَنَّ لَهُ سِتًّا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَإِذَا الْفَقْرُ وَالْجُوعُ أَنْهَكَهُ، فَقَالَ لِي: اجْلِسْ، فَقَدْ رَأَيْتُكَ تَتْبَعُنِي فِي أَوَّلِ يَوْمٍ، وَعَرَفْتَ خَبَرَنَا فِي الأَمْسِ وَالْيَوْمِ، وقد سمعتُ أحمدَ بنَ يوسفَ اليُربوعي يقولُ: سمعتُ نافعًا يقولُ: عن عبد الله بن عمر أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر و لعلي رضي الله عنهما: "إِذَا أَتَاكُمَا اللَّهُ بِهَدِيَّةٍ بِلا مَسْأَلَةٍ، وَلا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، فَاقْبَلاهَا، وَلا تَرُدَّاهَا، فَتَرُدَّاهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْهَدِيَّةُ لِمَنْ حَضَرَ". فسر معي .
    فسرت معه. فقال لي: "إنك لمبارك،وما رأيت هذا المال قط، ولا أملته قط، أترى هذا القميص؟ إني والله لأقوم سحرا فأصلي الغداة فيه، ثم أنزعه فتصلي فيه زوجتي وأمها، وبناتي، وأختاي، واحدة بعد واحدة، ثمألبسه وأمضي أكتسب إلى ما بين الظهر والعصر، ثم أعود بما فتح الله علي من أقط وتمر وكسيرات كعك، فنتداولُ الصلاةَ فيه".

    حتى إذا وصلنا إلى الدار نادى: "يالبابة يا فلانة وفلانة"، حتى جئن جميعا فأقعدني عن شماله؛ وحل الهميان وقال: "ابسطواحجوركم"، فبسطت حجري، وما كان لواحدة منهن قميصٌ له حجر تبسطه فمددن أيديهن، وأقبل يعد دينارا دينارا، حتى إذا بلغ العاشر قال: وهذا لك، حتى فرغ الهميان فنال كلَّ واحدة منهن مائةُ دينار ونالني مائةٌ.

    ولما أُذِّنَ بالمغرب، وحف نساء الشيخ بمائدة كموائد الناس، عليها الطيبات من الطعام، قال لامرأته: "أرأيت يا لبابة؟ إن الله لا يضيع أجر الصابرين، إن الله هو أرحم الراحمين، يا لبابة، لقد منعنا أنفسنا دينارا حراما، فجاءنا الله بألف حلال". <O</O
    وأكل الشيخ لقيمات، ثم قام ليخرج، فقالت له امرأته: "إلى أين يا أبا غياث؟"
    قال: "أفتش، فلعل في الناس فقيرا صائما، لا يجد ما يفطر عليه، فنشركه في طعامنا."

    قال مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطْبَرِيُّ: وقد نفعني الله بهذه الدنانير فتقويت بها، وكتبت العلم سنين، وعدت إلى مكة بعد ست عشرة سنة فوجدت البنات ملكات تحت ملوك، وعلمت أن الشيخ توفي بعد ما فارقته بشهور، فكنت أنزل على أزواجهن وأولادهن فأروي لهم القصة، ويكرمونني غاية الإكرام.<O</O

    وسألت عنهم بعد ذلك بأربعين سنة فعلمت أنه لم يبق منهم أحدٌ، رحمة الله عليهم جميعاً.<O</O
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

    تعليق

    • مصطفى الشاذلي
      عضو منتسب
      • Oct 2012
      • 134

      #3
      [size="6"]بارك الله فيك وحفظك من كل سوء[/size]

      تعليق

      • ahmed_allaithy
        رئيس الجمعية
        • May 2006
        • 4026

        #4
        وإياكم.
        د. أحـمـد اللَّيثـي
        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

        تعليق

        يعمل...